نحن فيه حسب الإنسانية والألوهة
-1-
“في المسيح يسوع”، أو “في الرب”، أو “في المسيح”، تعبيرات مميزة للرسول بولس بالذات. هي صدى وشرح لِمَا ورد في إنجيل القديس يوحنا، لا سيما في الإصحاح السابع عشر. نقلنا التعليم الرسولي مفصلاً في كتاب “المسيح والمسيحي في شركة الجسد الواحد” (يناير 2014). لكن يجب أن نضع النقط فوق الحروف:
– نحن فيه بسبب تجسده، ولكننا أيضاً، نحلُّ فيه هو حلولاً متبادَلاً لا يتم بشكل ميكانيكي. حيثما توجد إرادة ومحبة وإيمان ونعمة وغاية أو هدف، فإن الاتحاد والحلول والملء، وكل العبارات الأخرى التي وصلتنا من الآباء الرسل ومن الآباء، يجب أن تُفهَم على أنها نمو الحياة الجديدة، ليس بالقهر، بل نمو بالمحبة وبالتنازُل عن الذات، الذي يسمح لعمل النعمة بقوة.
والاتحاد له غاية، وهو الخلاص. وهو، أي الخلاص، أن يظل الإنسانُ إنساناً، ولكن حسب الخلقة الجديدة التي صار أصلها ليس آدم، بل المسيح (القديس أثناسيوس الرسالة إلى أدلفوس).
-2-
– ألوهية الرب لا تعمل بدون الناسوت، كما أن الناسوت وحده، كما قال الرب نفسه لا يفيد شيئاً (يوحنا 6: 63). المسيحُ فينا، ولكننا نحن أيضاً فيه، فقد حلَّ الكلمةُ أو سكن بيننا أو فينا؛ لكي نحل نحن ونسكن فيه. وحروف الجر التي استعملها رسول الرب في عبارات: “في المسيح”، و”من المسيح”، و”بالمسيح” تعني سكنى وحلول ونوال النعمة الإلهية.
-3-
– سر المائدة السماوية هو استعلان وظهور المخلص، ولذلك، عبارة الرسول بولس: “عظيمٌ هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” (1تيمو 3: 16)، تبدأ بها الليتورجية في تقديم العطية الإلهية الفائقة، جسد ودم الرب، إذ تقول الصلاة:
“ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى؛ لأنه فيما هو راسم أن يسلم ذاته عن حياة العالم .. أخذ خبزاً”. هكذا، يُستعلَن الرب، ولذلك يأخذ “بيت لحم” وهو مكان إعداد القربان، مكانه في الكنيسة، وعلى بُعد أمتارٍ قليلة منه، يوجد “الأردن”، أي جرن المعمودية، وفي داخل الكنيسة توجد “المائدة، أو المذبح” (لاحظ: أن صلاة الشكر تذكر المائدة”.
عيد تجسد الكلمة، هو إذن عيدٌ دائم؛ لأنه عيدُ استعلان الكلمة لنا في الليتورجية.
-4-
– السر العظيم الذي للتقوى، لا يفصل بيت لحم عن العِلِّية في أورشليم، ولا عن الذبيحة؛ لأن قوة حياة الرب لا تعرف الفواصل الزمنية، ولا يوجد لدينا زمانٌ أعظمُ من زمانٍ، ولا “عيدٌ صغير” و”عيدٌ كبير”، بل كلُّ عيدٍ هو “عيدٌ كبير”.
والتعبير الكنسي السائد: “الأعياد السيدية أو الربانية”، أي الخاصة بالرب والسيد، هو تعبيرٌ يفصح عن تفضيل حدث معين في حياة الرب أو التدبير، وبالتالي يخفي خلفه مدرسةً فكريةً معينة تحاول أن تبني قناعات فكرية بأن الصَّلبَ أهمُّ من التجسد، في حين أنه بدون التجسد لا يوجد صَلب. أو هي تحاول أن تقول إن التجسد كان له هدفٌ، وهو الموت على الصليب.
هذا التقسيم تجاهل أن التجسد جاء باتحاد الابن بنا، وأننا نحتاج إلى الصليب أكثر من الماء والهواء؛ لأن الرب أباد الموت بالصليب. ولذلك، فإن تقسيم المسيح يسوع يؤدي إلى الفشل في فهم وتذوق وحدانية الاستعلان؛ لأننا لا نشترك في حدث، بل في الأقنوم، وحتى الأقنوم، لا يقدِّم ذاته من خلال الفكر الإنساني، بل بواسطة الروح القدس الذي أعطى له الدخول إلى العالم إنساناً (عب 10: 5)؛ لكي نقبله نحن بالروح القدس.
كل عام وأنتم بخير ،،،