الاتحاد الأقنومي وسر الإفخارستيا
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- إفرامية الاتحاد الأقنومي
قبل عواء الجهل، وهو كثير عندنا، فقد فقدنا لغتنا الأصلية وهي القبطية، وهي باب دخولنا…
- الشخص والشيء والفكرة، وسر الإفخارستيا
لا شك أن بوادر النهضة التي قادها حبيب جرجس قد طرحت الكثير من الثمار، ولكنها…
- الإفخارستيا - 3 (ذبيحة الإفخارستيا)
عندما ندخل إلى الكنيسة، نتوجه أمام الهيكل عند المذبح ونسجد ونرشم علامة الصليب؛ وذلك لأننا…
2 تعليقان
الشخص الإفخارستي هو ثمرة الاتحاد الأقنومي
لم يقم ( بضم الياء ) الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان شخصا ” استاتيكيا “ ( إذا جاز التعبير) ، بل أقام شخصا ” ديناميكيا “ . والمقصود هنا هو أن شخص الرب يسوع التاريخي ، الإنسان الكامل لم يكن ذا أفق لشخص بسيط بل هو شخص قد ظهر ليكون شخصا مركبا ، ظهر ليكون شخصا كاثوليكيا . كان الرب يسوع التاريخي هو بداية تاريخ الإنسانية الجديدة ، وبظهوره ظهر رأس هذه الخليقة الجديدة ، لتنطلق منه حركة النعمة التي تخترق الزمان والمكان فتأتي بالبشر المختارين ، مظهرة إياهم كأعضاء تنتمي لهذا الرأس . هذه الحركة النعموية هي التي نطلق عليها مصطلح ” الحركة الإفخارستية ” ، ويكون وفقا لذلك أن الاتحاد الأقنومي الخاص بشخص الكلمة المتجسد قد أثمر شخصا ” إفخارستيا ” هو شخص المسيح الرب .
لم تذكر الأناجيل التي رصدت مشهد التأسيس الإفخارستي أن الرب يسوع قد أكل مع تلاميذه من الخبز أوشرب من الخمر اللذين قسمهما عليهم بعد تناولهم الفصح ، بل أنه بعد أن أخذ الخبز وكسره وقسمه عليهم قال لهم : ” خذوا ( اقبلوا ) كلوا . هذا هو جسدي ” ( مت26: 26 ) ،” هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم . اصنعوا ( أثمروا ) هذا لذكري ” ( لو22 : 19 ) . وأيضا أخذ الكأس قائلا : ” اشربوا منها كلكم ، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا “( مت26 : 27 ) .
وكأن لسان حال الرب : ” كما أخذت ( قبلت ) أنا في جسدي الخاص ، خذوا ( اقبلوا ) أنتم أيضا . فإن صنعتم هذا صرتم أعضائي وأنا صرت رأسكم ، فهذا الذي تثمرونه هو جسدي الذي يستوعبكم جميعا “
. وبالفعل قد كان جسد الرب يسوع التاريخي هو أول كيان بشري يعتمل فيه الحدث الإفخارستي ؛ فبتجسد الكلمة صار لجسده الخاص ، الرب يسوع ، الحياة وعدم الموت بالقيامة من الأموات بفضل الكلمة الحال فيه ، فأكلت فيه الطبيعة البشرية وشبعت وامتلأت . ولكن هذا لم يكن نهاية الأمر فقد صار جسد الكلمة الخاص نبعا للحدث الإفخارستي الفائض على الجميع لكي مايصير لهم الإمتلاء ، فيه ، ” فقد رأينا مجده ،… مملوءا نعمة وحقا … ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ، …” ( يو1 : 14-16 ).
إن إنسانية يسوع التاريخي ، ذاتها ، قد أكلت وشبعت بل وصارت مصدرا لشبع الجميع .
. ووفقا للدقة اللاهوتية المطلقة لكلمات الإنجيل ، نحن نقول بأننا نأكل جسد المسيح . ونقول بأن الكنيسة هي جسد المسيح ، ولانقول بأننا نأكل جسد يسوع أو أن الكنيسة هي جسد يسوع . والفرق دقيق جدا وهام جدا ؛ فمعنى أننا نأكل جسد المسيح هو أننا نصير جميعا مشتركين في المسيح ، ذلك الكيان الكاثوليكي الذي يستوعب الجميع والذي رأسه هو الرب يسوع التاريخي . فيسوع هو خمير الإفخارستيا الذي بواسطته يختمر كل عجينها ، صائرا مسيحا مستوعبا للجميع .
نحن نقبل من الرب يسوع كل مايملأنا ، وحينئذ نستطيع أن نملأه ، كشخص المسيح المستوعب للكنيسة .
نحن لانأكل ناسوت الرب يسوع التاريخي ، بل نأكل ونمتلئ حينما نتقبل الفيض الإفخارستي النابع منه والممتد فينا محققا انتماءنا إليه كأعضاء ، ومحققا – في ذات الحدث – انتماءه إلينا كرأس .
لقب الرب يسوع التاريخي بلقب ” المسيح ” . وشخص المسيح هو الشخص الإفخارستي ، هو الشخص الآتي الآن في البشر ، في الكنيسة . وإن كان الكلمة بتجسده قد أشبع جسده الخاص ، فمتى امتد هذا الشبع ، إفخارستيا ، إلى كل أعضاء الكنيسة – وامتلأ شخص المسيح بلملمة أعضاءه المشتتين في الزمان والمكان – استعلن شبع الجميع ، فيه .
الإنسان الجديد ، آدم الأخير ، الذي من السماء ، القائم من الموت والمنتصر على الفساد الطبيعي بفضل الكلمة الحال فيه هو – بحسب تعبير الرسول بولس في ( 1كو 15 ) – جسم روحاني ، عوضا عن الجسم الحيواني ، الترابي ، الذي من آدم الأول . ولم يكن ذاك مجرد جسم روحاني حي بل صار ” روحا محييا ” ، صار رأسا للوجود الروحاني ، الجديد ، عديم الفساد ، للإنسان . وفي الإفخارستيا تتدفق الحياة الروحية الأبدية من رأس هو الرب يسوع ، الابن البكر ، إلى جميع أعضاء الجسد . وبامتلاء وتكميل الحدث الإفخارستي يكتمل بنيان الكنيسة ، يكتمل بنيان جسد المسيح . الأكل الإفخارستي ليس أكلا بالمفهوم البيولوجي بل هو ولوج إلى الوجود الروحاني الجديد في المسيح ، هو دخول إلى الطبيعة الجديدة عديمة الفساد القائمة من الموت .
وفي الأكل الإفخارستي نحن نتجاوز ونتخطى ظاهر صورة الأكل البيولوجي الطبيعي إلى جوهر الحدث المحمول بقوة الرمز ، في الروح القدس ، إلى شركة الحياة الأبدية ، في المسيح .
. في الإفخارستيا نحن نرتحل من صورة وجودنا العتيق إلى المسيح .
. نحن نتحول إلى المسيح وليس هو الذي يتحول إلينا .
. نحن لانبتلعه ، ليسكن بطوننا ، بل هو الذي يختطفنا لنسكن ونستوطن في جسده ، كأعضاء .
. نحن لانجعله عتيقا مرة أخرى ، بتعاطينا البيولوجي معه ، بل هو يجعلنا جددا ، بتعاطيه الروحاني معنا .
الشخص الإفخارستي
من منظور الكنيسة يبدو الحدث الإفخارستي هو سر تكريس وتحقيق وجودها ككنيسة ، وجودها كجميع أعضاء جسد المسيح ، وفي ذلك يقول الرسول بولس :
” وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا ، والبعض…لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة ، لبنيان جسد ” المسيح “، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل . إلى قياس قامة ملء ” المسيح “…ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس : “المسيح “، الذي منه كل الجسد مركبا معا ، ومقترنا بمؤازرة كل مفصل ، حسب عمل ، على قياس كل جزء ، يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة .” ( أفس 4 : 11-16 ) .
ولكن إذا كان الحدث الإفخارستي – من منظور الكنيسة – يعني كشف وتجلي الكنيسة جسدا للمسيح ، فماذا يعني ذلك من منظور شخص المسيح ، نفسه ؟ ألا يعني ذلك أن الإفخارستيا هي سر امتلاء شخص المسيح بامتداده في الكنيسة ؟ ألا يعني ذلك أن كيان المسيح الممتلئ هو كيان يتحقق متعاظما متناميا منطلقا من شخص الرب يسوع التاريخي الكلمة المتجسد ليبلغ كمال امتلائه باستيعابه لجميع أفراد الكنيسة كأعضاء فيه ؟
إذا كان الأمر هكذا ، فالمسيح هو الشخص الإفخارستي الذي يتحقق ويتكمل منطلقا من مركزه الرب يسوع . هو جسد يتكمل وينمو منطلقا من رأسه . هو بيت الله الذي يتكمل منطلقا من حجر زاويته . وفي ذلك يقول الرسول بولس :
” فلستم إذا بعد غرباء ونزلا ، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ، مبنيين عل أساس الرسل والأنبياء ، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية ، الذي فيه كل البناء مركبا معا ، ينمو هيكلا مقدسا في الرب . الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا ، مسكنا لله في الروح .” ( أفسس 2 : 19- 21 )
. المسيح ، الشخص الإفخارستي هو الشخص الذي يتحقق – ويجيء ، ويظهر ، ويستعلن – الآن ، بإظهاره .الكنيسة جسدا له ، بامتداده فيها ، واستيعابه لها ، وامتلائه بها ، وتعظمه وتضخمه فيها .
المسيح ، الشخص الإفخارستي هو الشخص المتنامي من داخله نحو الخارج بأن يضم الذين هم في الخارج ، أي شعب كنيسته ، فيتعظم بهم وينمو فيهم ويبلغ كماله بوجودهم فيه ، كأعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه .
المسيح ، الشخص الإفخارستي هو الشخص الذي يتكمل الآن في الكنيسة ، ومتى تم ذلك يكون قد اكتمل مجيء الرب ، يكون قد اكتمل مجيء ابن الإنسان .
خلاصة
مفهوم الشخصية الإفخارستية للمسيح هو أن شخص المسيح ، بظهوره في تاريخ البشر في شخص الرب يسوع التاريخي – بفضل الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان – قد ظهر ككيان يتضخم ويتنامى – كميا – بضم أفراد الكنيسة – المبعثرين في الزمان والمكان – كأعضاء في جسده . هو يتنامى ويتضخم الآن ، وسيظل هكذا إلى الحد الذي فيه يستعلن جميع أفراد الكنيسة . سيظل يتنامى ويتضخم إلى أن يمتلئ بجميع الأعضاء اللازمين لجعله جسدا كاملا . وحينئذ فقط يكون قد اكتمل الحدث الإفخارستي ، يكون قد امتلأ شخص المسيح ، يكون قد امتلأ الشخص الإفخارستي كامتداد نعموي لما ناله جسد الكلمة الخاص ، في البشر .
د. جورج
ها قد حانت الفرصة – رغماً عن تعطيل كثافة العمل – لكى أكتب إليكم شاكراً مقدراً, لما قد قدمتم من مثال حىّ للقيادة الحكيمة, التى تسمح للمختلفين والمخالفين بحد سواء, بالتواجد الفعال فى حضرة تواجدها المحب والعادل, والعالِم باصول القيادة التى فى المسيح, بمقتضى مسؤلية مُسَائلة الارشاد, وفى ذات الوقت ترقبون لأزدياد مجد حرية أولاد الله. وهكذا سمحتم لتواجد الجميع – بكل ما يحملون من تناقضات واختلافات وخلافات – فى حضرة تواجدكم العلمى الأختبارى لمحبة الرب لكل شخص بكل خصائصه, بدون تدخل تقويمى إقصائى – بالرغم من أحقيتكم فيه – مقدمين فكر الأباء بالنصيحة والعون, ليؤل كل العمل لمجد المسيح وبناء كنيسته.
وبالحق هذا هو سر الضعف الذى آلت إليه كنيستنا بعد أكثر من أربعين عاماً من الأقصاء الإجبارى لكل من عارض فكر القائد. لتتجرع كنيستنا الحبيبة تحت ظل تلك السنوات الطويلة والثقيلة, كرازة ذاتية, بفكر وحيد الخلية والتركيب, بدائى الأنانية, سطحى الأبائية, جائر الواجب, ظالم التعصب, أحادى المسؤلية, كأنسان ظل يرفض ان يحرك يده, إلا فى إتجاه واحد فقط, فالشلل والضمور جزاءً طبيعياً, لمن فشل فى تقدير أهمية وفوائد الحركة فى إتجاهات متنوعة!!
ولهذا السبب الجوهرى فنحن لا نراك من التنويريون, الذين يتنورون بما يفكرون بعقولهم, وبما يفعلون من ذواتهم, بل أنت بالحق من المستنيرون بالروح القدس, بادراكك الشخصى لما قد وهب لك من نعمة وحق وحكمة وحرية فى المسيح, تقدمها بدورك لكل من يتواجد فى حضرتك المستنيرة بحرية الروح, وحكمة قوة يمين الله الآب للمعرفة.
ويُلْزِمَنى تواجدكم وحضوركم الحكيم المحب الدائم بيننا, بالعودة لحديث المحبة مع حبيبنا فى الرب مجدى داود مرة أخرى, لينمو جسد المسيح بما تقدمون من نصائح وأرشادات لاهوتية لنقاشنا, ليستمر فى إطار البناء الحياتى, ليتخلص من حصار لغة المصطلحات, لتتسع الدائرة لأرادة الرب, التى تريد لجميع الناس أن يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.