ذكصولوجية للثالوث (1)
1- لنمجد الذي لأجلنا تواضَعَ وصار في هيئة إنسان. الأزليُ الحي القادر على كل الأشياء وضابط الكل. الكلمةُ الذي وَهَبَ النطقَ لكل إنسان، والابنُ الوحيد خالق كل الكائنات بقوته لمسرة الآب وفرح الروح القدس.
2- الآبُ الأزلي أرسل ابنه إلى العالم في شكل تواضعنا؛ لكي يرفع تراب الأرض إلى عرش اللاهوت. أخذ الناسوت من والدة الإله. صار بالتجسِّد كواحد منا. وسكن بالناسوت فينا، أي في طبعنا.
3- اليوم نراه عند مياه الأردن. خالقُ المياه نزل إليها. اعتمد من الصابغ؛ لكي يقدِّس المياه لميلاد الخليقة الجديدة.
كان يصلي لكي يأتي الروح القدس الذي تغرَّب عنه آدم الأول (لوقا 3: 21)، وتغرَّب عن آدم بسبب ظلام فكره. اليوم يدعوه الرب يسوع باسم البشرية.
تعالوا أيها الأخوة لنسمع السر الجديد الفائق:
الواحد مع الروح القدس، ومع الآب يقبل مسحة الروح لأجلنا.
بميلاده صالحنا الوحيد مع السمائيين.
واليوم يُصالح الروح القدس مع إنساننا الجديد، الذي يتكون من أجل الميراث السماوي.
4- قبلَ تجسُّده كنَّا غرباءَ عن السماء، الموطن الأبدي. وبعد تجسُّده، وفي معموديته شَقَّ السماء ليأتي الروح القدس؛ لكي يسكن فينا.
5- لنمجد الثالوث الواحد:
الآب الذي أرسل ابنه نعمةً وخلاصاً للعالم.
والابن الذي اعتمد لأجلنا لكي يمَسح إنساننا الجديد.
والروح الذي قبلناه في الابن إلى الأبد.
المجد للثالوث الواحد غير المنقسم إلهنا القوي الأزلي.
عظة الأب صفرونيوس
مقدمة:
1- أيها الأحباء إنَّ عيد الظهور الإلهي هو أحد أركان الخلاص؛ لأننا اليوم نسمع البشارة بالحياة. لقد جاء الابنُ إلينا، أي جاء لكي يتجسَّد، وبتجسُّده صار كواحد منَّا ومعنا، حاملاً ومتَّحداً بالطبيعة الإنسانية التي أخذها من والدة الإله القديسة مريم.
2- قبل تجسُّده كان انفصال البشرية عن الله هو علة الموت. كُنَّا غرباء عن الحياة الإلهية، وكانت غربتنا أبدية، لكن صلاح الآب جعله يرسل ابنه إلينا.
كان في العالم، والعالم كوّن به (يوحنا 1: 10)، ولكنه جاء إلى الطبيعة الآدمية لكي يغلق هوةَ الانفصال إلى الأبد.
التجسُّد أساس الشركة في الحياة الإلهية:
3- عندما تجسَّد ابن الله صارت إنسانيتنا فيه، وكائنة إلى الأبد في أقنومه الإلهي. صارت معه واحداً بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.
4- حَفِظَ الناسوتُ متحداً بلاهوته؛ لكي يحفظ لنا سر الثبات فيه، ويؤسس إنسانيتنا على أساس جديد هو أساس الاتحاد.
5- اليومُ نسمع بشارة الحياة، فلنسرع إلى الأردن، إلى قوة التبني التي أخذناها في سر الحميم الجديد؛ لكي ننال مع الابن قوة نداء الآب، حيث يقول لكل واحد منَّا: “أنت ابني الحبيب”؛ لأنَّ ابني الوحيد قد جاء بالخراف الضالة إلى حظيرة الشركة.
معمودية الرب في الأردن:
6- لنقف عند قُدس الأقداس الحقيقي والأبدي، أي ربنا يسوع المسيح. ولنسمع في صمتٍ هذا السر الفائق.
الآن تدخل إنسانيتنا بواسطة “الوسيط” إلى شركة أخرى مع الثالوث. لقد نالت إنسانيتنا شركة الإتحاد بالابن الوحيد، ولكنها الآن تُمسح فيه بالروح القدس؛ لكي تنال شركة أخرى، وماذا أدعوها؟
هي شركة في الروح؛ لكي يمسح الروح القدس من الداخل ومن الخارج جوهر إنسانيتنا: من الداخل للتبني، ومن الخارج للقيامة وعدم الفساد. من الداخل؛ لكي يكون لنا شركة مع الابن والآب، ولكي يرفع شفاعة القوة والمجد بالأنين الذي لا يُنطق به (رو 8: 35). ومن الخارج؛ لكي ننال ذات النور الإلهي الذي لناسوت الرب.
7- اليوم ننال شركةً في يسوع لكي نُصبح “مسيحيِّين”، أي ممسوحين بالروح القدس. ننال مسحة يسوع لكي نكون شركاء في الاسم، وشركاء في جوهر إنسانيةٍ جديدةٍ، وفي شكلٍ جديدٍ هو مجدُ التبني.
لماذا مُسح الرب يسوع في الأردُن؟
8- نحن لا نعثر في هرطقات الشيطان، ولا نسمع تعاليم المخالفين.
لقد مُسح الرب يسوع لأجلنا. وصار هو قدس الأقداس الحقيقي الذي فيه يُعلن الآب مسرته.
لقد مُسح الرب يسوع لأجلنا. هو لا يحتاج الروح القدس؛ لأنه كإله وأقنوم مع الروح القدس في جوهر واحد، ولكنه لا يؤسس شركة الحياة دون أنْ يعلنها شركةً جديدةً.
وهكذا، عند مياه الأردن أعلن قبوله للروح القدس؛ لكي ندرك أننا فيه نقبل الروح القدس.
9- وعندما مُسح بالروح القدس، نقل الابنُ إنسانيته المتَّحدة بلاهوته إلى شركةٍ مُعلَنةٍ في الروح القدس، وبذلك تمَّت ثلاثة إعلانات إلهية كاملة:
* أعلن لنا أنَّ عطية الروح القدس للتبني ستكون فيه وباسمه ولأجله كوسيط ورأس الإنسانية الجديدة.
* أعلن لنا العلاقة الحميمة الأبدية بين البشر والروح القدس.
لقد حلَّ الروح على الابن المتجسَّد؛ لكي لا يفارق الإنسانية المؤمنة بيسوع كرب. ولذلك، يشهد الروح القدس لأرواحنا أننا أبناء الله، ويصرخ في قلوبنا ذات صراخ الابن الوحيد المتجسِّد والمندهش من محبة الآب: “أبَّا أيها الآب” (غلا 4: 4).
* أعلن سر المعمودية المقدسة التي بها صرنا أبناء الله، والتي تُعطى باسمه كوسيط؛ لكي ندخل شركة الثالوث في يسوع المسيح.
10- مُسح الرب في الأردن بالروح القدس لكي يُدخل الروح خدمة الخلاص، أي خلاص الإنسانية. ولذلك لم يؤجِّل الرب مسحته، بل جعلها تسبق تقدمة الصليب وقربان محبته؛ لكي يشترك الروح القدس في المناداة بالبشارة في المعجزات، وفي طرد الأرواح النجسة، وفي إعلان أنَّ “يسوع هو ربٌ لمجد الله الآب” (فيلبي 2: 11).
عيد الظهور الإلهي تجديدٌ لنعمة المعمودية:
11- أيها الأحباء إننا اليوم نقترب من تقديس المياه لا لكي ننال مياه مقدسة تطهِّر كل من يحتاج للتطهير، بل لكي نفهم أيضاً قوة الإعلان الإلهي العظيم.
اليوم ينقل الروح قوة التقديس إلى عناصر الكون؛ لأنه عندما قدَّس الابنُ المياهَ، قدَّس كل العناصر التي تنال حياةً من المياه، ونقل قوة اتحاده بالناسوت إلى هذه العناصر؛ لكي تعود من جديد إلى شركة مع الآب في انتظار انعتاق الخليقة من الفساد.
لقد جمعَ الربُ في ناسوته كل عناصر الكون الجديد الذي سنحيا فيه، وحرر كل هذه العناصر من عبودية الفساد، وأعلن مجدها بقيامته. ولذلك، عندما نزل إلى المياه واعتمد من يوحنا الصابغ وبعد خروجه من المياه، حلَّ عليه الروح القدس معلناً بذلك أنَّ الخليقة الجديدة قد بدأت تدخل عصر الروح القدس وتؤهَّل للانعتاق في يوم الدينونة.
لنسمع هذه البشارة المجيدة، ونفرح بالحياة الجديدة، ونبارك الرب الذي عَتَقَ أجسادنا من الفساد، وأباد الموت وأغلق فم الهاوية.
استعلان الكون الجديد:
12- بالمعمودية المقدسة ندخل السماويات في انتظار يوم الدينونة الذي فيه نرى كل الهبات كاملة: هبة القيامة وهبة الملكوت الأبدي.
هذه الهبات تُستعلن الآن في أسرار الكنيسة المقدسة؛ لأننا نأكل “خبز الله” (يوحنا 6: 33)، ونشرب كأس الملكوت، كأس الرب، دمه الكريم، وكأس عهد محبته الذي لا ينتهي، ونمُسح بمسحة الملوك … وبالصلاة والتمجيد نشترك مع القديسين في ملكوت ربنا يسوع المسيح حتى ننال الملء.
هكذا يُستعلَن الكونُ الجديد كبذرةٍ صغيرةٍ في صلـواتنـا وفي أسرار الكنيسة إلى أنْ نراها كاملةً في يوم مجد ربنا يسوع المسيح (2).
(2) هكذا يبدو أن هذه عظة. والخاتمة في آخر الورقة وهي بنفس الخط ولون الحبر.