الموت مع المسيح هو في المسيح، هو ليس موتاً جسمانياً حينما يتوقف القلب … الخ بل هو موتٌ يجتازه القلب والإرادة والإدراك. هو موتٌ بوعي لقيامة حياة جديدة.
هو موت الأهواء، نعبِّر عنه ليتورجياً برشم الصليب الذي يتم بذات صيغة المعمودية؛ لأن رشم الصليب هو تجديد الوعي بالولادة الجديدة التي فصلها الصليب والقيامة عن أصلها الآدمي القديم، وأدخل الإنسانية في “سر المسيح”، وهو سر التمسك بسيادة وتفوق المحبة على كل قوى الطبيعة الآدمية القديمة التي لا مكان فيها للمحبة ولا تعرف الغفران.
هو أيضاً “صلب الذات” التي لم تعد محور الوعي، وليست هي مقياس البقاء أو الاستمرار في الحياة. نحن نأكل ونشرب ونؤدي كل الواجبات اليومية الخاصة بالحياة الجسدانية، ولكن في داخل هذه الحياة الجسدانية تنمو الحياة الجديدة. نولد من الماء والروح، وننمو بمسحة الروح القدس، ونتغذَّى بالقوت السماوي، جسد الرب ودمه. في كل مرة نسمع فيها قول الرب: “خذوا كلوا هذا هو جسدي .. هذا هو دمي”، نقترب من الموت الجسداني بقوة المصلوب؛ لأنه أعطانا شجاعة المحبة، ليس لإنكار الموت الجسداني، بل باعتباره كما قال رسوله الشجاع بولس: “الموت هو ربح”، ولكنه قال أيضاً: “مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ”.
نحن بوعي نقترب من الموت في الساعة السادسة، أي منتصف النهار عندما عُلِّقَ الربُ على الصليب لأجلنا. ونذوق معه موت الجسد في كل عطاء، لا سيما عطاء الرب لجسده ودمه، ليس لأن موتنا فداء البشر، وإنما لأن موت الرب هو موته المحيي الذي أباد الموت، إذ فَقَدَ الموت سلطانه علينا لأن الرب “أقامنا معه”، وفيه أيضاً، ولن نرث فساد الموت ونبقى في المدافن، بل في “كورة الأحياء إلى الأبد، في أورشليم السمائية”، تلك التي نعاينها مع الذين سبقونا عندما يجمعنا الرب معهم في كل قداس إلهي.
نحن نستعد للقاء الرب في صلاة نصف الليل، وفي الزواج الإلهي الذي تم بين المسيح والكنيسة، والذي جعلنا من لحمه وعظامه.
في كل مرة نقترب فيها من المذبح في الكنيسة، نرى مكان حلول الرب يسوع بالروح القدس مذبوحاً قبل خلق العالم، لأنها إرادة الرب أن يقدم حياته لأجلنا، لذلك نحن نرشم الصليب ونسجد عند المذبح لكي نقدم حياتنا ذبيحة حية متحدة بالذبيح الأعظم.
قدَّم الرب حياته لنا لكي نبقى أحياء إلى الأبد معه؛ لأنه جاء لكي “يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد”، وفيه وبه ومعه ننال مجد الحياة الآتية.
له المجد والكرامة مع الآب بالروح القدس.