تقول مراكز البحث المنتشرة في أرجاء العالم المعاصر إن زمن الأنظمة الشمولية قد انتهى، وإن آخر ايدلوجيات الشمولية كان الماركسية التي أسقطها الجمود، ومستنقع الحزب الذي نام على أحلام الماضي التي لم يعد لها وجود. هذا تحذيرٌ لأصحاب الأنظمة الشمولية البازغة في الحياة السياسية المصرية الآن، عليهم أن يضعوه في اعتبارهم.
منذ ما يزيد على 50 سنة قال الدكتور القس لبيب مشرقي: “جَلَسَت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عند قبور الآباء تنادي: هؤلاء هم آبائي، فهاتوا مثلهم” .. كانت هذه العبارة عبارة صحيحة في وقتٍ لم يكن في ايدينا فيه سوى أخبار ومعجزات القديسين، في حين غاب التعليم الآبائي؛ حتى بدأت الباكورة في الخمسينيات، ومن ثمَّ انفتح الباب على مصراعيه. فلو دققنا النظر في المؤلفات اللاهوتية التي صدرت منذ 1900 – 1960 لوجدنا أنها لا تزيد على أصابع اليدين، أشهرها: أسرار الكنيسة السبعة – علم اللاهوت النظري – الخريدة النفيسة – تاريخ الكنيسة القبطية – مؤلفات القمص سرجيوس – بستان الرهبان.
كان ولا يزال لدينا عظام أو ذخائر القديسين، ولكن لم نقدم كُتب هؤلاء إلاَّ في السبعينيات. ولكن أخيراً بعد غيبة طالت 1500 سنة، عاد إلينا كتابي القديس كيرلس عن الثالوث: حوار حول الثالوث، ثم كتاب الكنوز في الثالوث القدوس والمساوي، وذلك بفضل جهد وعرق الباحثين الذين حُرِموا من التدريس في معاهد الكنيسة القبطية جزاءً وتقديراً على تعب الدراسة .. وهذا ازدراءٌ نقابله بصمتٍ مريب، بدلاً من تشجيعٍ واحتضان من أجل بنيان ما تهدم من الثقافة والمعرفة الأرثوذكسية، ولكي لا نكتفي بالجلوس عند قبور الآباء، بل نحيا حسب حياة الآباء.
البقاء في الماضي باسم الحاضر:
تؤمن المسيحية بأن كمال التاريخ الإنساني هو في المستقبل؛ لأن كمال تدبير الخلاص هو في ظهور الرب المحيي؛ لكي يقيم ويرد الانسان جسداً وروحاً الى حياة مجيدة.
الماضي ليس سيرة القديسين فقط، وإنما هو اكتشاف اسلوب الحياة ومنهج التفكير والغايات السامية التي سعوا إليها. ما عدا ذلك هو بقاء في الماضي ونسيان الحاضر. الويل لشعبٍ أو أمةٍ تعيش في الحاضر تحت سقف الماضي مهما كانت اغراءات الماضي، سواء أكانت القداسة، أم الإنجازات الإنسانية؛ لأننا لن نكون بشراً إذا اكتفينا بأن نقول لقد صنعنا حضارةً، ذهبت وراء شمس الماضي؛ لأن الحضارة المعاصرة تحيا تحت ما يسمى “بالحداثة”، بل و”ما بعد الحداثة” أيضاً.
وهكذا أدركت الكنيسة الكاثوليكية مغزى ما يدور في أوروبا، فكان انعقاد مجمع الفاتيكان. كما أدركت الكنائس الأرثوذكسية معنى وسبب وجودها في الشتات، فأنشأت معاهد اللاهوت: سرجيوس بباريس، وفلاديمير بنيويورك، وغيرها.
ومن أجل عبرة التاريخ وتقديراً لها؛ كان أستاذُنا زاهر رياض يحرص على تدريس تاريخ مصر في الكلية الإكليريكية، ولكنه ذهب وذهب معه أساس الحياة المصرية، أي تاريخ مصر .. الآن لو سألت أحد خريجي الكلية الإكليريكية عن تاريخ مصر في عصر محمد علي – وهي الفترة القريبة منا تماماً – فقد لا تسمع إلاَّ ما يجود به تراث السماع.
لا بُد من الحياة في المستقبل، فذلك هو وعد القيامة من الأموات، وإلاَّ نكون قد تنازلنا عن وعدنا وأنكرنا الإيمان. الماضي هو لائحة 1957، وصراخ استنكار التعديل بحجة أننا سوف ندخل في معارك، إن هو إلاَّ صراخٌ بلا مبرر .. معارك من ضد من؟!
الماضي هو أن لا نسمع لشباب قضى عاماً كاملاً مع ثورة قد تكون فشلت في الجولة الأولى، ولكن هناك جولات أخرى قادمة .. لنسمع للشباب ليس عن طريق أسقفية الشباب، بل عن طريق جلسات استماعٍ حر .. لأننا يجب أن نعيش مع احلام الشباب لأنها أحلام عن عصرهم هم وليس عصرنا نحن.
المستقبل الباب المغلق:
ولأجل كل ما سبق، فقد طلبت من القائمقام الأنبا باخوميوس، وهو رجل له خبرة مسكونية وعالمية معروفة أن يقود حملة المستقبل من أجل مصر، ومن أجل بنت مصر، كنيسة مصر.
المستقبل ذلك الموضوع الذي غاب عن وعي حزب الحرية والعدالة، وحقق مقولة فرويد التي مضى عليها ما يربو على 100 سنة، وهي أن المضطَهَد يلبس ملابس الجلاد لكي يجد طريقه في الحياة. إن ما شاهدناه حتى الآن لا يختلف إطلاقاً عن أسلوب الحزب الوطني إلاَّ في الأسماء. ذات التمسك بالأغلبية التي جاءت من الصناديق، ووضع أهل الثقة محل أهل الخبرة وهم أساتذة القانون الدستوري في جامعات مصر.
والمستقبل هو ذات الموضوع الذي غاب أيضاً عن وعي المجمع المقدس، وعن المجلس الإكليريكي، وإلاَّ كيف نشرح للشعب اليوم تزايد حالات الطلاق إلى ما يربو على 300 ألف حالة طلاق حسب إحصائيات المحاكم؟ .. ما هذا الذي يحدث في ساحة الزواج، وهي الأرض الوحيدة الباقية للكنيسة المصرية؛ لأن الزواج هو نهر حياة أي جماعة، فإذا ما جففنا هذا النهر، ماذا ينتظرنا غير القحط والفناء؟ ماذا فعلنا، وماذا قدمنا غير سكين قضاءٍ يعمل حسب الأهواء، وبلا تخصص من رجال طبٍّ وقانونٍ وعلم اجتماع؟
المستقبل له رافد هو التعليم، فماذا حققت أسقفية الشباب في حقل الشباب؟ من الذي يقوم بمراجعة وتقييم ما تقوم به الأسقفية؟ ونفس الكلام ينطبق على الكلية الإكليريكية، والمعاهد القبطية.
عندما كنت أعمل في جامعة كامبريدج وقبلها في نوتنجهام، كان يتم فحص مواد الدراسة، وطريقة التدريس، وما يجب تطويره في برامج التدريس، مرةً كل ثلاث سنوات.
وأخيراً مَن هو الذي يحمل عبء تقديم هذه المطالب، ويعمل من أجل المستقبل؟
والجواب هو: خلق لجان لا تخضع لرقابة الاكليروس تحت مشروع “الكنيسة والمستقبل” لا تضع توصيات فقط، بل تبحث آليات التنفيذ، وهي إعادة تنظيم الحياة الكنسية. أمَّا إذا تنكبنا طريق البحث، نكون قد وضعنا رؤوسنا في الرمال وأغلقنا باب المستقبل بسبب الخوف والحذر.
3 تعليقات
نفسي تكون معانا يا دكتور و تحقق افكارك و احلامك معانا … بس سامحني الكلام فقط في رأيي مش هيجيب نتيجه معاهم … انت بتدن في مالطه … التعليم و و البحث و المستقبل و و و و ملهاش مكان عندهم
مفيش فايدة ورجسة الخراب ستكون في الكنيسة بتمرير عنصر مشبوه فاسد
وسيضرب الرب مصر -وسترون جثث المصريين في الشوارع لا تجد من يدفنها
ويموت ربع الشعب من اجل الشرور العظيمة وعدم التوبة
تحياتي
الانبا باخوميوس ليس باديء للاسقفيه للنصحه…
انظروا الي سيرتهم ..لتعرفوا طريقه فهمهم وسلوكهم في الايمان.