رداً على الأخوة: أنيس، ع. أ، ص. ج
أولاً: المسيح رب المجد كوسيط بين الله والإنسان كواهب للحياة
الحياة الجديدة هي حياة أبدية، والحياة الأبدية ليست صفة في أي كائن خُلِقَ من العدم. هبة الله لنا هي حياة أبدية، وبقية العبارة “في المسيح يسوع ربنا” (رو 6: 23)، هي في المسيح. حياة لا تنتهي لأنها حياة يسوع التي لم تنته، بل غلبت الموت على الصليب، وفاض من الرب حياةً عُبِّر عنها بالماء والدم من جنبه (يو 19: 34). والماء والدم كلاهما الإشارة الإلهية إلى المعمودية والإفخارستيا حسب شرح الآباء: كيرلس الأورشليمي – ذهبي الفم (تعليم الموعوظين).
ولذلك، الحياة الأبدية هي شركتنا الدائمة التي فاضت من الوسيط الذي يقدمنا إلى الآب لكي ننال الحياة الأبدية هبة الآب نفسه في ابنه يسوع المسيح.
ثانيا: المسيح يسوع كرأس الجسد الكنيسة
التدبير الإلهي يفوق كل الألفاظ؛ لأن الرب يسوع ضم كل المؤمنين إليه، وهذا يعني أننا أعضاء جسد الواحد غير القابل للانقسام لأننا “من لحمه ومن عظامه” (أف 5: 30)، وأيضاً: “أنتم جسد المسيح وأعضاؤه أفراداً” (1 كور 12: 27). هذه العلاقة الجديدة يعبِّر عنها الرب يسوع نفسه بأنه هو ذاته الكرمة ونحن الأغصان، ويصف كل مؤمن بأنه “غصنٌ فيه” (يو 15: 2)، ولذلك لا يمكن تحديد هذه العلاقة بأي لفظ أقوى من لفظ “الجسد الواحد” الذي له “رأسٌ واحد”، تنمو من الرأس كل الأعضاء (كولوسي 1: 18). والذي يجمعنا هو اتحاد اللاهوت بالبشرية التي تجمع كل المؤمنين “في المسيح سيُحيا الجميع” (1 كور 15: 22). فليس لدينا مصدر آخر للحياة سوى يسوع المسيح نفسه. وتتجلى هذه الوحدة في أسرار الانضمام إلى جسد المسيح، أي بالمعمودية – المسحة – الإفخارستيا، وبشكل خاص الإفخارستيا؛ لأنها الاختبار الأسبوعي (أو اليومي) الدائم في حياة الكنيسة عندما تجتمع الكنيسة بالرب لكي تنال “خبز الله النازل من فوق من عند الله الآب” (راجع يو 6: 33). ومن المستحيل فصل الرأس عن الأعضاء لأن هذا الفصل يعني أننا نعود إلى آدم الأول أي إلى الموت. ولكن الرب يسوع المسيح الابن المتجسد أخذ جسداً من القديسة مريم والدة الإله لكي ينقل أصل وبداية الجنس البشري من آدم إلى أقنومه الإلهي (راجع القديس أثناسيوس الرسولي، ضد أريوس 3: 33).
وجودنا في المسيح هو من المسيح وبالروح القدس، وهو لا يخضع لأي تحليل لغوي([1]) أما الأرثوذكسية فهي لا تؤسِّس عقيدة على كلمة، وإنما على:
- إعلان علاقة الشركة والاتحاد. والاتحاد هو تعبير العهد الجديد نفسه، وهو يبدأ في المعمودية “متحدين معه بشبه موته” (رو 5: 5)، ومن هذا الاتحاد “يصير أيضاً بقيامته”؛ لأننا متنا مع المسيح وسنحيا أيضاً معه (راجع رو 6: 5 – 8)؛ لأن المسيح هو “حياتنا” المستترة في المسيح وفي الله والتي سوف تُظهَر في يوم القيامة (راجع كولوسي 3: 1 – 4).
- العلاقة الجديدة هي خلقٌ جديد، وهذا الخلق الجديد يجعلنا متأصِّلين في المسيح (راجع كولوسي 2: 6).
- العلاقة تشرح اللفظ وليس العكس لأن العلاقة تعلو على كل لفظ، والعلاقة لم تكن كلاماً أو خطاباً، بل استعلان المتجسد في جسد بشري جعله يقول: “أنا هو القيامة والحياة”، بل: “مَن يأكلني يحيا بي” (يو 6: 57)، فلا حياة لنا خارج المسيح أو بدون المسيح.
ثالثاً: المسيح وحده هو الوسيط الذي ردَّ لنا الحياة الأبدية
وهذا يعني أنه لا يوجد مصدر آخر للحياة غير يسوع، ولذلك الخطاب المعاصر الذي وقع في أخطاء جسيمة حاول فيها استخدام الألفاظ لشرح الإيمان وابتعد عن الليتورجية وعن السرائر وعن تسليم الآباء، فلا يوجد فرق حقيقي كياني بين:
- حلول
- سُكنى
- امتلاء
- قوة
- طاقة
- نعمة
هذه الكلمات تعبِّر عن عمل الله، ولكنها رغم تعددها، تؤكد ما غاب عن الفكر المعاصر، وهو حصرياً:
- إن كل عمل للثالوث هو عمل الثالوث نفسه، فلا يوجد وسيط بين الثالوث والمؤمنين غير ربنا يسوع المسيح الوسيط الوحيد (1 تيمو 2: 5).
- لا يوجد شيء اسمه النعمة خارج الله، أو بدون الله، أو له كيان خاص به اسمه النعمة، بل النعمة هي ما يمنحه الله لكل إنسان لأنه حلَّ فيه أو سكنه، وقد شرحنا ذلك في آخر كتاب لنا: “المسيح والمسيحي وشركة الجسد الواحد (تحت الطبع)”؛ لأن سكنى المسيح فينا (المسيح فيكم رجاء المجد)،
ليست لفظاً، بل الحياة والقيامة.
- كل الألفاظ السابقة تعبِّر عن أعمالٍ متنوعةٍ يعملها الثالوث الواحد، ولكن لا يوجد عمل من الله له كيان غير إلهي؛ لأن هذا يعني أن الله يخدع الإنسان، ولا يحب الإنسان كما يحب ابنه الوحيد (يو 17: 26)، فالقيامة ليست قيامتنا نحن، بل قيامة المسيح التي وُهِبَت لنا.
وكذلك، كما سبق وقلنا، الحياة الأبدية ليست حياة خارج الله، بل هي حياة الله نفسه، وفي عبارة واحدة: إمَّا أنك في الثالوث بواسطة الثالوث، أو خارج الثالوث حيث لا توجد حياة.
- الإنسان بغير الله ميت، والخلود الطبيعي والقيامة أو النشور في الأدبيات غير المسيحية هي حركة الطبيعة المخلوقة، وهو ما نرفضه تماماً لأن كل ما هو مخلوق غير قادر على أن يقوم من الموت أو أن يعطي لنفسه أو كيانه الخلود. المسيح قام وأقامنا معه وفيه.
أخيراً أقول للإخوة إننا نفتقر إلى الدراسات الحديثة عن غريغوريوس بالاماس، وقد نشر دير مار جرجس الحرف بلبنان أهم كتاب له: “الدفاع عن القديسين الهدوئيين” في عام 1995 – والتمييز بين الطاقة والقوة والجوهر له سببٌ واحد في اللاهوت البيزنطي، وهو أن شركتنا في الله تعني معرفة الله، (أي أن شركة = معرفة). ولذلك، عندما يقول بالاماس إننا لا نشترك في جوهر الله، فهو يعني أننا لن نعرف الله كما هو؛ لأن هذا يعني أن نكون مثل الله في كل شيء، بل إن شركتنا في النعمة – المجد – القوة – الطاقة هي شركة حسب التدبير، أي البقاء في حدود الطبع المخلوق من العدم الذي لا يمكن أن يستوعب الكينونة الإلهية؛ لأن هذا قاصر على حياة الثالوث.
لذلك أنصح الإخوة بعدم اللجوء -مثل فقهاء الشريعة- إلى حوارٍ مبنيٍّ على الألفاظ، بل استيعاب الرؤيا الإلهية الكاملة.
ويمكننا أن نلاحظ خطورة منهج اللجوء إلى الألفاظ عند أحد الأساقفة الأقباط سبق له أن ميَّز بين Divinity و Godhead وهذا النوع من الهذيان مقصودٌ به هدم شركتنا في القيامة والحياة في جسد ودم عمانوئيل، وهو سفسطة من لا يريد أن يتراجع عن أكبر سقطة، وهي إنكار الشركة في الحياة الإلهية.
وإلى الله الثالوث المآب
دكتور
جورج حبيب بباوي
ديسمبر 2013
([1]) على القارئ المعجب بالألفاظ والمصطلحات مراجعة كتاب الروح القدس للقديس باسيليوس لكي يرى أن صناعة الهراطقة جميعاً هي بناء عقيدة على لفظ أو عبارة أو كلمة من أسفار الروح القدس أي الكتاب المقدس (أنفاس الله حسب التسبحة السنوية).