خاتمة الحوار الموجز عن الثالوث

ظلت أسئلة الأخ سامي في قلبي مثل صدى صوت آتٍ من بعيد من قرون التاريخ القديم الحي في صلواتنا وحياة قديسي الكنيسة لا سيما آباء البرية.

الثالوث هو الله الحي المتحرك الخصب وليس العقيم (اثناسيوس العظيم ضد الأريوسيين مقالة 1: 18-19).

هو المحبة التي تسكب ذاتها في تواضع مُستعلن في تجسد الابن (هيلاري أسقف بواتييه الثالوث 8: 21-22).

هو المحبة المثلثة (أوغسطينوس الثالوث كتاب 9 فصل 2).

الثالوث هو حياة واحدة عبَّر عنها الآباء بكلمة جوهر، والجوهر الواحد هو أبوة الله. الآب هو مصدر أو “ينبوع” (أثناسيوس، الرسائل إلى سرابيون الرسالة 1: 19) فالجوهر هو الآب. وعند أوغسطينوس الجوهر واحد، وفي الجوهر الواحد ثلاثة أقانيم. ولا خلاف إلَّا في النظرة. ولكن التعليم الشرقي أكثر وضوحاً وأكثر التصاقاً حتى بمفردات الكتاب المقدس؛ لأننا لم نسمع عن جوهر أرسل الابن، بل عن الآب الذي أرسل الابن، وكينونة الله هي أبوة الله، “الوجود شركة”.

تمر هذه الخلجات التاريخية الحية مثل أنغام إلهية، أحاول أن أنقلها إلى أسير شهود يهوه الذي لم تقدم له “الجماعة” أي تعليم عن الله إلَّا ما ورد في العهد القديم، وكأن العهد الجديد لا وجود له.

حيلة ومكر تهدف أصلاً إلى تقويض المسيحية برمتها.

وسامي الذي لم يسمع في فترة شبابه أي تعليم عن الثالوث، لا في مصر، ولا عندما هاجر إلى الولايات المتحدة، هو فريسة سهلة مثل غيره من الأقباط، ليس لديه مقاومة، ولا حتى حُجة تجعله يدافع بها عن الإيمان، فهو لا يعرف عِظم هذا الإيمان، ولا قيمته الغالية؛ لأن الثالوث مجرد فكرة وأسماء سمعها ولم يتحرَّ عنها. قرأ بشغفٍ شديد ما قدمته من كتب (سبق الإشارة إليها في الحوار السابع)، واشتعل قلبه بمحبة اكتشاف الله. وكنت أنا نفسي مثله، لكنني وجدت المعلمين الأمناء على الإيمان الذين كانت لديهم:

– الخبرة الحياتية.

– التذوق الروحي للثالوث.

وجاءت دراسة الآباء بعد ذلك، لا سيما أشعار النزينزي – مار افرام – يعقوب السروجي، فالله حيٌّ متحركٌ، عاملٌ فينا، مشتاقٌ لأن يسكن في داخلنا.

الثالوث والصلاة:

نحن نصلي في الابن لأنه رأس الكنيسة. حتى الاعتراف بالخطايا يتم بواسطة الرأس يسوع، الذي يعترف معنا، ليس لأنه أخطأ، بل لأنه رئيس الكهنة (أوغسطينوس عظة على مزمور 21 وهو مزمور 22). وصلاتنا في الابن مصدرها الابن نفسه، فقد جاء تجسد الرب وغيَّر الصلاة، صارت الصلاة أقوى من صلوات الأنبياء. قارن مزمور 23 “الرب راعيَّ”، ويوحنا 10 عن الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف، ويقدم حياته من أجل الخراف. يوحنا 10 نقلةٌ هائلة من مجرد التسبيح، إلى دائرة العطاء الإلهي، أي عطاء المحبة المطلقة التي تدافع عن الخراف أمام الذئب، وتبذل حتى الحياة: “أحب خاصته الذين في العالم إلى المنتهى”. يسوع الذي تجسَّد وتنازل إلينا من مجد السماء، هو مصدر الصلاة، هو سبب دعوتنا الله الآب: “أبانا” (أثناسيوس في الرد على الأريوسيين مقالة 2: 58)؛ ولذلك، الصلاة المسيحية الحقيقية، هي في الابن، وهي بالتالي صلاة في الله نفسه، وليست مجرد صلاة إلى الله. ومَن استلم الليتورجية يعرف أن كل عبارة تقال هي “التدبير الالهي الذي حرَّك اللسان والقلب لمعرفة سر المحبة الإلهية”، ولكن حركة اللسان والقلب لا تأتي من الفكر، بل هي “مسنودة بالتدبير”، والسند هو ما فعله يسوع نفسه لأجلنا، وهو محفوظٌ فيه لكي يعطى لنا.

* حَفِظَ الولادة من الروح القدس والقديسة مريم؛ لأنه نقل الجنس البشري من آدم إلى شخصه (أثناسيوس رسالة ضد الأريوسيين 3: 33 على نولد نحن من الروح القدس والماء.

* حَفِظَ إبادة الموت على الصليب؛ لأنه لم يكن موت الخطية، بل موت الفادي، ونتحد بموته، ونُصلَب معه في المعمودية (رو 6: 1-8).

* حَفِظَ القيامة؛ لأن القيامة ليست -كما يتصور البعض- جاءت لأن الرب مات على الصليب، بل لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت القابل للموت هو الذي يعي القيامة الحقيقية.

* أدخل البعد السمائي؛ لأنه صعد إلى السماء لكي يصل تجسده إلى الهدف الأعظم، وهو الالتصاق (تعبير الالتصاق ورد في مقدمة جحد الشيطان في صلوات المعمودية)، وبصعود الرب أصبح حلوله وسكناه في كل مؤمن حقيقة.

كيف غيَّر ذلك الصلاة المسيحية؟

ليس فقط بالانتقال إلى رتبة، أي مكانة الأبناء الأحرار، فهي ليست صلاة العبيد: “متى صليتم قولوا أبانا الذي في السموات”. ولم يضع الرب يسوع نظاماً للصلاة. ونظام الصلاة في السواعي هو شركتنا في التدبير: في القيامة (باكر)، في حلول الروح القدس (الثالثة)، في الصلب (السادسة)، في الموت (التاسعة)، في الدفن (الغروب)، في انتظار مجيء الرب (نصف الليل). هذه مدرسة وليست شريعة أو حتى قانون([1]).

التدبير هو دائرة الصلاة، وهي ليست دائرة مغلقة، بل دائرة مفتوحة على حرية أبناء الله، وهي تحدد لنا رسم وحركة التنازل الإلهي في تدبير الذي شاركنا كل شيء من الولادة إلى الموت؛ لكي ينقل الولادة والموت إلى حياةٍ أعظم. ولادة روحية، وموت لقيامة أعظم من الحياة الحاضرة.

الشركة ليست بالكلمات وحدها، وإنما هي أفعال الرب التي كوَّنت حياته هو.

التجسُّد غيَّر كيان الرب، فلم يعد لاهوتاً فقط، بل لاهوتاً متجسداً إلى الأبد. والتغيُّر هو تجلي المحبة، ليس في الألوهة -حتى لا تنبح كلاب مسعورة- بل في الناسوت؛ لكي يتغير الناسوت، أي ناسوته هو، لكي يتغير ناسوت أو حقيقة كيان كل مؤمن.

هذا هو قلب لاهوت الإسكندرية، وهو قلب التدبير والتسليم الكنسي. “كل كلمة تقال في صلواتنا، هي من قلب التدبير، وتعبِّر عمَّا هو كائن”؛ لذلك “لا تفصل الكلمة عن الفعل؛ لأن الجُهَّال وحدهم يفعلون ذلك، وهم في أغلب الأحوال أسرى الشريعة وعبيد الحروف”.

إذا قلنا: “يا رب يسوع”، فهذا استعلان الروح القدس (1 كو 12: 23). فاللسان ينطق، إذا كان القلب حيَّاً بالروح، بالرب يسوع. أمَّا إذا نطق حسب العادة، فهو بالتدريج يقع أسيراً للعادة، ويفقد الهدف، وهو صلاة الأحرار من أبناء الله المدعوين حسب قصده.

إن جوهر صلاة الأبناء هو “أبَّا أيها الآب” (غلا 4: 4-6)، هو نداءٌ للروح القدس، يضعه الروح القدس فينا. يغلب كل العوامل النفسية والأفكار. هو صراع الروح القدس نفسه مع رواسب الحياة الآدمية. ويضع الروح القدس فينا ما تُسلِّمُه إلينا الليتورجية، أي “الدالة”، وحرفياً “الجسارة” والشجاعة؛ لأن “الخطية تزرع الخوف”، وهو ما يمحوه الروح القدس بالمحبة النارية مؤكداً أننا نلنا “روح التبني”، وليس روح العبودية للخوف” (رو 8: 15).

الفعل الإلهي ليس قولاً، بل القول يعبِّر عنه. ومن يمسك بالتعبير وحده، كمن يمسك بلافتة تحدد له الاتجاه ولا يتحرك في الاتجاه الذي تحدده اللافتة.

مِثَالٌ حي، وحياته هي الرب نفسه: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” هي صلاة العشار جامع الضرائب القاسي الذي لا يعرف الرحمة. الآن عَرِفَ رحمة الله، ولكن “الآن ظهرت رحمة الله مخلصنا” كيف؟ بالولادة من فوق في المعمودية، وهي نعمة لا تبلى، هي ختان المسيح (كولوسي 2: 11)، هي لا تضيع.

مَن يطلب الرحمة هو مَن عَرِفَ المصلوب الحي، الملتصق به، الساعي دائماً لكي يغسله من خطاياه.

الصلاةُ هي عودة الوعي، وليست عودة الكيان؛ لأن الكيان متحد إلى الأبد. هذا الأساس وضعه التجسد؛ لأننا من اتحاد ألوهية المخلص بنا، نلنا الاتحاد به على النحو الذي تغنَّى به الرسول بولس في (رو 8: 29)، حيث لا يوجد انفصال في المحبة؛ لأن المحبة توحِّد الوجود الإنساني، الكيان نفسه بالكينونة الإلهية، وهي “الله محبة” (1يوحنا 4: 7).

الصلاةُ هي فعلٌ إلهي يكشف عنه التعبير. وصحة التعبير يؤكدها الفعل نفسه. ولعل أفضل مثال هو “العثرة التاريخية في سر الإفخارستيا”، فكل تفسير لقول الرب: “خذوا كلوا هذا هو جسدي، وهذا هو دمي”، يتجاهل الحقيقة الواضحة، أنه عطاء، أي فعل أو عمل يشرح القول، وكل من يكتفي بالقول وحده، ويدخل في غياهب ومتاهات التفسير، ضاع منه العطاء، وحوَّل عطاء الرب الشخصي الأقنومي إلى فكرة.

العمل أو الفعل هو عطاء الأقنوم الذي يميِّز الأقنوم:

كانت حيرة الأخ سامي هي الانتباه إلى الواحد بعينه، وهو ما كان يظنه نسيان أو تجاهل الآخرين. سامي مثل كل مبتدئ، هو “فرد”، والفرد يتجاهل دائماً ما يميز الشخص، وعطاءُ الفرد:

أولاً: عطاءُ الفرد، مع فرض وجوده، هو عطاءُ شيءٍ، وليس عطاءاً ذاتياً، وهو مثل الحسنة، وما فيها من ترفُّعٍ، أو مثل إعطاء ملابس قديمة أو شيء زائد.

ثانياً: هو لحل مشكلة، أو لطرد المحتاج بعيداً؛ لأن المحبة بعيدة عن وعي الفرد، لكن عطاء الشخص:

أولاً: نابعٌ من إرادة الشركة.

ثانياً: على المستوى الإلهي، هو الحياة الإلهية التي وُصِفَت باسم الحياة الأبدية “هبة الله فهي حياة أبدية”، وإضافة “في المسيح يسوع ربنا” (رو 6: 22)، تؤكد أنها عطاءٌ أقنومي([2]).

لذلك السبب عينه، جاء تمييز الأقنوم في الجوهر الواحد، فهو تمييزُ عطاءِ محبةٍ شخصيةٍ أو أقنومية (مع ملاحظة أن ترجمة أقنوم إلى شخص هي أقرب كلمة عربية، ولكن شأنها شأن كل ترجمة قاصرة عن التعبير عن الحقيقة. الأقنوم، حسب السريانية التي جاءت منها كلمة أقنوم، هو كيان، وهو تعيين، وخصوصية في الحياة الإلهية أو الجوهر، لذلك، محبة الآب للابن هي محبة خاصة جعلت رسول المسيح ينحت تعبيراً غير مألوف في العهد القديم عن الابن “ابن محبته” (كولوسي 1: 12)، وهنا سر الحياة الإلهية؛ لأن “المولود من الآب قبل كل الدهور” حسب قانون الإيمان، وهو أصدق ما يقال عن الابن له المجد، هو مولود محبة؛ لأن المحبة هي جوهر الله، هي كيانه الحقيقي الذي منه يولد الابن دائماً؛ ليكون ابناً ازلياً. أزلية محبة الآب هذه، هي التي جعلت الإصرار على ألوهية الابن هو إصرارٌ على عودة الإنسانية إلى الآب، وإلى محبته في الابن المتجسد. وهي ليست عودة لفظية بالتوبة وحدها، بل عودة كيانية تعيد الإنسان كياناً لا لفظاً فقط إلى شركة كيانية تعبِّر عنها الكلمات.

تمييز الأقنوم في الجوهر لا يلغي وحدانية الجوهر:

عندما يطعن شهود يهوه في إيماننا بالثالوث القدوس مُدَّعين أننا تخطينا التوحيد الذي أعلنه العهد القديم، فهم أولاً: تجاهلوا العهد الجديد برمته، وثانياً: عندما يقتبسون من العهد الجديد، فإنهم يشرحون العهد الجديد على أساس العهد القديم، بينما العكس هو الصحيح؛ لأن شرح العهد القديم شرحاً حقيقياً لا لبس فيه هو في نور العهد الجديد، أي يسوع ابن الآب الوحيد.

وكما ذكرنا من قبل، إن توحيد العهد القديم هو ذاته توحيد العهد الجديد؛ لأن التوحيد معلن في أفعال “إله العهد”، وليس في اللفظ وحده، مثل “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر – لا يكن لك آلهة أخرى أمامي” (خروج 2: 2 – 3)، كانت هذه مقدمة الوصايا العشر وجاءت لتؤكد أن:

* التوحيد هو اختبارٌ لحياةٍ يُستعلَن فيها الله، وليس مجرد إقرار لفظي. وكيف تُختَبَر المحبة الإلهية الذاتية الكيانية إذا لم يكن لها وجود حقيقي في الكيان الإلهي؟ إن اختبار العهد القديم للتوحيد، هو اختبارُ خلاصٍ من العبودية، وتحرُّرٍ من الأسر. أما اختبار العهد الجديد، فهو تذوُّق المحبة الإلهية، وتحرُّرٌ من الموت.

* توحيد الله في المسيحية هو توحيد الحياة الإلهية، وهو مضادٌ تماماً لكل اتجاهات الحضارة والثقافة والأمراض النفسية، ولذلك هو:

– توحيدٌ مثلثٌ لا يسمح بالتجزئة؛ لأن التجزئة هي جزء من كل نظام سياسي قديم وحديث، حتى إن بلغت الديموقراطية -على أوراق القانون أوج تطورها- إذ لا مكان فعَّال للمعارضة.

– والتقسيم هو أحد أركان كل الأنظمة الاجتماعية، ليس فقط السادة والعبيد، بل الأغنياء وهم السادة والعبيد وهم الفقراء، والمتعلم ومن يوصف بأنه جاهل.

– الفصل هو آلة الأنظمة القهرية وسكين التسلط الحاد.

وتدخل هذه كلها في الحياة النفسية، وفي الزواج، وفي إدارة الكنيسة نفسها، وفي الاجتماعات، وفي الخطاب حتى الديني نفسه، فقد تحول الأسقف من “أبونا” إلى “سيدنا”، ولا تزال “سعادة الباشا” تقال لضباط الأمن الوطني …. الخ. و”البيه” هو حتى عامل البوفيه لكي يضع السكر المضبوط في القهوة.

هذا ملفٌ كبير قدَّم صورةً متكاملةً منه أكثر من باحث وعالم ما زال كلهم أحياء بيننا: د. مصطفى حجازي، ود. على زيعور عن القهر والتسلط وقطاع النرجسية في الذات العربية. هذه أسوارٌ منيعة تقف أمام الواحد في ثلاثة والثلاثة في واحد؛ لأن وحدانية ثلاثة هي عائق أمام كل مريض بالنرجسية، أو حسب تعبير د. علي زيعور: “المستعلي” و”الأكبري”. ولا داع لأن نخوض في تحليل السلوك المريض؛ لأن مراجعة د. يحيى الرخاوي وغيره من الذين دخلوا مجاهل الثقافة والحياة الاجتماعية، قد كشفوا النقاب الذي يغطي كل هذه الضعفات الموروثة.

* التعيين والتمييز لا يلغي وحدانية الله، ولكن في المسيحية كل صفات الله -كما سبق وقلنا- هي صفات تعامل الله مع الخليقة. لكن ما هو كيان الله نفسه؟ هو الكيان الواحد. لكن هذا الكيان الواحد أعلن لنا أن في ذاته الواحدة ثلاثة، والثالوث ليس إعلاناً لفظياً، بل هو يسير في نفس مسار الاستعلان القديم: “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر” (دعوة التحرر).

“أنا والآب واحد”. “الآب الحال فيَّ يعمل الأعمال التي أعملها أنا” (دعوة للشركة).

نفس الاتجاه هو أن يصبح الله الحي اختباراً حقيقياً، لا مجرد نطق يعبِّر عن فكرة هي صحيحة كفكرة، ولكن ليس لها أي “تلامس” مع الواقع الإنساني.

كان أحد شيوخ الأسقيط يقول: “كلامي واحد زي الله الواحد”. وكان يقول أحياناً: “مَن ليس له محبة الآب ليسوع، لا يعرف شيئاً عن محبة نفسه وعن محبة الآخرين”.

لقد غابت أيقونة الثالوث من خطاب الكنيسة المعاصر؛ لأننا -كما ذكر الأخ سامي- لم نعد نسمع حتى في عيد الظهور الإلهي شيئاً عن الثالوث المستعلَن في معمودية الابن. بل غاب عن تحديث الخطاب الخاص بالزيجة، وهي اتحادُ اثنين في حياةٍ واحدة، قاعدتها الشركة، وبقاء الشركة هو ما يحفظ الخصوصية. وغاب عن وصف الكنيسة بأنها أيقونة أرضية لما هو إلهي سمائي، فهو أعضاء متنوعة وجسد واحد (1كو ص 12 كله). ونقلنا التشبيهات القديمة: الشمس – النور – الحرارة، وتركنا التحول الكياني الذي يفتح الحياة على الآخر؛ لأن “الفردَ فردٌ، ومتى أَحَبَّ، تأقنم”. مقولةٌ قديمةٌ لا مجال لها في مجتمع التسلط والقهر.

نحتاج إلى أن نغوص في أعماق النفس الإنسانية الرافضة للتعليم الإلهي. وكل حُجة تقال ضد هذا التعليم، هي في النهاية رفضٌ للشركة.

انزعجَ صديقٌ قلت له بدون إعداد سابق: “الشِّرِكُ في المحبةِ توحيدٌ”. وأخذ كلمة الشِّرك، وترك كيف أن الشِّرك هو الشركة؛ لأن الشِّرك كلمة مكروهة حسب الفقه الإسلامي، ولكنها كراهية ضد التعدد، وضد الوثنية، لا ضد الشِّرك الذي تأتي به المحبة. وكلما قابلت صديقي المنزعج هذا، كلما ردَّدَ هذه العبارة: “الشِّركُ في المحبةِ توحيدٌ”. وأقول له مع ابتسامة: “نعم. لأن مَن يشترك في محبة الله يوحِّد الله فعلاً”. أمَّا مَن يوحِّد الله بالنطق بلا محبة، فتوحيده هو توحيدٌ لفظيٌ فقط.

ما أكثر الآلهة في حياتنا الدينية والسياسية والثقافية، وهي أكثر قرباً من الإله الحق الذي في المحبة لا إله سواه.


([1]) فقدت كلمة قانون معناها (دفة السفينة)، والتعليم الذي يغيِّر هذا المعنى إلى ناموس يُفرض على الإنسان، يفترض أن بولس لم يكتب غلاطية وكولوسي أو العبرانيين، حيث يؤكد الرسول أن الانجيل ليس قائماً بفرائض وشرائع وقوانين.

([2]) راجع دراستنا بعنوان: المسيح والمسيحي وشركة الجسد الواحد، منشور على موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية.

التعليقات

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة