إن ما حدث من تحولٍ في البنية العقلية والروحية طوال نصف القرن المنصرم من تاريخنا المعاصر، يحتاج إلى وقفةٍ مع النفس، ليس للإشارة إلى أخطاءٍ وخطايا، بل لتحديد ووصف هذا التحول ذاته؛ ذلك أن سمات المستقبل تكشف عن نفسها لمن يريد أن يراها، فهي، وإن كانت سابقًا في رحم الماضي، إلا أنها ولدت في الحاضر، وأصبح شكل المولود معروفًا الآن، وليس عسيراً معرفة ما سيكون عليه في قابل الإيام؛ لأن مَن وُلِد بعجزٍ بدنيٍّ كمن وُلِد بدون ساقين، لن يكون في يوم من الأيام بطلاً في المصارعة، أو العدو، ولكنه قد يتفوق في السباحة أو الرماية .. إلخ.
من رحم الماضي وُلِدت اتهاماتٌ ظلت تُردد طوال سنوات دون فحصٍ، ودون بحث. وقد كانت هذه الاتهامات ولا تزال بمثابة الضباب الكثيف الذي حجب رؤية أناسٍ كثيرين. وكانت نتيجة انتشار هذه الاتهامات ودخانها الخانق، أن وُلِد الاحجامُ عن الحوار، وتوقفت مجلات كانت لها رسالة في كشف العوار، وحلَّ صمتُ مَن يُراقِب منزله وهو يُسرَق، عاجزًا حتى عن الاتصال بالشرطة، واكتفى بأن يهتم بخلاص نفسه، وساد فهمٌ خاطئٌ لكلام الرب: “لا تدينوا”؛ في حين أن الإدانة المقصودة في سياق القول نفسه هي رفض اليهود لتعليم الرب، واستدعاء الشريعة الموسوية لتحكم على هذا التعليم بالبطلان لأن قائله يشفي في السبت ويأكل مع الزناة والخطاة، أي الذين يكسرون وصايا الشريعة.