أرسل لي صديق حميم هذه الترنيمة لفريق الكاروز، بعنوان: يا من تميتني عني:
يا من تميتني عني وفيك تحييني
كل ما في الكون حلمٌ أنت اليقظة فيه
ما عاد منظر فيها يحجبك عني
إذا ما أبصرت بك يا نوري وعيني
حظي ومنيتي أنت وبهذا تخليني
من كل ما لا ينشد لك بترنيمي
وبقربك يفارقني قلبي وما فيه
وفي بعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري
هوَّنتَ لي هنا الغربة بوجهك الباقي
وإن تعثرت بها حركت أشواقي
وتعليقي هنا في هذا المقال هو عتابُ محبة لمن يرنم ولمن ينشد، حيث افتقرت هذه الكلمات في مجملها إلى ثوابت التعليم الصحيح، وهو نتاج طبيعي لزمنٍ غاب فيه التعليم المسيحي عن الثالوث – التجسد – الصلب والقيامة – سكنى الروح القدس – شركتنا الكيانية. لذلك لا يجب أن نسبِّح ربنا يسوع على ما نذكره أو ما نتخيَّله نحن، بل نسبحه على ما أعطاه لنا: البنوة – الحياة الأبدية – ميراث الملكوت – القيامة من الأموات – شركتنا في العلاقة الأقنومية التي بينه وبين الآب والروح القدس … الخ.
عندما لا تدخل أساسات المسيحية في الصلاة وفي الترنيم، وتتحول الترانيم إلى ما يشبه “المساج” Massage لتحرك عضلات الانفعالات النفسية مثل الأشواق والفرح النفسي واسترداد السلام النفسي، عندئذٍ يصبح ما تقدِّمه هذه الترانيم لا يختلف بالمرة عن التواشيح – الأدعية – الأوراد التي تنشدها فرق التصوف في اليهودية والإسلام، ويكفي أن نذكِّر القارئ الذي يريد أن يفهم، أن نظرةً على أشعار الحلاج – رابعة العدوية – ابن الفارض، وهؤلاء من أقطاب التصوف الإسلامي، تؤكد لنا أن الإطار العام لهذه التواشيح هو حركات وخلجات القلب الساعي إلى الله، وهي سعيُ الإنسان نحو خالقه، وهو شعورٌ حقيقي وأصيل في النفس الإنسانية التي خُلِقت أصلاً على صورة الله ومثاله (تك 1: 26)، ولذلك فالإنسان دائم البحث عن خالقه – هذه نزعة إنسانية جيدة لا ضرر منها بالمرة، ولكنها تتعارض مع أبسط حقائق التعليم المسيحي، وهي أن الله هو الذي جاء إلينا، وهو الذي يبحث عنا كما عبَّرت عن ذلك أمثال الرب يسوع: الخروف الضال – الدرهم المفقود وغيرها، عن النور الإلهي المشرق في يسوع المسيح (يوحنا 1: 1-4). فالحركة الإنسانية تسير بقوة الطبيعة إن كانت تفتش عن الله خارج التعليم المسيحي، ولكن الحركة الإلهية المتجسدة هي التي تسير بقوة الألوهة في يسوع المسيح وبالروح القدس؛ لأن الله يريد الإنسان حراً من عبودية الموت والخطية، ويؤهِّل الانسان إلى ميراث الملكوت.
لو درسنا كلمات الترنيمة السابقة التي فيها كل براءة وأشواق الطبيعة الإنسانية، للاحظنا غياب حقائق أساسية مسيحية، ليست أرثوذكسية فقط، بل في التراث المسيحي الشرقي والغربي على حد سواء. ولكي يكون الكلام دقيقاً، لا عاماً يكفي أن نقرأ:
وبقربك يفارقني قلبي وما فيه
وفي بُعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري
قارن هذه الكلمات بعبارة رسول المسيح بولس: “بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً أبَّا أيها الآب” (غلا 4: 4-6)، فالقلب، وهو في تراثنا المسيحي العالمي، ليس هو تلك العضلة التي تدفع الدم، بل هو الكيان الروحي كله: الفكر – الشعور – العواطف – الإرادة – الخيال، والأهم هو “الوعي” بحضور الروح القدس الذي يحمل إلينا المصلوب والحي القائم من بين الأموات. إذن، فالقلب لا يفارِق؛ ولكن ما فيه يحتاج إلى تجديد وتقديس بالروح القدس، و”الفناء” في الله الذي تكلم عنه أقطاب التصوف الإسلامي لا تقبله المسيحية؛ لأن الكيان الإنساني: الجسد والروح الإنسانية معاً هما وحدة واحدة يطلبها الثالوث لكي تكون مسكناً له كما قال الرب يسوع بفمه الإلهي: “إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (مسكناً) (يوحنا 14: 23)، ليس لأن الأشواق والرغبات ودقات الموسيقى هي التي تجيء بالثالوث، وإنما لأن التجسد ملأ الكون والإنسانية بحضور الكلمة الابن الوحيد على المستوى الإلهي المتجسد.
ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني
إذا ما أبصرت بك يا نوري وعيني
تعبِّر هذه الكلمات عما وصل إليه هذا الجيل من جفاف، ذلك الجفاف الروحي الذي لمحه الأب متى المسكين في مقدمة كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية. جفافٌ لم يعالَج جذرياً، فقد غاب عن هذا الجيل التعليم بسكنى الروح القدس في أعضاء الجسد، وهو ما نراه في رسائل أنطونيوس، وبالتالي تجلي الجسد لأنه هيكل الله.
وتأمل كيف غابت قداسة الجسد، تلك التي تُوهَب بالروح القدس بمسحة يسوع المسيح نفسه (1 يوحنا 2: 27)، وكيف صار الجسد مستعبداً لإفرازات الجسد، وحركات الطبيعة البيولوجية التي خلقها الله، وتفنن فقهاء العصر الوسيط (لا سيما في المصادر العربية) بكل ما يمكن نقله دون تمييز عن يهودية اللاويين والتثنية، بل وعن الإسلام الذي له وجهة نظر واعتقاد خاص به عن الإنسان (لا مجال له هنا)؛ لذلك صار التقديس الذي يؤخذ في سر الشكر تقديساً مؤقتاً، فَقَدَ الهبة واللمسة الأبدية، وأصبح الإنسان يحتاج إلى الوضوء أو الاستحمام، وهو ما انعكس على قراءة لقاء الرب يسوع مع المرأة نازفة الدم الذي قال الرب نفسه بلسانه: “من لمسني” (متى 9: 20)([1])، فبالرغم من أنه لم يكن لحادثة الشفاء هذه أية علاقة بالعشاء الرباني، إلَّا أنها في زمان الارتداد عن التعليم المسيحي، تصبح حادثةُ شفاءٍ لا علاقة لها بسر الشكر مثالاً لنجاسة المرأة الحائض، وبالتالي تبرر المنع من التناول.
إن ما حدث قبل كمال التدبير بالصلب والموت والقيامة والصعود وحلول الروح القدس لا يجب أن يُقتطع جزء منه لكي يبني عليه الفقهاء المتأسلمون ممارسةً تُنكر قداسة الانسان في يسوع المسيح، بل يجب علينا أن نرى العالم كله كمكان، تتجلى فيه رحمة وعظمة الله، وبالتالي لا يحجب القلب أو الفكر عن الله. هذه الثنائية الغنوصية الأصل، قد تجاوزها النسك المسيحي بالهذيذ أو الثاؤريا الأولى، وهي تأمل الكون الذي تغنَّى به سفر المزامير عن تسبيح الخليقة لله واهب كل العطايا (مزمور 147 على سبيل المثال لا الحصر). فقول الترنيمة: “ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني”، وإن كان يبدو بريئاً ويعبِّر عن شوق حقيقي، ولكن تحت هذه البراءة تختفي الثنائية القديمة، فكل منظر في الكون ناطقٍ بمجد الله لا يُبعد الانسان عن الله، ولا عن محبة الله: “السموات تُخبر بعمل يديه ..”، ولكن التحليل الدقيق لكلمات الترنيمة يؤكد لنا أن الانسان لا زال يعيش ثنائية الله والكون، أي أن الله غريبٌ عن الكون، وأن الإنسان يجب أن ينكر ويجحد الكون. وكلمات هذه الترنيمة، مثل كلمات ترنيمة أخرى، أقدم:
“فكل منظر ها هنا فيه الشقاء والعناء”،
في حين أن كل منظر هنا -مهما كان- يؤكد لنا الحضور الإلهي الدائم ليسوع المسيح.
المحبة الإلهية التي يسكبها الروح القدس (رو 5: 5).
عندما يقول رسول الرب: “إن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا -وهي كلمات غابت في زمانٍ أنكر فيه البعض سكنى الروح القدس وحذفوا فيه عن جهل عبارة رسول الرب: “أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم” (1 كو 6: 16)- فقد تحوَّلت حركة السعي لمحبة الإنسان لله، إلى حركة إنسانية لم تنل قوة النعمة، ولم نعد نسمع عن آهات وشفاعة الروح القدس (رو 8: 26)، غاب هذا كله تحت وطأة الخلاص بالانهماك في التسبيح الذي يدخلنا في تقوى مزيفة؛ لأنها تبحث عن الله بينما الله هو الذي يبحث عنا.
إن أشواق الإنسان إلى المسيح بدون صلب الأهواء، وبدون هبة الحياة الأبدية، تقود إلى فراغٍ وعدم؛ لأن انكار الذات تحوَّلَ من لمسة النعمة فينا إلى Self – Negation بينما لا يمكن إنكار الذات إلَّا بالذات، فلابد من وجود الذات “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غلا 2: 20)، وهذه ليست Self – Negation بل هي إنكار الذات كوحدة Unite وكيان entity مستقل عن الرب، لا التقوى المزيَّفة التي دخلت مع التشديد على صوم الجسد وحده، دون صوم القلب، وإفراز أطعمة وساعات الانقطاع والتي تحولت إلى “أعمال الشريعة” التي لا تقدِّم الإنسان إلى الله؛ لأن الله هو الذي جاء إلينا (راجع غلاطية، الاصحاح الثاني كله)، وعندما يخرج الإنسان عن كيانه، فهو لا يصل إلى شيء، بل يقع في حفرة العدم.
والكلمات الآتية مثيرة؛ لأنها تدغدغ الشعور ولا تؤكد التجسد:
يا من تميتني عني وفيك تحييني
كل ما في الكون حلمٌ أنت اليقظة فيه
والشطر الأول يُبعد الوعي عن التجسد، فالمسيح لم يكن أمنية، ولكن الشطر الثاني صحيح؛ لأن المسيح أحيا الإنسان فيه، وكان من الضروري التشديد على الصلب والقيامة: “أقامنا معه – أجلسنا معه في السماويات”. يا ليتنا نرتل كلمات رسول الرب ونترك العموميات التي تقتل الوعي والإدراك بخصوصية الإيمان المسيحي ورسالته.
أما نهاية الترنيمة فهو غريب جداً.
هوَّنت لي هنا الغربة بوجهك الباقي
وهكذا سقط الاتحاد بالرب يسوع، أي بمن قال أنا هو القيامة
ثم
وإن تعثرت بها حرَّكت أشواقي
ولكن الشوق لا يعيد الإنسان إلى المسيح، بل المسيح هو الذي يعيد الإنسان إلى المسيح بالروح القدس.
أقول لمن يلصق بي تهمة التعصب أو الطائفية، إن المسيحية الأرثوذكسية ليست طائفة، بل هي الامتداد التاريخي لِما أسَّسه الربُّ والرسل وثبَّته الآباء. إنها كنيسة المسيح في ديار مصر، وتقواها ليست مزيَّفةً، بل تراها في التسابيح القبطية بالذات، تُعيد الإنسان إلى الثالوث، إلى الاتحاد الأقنومي، إلى الأسرار، إلى الكنيسة الجامعة (المجمع الكبير في صلاة نصف الليل)، وتغرسنا في تاريخٍ حي، وشهود وشهداء سلَّموا لنا الإيمان.
ولنا لقاء آخر مع التقوى المزيفة.
د. جورج حبيب بباوي
([1])لم تلمس تلك المرأة هُدبَ ثوبه كما ورد في الترجمات العربية، بل غطاء الرأس الشائع في زمن المسيح Prayer Shawl الذي يشبه إلى حد كبير كوفية طويلة تغطي الكتف حتى وسط الجسد نفسه، وتعرف بالاسم الآرامي Tallit لأن زحام البشر حول الرب، يجعل من المستحيل أن تنحني امرأة وتلمس هدب الثوب، ولذلك، الأصح، أنها لمست غطاء الرأس.
2 تعليقان
رد ماهر فايز على جورج حبيب بباوي
في موضوع: يا من تميتني عني.
سيدي الأستاذ، والعالم الفاضل د. جورج حبيب بباوي.
لقد تعودت أن لا أعير اهتمامي لنصف متعلم، أو لمدعي علم..يتناول مادة أو منهج خدمتي بطعن أو تشويه..ولكن..أن يفعل ذلك عالم حقيقي وباحث مشهود له مثل حضرتكم..فهذه ساحة نزال ومنازلة أشرُف بالنزول إليها، بفروسية ونبل…عالم أنك تضيف ولا تقلل من قيمة حوار كهذا، بما لديك من حق ونور..إن رفعك الله به على نقصي..يزيدني هذا فخر وفرح. لأن هذا يؤول أولا وأخيرا لمجد الله في المسيح يسوع، و لرفعة منارة كنيسته الواحدة.
أولا: لن أعتب عليك على حضرتكم، اختياركم ل عنوان: “تقوى مزيفة” بشيء..لأن هذا يتهمني في تقواي بالزيف..وهذا اتهام يمسني شخصيا ولا يمس التعليم، لذا؛ لا أدفعه عني..فما فيَّ من نقص يحتم عليَّ قبول أي طعن؛ كتائب وسأظل تائبا ليمنحني الله تقواي. ولكنني- وكما تعلمت- سأدفع عن منهجي ومادة عبادتي؛ الاتهام الخاص بالتعليم..حيث يخص هذا شعباً نضع في أفواهه الحق ليعبد ويفرح بإلهه.
و..إلى الدفوع:
قلت حضرتكم في بداية طرحكم، والذي خرجت به من الخاص (كَ ترنيمة واحدة موضوع الطعن) إلى العام باتهامنا بهذا كما ورد بالنص هكذا:
[ثوابت التعليم الصحيح، وهو نتاج طبيعي لزمنٍ غاب فيه التعليم المسيحي عن الثالوث – التجسد – الصلب والقيامة – سكنى الروح القدس – شركتنا الكيانية. لذلك لا يجب أن نسبِّح ربنا يسوع على ما نذكره أو ما نتخيَّله نحن، بل نسبحه على ما أعطاه لنا: البنوة – الحياة الأبدية – ميراث الملكوت – القيامة من الأموات – شركتنا في العلاقة الأقنومية التي بينه وبين الآب والروح القدس … الخ.]
كنت أتوقع أن تذكر لي شيئا إيجابيا، ك (أبجدية المسيح) التي بادر موقعكم المتميز بنشرها فور صدورها عام ٢٠٠٦ وبها تسبحة واحدة تجمع أكثر من ١٦٥٨ آية لتحميد وتمجيد أقنوم الابن من كلمة الله، وبثوابت التعليم المسيحي!
أو كباحث مدقق، كان يمكنك بعمل بحث بسيط على شبكة الانترنت، أن تجد لضعفنا إنتاجا مكثف في التسبيح بهذا الحق..والآن اسمح لي يا سيدي أن أضع روابط لبعض من عينات التسبيح التي نعلن فيها هذا… أطلب لطفكم واتساع صدركم ووقتكم في تفحص هذا.. لا لأجل حوارنا-فقط- بل أضع هذا لأجل إكرام سيدي أمام شعبه، كما أكرمته وسأكرمه.
كما أنني أدعو من هنا، كل من باركه الله بتسبيح معنا، أن يبارك الرب بالرد على حضرتكم بوضع مادة تضيف لهذا النزال بعدا آخر.
عن الثالوث كترنيمة مسيحي لأني أؤمن بالثالوث:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/08-Coptic-Taraneem-Kalemat_Meem-Noun/Masi7i-Le2any-Omen-Bel-Thalouth.html
و ترنيمة لك مجدا وإكراما أيها الثالوث القدوس:
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/lam/magdan.html
ثم عن التجسد(أراعي الترتيب الذي سقته حضرتكم في الانتقاد):
ترنيمة: حقاً نؤمن ونعترف ونمجد العجيب، و ذكصولوجية التجسد (في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله): http://www.father-bassit.com/vb/showthread.php?t=12740
وثيؤطوكية على تعظمة العذراء، تعلن تجسد الكلمة:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Toaazim-Nafsie-AlRabb-2.html
وابصالية للتجسد والظهور الالهي عنوانها: هذا هو الابن الوحيد:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/09-Coptic-Taraneem-Kalemat_Heh-Waw-Yeh/Hatha-Howa-Al-Ebn-Al-Wahid.html
وترنيمة، لو لم يولد المسيح:
http://www.father-bassit.com/vb/showthread.php?t=50739
وغيرها من عشرات الترنيمات، ففي كل عيد لميلاد رب المجد (نضخ) في دماء الكنيسة التعبدية، مئات الكلمات الكتابية التي تعلن هذا الحق.. وأبدا لم نكن (مغيبين) سيدي الفاضل عن مهمتنا ودعوتنا.
والآن إلى الحق الخاص بالصلب والقيامة:
لن تكفي صفحات موقعكم بكل ما فيه من ثراء كمي وكيفي..أن يوضع مقابلها ما أعطانيه الله بفضل نعمته من كلمات وألحان في هذا المجال، ولم نعبد في اجتماع عبادة طيلة ٢٦ عاما من الخدمة دون أن نسبح بعمل الصليب والقيامة، ولم تخلو ترنيمة لنا في لاهوت الخلاص تحديدا، لم نذكر فيها بالفخر والفرح صليب رب المجد وقيامته، وسأكتفي بغيض من فيض أعطانيه الكريم:
ذكصولوجية أيها النور الذي أشرق:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/Aehoa-AlNoor-Allazie-Ashrak.html
http://www.yafita.com/a/1017168/هانرنم-يا-من-داس-الموت-المرنم-ماهر-فايز-فريق-الكاروز/
وترنيمة يا حياةَ المسيحية
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/yaa/almasi7eya.html
وترنيمة زيدوا المسيح تسبيح:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/04-Coptic-Taraneem-Kalemat_Reh-
Zein/Zeido-El-Masih-Tasbeeh.html
وترنيمة يا يسوع حبيبي فادي حياتي، وغيرها، ستجدها على موقعنا:
http://www.elkarouz.com/elkarouzteam/Audio-songs/powerpoint.html
والآن في الترانيم الخاصة بالروح القدس:
https://m.youtube.com/results?q=ترنيمة%20هنا%20في%20حضور%20العجيب&sm=3
وترنيمة: بقوة الروح القدس، يعلن مجد المسيح
https://m.youtube.com/watch?v=fcQEMCNYFyc
وترنيمة: يا نهر النعم الفياض
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/09-Coptic-Taraneem-Kalemat_Heh-Waw-Yeh/Ya-Nahr-El-Ne3am-El-Fayad.html
ثم محاضراتنا الخاصة بمواهب الروح القدس
https://m.youtube.com/results?q=ماهر%20فايز.%20مواهب%20الروح%20القدس&sm=3
أما عن البنوة:
فلنا أكثر من مئة نص ملحن يحتوي موادا كتابية روحية عن البنوة لله. سأذكر بعضها.
ترنيمة، باسم الرب يسوع نأتي:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Be-Ism-El-Rab-Yasou3.html
وترنيمة شاكرينك أيها الآب:
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/sheen/shakreenak.html
أما عن الحياة الأبدية، والملكوت… فيكفي أن تكتبها بجوار اسمنا الحقير لتسمع وترى الكثير على عشرات المواقع.. وخاصة على موقعنا…فلا رسالة لنا عبر التسبيح إلا تقديم إنجيل الحياة الأبدية للبشر. وحمد الله وشكره عليها.
أما عن قيامتنا من الأموات، كموت، بالخطايا..فهناك المئات، أذكر منها:
مالناش غيرك إنت:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/08-Coptic-Taraneem-Kalemat_Meem-Noun/Mlnash-Ghirak-Anta-Elahna.html
وترنيمة: المجد لك..وفيها عدة أبيات تبدأ ب “صوتك يحيي الموتى لأنك أنت هو الحياة”
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/AlMagd-Lak-Ya-Moheb-El-Bashar.html
أما عن شركتنا في العلاقة الأقنومية بين الابن والآب والروح القدس..
فهذا وضعنا فيه نصوصا عدة.. يدرس بعضها في كليات اللاهوت بألمانيا، كنموذج تعبدي حديث..لهذا الفكر الآبائي في العبادة. وهو (باندهاش وإعجاب):
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Be-Endehash-Wa-E3gab.html
ونص آخر يوازيه في قوة الطرح اللاهوتي لصورة الابن فينا:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/Ebsaliet-El-Soora.html
—————//————————————————
والآن إلى موضوع ترنيمة: يا من تميتني عني
لما في العبادة المسيحية من اتساع وجداني وشمولية لموضوعات عدة..حرصنا أن نضع ونصنع انسجاما في نصوصنا التعبدية.. فَ الترانيم التي توضع تحت تصنيف لاهوتي يخص الطبيعة الالهية، واللاهوت العقيدي. غير تلك التي توضع تحت اللاهوت الخلاصي، أو الرعوي.. وأيضاً لدينا مجموعة من الترانيم تحمل طابع المناجاة الوجدانية، ومنها ترنيمة (يا من تميتني).. وهي تدرج تحت مصنف آخر من الشعر الصوفي المسيحي.. وهذا له لغته ومفرداته وطرق التعبير فيه، بل ومصطلحاته…
وأستدعي في هذا السياق، ترنيمة: (قلبي الخفاق) لقداسة البابا شنودة، وترنيمة (السائح المسيحي) للصوفي المسيحي الشيخ كامل منصور… ونص (بتصرف) للأب المتنيح متى المسكين بعنوان (نيرك هين):
http://m.youtube.com/watch?v=DZqOb_mAJbA
ومن خصائص هذا النوع من الشعر؛ ضغط الفكرة إلى أقصى حد، وتغطيتها بالطريقة التي تصل بها لمتذوقها دون العبور على من لم يذق..حفظا لتدرجه الروحي..دون المساس بحق الروحاني في الدخول إلى بلده..
والآن لنتابع كلماتكم في نقد الترنيمة، وليعطنا الله نعمة ورحمة في إيضاح الحق فيها من جانبنا أيضا كما تفضلتم.
قلتم:
“وبقربك يفارقني قلبي وما فيه
وفي بُعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري
قارن هذه الكلمات بعبارة رسول المسيح بولس: “بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً أبَّا أيها الآب” (غلا 4: 4-6)، فالقلب، وهو في تراثنا المسيحي العالمي، ليس هو تلك العضلة التي تدفع الدم، بل هو الكيان الروحي كله: الفكر – الشعور – العواطف – الإرادة – الخيال، والأهم هو “الوعي” بحضور الروح القدس الذي يحمل إلينا المصلوب والحي القائم من بين الأموات. إذن، فالقلب لا يفارِق؛ ولكن ما فيه يحتاج إلى تجديد وتقديس بالروح القدس، و”الفناء” في الله الذي تكلم عنه أقطاب التصوف الإسلامي لا تقبله المسيحية؛ لأن الكيان الإنساني: الجسد والروح الإنسانية معاً هما وحدة واحدة يطلبها الثالوث لكي تكون مسكناً له كما قال الرب يسوع بفمه الإلهي: “إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (مسكناً) (يوحنا 14: 23)، ليس لأن الأشواق والرغبات ودقات الموسيقى هي التي تجيء بالثالوث، وإنما لأن التجسد ملأ الكون والإنسانية بحضور الكلمة الابن الوحيد على المستوى الإلهي المتجسد.”
ونقول:
أولا: لم نذكر في ترنيمتنا ما يشير إلى (الفناء) كما ذكرت حضرتكم، بل أكدنا حياتنا في المسيح بالروح القدس المحيي..حين قلنا في أول الترنيمة: “فيك تحييني” فَ آل (نون والياء) تعلن عدم الذوبان الفنائي الذي أشرت إليه.. وفي منتصفها أكدنا قائلين: ” يا سكني ومسيري” وفي هذا التأكيد على دور النعمة التي وضعتنا (في المسيح) لنتحد بمجد الله…ولوصولنا إلى الاتحاد بهذا المجد في (المسيح/ الطريق/ المسير).
وفرق كبير سيدي العالم (باللغة وبالحق) أن أقول: يفارقني…وأن أقول (يفنى) وينتهي وجوده ذائبا أو فانياً… إنما فعل (يفارقني) هنا فعل لابد من تناوله في سياق (الحضور الإلهي/ القرب) “وبقربك يفارقني”…
فمن من يا سيدي العابد، لم يقل(إراديا) في وعيه بالحضور الالهي: ” أحيا لا أنا”.. ومن منا في خبرة الوعي الخاصة بالثيؤريا/ الكشف الإعلاني..لا يقول: “في الجسد أو في الروح، لست أعلم”.. وهذا الذي قال: ” لم تبق فيَّ قوة”..ولكن الأروع في هذا أننا في الحضور الإلهي، و نحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كنا في مرآة…نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد بعل الروح القدس…لماذا؟!…لأن في مرآة الحضور تفارقك صورتك وما فيها لترى يسوع المسيح صورة الله وتقتني ما فيها بالروح…ثم يعود إليك قلبك وصورتك، وهو محملاً بهذا المجد وبهذا التغيير..وهذا المعنى هو ما قصدته بالفعل حين كتبت هذه الشطرة…لأهلها..!
ثم أكملت بعدها:”وفي بعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري”.. لأؤكد وعيي بالاحتياج الدائم للحضور الالهي وللرب نفسه كسكن ومسير/ ترحال دائم..وهذا الوعي يقتضي حضوري أيضا كفاعل يتجاوب مع نعمة الله وليس ك (فانٍ فيه).
قلت:
ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني
إذا ما أبصرت بك يا نوري وعيني
تعبِّر هذه الكلمات عما وصل إليه هذا الجيل من جفاف، ذلك الجفاف الروحي الذي لمحه الأب متى المسكين في مقدمة كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية. جفافٌ لم يعالَج جذرياً، فقد غاب عن هذا الجيل التعليم بسكنى الروح القدس في أعضاء الجسد، وهو ما نراه في رسائل أنطونيوس، وبالتالي تجلي الجسد لأنه هيكل الله.
وتأمل كيف غابت قداسة الجسد، تلك التي تُوهَب بالروح القدس بمسحة يسوع المسيح نفسه (1 يوحنا 2: 27)، وكيف صار الجسد مستعبداً لإفرازات الجسد، وحركات الطبيعة البيولوجية التي خلقها الله، وتفنن فقهاء العصر الوسيط (لا سيما في المصادر العربية) بكل ما يمكن نقله دون تمييز عن يهودية اللاويين والتثنية، بل وعن الإسلام الذي له وجهة نظر واعتقاد خاص به عن الإنسان (لا مجال له هنا)؛ لذلك صار التقديس الذي يؤخذ في سر الشكر تقديساً مؤقتاً، فَقَدَ الهبة واللمسة الأبدية، وأصبح الإنسان يحتاج إلى الوضوء أو الاستحمام، وهو ما انعكس على قراءة لقاء الرب يسوع مع المرأة نازفة الدم الذي قال الرب نفسه بلسانه: “من لمسني” (متى 9: 20)([1])، فبالرغم من أنه لم يكن لحادثة الشفاء هذه أية علاقة بالعشاء الرباني، إلَّا أنها في زمان الارتداد عن التعليم المسيحي، تصبح حادثةُ شفاءٍ لا علاقة لها بسر الشكر مثالاً لنجاسة المرأة الحائض، وبالتالي تبرر المنع من التناول.
إن ما حدث قبل كمال التدبير بالصلب والموت والقيامة والصعود وحلول الروح القدس لا يجب أن يُقتطع جزء منه لكي يبني عليه الفقهاء المتأسلمون ممارسةً تُنكر قداسة الانسان في يسوع المسيح، بل يجب علينا أن نرى العالم كله كمكان، تتجلى فيه رحمة وعظمة الله، وبالتالي لا يحجب القلب أو الفكر عن الله. هذه الثنائية الغنوصية الأصل، قد تجاوزها النسك المسيحي بالهذيذ أو الثاؤريا الأولى، وهي تأمل الكون الذي تغنَّى به سفر المزامير عن تسبيح الخليقة لله واهب كل العطايا (مزمور 147 على سبيل المثال لا الحصر). فقول الترنيمة: “ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني”، وإن كان يبدو بريئاً ويعبِّر عن شوق حقيقي، ولكن تحت هذه البراءة تختفي الثنائية القديمة، فكل منظر في الكون ناطقٍ بمجد الله لا يُبعد الانسان عن الله، ولا عن محبة الله: “السموات تُخبر بعمل يديه ..”، ولكن التحليل الدقيق لكلمات الترنيمة يؤكد لنا أن الانسان لا زال يعيش ثنائية الله والكون، أي أن الله غريبٌ عن الكون، وأن الإنسان يجب أن ينكر ويجحد الكون. وكلمات هذه الترنيمة، مثل كلمات ترنيمة أخرى، أقدم:
“فكل منظر ها هنا فيه الشقاء والعناء”،
في حين أن كل منظر هنا -مهما كان- يؤكد لنا الحضور الإلهي الدائم ليسوع المسيح.
المحبة الإلهية التي يسكبها الروح القدس (رو 5: 5).
عندما يقول رسول الرب: “إن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا -وهي كلمات غابت في زمانٍ أنكر فيه البعض سكنى الروح القدس وحذفوا فيه عن جهل عبارة رسول الرب: “أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم” (1 كو 6: 16)- فقد تحوَّلت حركة السعي لمحبة الإنسان لله، إلى حركة إنسانية لم تنل قوة النعمة، ولم نعد نسمع عن آهات وشفاعة الروح القدس (رو 8: 26)، غاب هذا كله تحت وطأة الخلاص بالانهماك في التسبيح الذي يدخلنا في تقوى مزيفة؛ لأنها تبحث عن الله بينما الله هو الذي يبحث عنا.
إن أشواق الإنسان إلى المسيح بدون صلب الأهواء، وبدون هبة الحياة الأبدية، تقود إلى فراغٍ وعدم؛ لأن انكار الذات تحوَّلَ من لمسة النعمة فينا إلى Self – Negation بينما لا يمكن إنكار الذات إلَّا بالذات، فلابد من وجود الذات “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غلا 2: 20)، وهذه ليست Self – Negation بل هي إنكار الذات كوحدة Unite وكيان entity مستقل عن الرب، لا التقوى المزيَّفة التي دخلت مع التشديد على صوم الجسد وحده، دون صوم القلب، وإفراز أطعمة وساعات الانقطاع والتي تحولت إلى “أعمال الشريعة” التي لا تقدِّم الإنسان إلى الله؛ لأن الله هو الذي جاء إلينا (راجع غلاطية، الاصحاح الثاني كله)، وعندما يخرج الإنسان عن كيانه، فهو لا يصل إلى شيء، بل يقع في حفرة العدم.
ونقول:
اعذرني سيدي العالم الجليل، لوضع طرحك بالنص..فأنا تعودت احترام الكلمة..وعدم أخذ الكلام كما أفهمه، بل كما تقوله أنت..كما أعتذر للمتابع لهذا التطويل، فلا بد منه.
عندما أقول أنني عندما أرى الكون وما فيه بالمسيح نوري وعيني، فلا يصبح المنظر حجابا لي عن رؤية صانعه وباريه.. أي يصبح الكون مجلى ومعلن لمجد الله، ولا يكون حاجز أو حاجب لعيني…أأكون بهذا أعيش ثنائية الكون والله..بل وأجحد الكون !!
كيف لعين ترى جوهر الأشياء في الله دون أن يكون المنظر (حاجزا) لأنها ترى الكون بعين الخالق وب نوره أن تحيا ما تدعيه عني يا سيدي الفاضل..ألا ترى أنك بالغت قليلا..ربما دون أن تقصد..ولعدم إعمال الدقة في فحصك للنص.
نعم يا سيدي.. فأنا أؤكد في النص على الحضور الإلهي في الكون، لأنني أراه بعين الخالق، وأرى مجده وتجليه في صنعة يديه..وإلا كنت قد قلت: “أغمضت عيني عن الكون لأراك، أو لكي لا يحجبك عني” !! ولكنني أصر أن “أبصر الكون به فهو نوري وعيني”..
أأمل في المحبة أن تراجع المقولة المطولة التي أسقطتها على النص، وهي لا تمت بصلة له..واصبر قليلا سيدي أمام الكلمات ربما رأيت فيها..ما فيها.. لا ما فيك..وما قلت أنني أراه بسيدي نوري وعيني..لا ما رأته عينك سيدي جورج العظيم.
قلت:
يا من تميتني عني وفيك تحييني
كل ما في الكون حلمٌ أنت اليقظة فيه
والشطر الأول يُبعد الوعي عن التجسد، فالمسيح لم يكن أمنية، ولكن الشطر الثاني صحيح؛ لأن المسيح أحيا الإنسان فيه، وكان من الضروري التشديد على الصلب والقيامة: “أقامنا معه – أجلسنا معه في السماويات”. يا ليتنا نرتل كلمات رسول الرب ونترك العموميات التي تقتل الوعي والإدراك بخصوصية الإيمان المسيحي ورسالته.
وأقول:
أولا: أشكر الله على غيرتك المقدسة في التشديد على الصلب والقيامة وانجيل الايمان المسيحي الحق.. وأظن – وأرجو ان تحتمل غباوتي قليلا- أنني أوفر منك في هذا..حيث وضعت هذا في ملايين الكلمات الملحنة، لترددها آلاف الأفواه الناطقة بالعربية.. ولا مزايدة في هذا على عطاء النعمة الخاص به لدينا..
وبعد رحيلنا (أنا وأنت) سيذكر شعب المسيح، ويردد طويلا ما أودعته من نصوص تعبدية في هذا..وهذا الحوار كله، وما على شاكلته من سجال فكري…سيطويه النسيان.
ولكن المصنف (الشعري) هنا تحديدا..وهو صيغة أدبية من “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” يرقى بفعل الإماته حين يعلن: أن دوري في قبول حمل الصليب، يحتاج لدور رئيس الكهنة ومقدم الذبيحة.. ففعل البذل يعود لي…وفعل الإماته له وحده.. وهو فعل إماته وإحياء في نفس الوقت ” يميتني عني، ويحييني فيه” لأردد ” لي الحياة هي المسيح”..” آخر يحملك حيث لا تشاء.. قال هذا مشيرا إلى أية ميتة”.. ونستطيع أن نقول أيضا أننا وإراديا بالطاعة والامتلاء بالروح القدس ” بالروح تميتون أعمال الجسد.. فتحيون”. أما الموت عن الذات.. فهو ” مع المسيح صلبت -الفاعل مبني للمجهول في الجملة والمعروف إنجيليا- فأحيا لا أنا…”
وعندما أقول: ” كل ما في الكون حلما، أنت اليقظة فيه” لا يعني هذا أن المسيح أمنية كما تفضلت وأولت النص…
إنما يعني هذا أن الحياة الحقة تبدأ بيقظة القلب في المسيح.. ليصبح هذا العالم والغربة فيه وكأنه (فترة حلم جميل كان أم قاسٍ).. فالقلب الذي عرف الله اليقظة الحقة.. عاش الحياة الحقة الأبدية وهو هنا عالما بقصر وزوال الحياة الحاضرة…كحلم.
وقلت:
أما نهاية الترنيمة فهو غريب جداً.
هوَّنت لي هنا الغربة بوجهك الباقي
وهكذا سقط الاتحاد بالرب يسوع، أي بمن قال أنا هو القيامة
ثم
وإن تعثرت بها حرَّكت أشواقي
ولكن الشوق لا يعيد الإنسان إلى المسيح، بل المسيح هو الذي يعيد الإنسان إلى المسيح بالروح القدس.
أقول لمن يلصق بي تهمة التعصب أو الطائفية، إن المسيحية الأرثوذكسية ليست طائفة، بل هي الامتداد التاريخي لِما أسَّسه الربُّ والرسل وثبَّته الآباء. إنها كنيسة المسيح في ديار مصر، وتقواها ليست مزيَّفةً، بل تراها في التسابيح القبطية بالذات، تُعيد الإنسان إلى الثالوث، إلى الاتحاد الأقنومي، إلى الأسرار، إلى الكنيسة الجامعة (المجمع الكبير في صلاة نصف الليل)، وتغرسنا في تاريخٍ حي، وشهود وشهداء سلَّموا لنا الإيمان.
ولنا لقاء آخر مع التقوى المزيفة.
ونقول:
هل حينما أقول : أن ما يهون الغربة عليّ هو وجه الله الباقي (والذي أعلنت في نفس النص أنه هو سكني ومسيري..أكون قد أسقطت الاتحاد بالرب يسوع!!..
أو ليس حضور الله بوجهه في حياتي الحاضرة، وأنا مستوطن فيه كسكن “في المسيح” وسائر فيه ” الطريق” هو الذي يمنحني القوة اللازمة للانتصار على صعوبات الغربة وجعلها هينة؟!
وهل مع قولي: ” تحييني فيك”. أكون قد أنكرت فعل القيامة؟!
وهل حينما أقول: ” وإن تعثرت بها حركت أشواقي” أكون قد أنكرت فعل المسيح فيا بالنعمة ليحركني إليه..؟!
من هو الذي يشوقنا إليه؟. ” تحت شجرة التفاح شوقتك لنفسي”
من هو الذي يحرك قلوبنا إليه رجوعا”…
او ليس للرجوع خطوات تبدأ بالصغير منها وهو تشويق المسيح فينا بالروح إليه.. ثم بالقرار ثم بالتحرك الفعلي ثم..إلخ؟
من قال في النص، أن الشوق يعيدني إليه؟ ألم أقل أنه المحرك لكل الأفعال بدءا من الشوق وحتى الإخلاء والاتحاد..؟!
إن ما قلته حضرتك أن المسيح بالروح هو الذي يحركني..هو ما ورد في الترنيمة..الممتلئة بالفعل الالهي:
يميتني..يحييني..ينيرني فأبصر به..يخليني بأن يملأني بما يمجده وحده. يسكنني به..يصبح مسيري…يهون لي الغربة.. ويحرك قلبي لأشتاق للأبديات وأن مغترب في الأرض..
أخيرا:
أشكر محبتكم وأسلوبكم الراقي في عرض الفكر وتناوله..وسعت صدركم في تحمل غبائي..جعلكم الله نورا يجمع ولا يفرق..ويظهر ولا يخفي..ويتناول الفكر دائما بهذه الروح الإنجيلية.
سعدت وشرفت بالنزال..بقدر ما توجعت لما فيه من طعن وتجريح يخص للتقوى وما إليها..ولكن هذا لا يعول عليه كثيرا..فأنا أعرف دوافعكم وقلبكم النقي..ولن أقع في فخ تناول مقالكم بالإنفصال عن تاريخكم الفكري المشرف في مجال التنوير الروحي…كما فعلتم بدون قصد..حين تناولتم ترنيمة واحدة من آلاف الترنيمات، وتاريخ من إعلان الحق في العبادة.
من خلال برامج الخبز اليومي على مدار ١٠ سنوات، لم نبعد فيها عن تقديم للإنجيل
وبرنامج استنارة للتلمذة الروحية:
https://m.youtube.com/results?q=حلقات%20استنارة&sm=3
دمتم لنا د. جورج.. قدوة ومثالا في المسيح يسوع.
تحياتي:
ماهر فايز/ الكاروز
عنه أدمن الصفحة.
رد ماهر فايز على جورج حبيب بباوي
في موضوع: يا من تميتني عني.
سيدي الأستاذ، والعالم الفاضل د. جورج حبيب بباوي.
لقد تعودت أن لا أعير اهتمامي لنصف متعلم، أو لمدعي علم..يتناول مادة أو منهج خدمتي بطعن أو تشويه..ولكن..أن يفعل ذلك عالم حقيقي وباحث مشهود له مثل حضرتكم..فهذه ساحة نزال ومنازلة أشرُف بالنزول إليها، بفروسية ونبل…عالم أنك تضيف ولا تقلل من قيمة حوار كهذا، بما لديك من حق ونور..إن رفعك الله به على نقصي..يزيدني هذا فخر وفرح. لأن هذا يؤول أولا وأخيرا لمجد الله في المسيح يسوع، و لرفعة منارة كنيسته الواحدة.
أولا: لن أعتب عليك على حضرتكم، اختياركم ل عنوان: “تقوى مزيفة” بشيء..لأن هذا يتهمني في تقواي بالزيف..وهذا اتهام يمسني شخصيا ولا يمس التعليم، لذا؛ لا أدفعه عني..فما فيَّ من نقص يحتم عليَّ قبول أي طعن؛ كتائب وسأظل تائبا ليمنحني الله تقواي. ولكنني- وكما تعلمت- سأدفع عن منهجي ومادة عبادتي؛ الاتهام الخاص بالتعليم..حيث يخص هذا شعباً نضع في أفواهه الحق ليعبد ويفرح بإلهه.
و..إلى الدفوع:
قلت حضرتكم في بداية طرحكم، والذي خرجت به من الخاص (كَ ترنيمة واحدة موضوع الطعن) إلى العام باتهامنا بهذا كما ورد بالنص هكذا:
[ثوابت التعليم الصحيح، وهو نتاج طبيعي لزمنٍ غاب فيه التعليم المسيحي عن الثالوث – التجسد – الصلب والقيامة – سكنى الروح القدس – شركتنا الكيانية. لذلك لا يجب أن نسبِّح ربنا يسوع على ما نذكره أو ما نتخيَّله نحن، بل نسبحه على ما أعطاه لنا: البنوة – الحياة الأبدية – ميراث الملكوت – القيامة من الأموات – شركتنا في العلاقة الأقنومية التي بينه وبين الآب والروح القدس … الخ.]
كنت أتوقع أن تذكر لي شيئا إيجابيا، ك (أبجدية المسيح) التي بادر موقعكم المتميز بنشرها فور صدورها عام ٢٠٠٦ وبها تسبحة واحدة تجمع أكثر من ١٦٥٨ آية لتحميد وتمجيد أقنوم الابن من كلمة الله، وبثوابت التعليم المسيحي!
أو كباحث مدقق، كان يمكنك بعمل بحث بسيط على شبكة الانترنت، أن تجد لضعفنا إنتاجا مكثف في التسبيح بهذا الحق..والآن اسمح لي يا سيدي أن أضع روابط لبعض من عينات التسبيح التي نعلن فيها هذا… أطلب لطفكم واتساع صدركم ووقتكم في تفحص هذا.. لا لأجل حوارنا-فقط- بل أضع هذا لأجل إكرام سيدي أمام شعبه، كما أكرمته وسأكرمه.
كما أنني أدعو من هنا، كل من باركه الله بتسبيح معنا، أن يبارك الرب بالرد على حضرتكم بوضع مادة تضيف لهذا النزال بعدا آخر.
عن الثالوث كترنيمة مسيحي لأني أؤمن بالثالوث:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/08-Coptic-Taraneem-Kalemat_Meem-Noun/Masi7i-Le2any-Omen-Bel-Thalouth.html
و ترنيمة لك مجدا وإكراما أيها الثالوث القدوس:
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/lam/magdan.html
ثم عن التجسد(أراعي الترتيب الذي سقته حضرتكم في الانتقاد):
ترنيمة: حقاً نؤمن ونعترف ونمجد العجيب، و ذكصولوجية التجسد (في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله): http://www.father-bassit.com/vb/showthread.php?t=12740
وثيؤطوكية على تعظمة العذراء، تعلن تجسد الكلمة:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Toaazim-Nafsie-AlRabb-2.html
وابصالية للتجسد والظهور الالهي عنوانها: هذا هو الابن الوحيد:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/09-Coptic-Taraneem-Kalemat_Heh-Waw-Yeh/Hatha-Howa-Al-Ebn-Al-Wahid.html
وترنيمة، لو لم يولد المسيح:
http://www.father-bassit.com/vb/showthread.php?t=50739
وغيرها من عشرات الترنيمات، ففي كل عيد لميلاد رب المجد (نضخ) في دماء الكنيسة التعبدية، مئات الكلمات الكتابية التي تعلن هذا الحق.. وأبدا لم نكن (مغيبين) سيدي الفاضل عن مهمتنا ودعوتنا.
والآن إلى الحق الخاص بالصلب والقيامة:
لن تكفي صفحات موقعكم بكل ما فيه من ثراء كمي وكيفي..أن يوضع مقابلها ما أعطانيه الله بفضل نعمته من كلمات وألحان في هذا المجال، ولم نعبد في اجتماع عبادة طيلة ٢٦ عاما من الخدمة دون أن نسبح بعمل الصليب والقيامة، ولم تخلو ترنيمة لنا في لاهوت الخلاص تحديدا، لم نذكر فيها بالفخر والفرح صليب رب المجد وقيامته، وسأكتفي بغيض من فيض أعطانيه الكريم:
ذكصولوجية أيها النور الذي أشرق:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/Aehoa-AlNoor-Allazie-Ashrak.html
http://www.yafita.com/a/1017168/هانرنم-يا-من-داس-الموت-المرنم-ماهر-فايز-فريق-الكاروز/
وترنيمة يا حياةَ المسيحية
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/yaa/almasi7eya.html
وترنيمة زيدوا المسيح تسبيح:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/04-Coptic-Taraneem-Kalemat_Reh–
Zein/Zeido-El-Masih-Tasbeeh.html
وترنيمة يا يسوع حبيبي فادي حياتي، وغيرها، ستجدها على موقعنا:
http://www.elkarouz.com/elkarouzteam/Audio-songs/powerpoint.html
والآن في الترانيم الخاصة بالروح القدس:
https://m.youtube.com/results?q=ترنيمة%20هنا%20في%20حضور%20العجيب&sm=3
وترنيمة: بقوة الروح القدس، يعلن مجد المسيح
https://m.youtube.com/watch?v=fcQEMCNYFyc
وترنيمة: يا نهر النعم الفياض
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/09-Coptic-Taraneem-Kalemat_Heh-Waw-Yeh/Ya-Nahr-El-Ne3am-El-Fayad.html
ثم محاضراتنا الخاصة بمواهب الروح القدس
https://m.youtube.com/results?q=ماهر%20فايز.%20مواهب%20الروح%20القدس&sm=3
أما عن البنوة:
فلنا أكثر من مئة نص ملحن يحتوي موادا كتابية روحية عن البنوة لله. سأذكر بعضها.
ترنيمة، باسم الرب يسوع نأتي:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Be-Ism-El-Rab-Yasou3.html
وترنيمة شاكرينك أيها الآب:
http://st-takla.org/lyrics/ar/songs/sheen/shakreenak.html
أما عن الحياة الأبدية، والملكوت… فيكفي أن تكتبها بجوار اسمنا الحقير لتسمع وترى الكثير على عشرات المواقع.. وخاصة على موقعنا…فلا رسالة لنا عبر التسبيح إلا تقديم إنجيل الحياة الأبدية للبشر. وحمد الله وشكره عليها.
أما عن قيامتنا من الأموات، كموت، بالخطايا..فهناك المئات، أذكر منها:
مالناش غيرك إنت:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/08-Coptic-Taraneem-Kalemat_Meem-Noun/Mlnash-Ghirak-Anta-Elahna.html
وترنيمة: المجد لك..وفيها عدة أبيات تبدأ ب “صوتك يحيي الموتى لأنك أنت هو الحياة”
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/AlMagd-Lak-Ya-Moheb-El-Bashar.html
أما عن شركتنا في العلاقة الأقنومية بين الابن والآب والروح القدس..
فهذا وضعنا فيه نصوصا عدة.. يدرس بعضها في كليات اللاهوت بألمانيا، كنموذج تعبدي حديث..لهذا الفكر الآبائي في العبادة. وهو (باندهاش وإعجاب):
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/02-Coptic-Taraneem-Kalemat_Beh-Teh-Theh-Geem/Be-Endehash-Wa-E3gab.html
ونص آخر يوازيه في قوة الطرح اللاهوتي لصورة الابن فينا:
http://st-takla.org/Lyrics-Spiritual-Songs/01-Coptic-Taraneem-Kalemat_Alef/Ebsaliet-El-Soora.html
—————//————————————————
والآن إلى موضوع ترنيمة: يا من تميتني عني
لما في العبادة المسيحية من اتساع وجداني وشمولية لموضوعات عدة..حرصنا أن نضع ونصنع انسجاما في نصوصنا التعبدية.. فَ الترانيم التي توضع تحت تصنيف لاهوتي يخص الطبيعة الالهية، واللاهوت العقيدي. غير تلك التي توضع تحت اللاهوت الخلاصي، أو الرعوي.. وأيضاً لدينا مجموعة من الترانيم تحمل طابع المناجاة الوجدانية، ومنها ترنيمة (يا من تميتني).. وهي تدرج تحت مصنف آخر من الشعر الصوفي المسيحي.. وهذا له لغته ومفرداته وطرق التعبير فيه، بل ومصطلحاته…
وأستدعي في هذا السياق، ترنيمة: (قلبي الخفاق) لقداسة البابا شنودة، وترنيمة (السائح المسيحي) للصوفي المسيحي الشيخ كامل منصور… ونص (بتصرف) للأب المتنيح متى المسكين بعنوان (نيرك هين):
http://m.youtube.com/watch?v=DZqOb_mAJbA
ومن خصائص هذا النوع من الشعر؛ ضغط الفكرة إلى أقصى حد، وتغطيتها بالطريقة التي تصل بها لمتذوقها دون العبور على من لم يذق..حفظا لتدرجه الروحي..دون المساس بحق الروحاني في الدخول إلى بلده..
والآن لنتابع كلماتكم في نقد الترنيمة، وليعطنا الله نعمة ورحمة في إيضاح الحق فيها من جانبنا أيضا كما تفضلتم.
قلتم:
“وبقربك يفارقني قلبي وما فيه
وفي بُعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري
قارن هذه الكلمات بعبارة رسول المسيح بولس: “بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً أبَّا أيها الآب” (غلا 4: 4-6)، فالقلب، وهو في تراثنا المسيحي العالمي، ليس هو تلك العضلة التي تدفع الدم، بل هو الكيان الروحي كله: الفكر – الشعور – العواطف – الإرادة – الخيال، والأهم هو “الوعي” بحضور الروح القدس الذي يحمل إلينا المصلوب والحي القائم من بين الأموات. إذن، فالقلب لا يفارِق؛ ولكن ما فيه يحتاج إلى تجديد وتقديس بالروح القدس، و”الفناء” في الله الذي تكلم عنه أقطاب التصوف الإسلامي لا تقبله المسيحية؛ لأن الكيان الإنساني: الجسد والروح الإنسانية معاً هما وحدة واحدة يطلبها الثالوث لكي تكون مسكناً له كما قال الرب يسوع بفمه الإلهي: “إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (مسكناً) (يوحنا 14: 23)، ليس لأن الأشواق والرغبات ودقات الموسيقى هي التي تجيء بالثالوث، وإنما لأن التجسد ملأ الكون والإنسانية بحضور الكلمة الابن الوحيد على المستوى الإلهي المتجسد.”
ونقول:
أولا: لم نذكر في ترنيمتنا ما يشير إلى (الفناء) كما ذكرت حضرتكم، بل أكدنا حياتنا في المسيح بالروح القدس المحيي..حين قلنا في أول الترنيمة: “فيك تحييني” فَ آل (نون والياء) تعلن عدم الذوبان الفنائي الذي أشرت إليه.. وفي منتصفها أكدنا قائلين: ” يا سكني ومسيري” وفي هذا التأكيد على دور النعمة التي وضعتنا (في المسيح) لنتحد بمجد الله…ولوصولنا إلى الاتحاد بهذا المجد في (المسيح/ الطريق/ المسير).
وفرق كبير سيدي العالم (باللغة وبالحق) أن أقول: يفارقني…وأن أقول (يفنى) وينتهي وجوده ذائبا أو فانياً… إنما فعل (يفارقني) هنا فعل لابد من تناوله في سياق (الحضور الإلهي/ القرب) “وبقربك يفارقني”…
فمن من يا سيدي العابد، لم يقل(إراديا) في وعيه بالحضور الالهي: ” أحيا لا أنا”.. ومن منا في خبرة الوعي الخاصة بالثيؤريا/ الكشف الإعلاني..لا يقول: “في الجسد أو في الروح، لست أعلم”.. وهذا الذي قال: ” لم تبق فيَّ قوة”..ولكن الأروع في هذا أننا في الحضور الإلهي، و نحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كنا في مرآة…نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد بعل الروح القدس…لماذا؟!…لأن في مرآة الحضور تفارقك صورتك وما فيها لترى يسوع المسيح صورة الله وتقتني ما فيها بالروح…ثم يعود إليك قلبك وصورتك، وهو محملاً بهذا المجد وبهذا التغيير..وهذا المعنى هو ما قصدته بالفعل حين كتبت هذه الشطرة…لأهلها..!
ثم أكملت بعدها:”وفي بعدي لا أصبر عنك يا سكني ومسيري”.. لأؤكد وعيي بالاحتياج الدائم للحضور الالهي وللرب نفسه كسكن ومسير/ ترحال دائم..وهذا الوعي يقتضي حضوري أيضا كفاعل يتجاوب مع نعمة الله وليس ك (فانٍ فيه).
قلت:
ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني
إذا ما أبصرت بك يا نوري وعيني
تعبِّر هذه الكلمات عما وصل إليه هذا الجيل من جفاف، ذلك الجفاف الروحي الذي لمحه الأب متى المسكين في مقدمة كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية. جفافٌ لم يعالَج جذرياً، فقد غاب عن هذا الجيل التعليم بسكنى الروح القدس في أعضاء الجسد، وهو ما نراه في رسائل أنطونيوس، وبالتالي تجلي الجسد لأنه هيكل الله.
وتأمل كيف غابت قداسة الجسد، تلك التي تُوهَب بالروح القدس بمسحة يسوع المسيح نفسه (1 يوحنا 2: 27)، وكيف صار الجسد مستعبداً لإفرازات الجسد، وحركات الطبيعة البيولوجية التي خلقها الله، وتفنن فقهاء العصر الوسيط (لا سيما في المصادر العربية) بكل ما يمكن نقله دون تمييز عن يهودية اللاويين والتثنية، بل وعن الإسلام الذي له وجهة نظر واعتقاد خاص به عن الإنسان (لا مجال له هنا)؛ لذلك صار التقديس الذي يؤخذ في سر الشكر تقديساً مؤقتاً، فَقَدَ الهبة واللمسة الأبدية، وأصبح الإنسان يحتاج إلى الوضوء أو الاستحمام، وهو ما انعكس على قراءة لقاء الرب يسوع مع المرأة نازفة الدم الذي قال الرب نفسه بلسانه: “من لمسني” (متى 9: 20)([1])، فبالرغم من أنه لم يكن لحادثة الشفاء هذه أية علاقة بالعشاء الرباني، إلَّا أنها في زمان الارتداد عن التعليم المسيحي، تصبح حادثةُ شفاءٍ لا علاقة لها بسر الشكر مثالاً لنجاسة المرأة الحائض، وبالتالي تبرر المنع من التناول.
إن ما حدث قبل كمال التدبير بالصلب والموت والقيامة والصعود وحلول الروح القدس لا يجب أن يُقتطع جزء منه لكي يبني عليه الفقهاء المتأسلمون ممارسةً تُنكر قداسة الانسان في يسوع المسيح، بل يجب علينا أن نرى العالم كله كمكان، تتجلى فيه رحمة وعظمة الله، وبالتالي لا يحجب القلب أو الفكر عن الله. هذه الثنائية الغنوصية الأصل، قد تجاوزها النسك المسيحي بالهذيذ أو الثاؤريا الأولى، وهي تأمل الكون الذي تغنَّى به سفر المزامير عن تسبيح الخليقة لله واهب كل العطايا (مزمور 147 على سبيل المثال لا الحصر). فقول الترنيمة: “ما عاد منظرٌ فيها يحجبك عني”، وإن كان يبدو بريئاً ويعبِّر عن شوق حقيقي، ولكن تحت هذه البراءة تختفي الثنائية القديمة، فكل منظر في الكون ناطقٍ بمجد الله لا يُبعد الانسان عن الله، ولا عن محبة الله: “السموات تُخبر بعمل يديه ..”، ولكن التحليل الدقيق لكلمات الترنيمة يؤكد لنا أن الانسان لا زال يعيش ثنائية الله والكون، أي أن الله غريبٌ عن الكون، وأن الإنسان يجب أن ينكر ويجحد الكون. وكلمات هذه الترنيمة، مثل كلمات ترنيمة أخرى، أقدم:
“فكل منظر ها هنا فيه الشقاء والعناء”،
في حين أن كل منظر هنا -مهما كان- يؤكد لنا الحضور الإلهي الدائم ليسوع المسيح.
المحبة الإلهية التي يسكبها الروح القدس (رو 5: 5).
عندما يقول رسول الرب: “إن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا -وهي كلمات غابت في زمانٍ أنكر فيه البعض سكنى الروح القدس وحذفوا فيه عن جهل عبارة رسول الرب: “أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم” (1 كو 6: 16)- فقد تحوَّلت حركة السعي لمحبة الإنسان لله، إلى حركة إنسانية لم تنل قوة النعمة، ولم نعد نسمع عن آهات وشفاعة الروح القدس (رو 8: 26)، غاب هذا كله تحت وطأة الخلاص بالانهماك في التسبيح الذي يدخلنا في تقوى مزيفة؛ لأنها تبحث عن الله بينما الله هو الذي يبحث عنا.
إن أشواق الإنسان إلى المسيح بدون صلب الأهواء، وبدون هبة الحياة الأبدية، تقود إلى فراغٍ وعدم؛ لأن انكار الذات تحوَّلَ من لمسة النعمة فينا إلى Self – Negation بينما لا يمكن إنكار الذات إلَّا بالذات، فلابد من وجود الذات “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غلا 2: 20)، وهذه ليست Self – Negation بل هي إنكار الذات كوحدة Unite وكيان entity مستقل عن الرب، لا التقوى المزيَّفة التي دخلت مع التشديد على صوم الجسد وحده، دون صوم القلب، وإفراز أطعمة وساعات الانقطاع والتي تحولت إلى “أعمال الشريعة” التي لا تقدِّم الإنسان إلى الله؛ لأن الله هو الذي جاء إلينا (راجع غلاطية، الاصحاح الثاني كله)، وعندما يخرج الإنسان عن كيانه، فهو لا يصل إلى شيء، بل يقع في حفرة العدم.
ونقول:
اعذرني سيدي العالم الجليل، لوضع طرحك بالنص..فأنا تعودت احترام الكلمة..وعدم أخذ الكلام كما أفهمه، بل كما تقوله أنت..كما أعتذر للمتابع لهذا التطويل، فلا بد منه.
عندما أقول أنني عندما أرى الكون وما فيه بالمسيح نوري وعيني، فلا يصبح المنظر حجابا لي عن رؤية صانعه وباريه.. أي يصبح الكون مجلى ومعلن لمجد الله، ولا يكون حاجز أو حاجب لعيني…أأكون بهذا أعيش ثنائية الكون والله..بل وأجحد الكون !!
كيف لعين ترى جوهر الأشياء في الله دون أن يكون المنظر (حاجزا) لأنها ترى الكون بعين الخالق وب نوره أن تحيا ما تدعيه عني يا سيدي الفاضل..ألا ترى أنك بالغت قليلا..ربما دون أن تقصد..ولعدم إعمال الدقة في فحصك للنص.
نعم يا سيدي.. فأنا أؤكد في النص على الحضور الإلهي في الكون، لأنني أراه بعين الخالق، وأرى مجده وتجليه في صنعة يديه..وإلا كنت قد قلت: “أغمضت عيني عن الكون لأراك، أو لكي لا يحجبك عني” !! ولكنني أصر أن “أبصر الكون به فهو نوري وعيني”..
أأمل في المحبة أن تراجع المقولة المطولة التي أسقطتها على النص، وهي لا تمت بصلة له..واصبر قليلا سيدي أمام الكلمات ربما رأيت فيها..ما فيها.. لا ما فيك..وما قلت أنني أراه بسيدي نوري وعيني..لا ما رأته عينك سيدي جورج العظيم.
قلت:
يا من تميتني عني وفيك تحييني
كل ما في الكون حلمٌ أنت اليقظة فيه
والشطر الأول يُبعد الوعي عن التجسد، فالمسيح لم يكن أمنية، ولكن الشطر الثاني صحيح؛ لأن المسيح أحيا الإنسان فيه، وكان من الضروري التشديد على الصلب والقيامة: “أقامنا معه – أجلسنا معه في السماويات”. يا ليتنا نرتل كلمات رسول الرب ونترك العموميات التي تقتل الوعي والإدراك بخصوصية الإيمان المسيحي ورسالته.
وأقول:
أولا: أشكر الله على غيرتك المقدسة في التشديد على الصلب والقيامة وانجيل الايمان المسيحي الحق.. وأظن – وأرجو ان تحتمل غباوتي قليلا- أنني أوفر منك في هذا..حيث وضعت هذا في ملايين الكلمات الملحنة، لترددها آلاف الأفواه الناطقة بالعربية.. ولا مزايدة في هذا على عطاء النعمة الخاص به لدينا..
وبعد رحيلنا (أنا وأنت) سيذكر شعب المسيح، ويردد طويلا ما أودعته من نصوص تعبدية في هذا..وهذا الحوار كله، وما على شاكلته من سجال فكري…سيطويه النسيان.
ولكن المصنف (الشعري) هنا تحديدا..وهو صيغة أدبية من “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” يرقى بفعل الإماته حين يعلن: أن دوري في قبول حمل الصليب، يحتاج لدور رئيس الكهنة ومقدم الذبيحة.. ففعل البذل يعود لي…وفعل الإماته له وحده.. وهو فعل إماته وإحياء في نفس الوقت ” يميتني عني، ويحييني فيه” لأردد ” لي الحياة هي المسيح”..” آخر يحملك حيث لا تشاء.. قال هذا مشيرا إلى أية ميتة”.. ونستطيع أن نقول أيضا أننا وإراديا بالطاعة والامتلاء بالروح القدس ” بالروح تميتون أعمال الجسد.. فتحيون”. أما الموت عن الذات.. فهو ” مع المسيح صلبت -الفاعل مبني للمجهول في الجملة والمعروف إنجيليا- فأحيا لا أنا…”
وعندما أقول: ” كل ما في الكون حلما، أنت اليقظة فيه” لا يعني هذا أن المسيح أمنية كما تفضلت وأولت النص…
إنما يعني هذا أن الحياة الحقة تبدأ بيقظة القلب في المسيح.. ليصبح هذا العالم والغربة فيه وكأنه (فترة حلم جميل كان أم قاسٍ).. فالقلب الذي عرف الله اليقظة الحقة.. عاش الحياة الحقة الأبدية وهو هنا عالما بقصر وزوال الحياة الحاضرة…كحلم.
وقلت:
أما نهاية الترنيمة فهو غريب جداً.
هوَّنت لي هنا الغربة بوجهك الباقي
وهكذا سقط الاتحاد بالرب يسوع، أي بمن قال أنا هو القيامة
ثم
وإن تعثرت بها حرَّكت أشواقي
ولكن الشوق لا يعيد الإنسان إلى المسيح، بل المسيح هو الذي يعيد الإنسان إلى المسيح بالروح القدس.
أقول لمن يلصق بي تهمة التعصب أو الطائفية، إن المسيحية الأرثوذكسية ليست طائفة، بل هي الامتداد التاريخي لِما أسَّسه الربُّ والرسل وثبَّته الآباء. إنها كنيسة المسيح في ديار مصر، وتقواها ليست مزيَّفةً، بل تراها في التسابيح القبطية بالذات، تُعيد الإنسان إلى الثالوث، إلى الاتحاد الأقنومي، إلى الأسرار، إلى الكنيسة الجامعة (المجمع الكبير في صلاة نصف الليل)، وتغرسنا في تاريخٍ حي، وشهود وشهداء سلَّموا لنا الإيمان.
ولنا لقاء آخر مع التقوى المزيفة.
ونقول:
هل حينما أقول : أن ما يهون الغربة عليّ هو وجه الله الباقي (والذي أعلنت في نفس النص أنه هو سكني ومسيري..أكون قد أسقطت الاتحاد بالرب يسوع!!..
أو ليس حضور الله بوجهه في حياتي الحاضرة، وأنا مستوطن فيه كسكن “في المسيح” وسائر فيه ” الطريق” هو الذي يمنحني القوة اللازمة للانتصار على صعوبات الغربة وجعلها هينة؟!
وهل مع قولي: ” تحييني فيك”. أكون قد أنكرت فعل القيامة؟!
وهل حينما أقول: ” وإن تعثرت بها حركت أشواقي” أكون قد أنكرت فعل المسيح فيا بالنعمة ليحركني إليه..؟!
من هو الذي يشوقنا إليه؟. ” تحت شجرة التفاح شوقتك لنفسي”
من هو الذي يحرك قلوبنا إليه رجوعا”…
او ليس للرجوع خطوات تبدأ بالصغير منها وهو تشويق المسيح فينا بالروح إليه.. ثم بالقرار ثم بالتحرك الفعلي ثم..إلخ؟
من قال في النص، أن الشوق يعيدني إليه؟ ألم أقل أنه المحرك لكل الأفعال بدءا من الشوق وحتى الإخلاء والاتحاد..؟!
إن ما قلته حضرتك أن المسيح بالروح هو الذي يحركني..هو ما ورد في الترنيمة..الممتلئة بالفعل الالهي:
يميتني..يحييني..ينيرني فأبصر به..يخليني بأن يملأني بما يمجده وحده. يسكنني به..يصبح مسيري…يهون لي الغربة.. ويحرك قلبي لأشتاق للأبديات وأن مغترب في الأرض..
أخيرا:
أشكر محبتكم وأسلوبكم الراقي في عرض الفكر وتناوله..وسعت صدركم في تحمل غبائي..جعلكم الله نورا يجمع ولا يفرق..ويظهر ولا يخفي..ويتناول الفكر دائما بهذه الروح الإنجيلية.
سعدت وشرفت بالنزال..بقدر ما توجعت لما فيه من طعن وتجريح يخص للتقوى وما إليها..ولكن هذا لا يعول عليه كثيرا..فأنا أعرف دوافعكم وقلبكم النقي..ولن أقع في فخ تناول مقالكم بالإنفصال عن تاريخكم الفكري المشرف في مجال التنوير الروحي…كما فعلتم بدون قصد..حين تناولتم ترنيمة واحدة من آلاف الترنيمات، وتاريخ من إعلان الحق في العبادة.
من خلال برامج الخبز اليومي على مدار ١٠ سنوات، لم نبعد فيها عن تقديم للإنجيل
وبرنامج استنارة للتلمذة الروحية:
https://m.youtube.com/results?q=حلقات%20استنارة&sm=3
دمتم لنا د. جورج.. قدوة ومثالا في المسيح يسوع.
تحياتي:
ماهر فايز/ الكاروز
عنه أدمن الصفحة.