العودة للآباء لفهم الكتاب المقدس، وتزييف الحياة المسيحية
في المقال السابق، فصل الكلمة عن السرائر، عرضنا لجانب تاريخي مختصر عن دعوة حركة الإصلاح: “الكتاب المقدس وحده”. وكتب أكثر من قارئ يقول إن د. القس سامح موريس يقدم شعاراً جديداً هو: العودة للآباء لفهم الكتاب المقدس. وهو كلام بريء تماماً يجوز في وعي السذج فقط؛ لأن صاحب هذا الشعار لا يعرف ولا يدرك أن تعليم الآباء مُودَع في الليتورجية، أي خدمة السرائر. وأن الآباء لهم مكاناً خاصاً في احتفالات الكنيسة السنوية في أعياد استشهادهم أو انتقالهم.
طبعاً، غياب المؤلفات الآبائية أضعف التعليم. كما أن محاولة بعض الإكليروس الأرثوذكس استخدام عقائد حركة الإصلاح، لا سيما عقيدة الفداء والكفارة، عن جهل، والاستمرار في الدفاع عنها في صلف وعناد، هو ما جعل نشر مؤلفات الآباء بالعربية ضرورة لحياة الكنيسة، واستمرارها في الوجود، وتدعيماً للشهادة، وهنا يهمنا أن ننبه إلى ثلاث حقائق ضرورية لا يجب إغفالها، وهي:
أولاً: الحياة الروحية الأرثوذكسية ليست عودة إلى الكتاب المقدس؛ لأن ما جاءت به حركة الإصلاح هو تحول المسيحية إلى حركة عقلانية Rational بلا سرائر. وصارت الأفكار التي تعتمد على القراءة الفردية لكل فرد، هي ما يربطه بالمسيح، أي حياة عقلية فكرية خاضعة تماماً للوعي والفهم، وهو هنا الوعي والفهم الفردي. ومع تقلبات الفكر وسيطرة العواطف والمشاعر على الفكر، تعلو الحياةُ وتهبط، ولذلك جاءت حركة النهضة الإنجيلية تحت مطرقة يوحنا كالفن بخمس نقاط شكلت في اللغة الإنجليزية:T.U.L.I.P.
– وأول حرف T هو Total Depravity
– وثاني حرف U هو Unconditional Election
– والحرف الثالث L هو Limited Atonement
– والحرف الرابع I هو Irresistible Grace
– الحرف الخامس P هو Perseverance of the Saints
1-والحرف الأول T وهو يرمز في الكلمة الأولى Total Depravityإلى فساد الإنسان فساداً كاملاً عقلاً وجسداً وروحاً. ويؤيد الإنجيليون وجهة نظرهم بما ورد في مرقس 7: 21-23 – رو 6: 20 ورو 3: 10-12. ورغم أن بولس قال إن الإنسان هو الذي في حالة عداوة لله، إلَّا أن معظم قادة النهضة قالوا العكس بأن الله هو عدو الإنسان وهو يكرهه، وهذا عكس ما جاء في (أفسس 2: 15).
وعندما يقول الرسول بولس: “كنا بالطبيعة أبناء الغضب” (أفسس 2: 3)،نجد أن الغضب، حسب العصر الوسيط، هو انتقام الله من الخطاة وتشفيه فيهم، بينما نقول نحن في القداس الباسيلي عن الله: “لم تتركنا عنك إلى الانقضاء”، وفي القداس الغريغوري: “أرسلت لي الأنبياء من أجلي أنا المريض”. وعبارة “أبناء الغضب بالطبيعة” لا تعني وقوع الإنسان تحت الغضب الإلهي، وإنما تعني أصلاً أننا حسب الطبيعة الإنسانية كنا نرفض الله. والغضب هنا هو غضب الإنسان لا غضب الله، ولعلك قارئي العزيز تلاحظ عبارات الرسول:
– “كنا أمواتاً بالذنوب والخطايا … حسب دهر هذا العالم”.
– “رئيس سلطان الهواء (الشيطان) الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية”.
– “الذين نحن كنا جميعاً تصرفنا قبلاً في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار. وكنا بالطبيعة أبناء الغضب”، ثم في ذات السطر: “الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ..”.
لسنا أبناء الغضب الإلهي،بل أبناء الغضب الإنساني؛ لأن الغضب الإنساني لا يلد أبناء إلَّا على مستوى الإنسان في توالد البشر، والتشبه بالسابقين، فلم يوصف الله بصفة الغضوب في العهدين القديم والجديد.
وفي العهد القديم “الغضب” هو أساساً رفض الله لكسر العهد. وفي العهد الجديد هو رفض المحبة والصفح والرحمة الإلهية المستعلَنة في المسيح([1]).
2-أما عن حرف Uفهو يرمز في الكلمة الثانيةUnconditional Electionللاختيار الذي لا قرار فيه للإرادة الإنسانية، بل حسب اختيار الله. وهو يعتمد على قراءة خاطئة جداً لرسالة رومية الإصحاحات 9-11، وسوف نفرد لها دراسة خاصة.
3- أما عن حرف L فهو يرمز في الكلمة الثالثة Limited Atonement للفداء المحدود. لأن المسيح مات من أجل المختارين، حسب سبق معرفة الله، وسوء اختيار كلمات الرب في (يوحنا ص 17)؛ لأن الحديث كان عن استعلان الآب، لا عن تأسيس الكنيسة، والأهم من هذا أن الاختيار لم يكن موضوعاً شرحه الرب، أو أعلنه في كل خدمته. فبالنسبة للتلاميذ، هم كانوا مع يسوع يسمعونه، وهم ليسوا مختارين -حسب كالفن- ولكنهم كانوا مختارين كنواة للكنيسة، أو جذر لها، بل وسوء فهم كلمات الرب في أنه يموت عن الخراف في (يوحنا 10: 11-15)، حيث أضاف المذهب الإنجيلي أن الجداء لم يُذكَروا في المثل، وبالتالي مات يسوع عن الخراف فقط، بينما المثل هو عن الفرق بين المعلم أو الراعي الصالح، وهو لقب من ألقاب الملك المختار من الله في العهد القديم، وجماعات المعلمين من الفريسيين وغيرهم.
4-أما عن حرف Iفهو يرمز في الكلمة الرابعة Irresistible Grace لعدم القدرة على مقاومة النعمة. والغريب أن من كل جمال رسالة فيلبي، اختار زعماء المذهب هذه العبارة التي يسبقها سجود كل الخليقة للابن الممجد من الآب في (فيلبي 2: 5-11)، إذ يقول الرسول بعدها: “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (2: 13)، وقبلها: “تمموا خلاصكم بخوف ورعدة”، لكن باقي التعليم هو أن يكون الذين سمعوا الرسالة “أحياء حسب قصد الله افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله ..” (2: 14-17)، لكن هنا يظهر أن الدمدمة والجدال كانت ممارسات في وسط الجماعة، وهو ما يؤكده الرسول بعد ذلك “إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح” (2: 21)، بل لعل الهرب من المعاناة هو ما سبق وحذَّر منه الرسول في نفس الرسالة (1: 29)؛”.. لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله”، وباقي الرسالة يشهد بتداعي الحياة المسيحية في ذات الجماعة راجع (2: 4):”لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه”، وهو ما يؤكد مقاومة النعمة وضعف الحياة المسيحية.
5-أما الحرف الأخير Pفهو يرمز في الكلمة الخامسة Perseverance of the Saints إلى الثبات والدوام، أولاً؛ لأن المختار لا يمكن أن يفقد خلاصه. وثانياً؛ لأن الذي فداه يسوع لن يسقط.
ثانياً: الإنحراف القاتل بعيداً عن الهدف:
1-هكذا تمت صياغة الإنجيل كله في هذه المبادئ الخمسة، لتحل محل التعليم الإنجيلي الصادق، وأول ما في هذا التعليم هو موت الرب يسوع عن العالم كله (يوحنا 3: 16 – 1يوحنا 4: 14 ولاحظ لقب الرب “مخلص العالم”.
2-صارت الحياة المسيحية تصاغ بهذه الصورة، وهو ما أدى إلى مقاومة ورفض الرهبنة – الصوم – النسك – البتولية، وهي كلها، أي الرهبنة والنسك والبتولية، هي “باكورة القيامة وعسل الدهر الآتي”؛، فلا داع بالمرة للبتولية أو الفقر الاختياري أو الصوم؛ لأن من اختاره الله أزلياً لن يسقط من النعمة، والممارسات لا تهم.
عندما كنت أدرس في جامعة كامبريدج (1965-1970) سألني أستاذ التاريخ الكنسي عن اختيار الله السابق للمؤمنين، هل هو عقيدة في الكنائس الأرثوذكسية؟ وقلت له لم أسمع به إلَّا عند قراءة كتب الإنجيليين، وهو غير معروف عند كل الآباء حتى آخر مدونة عن العقيدة ليوحنا الدمشقي (676-749)، ولكن هناك شبهات عن أوغسطينوس بأنه أول من أدخل هذا التعليم المزيَّف، ووصلت الصياغة اللاهوتية في شكلها الذي تطور بعد ذلك عند توما الأكويني، وصارت أحد محطات تعليم كالفن. وغياب هذا التعليم في الكنائس الأرثوذكسية يعود إلى أن كلمة “اختيار” في (رو 8: 29)،تنصرف إلى اختيار الجنس البشري وليس إلى أفرادٍ معينين. هكذا قرأ الآباء في الشرق (رو 8: 29).
3-وفتح هذا التعليم (اختيار الله السابق) ينبوعاً منالسُّم؛ لأنه وضع الإنسان في العالم الغربي أمام معضلة لا يمكن حلها، وهي: هل هو مختار بعلم الله السابق، أم أنه مرفوض؟ وإذا كان رفض الله معناه جهنم الأبدية، بالتالي ارتفع العداء لله نفسه، وتحوَّل إلى الإلحاد ومقاومة الكنيسة أولاً، ثم المسيحية بعد ذلك في ثلاث موجات متلاحقة:
Humanism
Reformation
Enlightenment
والأولى: هي إحدى ثمرات الثورة الفرنسية، والثانية بدأت في ألمانيا، ثم تلاها الثالثة في المانيا أيضاً. تم هذا في فترة لا تزيد على 200 سنة، ثم دخلت أوروبا في الحروب الدينية: حرب المئة عام – العالمية الأولى – العالمية الثانية. وفي ثنايا هذا جاءت الثورة الصناعية. ولعل الذين درسوا الفلسفة يعرفون أن أخطر ما كُتب حتى الآن هو كتاب صغير للفيلسون الألماني Kant (1793) يواكب ما عُرف بحركة التنوير، واسمه “الدين في حدود العقل وحده –Religion within the Limits of Reason alone“.
وعندما ذكرتُأنني درست الإلحاد (دراسة الإلحاد هي جزء من منهج الفلسفة، الذي لم يقترب منه أحد بوضوح سوى الأستاذ د. مراد وهبة، وفي حياء –كتاريخ- الأستاذ يوسف كرم)، أطلق مطران دمياط صيحته الغريبة: احذروا، جورج حبيب درس الإلحاد!!! وهي طبعاً صيحة خوف.
فعلاً، لدينا خوف، ولكن الإيمان بالله لا يخلق الخوف، بل يخلق الشجاعة والقدرة على مجاوبة كل ملحد.
إن مأساة عقيدة الاختيار هي: إمَّا الله، أو جهنم.
ومع التعليم بالغضب الإلهي على الخطاة الذي لا يزال يُقال من على منابر الكنائس الإنجيلية هنا في أمريكا حتى ساعة كتابة هذه الكلمات، صار الله أيضاً هو جهنم في اللاوعي.
ثالثاً: العودة إلى الآباء هي عودة إلى السرائر Mysteries وإلى الأرثوذكسية:
لقد أشرنا إلى فصل الكلمة عن السرائر. فهل يعرف القس د. سامح موريس أن دعوته إلى الصلاة، تعود أصلاً إلى ما تغرسه المعمودية في الذين ينالون هذا السر؟فالمعمودية تغرس فينا:
* التبني – حرية أولاد الله.
* الاستنارة – طلب ملكوت الله وبره أولاً.
* تمييز الأبدي على الزماني والتمسك بالأبدي.
* تقديس الجسد والروح.
هذه هي العناصر الأربعة هي أقل ما يمكن أن يقال، ولكن عندما تصبح المعمودية في المذهب الإنجيلي:
* مجرد انضمام إلى الكنيسة.
* اعتراف علني بالإيمان.
وتذوب كل كلمات الرسول في (رو 6: 1-8) عن الشركة في الصلب والموت والدفن والقيامة، وهي القوة الإلهية المستعلَنة في يسوع، والتي بها نولد من جديد، لأننا لا نلد أنفسنا، بل يلدنا الله الآب (يوحنا 1: 13 -14)، ومن هذه الولادة الجديدة وبحلول الروح القدس، وُلِدَت ونمت ليتورجية الكنائس الرسولية.
وعندما يفقد العشاء الرباني صوت الواهب يسوع، الذي يدعونا إلى تناول جسده ودمه، وبكل وقاحة الإنسان العتيق، نقول إنه ليس جسده، بل هو رمزٌ وذكرى … الخ. ويذوب الاتحاد بالمسيح في تلافيف الذاكرة والفكر والعواطف، ويصبح المسيح فكرة .. فأي مصيبة أكبر يمكن أن يقع فيها الإنسان، عندما يصبح العقل والإرادة والفكر والعواطف هم اتحاده، الذي مصدره الفكر،لا يسوع صخر الدهور في الوقت الذي نعيش فيه حياة تتزعزع، ولكن يسوع “هو أمس واليوم والى الأبد” (عب 13: 8)؟
الإنسان الفرد، وفكره هو أساس كل شيء
إذا بدت هذه الكلمات صادقة، فهي بكل أسف الحقيقة السافرة التي لا يمكن تجاوزها؛ لأن الإنسان ينال التبرير بالإيمان وليس من الله، وهو ضد ما جاء في رو 5: 1. والعبادة محورها الذاكرة التي تقوم فيها بالدور الأساسي مع غياب استدعاء الروح القدس لاستعلان المسيح؛ ولذلك حشدت الاجتماعات ذلك الكم الهائل من الموسيقى والتراتيل لبعث دور الذاكرة. كما أن العظة حلت محل الحضور الإلهي للمسيح المستعلَن في العشاء السري، وصارت كلمات الواعظ هي أهم من دعوة الرب: “خذوا كلوا – خذوا اشربوا”.
أخيراً:
ليكن معلوماً أن العودة إلى الآباء تعني:
1- أن العشاء الرباني هو ذبيحة الرب المقدمة لنا في كل قداس.
2- شفاعة القديسين أعضاء جسد المسيح الحية (سوف نقوم -إن شاء الرب وعشنا- بنشر بحث عن شفاعة القديسين على الموقع في القريب العاجل).
3- أن الكنيسة جسد واحد في السماء حيث الأحياء في كورة الأحياء من الآباء والنساك والشهداء والقديسين، ومعنا الملائكة الذين صار لهم مكان في جسد المسيح.
4- أن الملائكة والقديسون الأحياء والراقدون هم معنا في كل معمودية ومسحة ميرون، وفي القداسات والرسامات والزيجات ومسحة المرضى … إلخ
هل يقبل د. القس سامح موريس كل هذا أم أنه يختار ما يروق له -حسب مبدأ الاختيار السائد في حركة الإصلاح، ويرفض هذه النقاط الأربعة السابقة بدعوى أنها غير موجودة في الكتاب المقدس، وبالتالي يكون قد كشف عن الوجه البروتستانتي الخفي الذي يخدع به البسطاء والسذج الذين تركوا أم الشهداء لأسبابٍ متنوعة وارتموا في حضنٍ آخر لا جذور تاريخية له، ولا أساس لاهوتي عنده، بل ومبنيٍّ على سوء فهم للكتاب المقدس نفسه؟
([1]) راجع دراستنا: موت المسيح على الصليب حسب تسليم الآباء ص 124-137 – منشورة على موقع الدراسات القبطية واللاهوتية.
3 تعليقات
المشكلة الكبري في الكنيسة الارثوذكسية ان التعليم عظيم وحق ولا مشكلة في الطقوس التي تعبر عنه ولكنه حضور الروح القدس الذي تتكلم عنه والذي من المفترض ان يتواجد في تلك الطقوس ؛ غير موجود بالحقيقة ولهذا فالتراث عظيم ولكنه ميت
أشاهد العشرات من المنتظمين علي حضور الطقوس وممارستها وحياتهم جافة ميتة
علي الكنيسة الارثوذكسية ان تستعيد حضور الروح القدس داخل طقوسها اولا
الى
Moody zaky
اتفق تماما مع حضرتك هناك قول يقول الكنيسه التى لا تغيرك غيرها و لكن الى اين نذهب ونحن نعلم انه كنيستنا هى الكنيسه الحق و الايمان الحق لا وليس لنا ملجا سواها و لن يكون ابدا -< مع اخذ هذه الحقيقه فى اطار المقصود منها >
كنت اومن انى لو اذا ذقت المسيح فللعالم لن يكون له سلطان على و لكنى لم اذق المسيح للان ولم اعرفه و لا رايته بعد
فهل هناك سر اخفى علينا عن المسيح لا نعلمه
و هل يجوز وجود سر بعدما اعلن الله نفسه عن نفسه بنفسه بتجسده
ابتدات اجد بدايات الاجابه فى كتابات الدكتور جورج و خاصه فى كتابه عن الليتورجيه و رسايل ابينا فليمون المقارى
و سؤالى للدكتور جورج الذى علمت انه من تواضعه لا يرد على تعليقات الموقع
هل من مقاله مستفيضه عن ماذا يظن الخطا و ان كنت اعلم انه باحث علمى و ليس بواعظ لكن اطلب هذا الطلب من واقع كونه دارس و باحث ومختبر و معايش ولديه الكثير مما يمكن ان يرشد وينير الطريق
سلام ربنا يسوع يعطي لك الفرح الأبدي، ويعيدك إلى إنسانيتك.
عندما نحكم على كنيسة يشهد لها 20 قرناً من التاريخ، نفقد إنسانيتنا، ونصبح آلهةً نجلس على عرش الدينونة مع الثالوث القدوس.
عندما تصدر حكماً بأن الروح القدس غير موجود في الكنيسة الأرثوذكسية، أرجو أن تكون على وعي بأنك عندئذٍ تصدر حكماً ضد روح الله الذي يملأ السماء والأرض والكائن في كل مكان وزمان.
هذا مخيف حقاً يا صديقي.
أن تفصل التعليم عن الطقوس، فهذا يشبه من يفصل الرأس/التعليم عن الجسد/الطقس. وأنا لا أختلف معك في أن طقوس الكنيسة تحتاج إلى من يشرحها لاهوتياً دون أن يسقط في بالوعة الرموز.
تأمل مثلاً، الدوران حول المذبح، هو تعليم لاهوتي أصيل بأن المذابح موجودة في كل مكان، حيث يجتمع المؤمنون عند مذبحٍ منظور من الحجر أو الخشب لكي يعود إلى وعي هؤلاء أنهم ذبائح روحية (رو 12: 1)، ولذلك، فإن الصلوات التي تقدَّم مع البخور حول المذبح هي صلاة تكريس تسمى الأواشي، تعبِّر عن ارتفاع القلب والروح إلى مستوى ذبح الإرادة لنكون رائحة المسيح الذكية وعطر الحياة غير الفانية (القمص مينا المتوحد)؛ لذلك يدور خادم السرائر مع الشماس حول المذبح، وهذا معناه اللاهوتي أن الكنيسة كلها مذبح واحد روحي، مركزه المذبح الذي تقدَّم عليه ذبيحة الرب يسوع؛ لأن الجسد الذي يُبذل، والدم الذي يُسفك هو الدم الذي عبر بنا إلى الخلود لكي يجعلنا ذبائح روحية حية شاهدة.
هذا يختلف تماماً عن تعليم العصر الوسيط الذي لم تتجاوزه الكنيسة الإنجيلية المصرية ولو قيد أُنملة؛ لأن دم المسيح -طبقاً لهذا التعليم- الذي دفعه على عود الصليب ثمناً لخطايا البشر إرضاءً للعدل الإلهي، دُفِعَ للآب، ولذلك فهو لا يُعطى في كأس الشكر. ولذلك يصعب على المنتمين لهذا التعليم أن يفهموا أن الشرح اللاهوتي لما يسمى طقس الدوران حول المذبح -والاسم الصحيح هو ترتيب وليس طقس- هو انتقال وعي المصلِّين إلى معاينة سر المسيح، الذي يجمع حوله أعضاء جسده.
بالطبع، الذين لم يستلموا الشرح اللاهوتي، سقطوا في الجمود الذي تفرضه الرموز.
أرجو ألَّا يكون مستوى أداء حياتك وسيرتك وعباراتك وأفكارك هي المرجعية التي تجعلك تصف الأرثوذكس بالجفاف. وأنا ضد العموميات؛ لأن العموميات من صنع الشيطان، هي غياب الإفراز، أي عدم التدقيق، وفي ضوء ذلك دعني أسألك: ما هو الجفاف؟
أرجو أن يغمر الصلاح الإلهي قلبك المشتعل، بمحبة تسمح لك بأن تحب حتى عدوك (إن كان أرثوذكسياً).
لا تحكم على أحد يا أخي المحبوب. وأرجو أن ترى أنني وقد بلغت 75 عاماً صرت من الشيوخ، أصبحت أخاف من أي حكم على أي إنسان؛ لأن الحكم هو (إسقاط) صورتي على الآخر، وهو في النهاية تعبير عن تحجر الذات. “مع المسيح صُلبت” ولا حكم إلَّا على التعليم.
مع محبتي لشخصك في الرب معلم المحبة.
دكتور
جورج حبيب بباوي