أتابعُ ما يُكتب وما يقال بشأن موضوع الخطية الأصلية، وأرى أن الكثير مما كُتب وما قيل هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل من انحدار، إذا بدأ الكاتب بالشك في صحة ترجمةٍ أو ترجماتٍ ما بحجة أن أصلها اليوناني ضاع، مع أن الأصل الآرامي لإنجيل متى قد ضاع. وكأن الحقيقة لا يمكن بيانها وشرحها بعدة لغات!!!
الحقيقة لا تؤخذ من الترجمة وحدها، بل لدينا ملفٌ كبير اسمه التاريخ. وقديمًا كتب الجرجاني مؤكدًا ما سبق أن دوَّنه أرسطو: “الاسم والفعل يدلان على الحقيقة”، وبالتالي فإن غياب الاسم وكذلك غياب الفعل يعني أنه لا توجد حقيقة يمكن مناقشتها. غاب الاسم “خطية أصلية”، وغاب الفعل الدال على وراثة الخطية من مدونات الأرثوذكسية، وبالتالي لا يمكن مناقشة الموضوع في إطار التعليم الأرثوذكسي.
ومن التاريخ نعرف أن وراثة الخطية هو تعليم ماني ومدارس الغنوصية، وبالتالي فإن أرسطو والجرجاني إذا كانا قد سمعا أو قرآ ما دوِّن تحت عنوان الخطية الأصلية التي تنتقل بالوراثة في الزواج لقال كلاهما معًا أو على انفراد إن المدرسة التي ينتمي إليها صاحب هذا القول هي مدرسة ماني. ولما كانت الوراثة هي جانب من جوانب الحياة التي خلقها الله، عندئذٍ يصبح الله هو خالق الشر، لأنه خلق الإنسان الذي سوف يتكاثر ويحمل في طبع خلقته بذرة اسمها الخطية!
ونعود إلى الجرجاني، أول من شرح لنا “طبيعة الأسماء”، إذ يقول إن لكل فعل فاعل، وإن معرفة اسم الفاعل تحدد لنا المراد من الفعل، ولأن الاسم هو “الخطية الأصلية”، والفاعل هو “آدم”، فكيف نقل آدم فعله إلى غيره؟ ما هي الصلة الحقيقية بين آدم وأولاد آدم؟
إذا كان الإنسان الأول مخلوقٌ من العدم، فلا خلود له بالمرة، بل هو مائت (تجسد الكلمة 4: 6). والفساد ليس فسادً أخلاقيًّا، بل كيانيًّا: “أفكارهم قادتهم إلى الفساد” (تجسد الكلمة 4: 4). وحالة الفساد شُرِحَت بكفاية في الفصل الرابع من كتاب تجسد الكلمة: “عدم الفساد هو أن يعيش كالله” (تجسد الكلمة 4: 6). وسيادة الفساد هي سيادة الموت. “وبسبب أن الكلمة سكن فيهم فإن فسادهم الطبيعي (الموت) لم يمسَّهم”، ولكن تحول الإنسان من صورة الله إلى صورته الذاتية، أي إلى العدم أو الموت، وهو ما جعل للفساد سيادة على كل البشر أقوى من سيادته الطبيعية … (تجسد الكلمة 5: 2).
ونحن نعبِّر عن ذات التعليم في القداس الإلهي: “الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس، هدمته”.
الفساد هو تحول تحلل كيان الإنسان من تحلل طبيعي يعود إلى خلق الإنسان من العدم إلى تحللٍ سريعٍ وقاسٍ بسبب العصيان.
وهو ما دعا أثناسيوس إلى رفض فكرة التوبة، لأن التوبة لا تقدر أن تعيد الإنسان إلى ما كان عليه، أي “صورة الله الكائن”، لذا كان المحور الأساسي هو الموت وتجديد الإنسان من الموت إلى عدم الموت، أو من الفساد إلى عدم الفساد. وتم التجديد بالمسيح الذي نقل بداية الوجود الإنساني من آدم إلى ذاته حسب قول الرسول: “كما في آدم يموت الجميع، هكذا سيُحيا الجميع في المسيح يسوع” (1 كور 15: 22).
الثقافة الشعبية
1- يسود في الثقافة الشعبية الخلط بين الفساد الطبيعي، أي تحلل الكيان الإنساني وعودته إلى تراب، والفساد الأخلاقي: الزنى – القتل – الكذب …إلخ
2- إصرار الثقافة الشعبية على العقوبة هو وضع مهين وغريب، لأن المسيح أباد الموت، أي فناء الإنسان، وأعطى الإنسان القيامة. أما الخطية فهي ليست محور شرح تجسد الرب، بل هو الموت الذي فقد سلطانه (تجسد الكلمة 8: 4). لقد أُبيد الموت بالموت، لأن الموت لم يكن موت يسوع، بل موتنا نحن (تجسد الكلمة 22: 3).
هيكل الحياة
(تجسد الكلمة 31: 4، 44: 5، 45: 1، 54: 3)
هذا العنوان مأخوذٌ من الفصول المشار إليها بعاليه. وواضح أن الذي جاء بالحياة، وُلِدَ مثلنا بلا خطية، وهم ما يعني بلا ثنائية معرفة الخير والشر. فقد أخذ جسدنا من مريم والدة الإله، فنقل إليه وجودنا.
البحث في التكوين الخلقي للرب هو عبث، لأن القدوس أخذ جسدًا قابلاً للموت، وهو تعبير متكرر عند أبينا القديس أثناسيوس (تجسد الكلمة 9: 1)، والرب لم يخطئ لأنه لم يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، بل كان واحدًا بالإرادة والجوهر مع الآب، وواحدًا معنا حسب الطبع الواحد الذي يجمعنا معًا.
شوشرة الثقافة الشعبية
1- تسود الثقافة الشعبية عند حاملي الشعور بالذنب، أما إذا نظرنا إلى التحول الذي جاء به الرب يسوع، نجد أنه تحول كياني يجعل الإنسان أمينا وشريفًا ومقدسًا لأنه صار حقًا صورة الله.
2- يسود في الثقافة الشعبية استعمال كلمة عقوبة، بغرض زرع الخوف، في حين أن كلمة “عقوبة” لم ترد في سفر التكوين ص 3، بل قال الله لآدم، ثم حواء، ثم الحية. كما أن العقوبات المترتبة على مخالفة الشريعة الموسوية، فهي عقوبات من أجل تنظيم الحياة الاجتماعية حتى لا ينتشر الشر.
وفي حين أن الرب يسوع أباد الموت وقتله، نجد أن الموت -عند فريق حامي الشعور بالذنب- هو الذي قتل يسوع وأباده، وهو تجديف.
وقد أكد القديس أثناسيوس إن كلمة الله الذي بدون جسد قد لبس الجسد لكي لا يعود الموت والفساد يُرهِب الجسد، لأنه قد لبس الحياة كثوب، وهكذا أُبيد منع الفساد (الموت) الذي كان فيه (تجسد الكلمة 24: 8)، فالرب أحيا ما كان مائتًا عندما قابل الموت على الصليب.
دكتور جورج حبيب بباوي