لا يوجع القلب إلاَّ التطرف والمغالاة وسوء القراءة وسوء التفسير. لقد قلنا أكثر من مرةٍ إن موضوع الكنيسة جسد المسيح غائب تماماً من الوعي المعاصر. لا يوجد لدينا كنيستين: واحدة على الأرض، والأخرى في السماء، بل كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية في الأرض والسماء معاً.
الشهداء والآباء والأمهات الذين سبقونا في الإيمان، وسبقونا إلى حياة المجد، هؤلاء أيضاً أحياء في جسد المسيح الواحد، فلا موت لمن هو في المسيح يسوع “من آمن بي ولو مات فسيحيا”، وأضاف الرب: “ومن كان حياً فلن يرى الموت”. لن يرَ ظلام الحياة وغياب الله لأن المسيح هو “نور العالم”.
لا توجد درجات للقديسين مثل درجات الوظائف ومراتب الكبار. الكل أعضاء في الجسد الواحد. ولا يوجد شفيع – مهما كان – إلاَّ وهو في يسوع المسيح وحده. وقد صار كل قديس وشهيد شفيعاً؛ لأن يسوع هو “الرأس”، وهو “الشفيع” الذي يعطي خدمة الشفاعة لكي يشترك معه الذين في السماء تماماً كما في مثل الدرهم المفقود عندما جمعت المرأة الكل حولها، أو حسب قول الرب نفسه: “يكون فرح في السماء”.
القديسة مريم والملائكة والشهداء ليسوا وسطاء ولا هم شفعاء يقفون بين الكنيسة والمؤمنين الذين على الأرض ، هذا تعليم العصر الوسيط. الكل معاً الراقدين والأحياء أعضاء في جسد واحد، والرب يسوع هو الذي يدعو القديسين للصلاة من أجل الذين على الأرض لأنه يريد جسداً واحداً حياً منتصراً ثابتاً في الإيمان. القديسة مريم ليست أفضل من أي مسيحي. هي أم النور، نعم. وقد عرفت الرب معرفة أعمق وأكبر من كل القديسين، ولكن الرب يسوع يحفظ الكل في وحدة واحدة، لا يوجد كبير ولا صغير في الملكوت، ولا يوجد عظيم وحقير، بل يوجد ملكوت واحد وربٌ واحد وجسد واحد ومعمودية واحدة وكنيسة واحدة. وتنوع الأعضاء إن هو إلاَّ تنوع في الموهبة وليس في درجة الشركة في يسوع. وتوزيع المواهب ليس حسب قداسة الإنسان، هذا هو تعليم الهرطقة البيلاجية، بل هو حسب اختيار الله وصلاحه.
لا يوجد لدينا قديس درجة أولى، وآخر درجة ثانية، بل إن معرفة والدة الإله بالمخلص، وهي معرفة اختبارية خاصة، لا تجعل القديسة العذراء مريم أفضل وأعظم لأنها لا تحيا بدون المسيح ولا وجود لها خارج شركة الجسد الواحد.
أخيراً: إن التطرف الذي نسمعه بأن أي إنسان لا يستطيع أن يصلي أو يقترب من المخلص والرب بدون القديسين وبدون والدة الإله، هو تطرف الجهل في استيعاب وحدة الكنيسة الجسد الواحد.
وقد قال واحد من هؤلاء: هل أنت مثل العذراء؟ والسؤال خبيث حقاً، ولكنه خبث الجهل؛ لأننا كل الذين نالوا المعمودية والمسحة، هم أبناء الله، ونعمة البنوة عامة للكل ولا توجد نعمة بنوة خاصة بقديس معين، والذين نالوا المسحة، أخذوا روح التبني (غلا 4: 4)، والبنوة عامة للكل. صحيح أن أم النور قالت: “تبتهج روحي بالله مخلصي”، لكن لا كاتب هذه السطور، ولا غيره حبل بالرب ولده وعاش معه 33 سنة وأرضعه اللبن ووقف عند الصليب. طبعاً لم ينل أحد من الناس ما نالته والدة الإله لا سيما “وأنت يجوز في نفسك سيف”، ولكن السماء ليست درجات، والرأس الواحد يجمع الأعضاء في السماء وعلى الأرض، وفيه وحده ننال جميعنا هذه الوحدة التي لن تكمل إلاَّ في القيامة.
دكتور
جورج حبيب بباوي
تعليق واحد
هذا الموضوع جاء ردا على سؤال ورد للموقع نصه:
“إذا كان الرب يحقق لهؤلاء آمالهم، فما الداعي لطلب شفاعة القديسين؟!!!!!!!!!.
فمن الممكن أن يقولوا بكل قوة وإيمان، ما فائدة الشفاعة التي تطلبونها من القديسين، والرب يسمع لنا في كل ضيقة.
لذلك، أرى إن شفاعة القديسين في عمل المعجزات تَقِل أمام هذا المنطق، لذلك نكتفي بأن نقول إن الشفاعة لازمة لمنهجنا الروحي بأن نتبع جهادهم الروحي وسلوكهم المفعم بالروح القدس.”