الثالوث القدوس ممارسة أبدية …
مضى على الحوار الأول ساعة تقريباً، وكنت لا أزال في المنطقة التجارية. كان أهم ما يزعج سامي هو كلمة “أقنوم”.
سامي: حاول أن تشرح لي كلمة “أقنوم” شرحاً عملياً. أقصد شرحاً أستفيد منه في علاقتي مع الله، وفي حياتي الشخصية؟
جورج: “الأقنوم” هو وجودٌ يتكامَل بالشركة. هو كيانٌ خاص غير منغلق، بل يجد كماله في الآخر، ليس لأن به نقصاً، بل لأن الكمال -حسب تعليم الأرثوذكسية- هو “تحقيق”، أو “الوصول” في حركة الحياة، إلى غاية.
سامي: هل يمكن أن تقدم أمثلةً، أو حتى مثلاً واحداً لشرح ما تقول؟
جورج: نعم. لأن هذا سؤالٌ جيدٌ جداً. أنت كائن، ولكن وجودك يفقد كماله إذا عشت حياةً منفردةً؛ لأنك تحتاج إلى غيرك، إلى المدرِّس الذي يعلمك، والأب والأم اللذان يعولان حياتك، إلى العمال الذين يرصفون الطرق، إلى الفلاحين الذين يجعلونك تأكل، إلى البوليس الذي يحميك، وإلى الأطباء الذين يساعدونك على التغلب على الأمراض. أنت بدون هؤلاء لا حياة لك في المجتمع، ولا تستطيع أن تعيش.
سامي: لكن هل هذا ينطبق على الله؟
جورج: لا. لقد أردت مثلاً، وقدَّمتُ لك المثل. أما بالنسبة لأقنوم من أقانيم الثالوث، ولنأخذ مثلاً الروح القدس؛ لأن التعليم عن الروح شحيح جداً. الروح القدس أقنوم له وجوده أو كيانه الخاص، ولكنه يأخذ كمال وجوده، أو كينونته من علاقته بالآب وبالابن.
سامي: اشرح أكثر لو سمحت.
جورج: الكيان المنغلق هو كيانٌ ميت، هو كيان لا يعرف المحبة. المحبة هي حركة كيان الله، والإنسان المخلوق على صورة الله. ولذلك، فالروح القدس ينبثق من الآب لكي يسكن أو يحل في الابن، ومِن الابن نحن نأخذ الروح القدس. هذه حركة محبة الله لنا. لا يوجد انغلاق كيان في الثالوث، بل عطاء وشركة. الثالوث هو شركة ثلاثة، كلٌّ يجد كماله في الآخر. والمقصود هنا تحديداً، ليس نقصاً في كيان أيٍّ من هؤلاء الثلاثة، بل هو راحة ومسرة كل أقنوم في شركة. فالروح يأخذ كيانه من الآب، ويسكن في الابن، والابن يعطي الروح للآب، والآب يعطي كيانه للابن، وبالروح القدس تتم الشركة. هي مثل الدائرة، ولكنها ليست دائرة مغلقة، بل دائرة مفتوحة على الخليقة.
سامي: هذا كلامٌ صعبٌ عليَّ، ولكني سؤالي هو ما فائدة هذا بالنسبة لي؟
جورج: نحن ننتقل من العبودية للوجود البيولوجي الآدمي، إلى الوجود حسب نعمة التبني، أي أبناء الله. ليس فينا نحن البشر ما يجعلنا أبناء للآب؛ لذلك أرسل الله روح ابنه إلى قلوبنا صارخاً أبَّا أيها الآب (غلا 4 : 4-6)، فقد جاء الابنُ، وأخذ إنسانيتنا ووحَّدها بلاهوته؛ لكي يمنح لنا حق الدخول إلى “نعمة التبني”، ولكي “نقيم” في هذه النعمة (رو 5: 2). لقد مسح الروحُ يسوعَ وجعله المسيح؛ لكي يمسحنا نحن في المسيح، ولكي بالنعمة، ننطق بما في كياننا من “نقلة” من عبودية بيولوجية للطبيعة، إلى “حرية مجد أولاد الله.
سامي: جيد، وأنا أجد هذا له طعم العسل. لكن كيف يُعطى هذا بأقنوم أو أكثر؟
جورج: شكراً جزيلاً. الأقنوم هنا، هو الابن؛ لأن العطية التي تعطى هي التبني بواسطة الابن. نحن نتكلم عن كيان تغيَّر من عبودية الطبيعة البيولوجية إلى حرية إلهية، حرية النعمة. والأقنوم الآخر هو الروح القدس الذي يأخذ من الابن البنوة المستعلَنَة في الجسد؛ لأن ابن الله هو المتجسد، هو المُعلن الابن، والذي أرسل الآب روحه لكي يمسح الإنسانية فيه يمسحه بالروح القدس. ولذلك يجب أن تسأل لماذا مُسِحنا بالروح القدس المنبثق من الآب (يوحنا 15 : 16)؟ والجواب هو أن النعمة الإلهية تبني فينا شركة وتعطي لنا شركة في شركة الثالوث. طبعاً “شركة الروح القدس” (2كو 13: 14)، هي شركة الروح في الآب وفي الابن. ولذلك، عندما نقول إن عطية الروح القدس هي “سر التثبيت”، أي مسحة الميرون، فنحن نعتقد أننا قد ثُبِّتنا في التجديد إلى الأبد بانفتاح الكيان الإنساني الذي أغلقته الخطية على شركة محبة الثالوث.
سامي: جيد. لا بُد أن أعود إلى المتجر.
انصرفنا على أمل اللقاء.