ذكرى نياحة البابا كيرلس السادس
المحبة،
الوصية الإلهية العظمى
رحل عن الدنيا معظم الذين عرفوه -أعني القمص مينا المتوحِّد البراموسي- فخر دير البراموس. ولم يترك لنا أيٌّ منهم سوى ذكرياتٍ، منها حديثٌ طويل للراحل الكريم القمص صليب سوريال سُجِّل على شرائط كاسيت.
أكثر ما أزعجني أن أيقونة رجل الصلاة، الذي عاش للصلاة، توشك أن تضيع وتختفي في ضباب المعجزات، فقد ملأت المكتبات كتيبات عن معجزات قداسة البابا كيرلس (الصواب هو معجزات الرب يسوع التي صنعها بواسطة خادم أمين. الاسم نفسه: معجزات البابا كيرلس، خطأٌ عقيدي يجب التنبيه إليه، ويجب الإقلاع عنه). عاش راهباً قبطياً، حتى بعد سيامته بطريركاً. لم يرتَدِ فرَّاجيَّةً مزركشةً، ولا اقتنى شيئاً.
أذكُرُ بكل وضوح -كما لو كان قد حدث هذا منذ ساعات قلائل- أنني صعدت إلى القلاية بعد أن انتهى قداس يوم الجمعة، لأخبره بعودتي إلى الإكليريكية، فقد كنت أستعد للسفر إلى دير السريان لقضاء إجازة عيد الميلاد. وكان القمص مينا جالساً مع أحد آباء دير السريان، وعندما طرقت الباب ودخلت، قال لي: “تعالَ، لازم تسمع الكلام ده”. وكان الكلام عن التداريب الروحية التي سادت في بعض فروع مدارس الأحد، وكانت مدارس أحد الجيزة هي أحد منابع هذا التعليم. وقال أبونا مينا بالحرف الواحد: “يعني الواحد يحسِّن كلامه، ويبقى كلامه موش من قلبه؟ لازم يطلب نعمة المحبة الإلهية، وبعدين من نقاوة القلب، يبقى فيه لسان حلو. يا ابني -والكلام للأب الراهب- إنتو بتعلموا الناس النفاق باسم الأرثوذكسية. يعني واحد لا يعرف المحبة، يتعلِّم إزاي يتكلم كلام حلو وكلام تشجيع وكلام تواضع، وهو قلبه مليان كبرياء؟”. وصَمَتَ الأب الراهب، فقد كان تلميذاً للأب مينا المتوحِّد. وأكمل أبونا مينا المتوحد قائلاً: “الوصية العظمى: حِب الرب إلهك وحِب قريبك كنفسك، لمَّا دي تتنسي، يبقى فاضل أيه في الإنسان؟ لمَّا يتعلم انه يقول كلام موش طالع من قلبه، يعني يتعلم الغش والنفاق والكذب. وهيَّ دي تبقى مسيحية؟”.
وشعرت بالحرج، وقلت له إنني جئت لكي أخبره بعودتي إلى الإكليريكية حتى أُسافر مع أبونا شنودة السرياني (المتنيح الأنبا يؤنس أسقف الغربية) إلى دير السريان، فقال لي: “روح يا ابني. ملاك السلامة معاك. المحبة الإلهية يسكبها روح الرب في القلب. أوعى تنسى الإبصاليات. القلب المشغول بالرب يسوع هوَّ نفسه اللي يتكلم الحق والمحبة والتواضع؛ لأن الرب يسوع يسكن حيث يسكن اسمه، في القلب”. وقبَّلت يده، وعندما هممت بالخروج قال لي: “أوعى تنسى الإبصاليات، وإياك تقع في ترعة التداريب. المحبة موش عاوزة تدريب. المحبة عاوزة نعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. احفظ الوصيتين دول وأنت تخلص”.
وتمر السنوات، ولا زال حفظ الوصية الأولى والثانية، وكلاهما عن المحبة، محبة الرب ومحبة القريب، هما شغل القلب الشاغل.
وبعد، هل يستطيع مَن ينظر إلى الكنيسة اليوم، أن يقول إنها تقدَّمت في المحبة؟ سؤالٌ لا جواب عليه؛ لأن الإجابة تنطوي على حرجٍ كبير.