عندما ينتصر جمع وحشد الناس ضد ما هو مسجَّل ومدوَّن في التاريخ الذي امتد قرابة ألفي سنة، ويأخذ المجتمعون قرارات ضد التاريخ، وضد ما هو ثابت وأصيل، فيجب أن نكون على يقين من إن الصراع الفكري لم يسبق له أن حُسِمَ، ولن يحسم بعدد الناس، ولا بالمقالات الساخرة الهزلية التي يتداولها ضعاف العقول على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا هدف لها إلا تقسيم المجتمع الكنسي إلى عصابات مع أو ضد.
الجهل لا يخيف، والسخرية من حقائق ثابتة في التاريخ لا تحرك مشاعر الغيظ، والاتهامات مهما تنوعت، لا يمكن أن يكون لها قوة الإقناع إلا عند العصابات التي ترتزق من التجارة بالعقائد وتشعل الصراعات في داخل الكنيسة على أمل أن تجمع أكبر عدد من رعاعٍ يهتفون ويهللون.
هكذا تسير موجةُ حقدٍ لتضرب أول مجلة علمية دراسية تنشر ما هو رصين وجدير بالاحترام باسم “مدرسة الإسكندرية”. ومحاولات قتل الأب الراهب سارافيم البرموسي لن توقف عجلة البحث.
عندما سُئل موشي ديان عن كيف طبق خطة حرب العدوان الثلاثي 1956 في حرب 1967 قال عبارةً قاسيةً جداً: “العرب لا يقرأون التاريخ وإن قرأوه لا يفهموه”. وهنا أستعير عبارة موشي ديان رغم قسوتها وأقول لمن يدبِّر محاولة عزل الأب سيرافيم، والأب أثناسيوس، والأسقف أنجيلوس، وغيرهم من قائمة تضم 19 اسماً مع صورهم، أقول لهم أنتم لا تقرأون التاريخ، وإن قرأتموه لن تفهموه. في موكب الجهل تسيرون تتقدمكم عمائم كان من المفروض أن تحتل مكانة القدسية والاحترام والأبوة، ولكنها أصبحت تتزعم شق وحدة الكنيسة، وتبحث عن زعامة سياسية ضاعت، وليس لها أي رصيد معرفي يؤهِّلها للقيادة، ولا يسندها تاريخ شخصي يجعلها في صفوف الأتقياء الشرفاء، وبهذا تكونون قد حققتم قول الرب: “أعمى يقود أعمى”.
– من قال وكتب أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقبل تعليم أوغسطينوس؟
– من وصف تأله الإنسان بأنه بدعة شمل أثناسيوس وكيرلس الكبير في اتهامه بالابتداع.
– من سبق أن وقف وراء ومنع كتاب أقوال مضيئة وهو أكبر تجميع لأقوال معلمي الكنيسة الجامعة.
– الحكم على تأله وليس تأليه الإنسان بأنه بدعة معناه أن الإنسان خالد بالطبيعة، وأن القيامة من الأموات هي حركة كونية ليس لها علاقة بقيامة المسيح، بل والأهم هو أن ذبيحة الإفخارستيا ليست سمائية، وليست إلهية، بل مائتة مثل كل عناصر الطبيعة في الكون.
أكتب هذه السطور تنبيهاً إلى أن الأنبا بيشوي، بكل ما يملك من أموال الفقراء والأيتام الذي ينفقه على مواقعه الأليكترونية، وعلى من يكتبون له، هو قائد حركة العودة إلى لاهوت العصر الوسيط الأوروبي، وهو بروتستانتي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حقائق تاريخية، ظهرت في نبذةٍ نشرها بعنوان “عقيدة الفداء والكفارة”، وأخيراً في مقال نشره على موقعه ووصل إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسية في العالم باليونانية والإنجليزية والعربية باسم “الحلول الأقنومي والاتحاد الأقنومي”.
التاريخ لن يرحم أحداً، بل سوف يسمع ويحكم، وحكم التاريخ هو دائماً خاصٌ بالمستقبل؛ لأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي كنيسة لها تاريخ معروف لا يمكن أن يختزل.
وأخيراً، الرجال وحدهم هم صانعوا التاريخ، أما الجبناء والرعاع، فإن الزمان يطوي حياتهم كما طوى صياح الذين قالوا: أصلبه أصلبه.
د. جورج حبيب بباوي