أصبح مزلقان السكة الحديد في بلدنا، أحد مصايد الموت، ففي غيبة حارس المزلقان يمر قطارٌ سريع، ينهي -بذات سرعته- حياة بشر لا يوجد في خبرتهم أي إحساسٌ بالسرعة أو المسافة، حتى لو كانوا يركبون وسائل نقل حديثة؛ لأن سرعة الدواب هي خبرتهم ومقياسهم الذي لم يعد يلائم وقع الحياة المتسارع.
وما يفعله القطار في غيبة الحارس، تفعله تصريحات بعض المسئولين، فقد يصدر عن أحدهم تصريح يقضي على الحرية، ويفتح الطريق لمرور قطار الاستبداد السريع الذي يدمِّر أعظم ما ينتجه أي مجتمع بشري، ألا وهو العلاقات الإنسانية التي تربط -برباط وثيق- الفرد والأسرة والجماعة.
أقول هذا بمناسبة عبارة نُسبت إلى قداسة البابا تواضروس الثاني أثناء اجتماع مجمع الكنيسة القبطية الأخير، رداً على شكوى مقدمة من أحد أساقفة كنيستنا في أمريكا، حيث نُسِب للبابا قوله: “أنا المجمع”، وصمت الكل، ما عدا الأسقف صاحب الشكوى الذي قال: “أُمَّال احنا نبقى أيه؟”.
صمتُ الرجال عيبٌ كبير لا يمكن للفظٍ أن يبرره ولا أن يعبِّر عنه. تُرى هل كان هذا الصمت هو صمت الخوف، أم هو صمت اللامبالاة الذي يحول المزلقان إلى مصيدةٍ للموت؟
العبارة المنسوبة لقداسة البابا تواضروس، عبارة خطيرة جداً؛ لأنها دهست الحرية وأنهت على الحوار، وحولت الكنيسة العريقة إلى قطارٍ يدهس المعارض، لكن هذه المرة ليس في غيبة حارس المزلقان، بل في حضوره!!!
لكن، تُرى هل جاء قداسة البابا تواضروس بجديد؟
سبق للبابا شنودة الثالث أن قال عبارة لا تختلف عن عما نُسِب للبابا تواضروس، عندما قال: “أنا أقبض على الكنيسة بقبضة الحق”، ومثلما قوبلت عبارة البابا تواضروس بصمتٍ عدا صاحب الشكوى، قوبلت أيضاً عبارة الأنبا شنودة بصمتٍ مماثل، عدا من احتج عليها من خارج الكنيسة.
مزلقان الاستبداد هو اختزال الكنيسة، وتلخيص تاريخها العريق الممتد عبر ألفي سنة في شخص واحدٍ، فيدهس هذا الاختزال كل من يقف أمامه ويحول الحرية والحوار إلى أشلاء.
كان للأنبا شنودة أيضاً عبارة أخرى، لا تقل عن سابقتها في درجة الخطورة. ففي سياق حديثه عن موضوع الزواج والطلاق، قال إنه يريد “كنيسة الأنقياء”، وهو تحديدٌ غريب عن كل تراث مسيحي معروف ومدون في تاريخ المسيحية.
لكن، يجب أن نسجِّل -للتاريخ- ذلك الخطأ السياسي القاتل الذي دفعت مصر ثمنه، ألا وهو تعامل الإعلام والقيادة السياسية مع بطريرك الكنيسة القبطية على أنه هو الكنيسة كلها، وأنه ينوب عن كل الأقباط. وكان توجُّه الرئيس السادات بطلب ترشيح أسماء قبطية لمجلس الشعب، هو أحد مساهمات الإعلام والقيادة السياسية في القضاء على دور القيادات التي تُعرف باسم “العلمانيين”، بل ذهبت البطريركية نفسها على إطلاق اسم “المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية”، في حين أن الاسم الواقعي هو “المتحدث الرسمي باسم قداسة البابا”.
الكنيسة القبطية -بالذات- هي كنيسة الجماعة، وصوتها هو صوت الجماعة، وغياب صوت الجماعة عبر ما يزيد عن نصف قرن، كان هو أحد معاول الهدم لركن أساسي، هو حوار الشعب الذي اختار قادته، لا لكي ينوبوا عنه، وإنما ليكونوا تعبيراً عن الشركة في كل شيء، وفي المصير الأبدي، وفي أهم ما تعبِّر عنه صلوات الكنيسة، وهو “وحدانية القلب التي للمحبة”.
ونتيجة غياب صوت الجماعة، وانعدام الشركة، تصدر عبارة أخرى قاسية جداً، تؤكد منهج الاختزال المشار إليه، تجيء بمثابة تصريح صادمٌ ومريع لنيافة الأنبا روفائيل سكرتير المجمع، في إطار الحديث عن أزمة الزواج والطلاق المثارة حالياً في الكنيسة، حيث قال نيافته إن مَن “يجد شروط الزواج صعبة، فليبحث عن طائفة أخرى”.
هذا التصريح هو شبه اعتراف بأن الكنيسة القبطية مجرد طائفة، وليست “الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية كنيسة الله الأرثوذكسية”. وهو بمثابة إعلان خطير بأن من حق الأسقف أن يطرد من يشاء إذا تصادمت المصالح.
الأساقفة رفضوا الزواج عندما قبلوا الرهبنة، ولذلك فهم لا يعرفون شقاء العنف والإيذاء البدني والخيانة والاحتقار وما يظهر من أمراض عقلية ونفسية، تظل نائمة إلى أن يتم اكتشاف أن زواجاً ما لم يجمِّعه الله، بل المصالح والمال والسمعة، وهي كلها، إلى جوار ما يُضاف إليها من أسبابٍ، لا تؤسس المحبة بين رجلٍ وامرأة، ولا تصنع منهما كياناً واحداً.
وعندما تُفرض العفة على آخر بالقوة، تكف عن أن تكون عفةً، وتفقد وصفها باعتبارها اختيار محبةٍ. وعندما يقول الأسقف الراهب لشخصٍ نُكِبَ في حياته الزوجية: ابحث لك عن طائفةٍ أخرى، يكون قد كسر أول وصايا المسيح، وهي محبة القريب التي ساواها الرب يسوع بمحبة النفس، وقال عنها إنها الوصية الثانية العظمى.
تُرى، هل كانت هذه العبارات القاسية، مجرد زلات لسان، أم تعبيراً عن رغبات مكبوتة كامنة في القلوب؟
أقول لمن جمعوا توقيعات تطالب بعزل قداسة البابا تواضروس، يأساً من الحوار، ويأساً من حلٍّ لم يجيء رغم طول الزمان، أقول لهؤلاء، ولمجمع الكنيسة إنه ليس هناك من بديلٍ عن الحوار، ولا فائدة من تأجيل الحلول؛ لأن التسويف يضع في كل مشكلة بارود الانفجار.
على الكنيسة القبطية أن تعرف زمان افتقادها قبل فوات الأوان.
تعليق واحد
سيدى د جورج حبيب سلام و محبة
قد يبدو أن هذا الكلام عن تعسف البابا شنوده و خليفته الأنبا تاوضرس حديثا لكنى أعتقد أنها سمة خاصة بالكرسي أى كرسى فعندما يسطع نجم أحدهم لا يجد البابا حلا إلا فى حرمانه و قطعه ليصير عبرة على مدار التاريخ
و لا يكون هناك مجال للتسامح أو التعايش السلمي في ظل قوة الإمبراطورية و انحيازها للمسيحيين فإما أن يصير العالم كله مسيحيا أو فيذهب الآخرون إلى. .. و كما هدموا كنيستنا تهدم معابدهم(ق ثيؤفيلس )أو يهجروا قصرا(ق كيرلس )
و لا مانع من الدسائس و المؤامرات فى عصر حكام كانوا مازالوا يعتبروننا كفرة و لا مانع أن يظل الكرسي شاغرا فترة طويلة فى ظل صراع بين اثنين نعتبرهم آباء و قديسين (بولس البوشى و كيرلس بن لقلق ) و الاثنان يحاربون من يقاوم بدعة التسرى و يدعو إلى عودة الاعتراف السرى على يد الكاهن
انها السلطة التى تريد أن تسيطر بادعاءها امتلاك الحقيقة المطلقة و الاستحواذ على الله
و دعى أزيد من الشعر بيتاً يوجد مجموعة من الكتب للبابا شنودة و شرائط بعنوان سنوات مع أسئلة الناس 70 % من هذه الأسئلة لا علاقة لها بالاهوت أو الحياة الروحية و لكنها أسئلة عن الزواج و اختيار شريك الحياة و الوظائف و المواهب مثل التمثيل و الغناء المشكلة ليست فى السؤال المشكلة فى الموافقة على الإجابة عليها أصبحت المسيحية دين و دنيا و من خلال ذلك تتم السيطرة الكاملة لرجال الدين أى دين على حياة الناس و بالتالى تصل المشكلة أو الحالة إلى ذروتها الكذبة التى كذبوا و صنعوا إياها صدقوا فأصبح على كل من ينتمى إليهم لا إلى الكنيسة أن يكونوا أمناء لهم لا للكنيسة و بالتالى يتم قبول الصورة التى فى عقولهم عن كنيسة الله لتصبح هى الصورة الحقيقية و يصبح صوتهم وحيا و رأيهم عقيدة لأنهم لا يأتيهم الباطل بل هو الهام ساوى
الآن و بكل آسف أصبح لا فرق فى صوت رجال الدين المسيحى عن رجال الدين الإسلامي
استخدام سلاح التكفير وسيف الحرمان و الصوت الواحد و طبول الإعلام
و للأسف الشعب الذى أراد رأى قادته فى كيفية إدارة أكثر أمور حياته خصوصية و أكثرها ارتباطا بالحياة على الأرض واقلها ارتباطا بالدين هذا الشعب المغيب بإرادته غير المحب للتعليم و التعلم هو نفسه سيكون الضحية و سيكون هو محور بكائية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعد زمن اظن انه قريب