وصل إلى بريد الموقع سؤال من الأخ مينا يقول فيه:
سلام ونعمة، اني أتساءل متى اكتمل تأليه الناسوت.. إن قلنا قبل القيامة، إذن فكيف يموت جسدا متألها (ممجداً) والكتاب نفسه يقول عن الرب إنه لم يكن قد مجد بعد؟ وإن كان بعد القيامة (مباشرة وقبل الصعود)، فكيف أكل مع تلاميذه جسديا. وإن قلنا بعد صعوده إذن فمتى، خاصةً أن الرب يسوع قال في سفر الرؤيا عن الاب (إلهي) أي تكلم عنه كما كان قبل القيامة اذ لم يكن قد تمجد بعد..؟؟
قبل القيامة، إذن كيف يموت جسد متأله بعد القيامة. وقبل الصعود، فكيف أكل مع تلاميذه جسدياً بعد صعوده؟
هذه هي اعتراضات الأخ مينا، وهي تعني أن جسد الرب ظلَّ جسداً بشرياً بيولوجياً يتغذى، وقابل للموت، ويحيا حسب الطبيعة الإنسانية بما فيها من شيخوخة وأمراض .. الخ.
2 تعليقان
الاتحاد الأقنومي، وتأله الإنسان يسوع
لابد للذهن اللاهوتي أن يدرك أن تأنس الكلمة هو تأله الإنسان، وعندما صار الكلمة جسدا صار الإنسان إلها؛ وذلك لسبب بسيط هو أننا نتحدث بخصوص شخص واحد ، والإنسان فيه قائم في وحدة أقنومية مع الله الكلمة . ولكن هناك فرقا عظيما بين مفهوم تأله يسوع وبين مفهوم نعمة التأله ، تلك العقيدة الأرثوذكسية الأصيلة التي أكدها الآباء لاسيما العظيم أثناسيوس. والمفهوم الأخير يعني أن البشر حينما يصير لهم شركة في جسد الكلمة المتجسد، فإنهم بهذا يشتركون في حياة الكلمة ، الأبدية ، تلك الحياة التي كانت حقا حصريا لله ذاته ” الذي له وحده عدم الموت ” ( 1تي6: 16 )، وهم بذلك يستحقون أن يقال لهم أنهم قد تألهوا ، أي نالوا بالنعمة ماهو خاص فقط بالله، إذ أصبحوا خالدين ،كائنين في ذلك الذي له وحده الخلود، بطبيعته الشخصية الحرة المريدة المبادرة. وبالتأله يصبح البشر في حالة اعتمادية أبدية، فيها يرتشفون وجودهم عديم الفساد من الآب بالابن في الروح القدس. أما بالنسبة لتأله يسوع فالأمر جد مختلف؛ لأنه فيما أن تأله الإنسان هو حدث النعمة الذي يصير به الإنسان شريكا للطبيعة الإلهية ، أي الشركة في حياة الله ذاته ، فإن تأله الإنسان يسوع هو ذات حدث تجسد الله الكلمة ،ولكن من المنظور المعاكس . فتجسد الكلمة، وتأله الإنسان – بدون أن يفقد الله ألوهيته أو يتغير إلى إنسان ، ولا الإنسان إنسانيته أو يتغير إلى طبيعة إلهية – هما وجها حدث الاتحاد الأقنومي الذي أثمر شخصا هو الرب يسوع المسيح. هذا بالرغم من أن الكلمة بتجسده إنما قد اتخذ لذاته جسدا مخلوقا ، من طبيعتنا ، أي أنه كشخص الخالق قد خلق لذاته جسدا بشريا ، إنسانا كاملا ، موحدا إياه بذاته، في وحدة شخصية يتجلى فيها الإله الكامل كما يتجلى فيه الإنسان الكامل دون أدنى احتمالية في أن يكون تجلي أي عنصر معناه ذوبان أو تلاشي الآخر. والسؤال الرئيس ، الآن ، هو : إذا كان المضمون العملي لنعمة تأله الإنسان هو الحياة الأبدية للبشر في المسيح ، فماهو المضمون العملي لتأله الإنسان يسوع؟
بالتأكيد إن الكلمة عندما وحد جسدا بذاته، أقنوميا، فإن الجسد قد نال الحياة وعدم الموت بفضل كونه جسد الكلمة الخاص ، ولكن الأمر لايعني أن يسوع مجرد إنسان انتفع بالنعمة كما يحدث لنا ، لأن ماحدث أمر لايستطيع العقل البشري أن يدرك سره ؛ إذ أن ذلك الإنسان، المخلوق، قد استدعي من العدم في ذات النقطة الزمنية التي أخلى فيها الرب ذاته، ليظهر شخص الكلمة المتجسد في رحم العذراء، في لحظة تماهى فيها حدث الخلق مع حدث ظهور الشخص الواحد ، الكلمة المتجسد ، وهو ذاته حدث ظهور يسوع كشخص إنساني ذي هوية وليس فقط طبيعة بشرية مجردة ( الأمر الذي – واقعيا – لاوجود له ). وانطلاقا من هذا نستطيع أن ندرك أن ماحدث ليس حركة للنعمة إلى يسوع من خارجه، بل العكس هو الصحيح ؛ إذ بظهور يسوع باكورة البشرية الجديدة – بسر يفوق كل تصور- ظهرت حركة النعمة في سياقها الحقيقي لتتم من الداخل إلى الخارج ، أي من نبعه – كأصل للنعمة – تنبع حياة كل البشر المدعوين للشركة فيه والقابلين إياه رأسا لوجودهم الجديد، الكنيسة . ولم يكن يسوع – للحظة واحدة – شخصا إنسانيا مستقلا ينتظر ويستقبل النعمة ، من الكلمة، وفي نفس الوقت لم يكن يسوع – للحظة واحدة – إلا شخصا إنسانيا كاملا . ونعود لسؤال المضمون فنقول إذا كان لتأله الإنسان مضمون إيجابي هو الحياة الأبدية كشركة في حياة الله، فإن له أيضا مضمونا سلبيا هو التحرر من قهر وعبودية ومحدودية الزمان والمكان ، فالحياة الأبدية حالة من الوجود اللازمكاني اللامنتهي. وخبرة كنيستنا الأرثوذكسية تجعلنا نتعاطى ببساطة مع شركة القديسين الذين تحرروا من قيد الزمان والمكان بانتقالهم إلى كورة الأحياء ، وهم لم يتركوا لنا – فقط – سيرة عطرة بل هم بالفعل لم يتخلوا عنا، وقصص المعجزات لاحصر لها، تلك التي فيها يتواصل هؤلاء معنا بشفاعتهم مخترقين زماننا ومكاننا بلاقيود ممجدين الرب الذي فيه وبه يشهدون له ، في عالمنا ، بعد أن تركوه حينما تركوا أجسادهم الفانية بطبيعتها. ولم يقل أحد بل ولن يستطيع أن يقول بأن تأله هؤلاء قد أخرجهم من إنسانيتهم بل كان تألههم تكميلا لإنسانيتهم . بل لن يستطيع أحد أن يقول بأن رفات القديسين التي نكرمها – عن حق ، في سياق التواصل مع أصحابها ، في الكنيسة الواحدة – ماتزال تختزل وجودهم بعد. ولكن هم هكذا بخلعهم العتيق الفاني يتحررون إلى جدة الحياة التي للطبيعة الإنسانية الجديدة ، ” لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ “( 2كو5: 1 ). ” فَإِنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ” (2كو5: 4 ) ” إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا “( 2كو5 : 17 ). إذن الذين يتألهون من البشر يتحررون من ثقل الخيمة لينطلقوا في مجال لايحده الزمكان بل هو الحضرة الأبدية لشركة الثالوث القدوس، محمولين بحركة المحبة الثالوثية : من الآب بالابن في الروح القدس.
والآن ماذا بخصوص تأله الإنسان يسوع ؟ هل يستطيع أحد أن يدعي أن بيت خيمة يسوع الأرضي – الذي نقض على الصليب – هو كل إنسانية يسوع ؟ أين إذن ذلك الذي قد تأله بالاتحاد الأقنومي؟ يجيبون هذا ماقد أظهر بالقيامة حينما تغير العتيق إلى ذلك الممجد . ولكن، لماذا ظهر الرب بعد القيامة في نفس الصيغة العتيقة التي تحمل آثار التعذيب بل ويمارس مستحقات المحدودية البيولوجية الزمانية المكانية ، فيجلس ويمشي ويأكل ويلمس من تلاميذه ؟ ألا يعني ذلك أن الإنسانية الجديدة المتألهة ليسوع لايمكن لنا أن ندركها ونتعاطى معها بمحدوديتنا ، إلا في ظرف إعجازي رؤيوي كاشف، كالتجلي على الجبل ، مثلا، حينما كشف الرب للمقربين من تلاميذه سر إنسانيته المتألهة، موصيا إياهم بكتمان السر إلى أن يعلنه بنفسه للتاريخ في فجر الأحد ؟ هل من الممكن أن يدعي أحد أن إنسانية يسوع لم تتأله لأن الرب قد ظهر بعد القيامة في نفس الصيغة التي مات عليها؟ بالطبع لا . إذن لماذا يصعب علينا جدا أن نتصور أن إنسانية يسوع قد تألهت منذ أول لحظة للتجسد في أحشاء العذراء ، وأن لحظة التجسد تتماهى مع لحظة التأله ، وأن ظهور شخص يسوع الإنسان الكامل ، الشخص الكوني – والحال في الكل ، والمصدر للنعمة ، الظاهرة في الكل – هو الشخص الذي يستعلن الكلمة المتجسد ، مثلما يستعلن شخص الكلمة المتجسد إنسانية يسوع المتألهة ، كوجهين لذات الحدث الواحد أي الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان ؟ لماذا نعثر فيه فلا نرى غير ضعفاته وآلامه وموته ، ولاندرك وجوده المتأله- حتى قبل قيامته وظهوره ممجدا منتصرا- بفضل الاتحاد الأقنومي ؟ فالقيامة لم تنشئ الاتحاد بين إنسانيته ولاهوته، وبالتالي لم تنشئ تألهه ، وبالتالي – أيضا – لم تنشئ طبيعته الكونية الجديدة المالئة للكل لأنها إنسانية الكلمة المتجسد التي أصبحت كائنة في الكلمة أينما يوجد الكلمة، وفاعلة في الكلمة مافعل الكلمة ، وحاضرة في الكلمة ماحضر الكلمة. وهذا هو التطور الدراماتيكي الكوني الهائل غير المسبوق الذي حدث بظهور أول خلية ليسوع في رحم العذراء، بظهور من قد تم اتخاذه – من الخليقة – جسدا خاصا بالخالق. ومن رحم العذراء بدأ الكلمة المتجسد رحلتنا مدشنا كل محطات التدبير ، فولد ولادتنا ونما نمونا واعتمد ومسح لنا وتألم ومات عنا وقام وصعد بنا، وفي كل محطة من محطات رحلة التدبير، هذه كان يعلن لنا دائما عن النعمة التي نلناها بفضل باكورتنا التي كانت مستورة فيه ، أي الإنسان يسوع المتأله منذ أول لحظة للتجسد ، لحظة الاتحاد الأقنومي بين لاهوته وإنسانيته .
الأخ مجدي داود
“تأله يسوع” تعبير غير معروف في الأسفار وغير معروف للآباء الذين خاضوا الصراع الفكري مع الأريوسية ثم النسطورية بعد ذلك. حسب اعتراف الآباء في نيقية 325 “نؤمن برب واحد يسوع المسيح” لأن اسم يسوع هو اسم الإله المتجسد حسبما ذكر القديس كيرلس نفسه في كل ما كتب .. الأفضل من أجل الوضوح فقط هو “تأله ناسوت يسوع” وقد تكرر تعبير تأله يسوع في المداخلة التي نُشرت أكثر من مرة. من أجل الدقة وحدها لأن معيار الصواب والخطأ لا تحكمه الألفاظ بل المعاني التي يمكن لأي لفظ أن يقود اليها الفكر. وفي الأسفار لم يرد اسم يسوع منفرداً إلا نادراً ولكن في الكرازة لا سيما في رسائل القديس بولس المتواتر هو الرب يسوع المسيح وأشهر ما ورد هو “يسوع رب بالروح القدس” (1كورنثوس 12 : 3) وعندما بشر الرسول بطرس في يوم الخمسين فان اسم الرب (أع 2 : 21) وصارت العبارة “باسم يسوع الناصري” الاسم الذي لا خلاص بدونه “ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص” (أع 4 : 12) هي رسالة الإنجيل في المسكونة.
وقد وجدت أن هذه العبارة تحتاج منك الى المراجعة. لم يكن يسوع – للحظة واحدة – شخصاً انسانياً مستقلاً ينتظر ويستقبل النعمة من الكلمة، وفي نفس الوقت لم يكن يسوع – للحظة واحدة – إلا شخصاً إنسانياً كاملاً “لأن يسوع منذ الحبل به هو الإله المتجسد وليس مجرد شخص إنساني كامل وربما كانت عدم الدقة هي في استخدام كلمة “شخصاً انسانياً” أي أقنوماً لأن الرب لم يكن اقنومين الهي وانساني بل تأقنمت الإنسانية في تجسد الابن وفي اتحادها بالله الكلمة المتجسد لأننا نحن سوف نتأقنم أي يكمل وجودنا بالاتحاد بالرب لأن وجودنا ناقص الحياة وبلا خلود وبلا معرفة حقيقية بالثالوث.
تأله ناسوت الرب هو سر استمرار الافخارستيا في الكنيسة وبذلك يجب في زمان صعب يهاجم فيه الايمان الأرثوذكسي بواسطة أساقفة وقساوسة لا يعرفون الايمان أن تحاول على قدر ما تسمح به اللغة الإنسانية أن تؤكد الثوابت وهو ما تسلمه الينا ابصاليات لاسم الرب يسوع المسيح وصلاة يسوع التي كانت أحد طرق الصلاة في الاسقيط.
مع وافر محبتي لشخصك وتمنياتي بمزيد من الكتابة.
د. جورج حبيب بباوي