صدقني لا أكتب بكراهية أو حقد، وإنما بسبب تضييع الإيمان وتفريغه من محتواه الشخصي، أي الأقنومي. لأننا لا زلنا -كما يقول اشعياء- نعرج بين فريقين: فريق الشركة الشخصية وهو التسليم الرسولي، وفريق العلاقة غير الشخصية مع طاقة وقوة ونعمة .. إلى آخر كل ذلك من مفردات قُدِّمت لنا أصلاً واستُخدِمت لتوضح عمل أقانيم الثالوث؛ لأن رسول الرب، عندما يقول إن المسيح هو قوة الله وحكمة الله (1كو 1: 24)، فهذا ليس تحولاً في أقنوم الابن إلى قوة، بل هو يشير إلى عمل أقنوم الابن قوة الله الآب. إذن فنحن أمام طريقين لا ثالث لهما:
الطريق الأول: هو طريق الشركة الحقيقية في حياة الثالوث حسب وعد واستعلان الرب في آخر صلاة له (يوحنا ص 17)، وهي صلاةٌ يقدِّم فيها لنا الابن له المجد ذاته الإلهية، وهي ذات الابن الذي قدَّم ذاته في (يوحنا ص 6)، أي الخبز الحي النازل من عند الآب، والذي يصل فيه العطاء الإلهي الشخصي إلى حد قوله: “من يأكلني (أنا) فهو يحيا بي”. وقبل هذه الكلمات قال الرب: “كما أرسلني الآب وأنا حي بالآب فمن يأكلني فهو يحيا بي” (6: 57).
المحبة شخصية، أي أقنومية؛ لأن الآب يحب الابن، وهذه علاقة أقنومية (17: 24) وهو جاء إلينا متجسداً:
– “عرفتهم اسمك وسأعرفهم
– ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به
– وأكون أنا فيهم” (يو 17: 26).
فهل يمكن لمسيحي حقيقي يسعى إلى الحياة الأبدية هبة الله، أن يختار الطريق الثاني الذي تدافع عنه نيافتكم، وهو:
الطريق الثاني: لا شركة حقيقية فيه لنا في الأقانيم، بل في روح، وليس الروح. وفي طاقة وفي قوة، وما ذكرته هو لَعِبٌ بالمصير الأبدي المستعلَن في المسيح، والمعطى لنا بالروح القدس. ومَن يصمت على ذلك يكون مشتركاً معك ضد عمل الرب نفسه.
الطريق الثاني يعني أنه لا علاقة شخصية أي أقنومية.
– لا محبة حقيقية.
– لا حياة أبدية.
كلمتي “شخص، وأقنوم” لهما معنى واحد، وهو ما هو “مُعيَّنٌ” في الله، أي ليس ما هو عام، بل ما هو خاص مثل البنوة، وهي هنا ليست صفة، بل الابن نفسه له المجد فليس لدينا ابن + بنوة كما ذكرت؛ لأنه لا توجد “+”. لا توجد ثنائية؛ لأن الله ليس له طبيعة مركبة.
لأننا إذا كنا -حسب ما تذكر- لا ننال ذات روح الآب، بل روح قدس وطاقة وقوة، فنحن إذن لا شركة لنا في الثالوث نفسه، بل نشترك في آخر غير الثالوث. وإلا فعندما كتب الرسول بولس بأن “الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا صارخاً أبا أيها الآب” (غلا 4: 4-6)، يكون مخطئاً -حاشا. بل الخطأ والشر الأكبر، هو أن يطوِّح بنا تعليمٌ مزيَّفٌ بعيداً عن الله الثالوث.
الخوفُ من “التألُّه” هو الذي قادك إلى هذا الطريق الثاني الذي لا محبة فيه. وكأن رسول المسيح، وهو يعزي كل مسيحي قائلاً إن: “محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو 5: 5)، قد أخطأ هو أيضاً –حاشا. ولكن يجب أن تعلم وتنتبه إلى أنه لا توجد محبتين في الثالوث: محبة ثالوثية خاصة بالثالوث، ومحبة أخرى يقدمها الثالوث لنا؛ لأنه لو فعل ذلك لصارت هبة محبته خدعة وكذبة، وحاشا أن يكون الثالوث إلا ثالوث الحياة والحق الآب والابن والروح القدس.
الطريق الأول:
مرةً ثانيةً، نسأل ونحن نقترب من احتفالنا بالأسبوع العظيم، آلام الرب، صلبه المحيي وقيامته، ترى هل تجسد فعلاً الأقنوم الثاني، أم تجسدت قوةٌ وطاقة؟ إن لم يكن المتجسد هو ابن الله الذي سُرَّ أن يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كولو 2: 9)، وإن لم يكن هو ذاته الذي يحل فيه ملء اللاهوت، هو الذي أكمل التدبير “يحل فيه كل ملء” اللاهوت جسدياً وأنتم مملوؤن فيه .. وأنه به هو، أي (ذات الأقنوم)، ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد (ختان اليهود) بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أُقمتم أيضاً معه” (كولوسي 2: 10-11)، فما الذي يعنيه القديس بولس بما ورد في رسائله عن “مع المسيح”، و”الاتحاد بالمسيح”؟
– نملك معه (1كو 4: 8).
– متحدين معه أفسس (4: 16 – كولوسي 2: 2، 19).
– نحيا معه (2كو 7: 3).
– نتمجد معه (رو 8: 17).
– نقوم معه (أفسس 2: 6).
– أحيانا معه (أفسس 2: 5 – كولوسي 2: 13).
– دفنا معه (رو 6: 4 – كولو 2: 12).
– صلبنا معه (رو 6: 6 – غلا 2: 9).
فهل وردت أفعال مثل هذه للطريق الثاني؟ أبداً
لعلك الآن يا صاحب النيافة تفهم لماذا الحرص الشديد في الرد عليك.
كل عام وأنت بخير. المسيح الذي قام من الموت، يقيم كلا منا معه؛ لأننا بدونه ليس لنا قيامة، فهو “القيامة”، وهو “الحياة الأبدية”.
د. جورج حبيب بباوي