يمرُّ في هذه الأيام علينا عيد النيروز، وهو عيد بداية التقويم القبطي الذي اتَّخذ من استشهاد المصريين في عصر دقلديانوس بداية التقويم المصري المسيحي. وعندما يأخذ شعبٌ من الاستشهاد نقطةَ بدءٍ لتاريخه، فهو يعني أنه إنما يحمل رسالةً دائمةً لا تنقطع، مؤداها بذل الحياة من أجل التقدم، والبقاء في عالم تسوده التضحية أملاً في بقاء الإنسان حراً.
وعندما يهل علينا عيد الأضاحي، عيد الفداء متزامنا مع رأس السنة القبطية، عيد الشهداء، يتوجب علينا أن نتمعن في تلك المعاني التي يبدو وكأن الزمن يتعمد أن يضعها أمام أعين المصرين: التضحية من أجل حياةٍ أفضل. وهي بضعة من المعاني التي تغنَّى بها فنانونا وموسيقيونا الذين قدموا لنا أعمالاً رفيعة المستوى، ننتشي بها عندما نزيل عنها غبار الأيام.
تلك هي أعياد مصر كما ذكرها المقريزي المؤرخ، حيث كانت تخرج قناديل الإضاءة والسجاجيد من الكنائس إلى المساجد ومن المساجد إلى الكنائس مؤكدةً على أنه لم يستقر في ضمير أي مصري أن يحتفل بمناسبة دون أن يتشاركها مع شركاء الوطن.
هكذا كانت مصر في العصر الوسيط. وأتذكر في زمان الشباب حيث وُلدتُ ونشئت، أن كانت الحلوى وفطائر العيد تمر على كل منازل المسيحيين والمسلمين، في وقتٍ لم يكن فيه للجحود وإنكار الآخر والتهجم عليه مكانٌ.
تذكرت ما سجله المقريزي في عصره، عندما كانت إحدى الفضائيات تمرر فتوى تطلب من عمال البناء من المسلمين عدم الاشتراك في بناء الكنائس. وإزاء تلك الردة، أتساءل عن مصير مشروع قانون حماية الوحدة الوطنية الذي طلبه الرئيس السادات، وحالياً أتساءل عن قانون مكافحة التمييز الذي أوجب الدستور المصري على مجلس النواب انجازه في أسرع وقت كقطاف أولي لثورة الشعب في 25 يناير و30 يونيه. هل نترك تلك الأصوات الشاذة تحاول شق نسيج الشعب المصري بسكين التكفير دون مساءلة قانونية؟
أتمنى أن يكون لمصر عيد واحد نعيِّد فيه لشهداء مصر، ونحتفل فيه بالبذل والفداء الذي قدَّمه شعب مصر وقواته المسلحة والشرطة المصرية من تضحيات كان لها أعمق الأثر في صياغة تاريخ مصر، إن في العصر الحديث، أو فيما مر من عصور التاريخ.
كل عام والمصريون جميعاً بخير بمناسبتي عيد الأضحى وعيد النيروز، رأس السنة القبطية.
تحيا مصر
د. جورج حبيب بباوي