أهمية اللغات القديمة
اهتمت مراكز البحث في جامعات أوربا بالدراسات اللغوية منذ 200 سنة تقريباً. فالكلمات هي التي تكوِّن الوعي، ولا وعي بدون كلمات. فقد أدرك علماء الكتاب المقدس بالذات أن اللغات الأوربية الحديثة قد تجاهلت المعاني الصحيحة لكلمات عبرية كثيرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
كلمة العهد. في العبرية “بريث”، وفي اليونانية “Diatheke”، وفي اللاتينية، وهي أصل كل اللغات الأوربية الحديثة تُرجمت إلى Foedus والكلمة اللاتينية تعني Contract أي الوثيقة القانونية التي تنال رضى الطرفين. لكن عهد الله مع إبراهيم لم يكن كما نقول في مصر باللغة العامية “كونتراتو”، أي عقد، ولا هو معاهدة، بل جاء بتطوعٍ إلهي بسبب الصلاح والرحمة الإلهية، ضد Chesed. فلم يطلب إبراهيم عهداً مع الله، ولكن الله هو الذي تطوع حراً بأن يعطي العهد، وبقسمٍ أفاض في شرحه وتأكيده الرسول بولس في رسالتي رومية والعبرانيين.
ولدينا مثالٌ آخر: لازلنا نقول الاسم اليوناني Nomos التي تُرجمت في اللاتينية إلى Lex أي القانون، وبدقة أكثر القانون الطبيعي الذي تخضع له كل المخلوقات. في حين أن التوراة تعني أصلاً التعليم. والشريعة لا الناموس Lex هي الحكمة التي تميِّز بين الخير والشر، وليس الناموس كقانون طبيعي.
وما حدث في حقل اللاهوت الغربي هو أن كلمة عهد صارت وثيقة – عقد قانوني، أضاف إليها سوء فهم الكلمة الخاصة بالبر، وهي صدقه Tsedaqah التي تُرجمت إلى justitia أي عدل، وبالتالي ضاع المعنى العبراني؛ لأن بر الله هو أمانة الله مع شعبٍ يخون العهد، مع إسرائيل “الزانية” -حسب نبوة هوشع- التي عاد إليها زوجها، رغم أنها خانت وعبدت الأوثان.
هذا الخلط الذي وُلِدَ بسبب عدم الفهم أدَّى إلى ظهور التفسير القانوني Legalistic لعلاقة الله والإنسانية في العهدين القديم والجديد.
وتحصن لاهوت العصر الوسيط في سوء الفهم هذا، ووجد في بعض كلمات الرسول بولس بعض ملامح الفكر القانوني المبني على سوء فهم العبرانية، بل واليونانية أيضاً. وهنا نتعجب: كيف غاب عن عقول قادة حركة الإصلاح عبارة الرسول بولس: “أما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، أو الشريعة” (رو 3: 21)؟
تلك أمثلةً أسوقها رداً على “فضائح” الدراسات التي قُدِّمت في مصر، بزعم أنها رسائل علمية، وأشرف عليها مَن لم يحصل على درجة علميةٍ عليا في الدراسات اللاهوتية، ولا يعرف اللغات القديمة، وتحديداً اللغة العبرية واليونانية، بل وحتى القبطية، التي لا يعرف منها إلَّا ما يردده -حفظاً- في الصلوات، والأمل أن يكون مدركاً لما يقول!
أقول تلك أمثلةً أسوقها، لعلنا ندرك خطورة ما نفعل، وجدية ما يتطلبه منا تحديث الخطاب من إجراءات.
انعدام التخصص
كيف يُشرف على قسم اللاهوت في معهد الدراسات القبطية مَن درس اللاهوت دراسة منزلية؟ لماذا لا يحصل على منحة ليدرس في معهد لاهوتي، ويحصل على شهادة في التخصص في أي فرع من فروع علم اللاهوت؟
كيف يمكن أن نسير في موكب التحديث الذي طلبه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وليس لدينا من يقود موكب التحديث هذا، بل والانتقال من مستنقع العصر الوسيط إلى تراثنا الأرثوذكسي الأصيل؟
صحيحٌ ما قاله أحد قادتنا السياسيين من أن تحديث الخطاب الديني المسيحي قد يستغرق الفترة التي يجلس فيها ثلاث باباوات على الكرسي المرقسي، مدركاً أن القيادات الحالية لن تترك المجال للعلمانيين المتخصصين. خصوصاً وقد شاهد الكل الزوبعة التي أثيرت ضد تعيين ثلاثة من الحاصلين على درجات علمية من الخارج للتدريس في كلية اللاهوت “الإكليريكية”، وانتهى الأمر إلى عدم تعيين هؤلاء كمدرسين بمرتب، بل انتدابهم لتدريس بعض البرامج.
هكذا تُظهر زوبعة الجهل والخوف ما تسترت عليه سكرتارية المجمع طوال 25 عاماً، من عزفٍ على نغمات طبل جميع الهرطقات، بينما لم يتجاسر أحدٌ على القول بأن تناول الناسوت فقط هو تعليم نسطور الذي حُكم عليه في مجمع مسكوني في 431، ولم يتراجع مَن أخطأ، بل حَكَمَ على غيره الذي لم يخطئ في ظل صمت أعضاء المجمع، بل وتوقيعاتهم!!!
وإن كان القرار الأخير بتأسيس مكتبة التراث القبطي هو بارقة أملٍ في عتمة ليل الجهل الطويل، إلَّا أن التساؤل لا يزال مطروحاً: كيف يمكن أن نبدأ بالتحديث، بينما قرارات المؤتمر الذي احتضنه قداسة البابا تواضروس الثاني لا تزال حبراً على ورق؟
دكتور
جورج حبيب بباوي
2 تعليقان
ﻻ امل فى التغيير وﻻ التجديد طالما هناك ما يسمى بسلطان الحل والربط المتعفن
اتفق معك فى كل رؤيتك للإصلاح الكنسي
و سأستعير مقولة ابونا متى للتدليل على صلاحية رايك
ان العالم عال واغنى الكنيسة وكهنتها مقابل ان تمد له وتعلمه سر الحياه الذى هو المسيح
و في هذا فشلت الكنيسة ا
واخذت ولم تعطى بل اهتمت بذاتها و مبانيها و خدامها
لكنى اطلب من ان ترجع لأباء الفلسفة اليونانية حين اقروا اننا يجب الا نفترض ان الانسان كائن رشيد ياخذ قرارت رشيده و كان هذا سبب احتقار افلاطون للعامة في جمهوريته
لكن هناك ايضا شيء ما يدفعني للقول ان الكاهن هو ابن الشعب و الشعب يستحق كاهنه فاذا كان الشعب روحاني اعطاه المسيح كاهن روحاني و العكس
هذا اولا
ثانيا
المشتكى على ابناء الله هو الشيطان الذي يشكونا ليلا و نهارا امام الله
لكن الله يدافع و يستر عيوبنا و عيوب كنيسته
الكنيسة ليست يوتوبيا على الارض و لا يجب ان تكون
لكن اليوتوبيا هي العلاقة الشخصية بين كل نفس و عريسها المسيح
ان اعظم قادة الاصلاح فى القرن الاخير هو ابونا متى المسكين الذى
سوف تكبر خدمته التى هي فقط فى بدايتها الان و ستتسع
(بعض الكهنه السواح خارج ديره ذكروه فى مجمع القديسين اثناء القداس و انا شاهد لهذا )
ابونا متى هو من الاكليروس وليس العلمانيين
رغم تزمت و ما يبدوا من جمود الكنيسه تجاه التفكير الا ان هذا ما حماها من افكار الهراطقه التى طالت اغلب كنائس الارض
فالعلمانيين خاصة فى هذا الزمن ومع فساد الجميع و ظهور اديان الانسانية الجديده Humanism وغيرها لاهم اخطر من يقود الاصلاح الكنسى
و مره اخرى لنا فى ابينا متى و البابا كيرلس مثالا
وحتى مديرى مدرسه الاسكندريه العلمانيين رسم اغلبهم كهنه و بطاركه
لهذا اى اصلاح يجب ان ياتى منهم و ليس خارجا عنهم
اخيرا ارى ان تستمر سيادتكم و مثلكم و سينبت زرعكم فى اوانه
فما احوجنا الى علماء مثلك على نفس قامة اورجين و اثناثيوس
لكن ارى ان عندك غموض و تحيز وتداخل فيما سياسي و لاهوتى و روحانى
سببه مسببات شخصيه
غموض بين اليوتوبيا فى الارض التى تراها فيما يجب ان تكون عليه الكنيسه
والتى على قدر قلة معرفتى ارى انها الفخ الذى وقع فيه الهراطقه
رغم حسن نية البعض
و قد يكون دافعهم الغيره على الكنيسه لانهم ارادوا ان تكون الكنيسه كامله
وفى هذاقال المسيح لبطرس ابعد عنى يا شيطان لانك تهتم بما للناس
لان اليوتوبيا هى علاقة كل نفس بالمسيح الذى يكون مجموع الكنيسه
و ليست ابدا الكنيسه التى تتكون مجموع الافراد
مجرد رساله من متابع وتلميذ لك ومتعلم منك