صلواتنا هي شهادتنا لمن يريد أن يعرف حقيقة إيمان أم الشهداء الكنيسة القبطية الإرثوذكسية. مَن يريد أن يغلق عينيه في نور الشمس الساطعة وينكر نورها وحرارتها لا يحتاج إلى برهان، بل هو في حاجة إلى عقلٍ وضمير ينقله من ظلام البغضة إلى نور الحقيقة.
إن شهادة الكنيسة القبطية لا تحتاج إلى تدوين، ولكننا أمام هجوم أحقاد نامت تحت غبار التاريخ، ثم بُعِثَت من جديد لأسباب غير لاهوتية بالمرة، نضع تحت أعين الجميع، وعلى الأخص الذين هم في حاجة إلى عقلٍ وضمير ينقلهم من ظلام البغضة إلى نور الحقيقة، نورد -في إيجاز- بعضاً من الصلوات التي تؤكد زيف هذا الاتهام:
أولاً: شهادة القداس الباسيلي
يعرف أخوتنا الروم الأرثوذكس أن قداس القديس باسيليوس القبطي هو ذاته قداس القديس باسيليوس اليوناني. وأن ما أُضيف إلى النص اليوناني يؤكد قِدم الأصل القبطي، كما أن النص القبطي نفسه يؤكد وجود أصل يوناني سكندري للقداس.
هل يعبِّر هذا القداس عن إيمان الكنيسة بأن المسيح يسوع ربنا واحدٌ من طبيعتين؟
والجواب القطعي والنهائي الذي لا جدال عليه هو: نعم بكل يقين. والسؤال: كيف؟
1- يبدو ذلك واضحاً في تلاوة قانون الإيمان بنفس الألفاظ، ونفس الترتيب التاريخي لدينا ولدى كنائس الروم الأرثوذكس، وهو الاعتراف الأرثوذكسي الذي لا يعلو عليه اعترافٌ آخر، فالتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، والصلب والقيامة، هي عقائد غير أوطاخية.
ولكن إن كان هذا لا يكفي، ماذا غير ذلك؟
تقول صلاة الصلح: “والموت الذي دخل إلى العالم … هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح“. وإن كان هذا المقطع من الصلاة غير حاسمٍ ويقبل التأويل، فما يأتي بعد ذلك حاسمٌ تماماً: “هذا الذي من الروح القدس، ومن العذراء القديسة مريم تجسَّد وتأنَّس“. والكلمة “تجسد” كلمة عامة، ولكن الكلمة “تأنس” تنفي بدعة أبوليناريوس الذي أنكر وجود نفسٍ عاقلة في الرب المتجسد. ويجيء بعد ذلك: “أسلم ذاته فداءً عنا إلى الموت“، وإذا بدت هذه العبارة ملتَبسة عند المعاندين، فما يأتي بعدها مباشرةً قاطع في دلالته: “وقام من الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السموات“.
2- استعلان جسد ودم ربنا يسوع المسيح
أليست هذه هي كلمات التقوى الأرثوذكسية:
“ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى” (1 تيمو 3: 16).
وبعد أن نستلم عشاء الرب يسوع الجالس معنا والذي أخذ الخبز وشكر وبارك وقدس، وكذلك الكأس قائلاً: هذا هو جسدي – هذا هو دمي … فهل هذه كلمات أوطاخية مونوفيزية تنكر ناسوت الرب؟
عيب.
ألا تكفي كلمات صلاة استدعاء الروح القدس لكي يحول الخبز والخمر إلى جسد ودم ربنا يسوع المسيح؟
“هذا الخبز يجعله جسداً مقدساً له.
وهذه الكأس أيضاً دماً كريماً للعهد الجديد ….“.
ثم، إذا كان الرب قد اقتنى الكنيسة بالدم الكريم، والإشارة هنا إلى أع 20: 28، وإلى كأس سر الشكر، فهل هذه أوطاخيةُ مَن قال إن الناسوت ذاب في اللاهوت مثل قطرة عسل في بحر من الماء؟
3- وأخيراً عند التناول يقول الكاهن: “جسد مقدس ودم كريم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا آمين. جسد ودم عمانوئيل إلهنا (الإله المتجسد)”، هذا هو بالحقيقة آمين“.
ولعل صلاة الاعتراف: “هذا هو الجسد المحيي الذي لابنك الوحيد … أخذه من سيدتنا كلنا والدة الإله، وجعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاطٍ ولا امتزاجٍ ولا تغيير“. أليست هذه الكلمات: “بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير“، هي ذات كلمات اعتراف آباء مجمع خلقيدونية في 451م؟
“وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة … لاهوته لم يفارق ناسوته“.
ماذا نقول أكثر من ذلك؟!!!
ثانياً: القداس الغريغوري ليس أوطاخياً كما يدَّعي البعض
عندما كنت أدرس الليتورجيات، أفزعني الهجوم على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وجاء أستاذٌ من ألمانيا وقال إن القداس الغريغوري هو قداس مونوفيزي ..
وسألته: ماذا عن هذه العبارات:
“أخذت شكل العبد …
بذلت ظهركَ للسياط …
أتيت إلى الذبح مثل حملٍ حتى إلى الصليب
قتلت خطيتي بقبرك … إلخ أليس هذا اعترافٌ بالتجسد والصلب والقيامة؟ ثم ذات استعلان السر في القداس الباسيلي: “هذا الخبز تجعله جسداً مقدساً …، وهذه الكأس دماً كريماً للعهد الجديد الذي له“.
وقرأت بالقبطية بصوتٍ عالٍ: “يا الله الذي أسلم ذاته عنا خلاصاً من خطايانا …. يا الذي بارك في ذلك الزمان … يا الذي أعطى تلاميذه القديسين ...”.
ثم
“مباركٌ أنت أيها المسيح إلهنا … الذي من قِبل تجسدك غير المدرَك أعددت لنا خبزاً سمائياً جسدك المقدس، هذا السري والمقدس في كل شيء ومزجت لنا كأساً من كرمة حقيقية التي هي جنبك الإلهي غير الدنس“.
“جسد مقدس ودم كريم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا آمين“.
“مقدسٌ وكريم جسد ودم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا“.
“جسد ودم عمانوئيل إلهنا هذا هو بالحقيقة آمين“.
وصلوات القسمة، وهي ترتيب الإسكندرية، ومعروفة في مصر فقط، وغير معروفة عند الروم، تسير في ذات الاتجاه اللاهوتي، ولعل أبلغ هذه الصلوات هي قسمة سبت الفرح، حيث تشير إلى “الخروف الذي سيق إلى الذبح … جُرِحتَ لأجل خطايانا … أنعمت لنا بشجرة الحياة التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“.
ثم قسمة عيد القيامة:
“هذا هو الجسد الذي أخذه من سيدتنا … مريم … هذا الذي نزل إلى الجحيم، ونحن الجلوس في الظلمة زماناً أنعم علينا بنور قيامته من قِبَلِ تجسده الطاهر“.
أخيراً:
الاعتراف بالجسد الحقيقي والدم الحقيقي، ويسبق ذلك الاعتراف بالتجسد والتأنس، ثم تحول الخبز والخمر إلى جسد ودم عمانوئيل … في كل مرة يذكر فيها الكاهن القبطي الجسد والدم، يجب أن ننحني لاعتراف أم الشهداء بالإيمان الحسن الأرثوذكسي، وغير ذلك هو لغو الكراهية.
غفر الله لكل ابنٍ عاقٍ اعتدى على أمه الكنيسة القبطية، فعايرها -ظلماً- بما ليس فيها. ولهؤلاء نقول: مهما ظلمنا بعض الإكليروس، فهولاء ليسوا هم الكنيسة القبطية، ومهما قالوا من جهلٍ في اجتماعات عامة وخاصة، فهولاء ليسوا 1900 سنة من تاريخ كنيسة عريقة لا يمثلها الأنبا شنودة ولا الأنبا بيشوي اللذين نطلب لهما الغفران والرحمة.
دكتور
جورج حبيب بباوي
مارس 2014