تدور في أوساطنا القبطية الأرثوذكسية أحاديثُ تقودها مصطلحاتٌ لم يتم فحصها بدقة، وهي أن لدينا ثلاثة أنواع من الشفاعة: كفارية خاصة بالرب يسوع، وتوسلية خاصة بالقديسين (ولا أدري لماذا لم يذكر المحاورون الملائكة)، وشفاعة الروح القدس التي لم تحظى بعد باسمٍ، بل لم تُبحَث أصلاً إلا في نطاق ضيق في شرح رومية لأبينا البار القمص متى المسكين.
تاريخياً -(لأن التاريخ المعاصر لم يكتب بعد)، ونحن نقصد تاريخ تدوين استعمال المصطلحات العربية في شرح عقائد المسيحية- لم يظهر التمييز بين أنواع الشفاعة إلا في العصر الحديث، وهو عصرٌ بدأ في العشرينات من القرن الماضي، ونال دفعةً في الأربعينات بواسطة الأستاذ حبيب جرجس. وجاء بعده الرجل العظيم د. وهيب عطا الله (نيافة الأنبا غريغوريوس)، وكانت بؤرة الاهتمام هي الدفاع عن إيمان وطقوس وتاريخ أُم الشهداء. ونشهد أن كلَّ مَن كتب ونشر، إنما كان يكتب بكل أمانة وإخلاص حسبما يعرف.
الدفاع له حمى ذات حرارة عالية تجعل المدافع يحشد كل ما لديه من معرفة، دون أن يلتفت إلى نقاط الضعف في دفاعه. وهنا لا يستطيع المنطق ولا التاريخ أن يسيطر على فكر المدافع، لأننا درجنا في شرقنا العربي على الخلط بين التاريخ والعقائد والشخص. ولأن الدين هو أساس معظم العلاقات الاجتماعية؛ لذلك اختلط التدين والإيمان بنظرة الشخص إلى ذاته، وتحوَّل الإيمان إلى هوية شخصية وانتماء شخصي. وإن كان هذا ليس عيباً أو شراً، ولكنه أحياناً يتحول إلى أصولية وعصبية وشتائم، حينما يعجز العقل عن الرد على السؤال؛ لذا يجب أن نكون على حذر في الدفاع عما نعتقد في صحته.