في سر الإفخارستيا، ماذا نتناول بالضبط، هل نتناول اللاهوت، أم نتناول الناسوت؟ ما هو أثر إعمال المنهج التحليلي على الإفخارستيا، وبالتالي انعكاس ذلك على حياتنا الروحية؟ في أربع نقاط أساسية يتناول الدكتور جورج حبيب – في شرح موجز – العلاقة بين سر الإفخارستيا وحياتنا في المسيح يسوع ربنا.
الإفخارستيا جسد ودم عمانوئيل إلهنا
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- الإفخارستيا من خلال شرح القربانة
المسيح هو خبز الحياة، هذه الحقيقة الفائقة هي جوهر سر الإفخارستيا. والخبز نفسه يعبر عن…
- الشخص والشيء والفكرة، وسر الإفخارستيا
لا شك أن بوادر النهضة التي قادها حبيب جرجس قد طرحت الكثير من الثمار، ولكنها…
- الإفخارستيا تكوٍّن جسد الكنيسة
يقول الرسول بولس "أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً" (1 كور 12: 27)، ولم يقل…
7 تعليقات
ما رأى دكتور بباوى فى الكتاب الجديد لحد ما
Stephen J. Davis. Coptic Christology in Practice —Incarnation and Divine Participation in Late Antique and Medieval Egypt
أليس ثروة كبيرة فى أفكار وممارسات الآباء سواء فى الصلوات أو الطقوس أو الرهبنة أو فكرة الحلول التى اندثرت للأسف – أراه كتابا يكاد يلخص أفكارك يا دكتور بتوثيق ضخم ومجهود كبير – ثم الا يستحق الترجمة ليزلزل الطاغوت المسيطر على الكنيسة حاليا؟
الإفخارستيا ، المأكل الحق والمشرب الحق
على ماذا يدل هذا الجدل الساذج حول الإفخارستيا ؟ هل نتناول الناسوت ، أم اللاهوت ، أم الناسوت مع اللاهوت ؟
إن دل ذلك على شيء فهو يدل على جهل عميق بثلاثة عناصر أساسية ، حاكمة ، في موضوع الإفخارستيا :
1- رمزية أركان وجودنا الحيواني ، العتيق ، في هذا العالم
لاشك أن الطعام والغذاء هو أحد أهم أركان وجودنا البيولوجي . والمعنى البسيط هو أن الأكل يعني الحياة البيولوجية ، الحيوانية . ولكن الطبيعة الإنسانية قد كشفت بعدا آخرآ لحدث الأكل ، فقد أصبح للأخير بعدا إحتفاليا ؛ فتكاد تتم أغلب المناسبات الإنسانية الإحتفالية على خلفية الولائم وشركة الأكل بين جميع المحتفلين .
إذن ، هناك معنيان أساسيان وراء الأكل والطعام : معنى الحياة والوجود ، ومعنى الشركة مع الآخر . ولكن حقيقة الصورة المعزولة للطعام ولحدث الأكل تفشل في تحقيق هذين المعنيين ، واقعيا ؛ فيظل الإنسان يأكل ولكنه في النهاية يموت ، ويظل الإنسان يشارك الآخرين طقس الطعام ولكنه في النهاية يبقى معزولا عن الآخر فلاتضمه به شركة كيانية حقيقية .
ولكن في الإفخارستيا يتحول المعنى إلى رمز يمتلئ في المسيح فيتكشف معنى الحياة والوجود كرمز للحياة الأبدية التي يتم نوالها في المسيح . ويتكشف معنى الشركة كرمز للشركة في حياة الكلمة المتجسد والشركة مع جميع أفراد الكنيسة القديسين الآخرين ، في الجسد الواحد الذي للمسيح .
الإفخارستيا هي شركة الحياة الأبدية في كيان المسيح المستوعب للكل . وفيما فشل الطعام المادي أن يحقق المعنى الذي يشير إليه – من وجود أبدي ومن شركة مع الآخر – فقد نجحت العضوية في المسيح ( بالإفخارستيا ) في تحقيقه ، لذلك فهي الطعام الباقي ، وهي الخبز الحي النازل من السماء ، هي المأكل الحق والمشرب الحق .
2- طبيعة وجودنا الروحاني ، الجديد ، في المسيح
الإنسان الجديد ، آدم الأخير ، الذي من السماء ، القائم من الموت والمنتصر على الفساد الطبيعي بفضل الكلمة الحال فيه هو – بحسب تعبير الرسول بولس في ( 1كو 15 ) – جسم روحاني ، عوضا عن الجسم الحيواني ، الترابي ، الذي من آدم الأول . ولم يكن ذاك مجرد جسما روحانيا حيا بل صار ” روحا محييا ” ، صار رأسا للوجود الروحاني ، الجديد ، عديم الفساد ، للإنسان . وفي الإفخارستيا تتدفق الحياة الروحية الأبدية من رأس هي الرب يسوع ، الابن البكر ، إلى جميع أعضاء الجسد . وبامتلاء وتكميل الحدث الإفخارستي يكتمل بنيان الكنيسة ، يكتمل بنيان جسد المسيح .
الأكل الإفخارستي ليس أكلا بالمفهوم البيولوجي بل هو ولوج إلى الوجود الروحاني الجديد في المسيح ، هو دخول إلى الطبيعة الجديدة عديمة الفساد القائمة من الموت . وفي الأكل الإفخارستي نحن نتجاوز ونتخطى ظاهر صورة الأكل البيولوجي الطبيعي إلى جوهر الحدث المحمول بقوة الرمز ، في الروح القدس ، إلى شركة الحياة الأبدية ، في المسيح .
في الإفخارستيا نحن نرتحل من صورة وجودنا العتيق إلى المسيح .
نحن نتحول إلى المسيح وليس هو الذي يتحول إلينا .
نحن لانبتلعه لنسكنه في بطوننا ، بل هو الذي يختطفنا لنسكن ونستوطن في جسده ، كأعضاء .
نحن لانجعله عتيقا مرة أخرى ، بتعاطينا البيولوجي معه ، بل هو يجعلنا جددا ، بتعاطيه الروحاني معنا .
نحن نتناوله ، أي نحن نصير إياه ، نصير مسيحا . هذا هو المأكل الحق والمشرب الحق .
3- طبيعة شخص المسيح
لم تذكر الأناجيل التي رصدت مشهد التأسيس الإفخارستي أن الرب يسوع قد أكل مع تلاميذه من الخبز أوشرب من الخمر اللذين قسمهما عليهم بعد تناولهم الفصح ، بل أنه بعد أخذ الخبز وكسره وقسمه عليهم قال لهم : ” خذوا ( اقبلوا ) كلوا . هذا هو جسدي ” ( مت26: 26 ) ،” هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم . اصنعوا ( أثمروا ) هذا لذكري ” ( لو22 : 19 ) . وأيضا أخذ الكأس قائلا : ” اشربوا منها كلكم ، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا “( مت26 : 27 ) .
وكأن لسان حال السيد : ” كما أخذت ( قبلت ) أنا في جسدي الخاص ، خذوا ( اقبلوا ) أنتم أيضا . فإن صنعتم هذا صرتم أعضائي وأنا صرت رأسكم ، فهذا الذي تثمرونه هو جسدي الذي يستوعبكم جميعا ”
وبالفعل قد كان جسد الرب يسوع التاريخي هو أول كيان بشري يعتمل فيه الحدث الإفخارستي ؛ فبتجسد الكلمة صار لجسده الخاص ، يسوع ، الحياة وعدم الموت بالقيامة من الأموات بفضل الكلمة الحال فيه ، فأكلت فيه الطبيعة البشرية وشبعت وامتلأت . ولكن هذا لم يكن نهاية الأمر فقد صار جسد الكلمة الخاص نبعا للحدث الإفخارستي الفائض على الجميع لكي مايصير لهم ملء ، فيه ” فقد رأينا مجده ،… مملوءا نعمة وحقا … ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ، …” ( يو1 : 14-16 ).
ولذلك فمن العبث الحديث عن تناول الناسوت . أي ناسوت ؟ إن ناسوت يسوع ، ذاته ، قد أكل وشبع وصار مصدرا لشبع الجميع .
وفقا للدقة اللاهوتية المطلقة لكلمات الإنجيل ، نحن نقول بأننا نأكل جسد المسيح . ونقول بأن الكنيسة هي جسد المسيح ، ولانقول بأننا نأكل جسد يسوع أو أن الكنيسة هي جسد يسوع . والفرق دقيق جدا وهام جدا ؛ فمعنى أننا نأكل جسد المسيح هو أننا نصير جميعا مشتركين في المسيح ، ذلك الكيان الكاثوليكي الذي يستوعب الجميع والذي رأسه هو الرب يسوع التاريخي . فيسوع هو خمير الإفخارستيا الذي بواسطته يختمر كل عجينها صائرا كنيسة ، صائرا مسيحا مستوعبا للجميع .
نحن نقبل من الرب يسوع كل مايملأنا ، وحينئذ نستطيع أن نملأه ، كشخص المسيح المستوعب للكنيسة .
نحن لانأكل ناسوت الرب يسوع التاريخي ، بل نأكل ونمتلئ حينما نتقبل الفيض الإفخارستي النابع منه والممتد فينا محققا انتماءنا إليه كأعضاء ، ومحققا – في ذات الحدث – انتماءه إلينا كرأس .
لقب الرب يسوع التاريخي بلقب ” المسيح ” . وشخص المسيح هو الشخص الإفخارستي ، هو الشخص الآتي الآن في البشر ، في الكنيسة . وإن كان الكلمة بتجسده قد أشبع جسده الخاص ، فمتى امتد هذا الشبع ، إفخارستيا ، إلى كل أعضاء الكنيسة – وامتلأ شخص المسيح بلملمة أعضاءه المشتتين في الزمان والمكان – استعلن شبع الجميع ، فيه . هذا هو المأكل الحق والمشرب الحق .
عندما نتناول فى سر الشكر نحن نتناول الذبيحه التى على الصليب التى لله الكلمه المتجسد ولسنا نتاول الاهوت فقط
سؤال لأستاذنا الدكتور جورج حبيب
إذا كان الأصل أن الرب يسوع المسيح هو المأكل الحق والمشرب الحق ، هو الطعام الحقيقي ، هو الخبز الحي النازل من السماء ، وإذا كان – أيضا – من المنطقي ، ومن اللاهوتي ،ومن البديهي ، أن المأكل لايأكل والمشرب لايشرب – وهذا واضح وجلي في النصوص الإنجيلية التي ترصد عشاء الرب الإقخارستي ، فلم نرى أي إشارة أو عبارة تفيد بأن يسوع قد تناول مع تلاميذه من الخبز والخمر – والسؤال هو : في ضوء ماسبق مامدى الدقة ( أو الصحة ) التاريخية لإشارة نص التأسيس الإفخارستي في القداس إلى أن الرب قد ذاق الخمر قبل أن يقدمه إلى التلاميذ ؟
أرجو من أستاذنا الدكتور جورج حيب التكرم بالإجابة على السؤال المنشور في التعليق رقم 4 على هذه الصفحة .
حول كلمات القداس الإلهي للقديس باسيليوس:
“وذاق وأعطاها أيضاً لتلاميذه ورسله القديسين … الخ”.
هل شرب الرب من كأس الافخارستيا؟
النص القبطي لقداس القديس باسيليوس يعتبر الأصل الذي اعتمد عليه التقليد البيزنطي (اليوناني). ولأن النص القبطي أقصر بكثير، ولأن المصطلحات اللاهوتية أقل، فهو يعود إلى عصر سابق للقديس باسيليوس، ولا تبدو من ملامحه القبطية أنه من صياغات القرن الرابع، بل قبل ذلك.
متى وأين وكيف، هي أسئلةٌ صعبة لا يمكن الإجابة عليها، ولكن وجود أسماء معلمي الإيمان مثل القديس باسيليوس هو بمثابة تأكيد وشهادة كنسية على صحة وأرثوذكسية الصلوات.
السؤال ذو دلالة هامة: هل ذاق الرب من كأس الافخارستيا؟ والجواب هو للقديس يوحنا ذهبي الفم في العظة 82 على انجيل متى (متى 26: 26 – 28). النص اليوناني مجلد 57 عامود 737 – 746 والترجمة الانجليزية في المجلد العاشر صفحات 491 – 497.
“المساء هو علامةٌ مؤكدة على كمال الزمان، وأن كل شيء يصل الآن إلى غايته أي نهايته. لقد شكر (الرب) لكي يعلِّمنا كيف نمارس هذا السر، وأنه جاء إلى آلامه دون تردد، وأيضاً لكي يعلمنا أنه مهما كانت آلامنا نحن، أن نشكر؛ لأننا (بالشكر) ننال الرجاء الأفضل. كان الرمز (فصح اليهود) هو التحرر من العبودية، فكيف لا يكون بالحري الحقيقة التي تحرر العالم والتي قُدِّمَت لكي تعطي ما هو أفضل للجنس البشري. ولذلك أضيف إلى ما ذكرت أن (الرب) لم يؤسِّس هذا السر قبل ذلك، بل عندما حان الوقت لأن تنتهي طقوس الشريعة. وكانت المناسبة هي العيد الأكبر الذي اختاره (الرب) لكي يضع نهايةً (لطقوس الشريعة)؛ لكي يؤسس – بعد إزالة طقوس الشريعة – المائدة الرهيبة التي عندها قال: “خذوا كلوا. هذا هو جسدي الذي يُكسر لكثيرين” … وها هو هنا يؤكد أنهم (الرسل) سمعوا من قبل ما يكفي عن آلامه، أمَّا الآن فهو يتكلم (الرب) عن سبب آلامه، أي “يرفع الخطايا” وهو يقول: “هذا هو دم العهد الجديد”، أي الدم الذي يبني الوعد بالشريعة الجديدة؛ لأنه هو الذي أعطى أيضاً الشريعة القديمة، ولكن الآن هذه الشريعة الجديدة هي شريعة العهد الجديد. وكما كان العهد القديم قائماً بذبائح من الغنم والثيران، هكذا العهد الجديد هو مبني على دم الرب.
وهو هنا يؤكد أن موته قريب جداً، وهذا هو السبب في أنه ذكر “العهد” لكي يذكِّرهم (الرسل) بالعهد السابق (القديم) لأنه كُرِّس بالدم. ومرةً ثانية يخبر عن سبب موته “الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا”، وهو (الرب) يضيف: “أصنعوا هذا لذكري”. كيف يبعدهم عن العادات اليهودية ويقربهم (إلى ما هو جديد). لأنه كما كنتم تصنعون هذا (الفصح) لذكر (المعجزات التي حدثت في مصر)، فالآن اصنعوا هذا لذكري أنا. ما حدث في مصر هو الدم الذي سفك لكي يفدي البكر، أما هذا فهو لغفران خطايا العالم كله؛ لأنه قال: “هذا هو دمي الذي يسفك لمغفرة الخطايا”، ولكنه قال هذه الكلمات مُعلناً أن آلامه وصليبه هو سر، وبنفس الكلمات يعزِّي تلاميذه، وكما قال موسى إن هذا “سيكون لكم ذكرى دائمة” (خروج 3: 15) فهو يقول (الرب) هذا لذكري حتى آجيء (1 كو 11: 26) كان قد قال: “شهوةٌ اشتهيت أن آكل هذا الفصح” (لوقا 22: 15) لكي أُسلِّم لكم الخدمة الجديدة وأن أعطي لكم الفصح الذي سوف يجعلكم روحانيين.
وهو نفسه شرب منه (الكأس) حتى اذا سمعوا كلماته لا يقولوا ما هذا؟ هل نشرب دماً ونأكل جسداً؟ ويقعون في حيرة، لأنه عندما كان يتكلم عن هذا قبل (الفصح) فالذين سمعوه عثروا عندما سمعوا ذات الكلمات (يوحنا 6: 60 – 61، 66) ولذلك حتى لا يقعوا في الاضطراب هو نفسه فعل هذا (أكل وشرب) لكي يقودهم إلى شركة هادئة في السر، ولذلك شَرِبَ دمه Drank his own blood.
وبعد أن أكد القديس يوحنا ذهبي الفم أن الرب شرب دمه الخاص به، وكان أول المتناولين، عاد إلى شرح كلمات الرب في انجيل متى (26: 29) “ولن أشرب من عصير الكرمة إلى ذلك اليوم حيثما أشربه جديداً في ملكوت أبي” (متى 26: 29) لأنه بعد أن شرح لهم آلامه والصليب هو يقدم لهم ما يخص قيامته لأنه أشار إلى “الملكوت” وقال لهم أن هذا الملكوت هو قيامته.
ثم يسأل القديس ذهبي الفم: “هل شرب بعد أن قام؟ وحتى لا يظن العديم الإحساس أن القيامة كانت مجرد ظهور؛ لأن (الحقيقة الأعظم) أوجبت هذا الاختبار الفائق الخاص بقيامته، ولذلك قال الرسل – “بعد أن أكَّد لهم قيامته – “نحن الذين أكلنا وشربنا معه” (أعمال 10: 41).
ويشرح كلمات الرب بعد هذا “ما هو الجديد؟ أي بما هو فائق؛ لأنني لن يكون لي جسد قابل للآلام، بل خالد وبلا فساد لا يحتاج إلى طعام. ومن أجل ضرورة تأكيد القيامة أكل وشرب بعد القيامة؛ لأن جسده لا يحتاج إلى طعام …”.
دم الرب الخاص به:
نحتاج إلى عودة آبائية تظهر فيها: منطق المحبة وبديهيات التدبير، وليس المنطق الإنساني الذي يساعدنا على حل الكثير من المشاكل وبديهيات الحس والإدراك الإنساني السليم الذي يقودنا إلى الخير والتمسك بما هو أفضل.
إن شئنا أن نعود إلى منطق المحبة حسب الإنجيل، فالقواعد الخاصة بمنطق المحبة قدَّمها الرب نفسه في تقديم حياته تقدُمة حرة (يوحنا 10: 18) وشرحها رسول الرب في (1 كو 13: 1 – 10). وبديهيات التدبير تعلو على كل ما هو بديهي. فقد وُلِدَ من عذراء لا تعرف رجلاً، ووُلِدَ ولادةً فائقةً بالروح القدس، وهذا ليس أمراً بديهياً، ولكن حسب التدبير يجب أن يأتي الروح القدس في بداية التدبير منذ اللحظة الأولى لكي يكون شريك الرب في تأسيس الخلاص. وهكذا كان الانبياء يولدون ثمرة زواج، أمَّا يسوع فقد وُلِدَ دون زواج. ويقول لوقا الإنجيلي: “ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع” (3: 21) ولكن الروح نزل على يسوع وحده، ومن السماء لم يشهد الآب إلاَّ عن الابن الحبيب.
وصُلِبَ الربُ ومعه لصين، ولكن صليباً واحداً جاء بالمصالحة. وعند الدفن “دُفِنَ في قبرٍ جديد لم يكن أحد قد وُضِعَ فيه قط” (لوقا 23: 52) وكما انفرد بالميلاد وانفرد بالمسحة، انفرد أيضاً بالدفن وبالقيامة.
هذه البديهيات الخاصة بالتدبير تجعلنا نصل إلى أحد هذه البديهيات، وهي تحول ناسوت الرب يسوع، وهو التحول الذي تم في مراحل تجسد الرب واتحاد اقنومه الالهي بالناسوت. كان من البديهي حسب التدبير أن ينمو الجسد حسب نمو كل الأجساد، وأن يحتمل الرب نمو جسده الخاص به، وهكذا وصل الاتحاد إلى الكمال بالموت والدفن والقيامة، فقد أُبيد من الجسد:
الضعف،
والألم،
والموت،
والفساد.
ولم تتم هذه الإبادة بالاتحاد وحده، بل بدخول هذا الاتحاد في طريق الضعف والألم والموت والدفن لكي يتحول الناسوت إلى ذات قوة لاهوت الكلمة وإلى مجد الكلمة وعدم فساد الكلمة ابن الله.
ولذلك – في جُرأة منطق المحبة – يقول القديس أثناسيوس: “بما أن كل البشر قد هلكوا بسبب مخالفة آدم، فإن جسده كان أول ما تم تخليصه وتحريره؛ لأن هذا الجسد هو جسد الكلمة نفسه” (ضد الأريوسيين 2: 61).
ويعيد القديس اثناسيوس نفس بديهية التدبير. اذا كان أول ناسوت تم خلاصه وتحريره من الفساد والموت هو ناسوت الرب، فمتى حدث ذلك؟ بالتأكيد على الصليب. كان الإنسان الأول آدم قد جاء بالخطية والموت، ولكن يسوع صار أول الطرق ways، لأن الطريق الأول كان خاصاً بآدم، وقد ضاع، وفيه انحرفنا إلى الموت بدل (الحياة) في الفردوس، وسمعنا القول: “إنك تراب وإلى التراب تعود” (تكوين 3: 19)؛ ولذلك السبب لبس كلمة الله محب البشر، الجسد المخلوق بمشيئة الآب؛ لكي يُحيي بدم نفسه (بدمه الخاص) هذا الجسد الذي أماته الإنسان الأول بسبب تعديه، كما قال الرسول: “وكرس لنا طريقاً حياً حديثاً بالحجاب أي جسده” (ضد الأريوسيين 2: 65).
هكذا يجب أن نفهم عبارة القداس الإلهي: “وذاق”، فهو آدم الجديد الذي جاء للحياة، وهو يتناول مع التلاميذ من ذات العشاء السري، لا لكي يبدد الخوف فقط، بل لكي يصبح الباكورة والأول في كل شيء مقدَّماً عن الكل في كل شيء (كولوسي 1: 18). وبالطبع لم يكن الرب قد تناول للغفران، تماماً كما اعتمد من يوحنا ليس للغفران، بل لإستعلان الثالوث. وأيضاً كما صُلب مع اللصين، لا لأنه تعدى الناموس أو قاوم سلطان روما، لقد تناول البكر وصار الأول في كل شيء: أول من وُلِدَ من الروح القدس، أول من مُسِحَ إلى الأبد، أول مَن غَفَرَ خطايا البشر قبل أن يُصلَب، أول من قام من الأموات ولا يسود عليه الموت. صار الرأس وصار هو نفسه الذي فدى جسده بدمه الخاص به، وهو نفسه تناول من ذات الكأس؛ لأنه صنع العشاء، وهو حسب الدعوة السمائية لا يقدم طعاماً لا يأكل هو منه، بل يأكل مع المدعويين.
علينا أن نرتفع إلى ما هو بديهي حسب التدبير، وأن لا نقع في حيرة منطق الحياة الإنسانية القادر على حل مشاكل كثيرة، ولكن أمام تدبير ومنطق المحبة، يجب أن ينال المنطق والقدرات العقلية استنارةً من روح يسوع.
المحبة تسبق كل ما يمكن أن تقوله الشريعة. وحتى هذه اللحظة وإلى أن يجيء الرب لا زال لدينا استعلان محبة الله التي بلا سبب؛ لأن المحبة التي لها سبب، حتى لو كان سبباً واحداً، هي محبة قد حدَّدها السبب، وحشرها في غايةٍ تريدها، أمَّا المحبة الإلهية فهي بلا سبب ولا يمكن ان تخضع لتحليل عقلي فلسفي؛ لأن هذه المحاولات باءت بالفشل عبر تاريخ الكنيسة.
=================
الأخ الفاضل مجدي داود:
سلام وتحية ومحبة واحترام ،،،
أرجو أن أكون قد أجبت على سؤال محبتك. وأرجو أن لا تكف عن الكتابة. فقد حرَّك الله قلبك وفكرك، فلا تسكت. ولا تخف من الهرطقة، فهي شبحٌ لا وجود له في حياتنا. جرأةُ المحبة هي في اقتحام الإنسان لسر المحبة بثقة يسوع المسيح ربنا.
سلام ومحبة لروحك …
د. جورج حبيب بباوي
علاقة الإفخارستيا بالتجسد تبدو ملتبسة بعض الشيء ، أو على الأقل تبدو غير متبلورة . وإنني أعتقد بأن هذه العلاقة ليست علاقة تراتبية تاريخية بل علاقة إتصالية ؛ فالتجسد والإفخارستيا متصل واحد(continiuum).
التجسد هو رأس ومنبع وباكورة الحدث الإفخارستي ، والإفخارستيا هي امتداد وافتراش استحقاقات التجسد في الكنيسة . والكلمة بتجسده قد أعطى جسده الخاص العتق من الفساد الطبيعي والخلود بفضل كونه جسده الخاص الشريك في حياته والصائرمعه شخصا واحدا يحققه الإتحاد الأقنومي بين الإله الكامل والإنسان الكامل .
وعليه فالإنسان يسوع قد أكل وشرب وشبع ، أي أعتق من الفساد الطبيعي ونال الخلود بفضل اتحاده أقنوميا بشخص الكلمة منذ أول لحظة للتجسد ، أي منذ أول لحظة من عمر الجنين يسوع في رحم أمنا العذراء مريم .
وهنا يجب أن نميز بين أمرين :
الأول : إن الدليل الوحيد الحاكم على حقيقة حدوث الإتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان في شخص الرب يسوع المسيح ، هو ظهور الإنسانية الجديدة عديمة الموت ، التي ظلت مستترة خلف الحجاب العتيق الفاسد بالطبيعة – الذي هو طبيعتنا نحن – والذي من المستحيل أن يرث عدم الفساد ، أو أن يتغير أو يتحول إلى عدم الفساد ، بل لابد له أن يجتاز الموت الذي هو مصيره الحتمي ، وحينئذ فقط يتم خلعه ، يتم شق الحجاب ليظهر ويستعلن الجديد المستتر – منذ أول لحظة للتجسد – في فجر الأحد وليكتمل التدبير بصعوده إلى السماء .
الثاني : إن محطات التدبير التي اجتازها الرب يسوع المسيح في كيانه الظاهر بدءا من الميلاد فالمعمودية فالصليب فالقيامة فالصعود ، هي مسارقد سلكه الرب لأجلنا ولأجل أن يرسم طريق خلاصنا . فهو لأجل أن يظهر انتصاره على الموت – بفضل كونه جسد الكلمة الخاص – كان لابد أن يجتاز اختبار التحدي الوحيد ، أي الموت ، وإذ ذك يستطيع أن يظهر نصرته الكائنة فيه منذ أول لحظة للتجسد ، أي منذ أول لحظة للإتحاد الأقنومي .
وهنا فإنني أبدي تحفظا – ربما لسوء فهمي ، على الأقل – على الاقتباس الآتي :
” هذه البديهيات الخاصة بالتدبير تجعلنا نصل إلى أحد هذه البديهيات، وهي تحول ناسوت الرب يسوع، وهو التحول الذي تم في مراحل تجسد الرب واتحاد اقنومه الالهي بالناسوت. كان من البديهي حسب التدبير أن ينمو الجسد حسب نمو كل الأجساد، وأن يحتمل الرب نمو جسده الخاص به، وهكذا وصل الاتحاد إلى الكمال بالموت والدفن والقيامة، فقد أُبيد من الجسد:
الضعف،
والألم،
والموت،
والفساد.
ولم تتم هذه الإبادة بالاتحاد وحده، بل بدخول هذا الاتحاد في طريق الضعف والألم والموت والدفن لكي يتحول الناسوت إلى ذات قوة لاهوت الكلمة وإلى مجد الكلمة وعدم فساد الكلمة ابن الله “.
. كيف لنا أن نفهم أن الإتحاد الأقنومي هو حدث تراكمي قد اكتمل على عدة مراحل ؟ هل ظل شخص الرب يسوع ( الكلمة المتجسد ) شخصا ناقصا إلى أن اكتمل بالقيامة ؟
. وأما لأنني أعتقد بأن ماقد ناله جسد الكلمة الخاص ، بفضل كونه جسد الكلمة الخاص ، قد ناله منذ أول لحظة للإتحاد الأقنومي ، فإنني أعتقد بأن منبع الحدث الإفخارستي ( أي تناول البشر طعام الخلود ) هو تحقق وجود رأس الإفخارستيا مستترا وملتحفا بعتيق يسوع في رحم العذراء .
. بتناول جسد الكلمة الخاص للحياة والخلود – بفضل كونه جسد الكلمة الخاص – قد صار ، هو ذاته ، طعاما للخلود يقدم ذاته للكنيسة ، حتى إذا ماانضمت إليه صائرة جسده ، وصائرا، هو ، رأسا لها ، اكتمل الحدث الإفخارستي الذي بدأ بظهور الرأس وانتهى باكتمال الجسد .
. في وليمة الدعوة السمائية يبدو الأمر عجيبا ؛ فصاحب الدعوة هو الوليمة ذاتها ، وهو قد صار وليمة بعد أن سبق فصار باكورة الآكلين ، ولأنه حيثما توجد الجثة فهناك تجتمع النسور .
————————————————-
أعتذر لأستاذي الدكتور جورج حبيب لتجاسري بالكتابة بهذا المستوى النقدي ولايمنعني هذا من رجائي الحار إليه للتعليق على هذا التعليق ، فهذه هي دالة تلميذ عند أستاذه .