قامت الأخت مريم سالم بالتعليق على مقال “مع المسيح من العلية إلى الجلجثة ومجد القيامة، ابتهالات قلب”، قالت:
“الابتهال حلو خالص من أعمق وأبسط الكتابات ف نفس الوقت بس لي تعليق على اخر جملة (فقد اصبح قتلنا افضل من الحياة مع وحوش لها اشكال البشر)
احنا المفروض اصحاب رسالة وسط الوحوش دي وعلينا مسئولية والسيد المسيح قال (لست اسال ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير) وعلى حد ما فهمت المعنى المقصود ف الابتهال غير (لي اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح ذاك افضل جدا) المعني الى وصلني ان فيه تأفف ونفور من الوحوش”.
وإلى الأخت مريم سالم أقول:
لا عتاب على جيل شبكة المعلومات الذي يغرق كل يوم في طوفان الكلمات والأفكار وأصبح له رد فعل سريع، وُلِد من نفس سرعة تدفق المعلومات، ليس فقط يومياً بل كل ساعة.
المقطع الذي كُتب تحت عنوان “ابتهالات قلب”، لم يكن يقدِّم الموت كنصيحة أو طلب، بل تحدَّث عن “شهداء المنيا راكعين مثل حملان …”، هؤلاء أعادوا إلينا روح الاستشهاد الذي كادت أجيال شبكة المعلومات أن تراه أو تعرفه على أنه فكرة.
فأمَّا كلمات الرب يسوع: “لست أسأل أن تأخذهم من العالم”، فقد تمَّت فعلاً؛ لأن مجمع اليهود لم يقتل إلَّا الشهيد يعقوب، وأنقذ الرب بطرس، وبهذا ظلَّ الشهودُ أحياء. أمَّا عبارة رسول المسيح بولس: “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح”، هي طلبة مَن رأى السماء الثالثة، وبالتالي لا علاقة بين العبارتين.
أتمنى على الأخت مريم سالم مراعاة: المناسبة التي قيل فيها أي كلام إلهي في الأسفار، وأيضاً مراعاة الهدف. أتمنى أن لا يؤخذ جزءٌ من مقطعٍ لمجرد تسجيل اختلاف، أو لمجرد كتابة رد، بل يجب أن نقرأ كل شيء بعناية وبدقة؛ لأن سرعة رد الفعل لا تساعدنا على الفهم وكثيراً ما تقود إلى أخطاء يقود إليها رد الفعل.
عبارة “أصبح قتلنا أفضل من الحياة مع وحوش لها أشكال البشر”، عبارة تعني أن الموت أفضل من فرض الإسلام بالقوة والسيف؛ لأن السيف ليس دليلَ صحةٍ على شيء مهما كان هذا الشيء. وفرض الإيمان بالقوة أو بالقتل معناه أن نفقد حريتنا التي لا يؤمن بها الوحوش المفترسة التي ينسبون ما فيهم من وحشية إلى الإسلام.
ما علقت به الأخت الفاضلة مثالٌ -كما قلنا- على رد الفعل السريع وعدم التروي، يجعلني أسوق مثالاً آخر صارخاً وموجعاً جداً، جاء أيضاً كردٍّ سريع، فقد اعتبر أحد القراء أن نمو إنسانية المسيح من الميلاد إلى الصعود، هو نموٌّ في الاتحاد، وإن ذلك -كما قال هذا القارئ- هو بشكلٍ أو بآخر، يتقاطع مع النسطورية. ولكنه لم يوضح لنا ما هو هذا الشكل؟ وما هو الآخر. ولم يتذكر أن اتحاد اللاهوت بالناسوت هو موضوعٌ مرفوضٌ لفظاً ومعنى عند كل النساطرة.
وذهب قارئ آخر إلى أن آلام المسيح كانت بحسب ما رآه البشر، كانت ظاهرية أما هو في الباطن لم يتألم، بل لم يمت. وقد تعذَّر الرد على هذا القارئ لأنه أحد ضحايا شبكة المعلومات. الرب أخذ الطبيعة الانسانية الساقطة -ما عدا الخطية- لأنه هكذا لخَّص أثناسيوس تجسد الكلمة في أن الرب أخذ طبيعةً قابلةً للموت. وطلبت من هذا القارئ أن يدرس كتاب تجسد الكلمة، فجاء رده بأن المسيحية “ليس فيها فقه”، أي أنه تحاشى الموضوع الأصلي.
التجسد لم يكن تمثيليةَ شخصٍ أخذ طبيعة لها شكل البشر وهي ليست بشرية، تعيش حياةً ظاهرة وتخفي حياةً باطنة. الأمر الذي يعني ضياع الإيمان بالتجسد، إذ لم يشاركنا الابنُ “اللحم والدم” (عب 2: 14)، ولم يجرَّب مثلنا في كل شيء، بل كان يتظاهر، ثم الأسخف، أنه لم يمت ولم تنفصل نفسه عن جسده. ويدَّعي هذا القارئ أن نفس المسيح لم تنفصل عن جسده، فكيف إذن مات؟ ومَن هو الذي صرخ وقال: “في يديك استودع روحي”؟ وما هو مغزى “السبت الكبير” ونزول الرب بنفسه الإنسانية إلى الجحيم، وفي ادعاءاته هذه يحشر اسم كل من أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير. وكان جدير به أن يقرأ، ولو بسرعة، الرد على الأريوسيين 3: 54 “حتى أن بوابوا الجحيم لما شاهدوه ارتعبوا”، وهو نفس ما تذكره الابصلمودية السنوية بالحرف، بل كان عليه أن يقرأ في عظة عيد القيامة لذهبي الفم: “ولذلك ليس لدينا في الحقيقة أيقونة قيامة، بل هي “سبي الجحيم”، وقد ذكره بولس (أف 4: 8-10 – 1بطرس 3: 18-22)، وفي شرح نبوة زكريا الفصل 3 ص 47 يقول كيرلس الكبير: “عاد المسيح إلى الحياة بعد أن سبى الجحيم لأنه كان من المستحيل على من هو الحياة أن يقع تحت قوة الموت (أع 2: 4) وهؤلاء الأسرى الذي أطلق الرب سراحهم من الهاوية (فصل 3 ص 192).
ليست المشكلة هي جمع النصوص، بل المشكلة هي إنكار الموت، وبقاء قوة الجحيم؛ مما دفع قس انجليكاني لكي ينشر رسالة الدكتوراة عن إفرام السرياني بعنوان: “مبارك الذي أتى بآدم من الهاوية”.
Thomas Buchan, Blessed is He who has brought Adam from Sheol, 2004. ISBN 1-59333-228-9.
إذا لم يكن للربِّ حبٌّ حقيقيٌّ للبشرية الساقطة، فمتى أحبنا الرب؟ الذين أنكروا من المتطرفين الإنجيليين تجسد الابن بذات طبيعة آدم الساقطة كانت لديهم خلفية لاهوتية معينة، وهي أن الابن جاء فقط لكي يقدِّم ذاته ذبيحةً نقيةً طاهرةً، ولذلك ولِدَ بإنسانيةٍ ليست مِنّا نحن البشر. هذا الهراء يعني أنه في حقيقة الأمر مات عن ولأجل بشرٍ أطهار، في حين أنه أمات الخطية في الجسد بالموت. وقَبِلَ الموت لأن له طبيعة البشر.
حتى د. سامح موريس قال في عظةٍ له إن اللاهوت انفصل عن الناسوت على الصليب، ثم عاد وصحح نفسه بعد اعتراض أرثوذكسيين عليه.
واللاهوتي الالماني المشهور Moltmann يقول إن كلمة الرب “في يديك استودع روحي” هي إعادة الروح القدس للآب. هذا محضُ خيالٍ؛ لأن الروح هو مسحة يسوع الذي صار المسيح، أي الممسوح، فلو كان الروح القدس قد فارق يسوع، لَمَا عاد يسوع هو المسيح؛ لأن هذه مسحة أبدية.
مزيد من التدقيق والتروي:
أطلب من جميع الأخوة التدقيق والتروي ومراعاة مناسبات النصوص، والتحقق أولاً من أن يكون الهدف من التعليق أو الرد واضح في ذهن القارئ. هل هو مجرد تسجيل اعتراض لكسب الشهرة، أم لمجرد المعارضة، وإلا يكون قلبه يحتاج إلى تنقية للبحث عن سبب حقيقي للاعتراض.
ثانياً: هل دراسة مقال أو أكثر هي للبحث عن خطأ، وكأن المقال تم حصره في سطر أو أكثر؟ هذا هدفٌ شرير؛ لأن ترصُّد الأخطاء هو عمل شيطاني تسلل إلينا بشكلٍ رهيب عندما ادَّعى بعضهم وجود أخطاءٍ اختلقوها في كتب الأب متى المسكين، عندما اقتطعوا عبارات متناثرة، قُطِعَت من سياق الشرح، وكانت تختلف مع التعليم الشعبي السائد. والمثال الصارخ على ما نقول، هو ما قاله معارض شهير من أن عبارة “بيت لحم مسقط رأس البشرية المفتداة” تعني أننا وُلِدنا من العذراء مريم مثل الرب. هكذا وصل الاعتراض إلى درجة من الجنون مصدره الحنق والعداوة. فالعبارة لا تعني ما قال هذا المعارض أنها تعنيه، إنما آدم الثاني وُلِدَ في بيت لحم لكي يبدأ بميلاده، ميلاد الخلقة الجديدة.
تعليق واحد
شكرا يادكتور على الاهتمام والرد