مع التحفظ على نعبير “السلطان الكهنوتي”، والتقرير بعدم صحته، يؤكد الدكتور جورج حبيب بباوي أن العمل الكهنوتي الذي يخرج على إطار التدبير، يصبح عملاً مزيفاً. وأن هذا العمل يفقد شرعيته إذا فقد غلاقته بالمسيح. كما يجيب عن سؤال حول المقصود بالعبارة التي ترد في صلاة التحليل: “أنعمت للذين يعملون في الكهنوت … أن يغفروا الخطايا على الأرض ويحلوا كل رباطات الظلم”. وما هو دور الكاهن في مغفرة الخطايا في سر الاعتراف؟
تكملة محاضرة السلطان الكهنوتي : ماهي حدود السلطان الكهنوتي
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- السلطان الكهنوتي!
من التعبيرات الشائعة في الأدب الشعبي الكنسي المعاصر تعبير "السلطان الكهنوتي"، ما هو مدى صحة…
- تكملة لمحاضرة سر الكهنوت
في هذه المحاضرة يطرح الدكتور جورج حبيب بباوي موضوعاً مفصلياً في التعليم الكنسي عن سر…
3 تعليقات
الصغير !
حين يعتلى صغير كرسى كبير يصبح أمره عجباً !
تراه ضائع البصيرة, ضامر الضمير, مسلوب الأرادة, مخدور الروح, زائف الشخصية, قليل العزم فيما يفيد المجموع, نرجسى الطباع, موهوم الفكر, لا قرار له صائب فى مكانه, ولا قرار له يصدره بنفسه, فالقرار فى يد المتملقين المعجبين والمعجبات بضحالة فكره, وقصور حسه عن الشعور بأى أخر سواه, فالقرار فى يد المرأيين, فهو مسلوب الأرادة لحسابهم, لمن يشعره بعدم نقصه وأكتماله !
وبالفعل لا يستطيع أن يختلف مع الذين لا يدرون صغر حجمه, وبالأجدر مع الذين لا يتداركون صغره, فهو مصير من قبل فكرة واحدة وحيده عقيمة, مقتضاها ضخامته الشخصية, وأمتلاء الكرسى بمقدرته الفذة فى أدارة أمور الكرسى, ولهذا فهو عبداً لمن يبتعد عن نقصه, المتملق لقدراته, لأنه كلما أحس الصغير مقدار صغره, كلما رأى ضخامة الكرسى الذى يقتعده, صغرت نفسه, فراح ينفخ أوداجه, ويوسع من صدره, ويعلى من شأنه, ويقوى من صوته, ويلهب من سطوته على المخالفين, ويبعد وينفى كل المعارضين, فيزداد دون أن يدرى صغراً, ويزداد الكرسى أتساعاٌ, ويتضاعف شعوره بالهزال, فيزيد من سطوته على الرعيه, فلا رحمة لكل من سولت له نفسه ولو لمرة واحدة أن يعارضه, ويشعره بحقيقة صغره, فلا رحمة لهؤلاء الفاهمين. وهكذا يزداد شعوره بالهزال. وتتضاعف مركبات النقص وتتشابك, فتنسج شباك الغرور الباطل ليقع فريسه سهله لشيطان الكبرياء, فيسلب مجداً ليس له, يسلب أى شئ ليعيد اتزان الكفة لصالحه, ليشعر ببعض الأمان والغطاء , ليغطى نقصه, ولكنها تكون كالشَرك, ليقع هو نفسه فيها أولاً ويتبعه كل المتيممين بجمال طلعته, فيصبح فى كرسيه مهزله ! والمهزلة مجلبة للضحك!
وفى عصر حكم الصغير المتسلط فى رؤيته , يجب أن تكون الضحكة مكتومة غير معلنة, ولذلك فهى تثير الألم والوجع فى نفوس الضاحكين سراً, وفرحة الأنتصار الزائف فى نفس الصغير المشغول كل الوقت بأعلاء ذاته, وتثبيت حكمه الغاشم. وتلميع كرسيه ليظهر دائماً بالمظهر السمائى, ليضمن خنوع الرعية وأذعانها لسلطته.
ولكن هيهات يفعل, فهو ليس أفضل من أبائه, فالتاريخ لا ينصف ظالم, ولا يكبر صغير, ولا يصغر كبير, فويل له إن لم يكن له أجماع يزكيه, وسند روحى يحميه, فالزوال لكل ما هو غاش وليس حقيقى. ولا أحقيه لأحد فى كنيسة المسيح إلا للمسيح. فمن يفهم ويدرك ويدخل إلى الفلك الحقيقى ينجو, أما من يتغافل عن شمس برنا فيدان ويهلك.
وليعلم كل صغير مشغول بذاته, ان باب الفلك ضيق لا يتسع للعبور هو وذاته, فأمان الوصول مرهون بتخليه عن ذاته, وإلا هلك هو وذاته.
فالويل يومذاك للصغار الذين يتوهمون سند الروح فى أى كلمة يقولون, ليدعمون سلطة النقص التى يمارسون, والتى على شعب المسيح يفرضون. ولكل صلاحً يفسدون, ولكل إتضاع حقيقى يكسرون. حتى لا ينكشف زيف إتضاعهم, حتى تتم المسرحية كما يريدون, ولكن هيهات يؤمنون, فلهذا الكون رب قدير, يأتى دائماً فى أى هزيع وفى الهزيع الأخير أيضاً يأتى, قبل أن ينسدل الستار لتتم النهاية كما يريد هو, ليكون هو الكبير الحقيقى, ليدرك وقتها الصغير هول مصابه, وشناعة فعلته, وعمق جرمه.
ليدرك الشعب وقتها أنه لا يمكن السلوك فى طريق الكمال بنقصان نفس الصغير, وأنه لا يعطى مجده لآخر. فعبادة الذوات هى هى عبادة الأصنام. فيعطى للروح موهبته, وللمسيح سلطانه, وللكنيسة رأيها وإجماعها, وللمؤمنيين حريتهم.
فيعود لشعب المسيح الرعاة خائفى الرب فيرعونهم بحسب قلبه, ويعطى فى هذا الزمان الكلمة للقديسين والأبرار والحكماء والعلماء بعد طول ليل طويل من الصمت, لكى ننجو من مقولة جبران خليل جبران
( ويل لأمة, عاقلها أبكم !)
تعقيب وإيضاح
ليس المقصود بالصغير رؤساء الكنيسة وحدهم, بل هو كل إنسان وكل خادم لا يعمل بأسم المسيح ويعمل بأسم نفسه. فشرط الحصول على مجد وكرامة من المسيح فى العمل, أن تعمل بأسمه له المجد وليس لأجل مجد اسمك الذاتى وإلا صرتَ صغيراً مغتصباً لمجد المسيح. فالمسيح هو الكبير الأوحد فى كنيسته, لأنها كنيسته التى أفتداها بدمه, ولا كبير آخر فى الكنيسة, لأنه لا ينظر للمواهب الشخصية مهما كانت, ينظر فقط لشرعية العمل وحده. والشرعية ليست مجرد رسامة, ولكنها هى العمل بحسب قلبه وفكره, لأنه هو الراعى الصالح لكنيسته.
ولكى تعم الفائدة لحياتنا الروحية والكنسية علينا أن نتدارك بأن الحقيقة تعمل كجرس إنذار, وكثيراً بل دائماً هى مزعجة ومرة . فلنحذر أذن بأن الضعف الأنسانى يمكن له وببساطه شديدة أن يحتل مكان المسيح. بالضبط كعمل الماء من تحت التبن ! (إذاً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط.) ١كو ١٢:١٠
ثمالة الكرسى!
من أشد مصائب القدر والزمان, خلطاً بين الكنيسة وسياسة الأوطان, فالكنيىسة لم يؤهلها الرب للخوض فى المعارك السياسية يا جدعان, ولا سياسة بلا ثورة وتظاهر وأعتصام بالميدان, فالكنيسة تنصح بعدم التظاهر لتحول الشعب لكسلان, وعن حقوقه السياسية بل الحياتية جبان, ولابد له أن يمكث بالمنزل ليشرب ديكسان, فهل الكنيسة لا تدرى بأن نصف الشعب جعان, فلا خبز للشعب ولا فتات فهم عن خبزهم عميان.
وهكذا يخذل الشعب ويختزل, ويُترك وحيداً يكافح ظلم الدهر, وجبروت الجهل, وقوة المعتدى, وتسلط الماضى, وضبابية المستقبل, وسلفية الدستور!
لنرى الراعى قابعاً بلا حراك, ثملاً بكرسيه بل ضائعاً فيه, لا يدرى من دنياه سوى مقعده الوثير, وهتاف معجبيه الغفير, ورضى السلطان عليه حتى ولو كان شرير, ولا يهمه إن كان للحق مبصراً أو ضرير, فكل ما يهمه الكرسى حتى ولو دق أعناق الشعب الفقير, فالشعب لابد أن يهدأ ولا يثير, ثورة تسحب السجادة وتغلق الأثير, فأتركوا الشعب للساسة إن كان لديكم ضمير.
وامثال هؤلاء الرعاة المتسيسين وهم للأسف كثيرين يدفعون ثمناً باهظاً من أجل الحفاظ على كراسيهم فى أمان من تهديدات العسكر والسلطان. فالحاكم السياسى يهدد أيضاً بما لا تشتهيه نفس الصغير.
فالصغير لا يرغب سوى الحفاظ على كرسيه الكبير, فهو متكبر بلا كبرياء, ذليل فى ثياب الأسياد, جاهلاً فى وعرة الحكماء, عبداً فى قصور الأحرار.
فهو لم يتخذ من مواهب الروح سوى تنميق الكلام, ولم يهتم بأضاءة شمعة لتبديد الظلام, فأهمل مايحتاجه الشعب ليغرق فى الأحلام, وهو لا يدرى بأن لهذا العالم إله علام.
فهو يمثل دور ذى القدر الرفيع, ودور العالم ببواطن الأمور, ودور الباذل من أجل الكرامة, ودور العاطى بلا مقابل, ودور المصلوب وهو يعالج بكل أنواع الحبوب, ودور الحكيم وهو من كل حكمة سليم, ودور الروح والسماء وهو متمسك بتلابيب العالم والبقاء, ويصرخ بأن المسيح أتي وهو ليس سوى برجماتى.
وهو لا يدرى بأن لكل دورً فى مسرح الحياة نهاية, وعدم إمكانية قيادة الشعب بالعصاية, وأن الشعب قد تعب وجاع وهو يحتاج لخبز وفول ولو لحتى طعميايه.
فليتأكد الصغير بأن المسرحية فى فصلها الأخير, ولابد أن تنتهى وستنتهى …
ليكون الدرس عظيماً … ليُدرك بأنه لا يمكن فى طريق الرفعة والكمال, السلوك بأنانية الخوف والضلال. لتُملأ النفس من كل خيال وإذلال.
فخيال البرجماتى لايرى سوى ذاته ومصلحته فوق كل شئ حتى فوق المبادئ والحكمة والحق. فالخيالات البرجماتية ليست سوى رغبات أنانية, ترى فى مساندة الشعب خطراً داهية. لأن طريقه هو مصلحته فوق كل شمول, فالشعب ليس بمشمول فى حساباته يا سحلول, ستسحل سحلاً إن لم تسمع لبرجماتية الحلول.
فلا يُنظر لمجموع الشعب الفقير البسيط, وما يحتاجه من أمان ورغيف خبز وحرية تليق, فلا الزمان ولا الراعى على الشعب شفيق.
لنسمع أذن جبران خليل جبران يقول:
(ويل لأمة عاقلها أبكم, وقويها أعمى, ومحتالها ثرثار)!