مكانة الإنسان في المسيح يسوع موضوع من الموضوعات الرئيسية في اللاهوت الأرثوذكسي، لذا يعرض الدكتور جورج حبيب بباوي لمكانة الإنسان في يسوع المسيح، ويبين مدى احتفاء الله بالإنسان في ديانة الإله المتجسد من خلال الفرق بين ما جاء في التراث اليوناني الكلاسيكي، والتراث اليهودي بأقسامه الثلاثة: التراث التوراتي الخاص بالشريعة، والتراث النبوي الخاص بالنبوات، والتراث المسيحياني الخاص بمجيء المسيح، ففي هذا التراث يكمل التراث التوراتي والتراث النبوي، لأن التراث المسيحياني يرى أن علاقة الإنسان بالله تكمل في المسيح يسوع، وبالتالي تعلو هذه العلاقة على ما جاء في التوراه وعلى ما جاء في الأنبياء؛ لأن هذا التراث يشرح لنا نقطة مهمة في تجسد ابن الله الكلمة، وهي أنه هو الذي جاء إلينا وطلبنا، فاتخذ جسم بشريتنا واتحد بنا.
مكانة الإنسان في المسيح يسوع
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- الخليقة الجديدة في المسيح يسوع
أتشرف بأن أقدم لك أيها القارئ العزيز الجزء الأول من رسالة الدكتوراه كما قُدِّمَت إلى…
- التلمذة للرب يسوع المسيح
التبعية أو التلمذة للرب يسوع المسيح يبدأ بإنكار النفس وحمل الصليب قبل الإيمان، وأتباع الطريق…
- الله، المسيح والرمز
في ذكرى نياحة القمص متى المسكين نقدم نصا حواريا مع ثلاثة من كبار مفكرينا حاوروا…
5 تعليقات
نسيج النسك المسيحى …
نسيج خلاصى أصيل
أولاً: الأصالة الأولى:
الخلاص بين رياح التغيير … وجمود الماضى! (١)
حينما نحاول أن نضع النقاط فوق الحروف وتحتها أيضاً, ستكون النتيجة كلمات جديدة, ومعانى جديدة, ولربما أختلفت كثيراً عما سبقها من معانى ومقاصد.
ولأن الأوان قد مضى وفات, وفرض الواقع نفسه كحقيقة معاشة كل يوم, لهذا فقد وصل بنا الأمر إلى مرحلة لا يجدى فيها إعادة ترتيب المفاهيم من تقديم وتأخير, وتنقيح وتفعيل, إلى حاجتنا الماسة إلى مفهوم جديد, يحقق للكنيسة نفس الحياة المسيحية المسلمة لنا من آباؤنا القديسين, الذين عاشوها وأختبروها وذاقوها بالروح القدس.
فنحن نطهو طعامنا اليوم بطرق تختلف تماماً عن تلك الطرق التى أكل بها أباءنا, إلا أن فائدة الطعام ما زالت هى هى التى تقوت الجسد وتربيه.
– فهل يمكننى اليوم أن أشعل حطباً وناراً فى شقتى لأعد طعامى؟
– أكيد لا.
أذن علينا أن نتأكد من أنه بالرغم من ثوابت ايماننا, وخلاصنا المحقق بفاعليات قد أختبرناها, ومذاقات نعرفها جميعاً جيداً , إلا أننا نحتاج إلى شروحات جديدة توازن كفتى الميزان من جديد.
وهذا ما قد شرحه جان بول سارتر وحذر منه, حينما قال بأن كل النظريات والمبادئ والعقائد تحمل عوامل فنائها فى ذاتها, من جراء تراكم الشروحات المفسرة لها عبر الزمان, واللازمة والمصاحبة لعملية التطبيق العملى على أرض الواقع, والمتضادة احياناً مع جذور العقائد الأساسية ذاتها, والتى تسمح من خلال تواجدها المضاد, تفعيل الكثير من الفساد والخراب ليدمر كل شئ, وقد تحقق ذلك تماماً بأنحسار وأختفاء الشيوعية من العالم.
وللأسف الشديد … نلحظ بأن الأصابة بالتفكك الداخلى بفعل نتائج الشروحات المضادة للعقيدة المسيحية, قد بدأ يظهر على السطح الآن فى كنيستنا, بعد أن عمل خفياً فى العمق لسنوات طويلة, كالنمل الذى يستطيع أن يوقع عمارة شاهقة, بتخريب وتدمير أساساتها!
ولأجل أننى لا أرغب فى التحدث سلبياً, سأحاول أن أكون موضوعياً, من أجل التعرف على سر الداء وأصل المصاب, بدون التعرض لأى من شروحات عقائد الطوائف الأخرى, لأن الجميع غير معصومين عن السقوط فى نفس المنزلق, لذا سأقدم الظاهرة الروحية أولاً كنتيجة طبيعية لأنحراف الشرح الذى سأقدمه متأخراً. وسأعطى الغرب كمثالاً صارخاً, إلا أننا وبكل تأكيد ككنيسة شرقية نسير فى ذات الطريق, وسنحصل قريباً على ذات النتائج, وإن لم تكن قد بدأت فى الظهور بالفعل, ومن هنا جاء تحذيرى وهمى.
أن الكنائس الغربية, والتى تؤمن تمام الإيمان بعمل الله وخلاصه المجانى المقدم الينا من غنى الله ورأفته, بل وأنها تقدم الإيمان على أى شئ أخر, إلا إنها أقل الكنائس تقديراً للحياة المقدسة فى المسيح, لدرجة أختفاء المؤمنين من الكنائس تقريباً, اللهم فيما عدا بضعاً من المسنين, والمرضى النفسين الذين يبحثون عن صحبة تتماشى مع أحتياجاتهم الخاصة.
تلك ظاهرة ينبغى علينا دراستها جيداً, لأن الغنى والحرية الجنسية ليست هى السبب, كما يعتقد ويعلل البعض, لأن العالم الوثنى القديم كان أكثر ثراءً وحرية.
فقد دعا هومر مثلاً مدينة كورنثوس ب ” كورنثوس الثرية “, فقد عُرِفَت بغناها وعظمتها, كمدينة مفتوحة على العالم أجمع.
أما ما عرفته كورنثوس عن الحرية الجنسية فليس له مثيل فى العصر الحديث, حتى إن تعبير ” عش كورنثوسياً ” يعنى عش فاسداً, وتعبير ” فتاة كورنثوسية ” يعنى فتاة داعرة. وكان يوجد ألف كاهنة وثن داعرة فى مدينة كورنثوس وحدها, يَنمْنَ فى معبد ” أفروديت” إلهه العشق والجمال فى أعلى الجبل نهاراً, ويَعثنَ فساداً فى شوارع المدينة ليلاً عبادةً.
إلا أن بولس الرسول قد تمكن من البشارة فى وسط تلك الأجواء الفاسدة, لأنشاء كنيسة قوية ككنيسة كورنثوس !
أذن الأمر يستحق البحث عن السبب الذى ضرب شعوبً بأكملها فى العصر الحديث بالفتور والاهمال الروحى.
فلنبدأ أذن بأقرار بضع من أساسيات البحث والبناء:
أولاً:
من الثابت أن … الحياة قد سبقت الصياغة اللاهوتية على المستويين الفكرى واللفظى.
فعلوم اللاهوت كلها جاءت لتشرح وتقنن الحياة فى المسيح بحسب كلمات وتعبيرات الناس, ليفهم ويعى الناس, ما أراده الروح للكنائس.
وأنا هنا أدعى بأنه قد حدث أخطاء فى تلك الصياغات اللاهوتية فى مراحلها الأولى, ولأجل أنها كانت متلائمة تمام التلائم مع الظروف الأجتماعية والسياسية والنفسية للمؤمنين فى ذلك الوقت, لم تظهر أى أعراض تعارضية تنبأ عن عدم الملائمة والعجز الحياتى, بل كانت تحقق أنسجاماً مذهلاً, أدى إلى أنتشار الكرازة فى ربوع الأرض كلها.
أما اليوم فالأمر مختلف تمام الأختلاف كما سنرى لاحقاً. فهل يحق لنا أن نضيف إلى تلك الصياغات اللاهوتية القديمة, مانحتاج إليه من شروحات ومفاهيم وألفاظ لم تكن مستعملة فى العصر القديم؟ بشرط أن تأتى منسجمة ومتسقة مع ما أعلن لنا من شركة حياتنا فى المسيح يسوع, ومع عقائدنا الثابتة الأساسية من العقيدة والأسرار والطقوس.
وبهذا فقط نضمن لكنيستنا نفس الطعام المغذى للروح والجسد معاً, ولكن بطريقة أعداد جديدة, لتتمكن الكنيسة الملهمة من الروح أن تستعيد أشراقها على العالم, لتستمر رسالتها لتهب الطعام الذى لا يبلى كحياة روحية حقيقية لأناس تتبدل حياتهم الأجتماعية والسياسية كل يوم بصورة تزعجهم هم أنفسهم.
تابع: الأصالة الأولى:
الخلاص بين رياح التغيير … وجمود الماضى! (٢)
ثانياً:
من الخطأ الأعتقاد بأن طبيعة الأنسان ثابتة لا تتغير, بحسب المقولة الشعبية ” الناس هم الناس”, بل يجب علينا التأكد بأن الأنسان يتغير فكرياً, ويتبدل داخلياً, ويتشكل مزاجه العام بمقدار انخراط الأنسان نفسه بالعلوم الأنسانية العصرية, وخبراته الحياتية المُعَرَّفة بمقدار تَحضُره, وأستخدامه للتكنولوجيا الحديثة, التى تدخلت وتحكمت فى كل شئ حتى أعماله ورزقه, وأيضاً بمقدار أنفتاح البصيرة على منابع الخلاص وحكمة السماء.
كما أن كنيستنا القبطية هى كنيسة أبائية بالدرجة الأولى, ولكنها ليست فى ذات الوقت ” كنيسة نوستالجيا “**. بمعنى انه لا يعتريها حمى الحنين للماضى, فتعود إليه مجردةً, كمن يعود إلى الزمن الجميل, لتستعيد ذكريات الأباء والأحداث, فتبكى حاضرها, لأنها لا ترى فى تكرار الماضى بأحداثه وشخصياته أى فائدة روحية على الأطلاق. بل أنها تقرأ جذورها فقط, لتبنى مستقبلها على أساس معلوم, وفى حذر عدم تكرار أخطاء الماضى.
وليس المطلوب من كنيستنا أن تحذف من عقائدها وأسرارها وطقوسها, لكى تبتعد عن النوستالجيا, لتتلائم مع سرعة التطور الحادثة, ولتوافق أصناف من البشر بُدِلَت عقولهم بأكياس من المخدرات!
وهذا بالضبط ما حدث – وللأسف – فى مجمع الفاتيكان الثانى ١٩٦٢- ١٩٦٥م, الذى تمخض عن إصلاحات كثيرة ومختلفة, منها من جاء بالحذف والألغاء. والتى كان أبرزها التخلى عن أستعمال اللاتينية فى الصلاة, وأبدالها باللغات المحلية, كما أقر حذف الكثير من الطقوس والصلوات الكنسية, حتى صار القداس الكاثوليكى قصيراً جداً لا يتعدى النصف ساعة. وهذا قد أَضَرَ وسَيَضرُ أشد الضرر بالحياة الروحية, ومفاهيم وشروحات العقيدة نفسها على الأمد البعيد. ليقر ويحل بطريق غير مباشر, الكسل واللامبالاة والسرعة وعدم التأمل وعدم الأستقرار الروحى وسطحية الفهم والتفسير, طريقاً قانونياً مكرساً لجموع المصلين.
– فماذا أنت فاعل بأبناً كسولاً؟
–هل ستحذف من المقرارات الدراسية ما لا يرغب فيه؟! … لتقر وتكرس وتشرع كسله!!
ولكن المطلوب فى الحقيقة, أن تضيف الكنيسة أسلوباً جديداً, ونهجاً شارحاً ليلائم حقيقة التغير الدائم لطبيعة الأنسان, مع الأحتفاظ بأمكانية تقويم سلوك الأنسان المعاصر الكسول, ليكون عضواً كنسياً فاعلاً, وليس خاملاً غير مبالى بما يحدث, تاركاً الكنيسة لرب الكنيسة.
فالأنسان المعاصر حقاً صار كسولاً, يحرك كل شئ بأزرار, وأحياناً كثيرة بالتحكم عن بعد. والأخطر من هذا أنه أستعاض عن العلاقات الأسرية, بالتحدث عبر برامج الشات المختلفة.
كل هذة التغيرات الحادثة فى تركيب الأنسان النفسى والمزاجى العام, جعل من تغير شروحات العقيدة أمراً ضرورياً, لتعليم الأنسان التأمل والصلاة والصبر فى الشدائد, وهذا ما نحتاج إليه بشدة, لنحافظ على فاعلية الكرازة مشتعلة, لتعبر كنيستنا الزمن الردئ.
ولأجل ذلك نهيب بعلماء كنيستنا الأجلاء ولاهوتييها العظام, محاولة تقديم تحليل نفسى سلوكى للأنسان الكنسى المعاصر, وكيفية علاج مضعفات العصر. لأن الشعب محاصر بتلك التغيرات والعادات السلوكية الجديدة, سريعة النشوء والظهور والأستيطان والأستحسان, لتمنعه من الأستفادة من الخلاص المقدم له بتجسد يسوع المسيح أنساناً.
وهذة التغيرات السلوكية ليست على المستوى الشخصى فقط, بل انها قد تخطت إلى المستوى الأجتماعى والنفسى العام, فى العمل والمعيشة اليومية, وجعلت من أضافة شروحات جديدة للعقيدة ضرورة, لمجابهة الكسل والخمول والتراخى, والتواكل على الآخرين, تقريباً فى حل أغلب المشاكل التى تعترض طريقنا.
فنظام الأسعاف التى تجرى مهرولة لنجدتنا.. أين كنا؟, صار نظاماً فعالاً فى أنظمةً أخرى كثيرة, وكل ما تحتاجه هو المال, للحصول على تلك الخدمات, وهذا ما جعل الناس تقدر المال تقديراً فائقاً, ” اللى معاه قرش يساوى قرش “, ليعتمد الأنسان على الآخرين بشكل شبة دائم, بصورة مدفوعة الأجر فى أحياناً كثيرة, ليصير فى النهاية أكثر كسلاً وتواكلاً وخمولاً وتراخياً .. وسطحيةً أيضاً.
والسؤال الذى يجب أن نحصل له على إجابة هو …
– هل أثر كل ذلك على فاعلية وتفاعل الناس مع حقيقة الخلاص؟!
وبمعنى أخر …
– هل تدخل مبدأ الكسل والتواكل ليصير من معطيات شرح حقيقة الخلاص الألهى بطريق غير مباشر؟!
وبمعنى ثالث …
– هل شرح مفهوم الخلاص المعاصر يكرس ويدعم مبدأ الكسل واللامبالاة والتراخى والسطحية؟!
نُرجِئ الأجابة لنهاية الموضوع, ولفطنة القارئ!
————————————————————-
** مصطلح نوستالجيا Nostalgia يونانى الأصل يشير إلى الحنين للماضى, وإلى الألم الذى يعانيه المريض إثر حنينه لعودتهِ لبيتهِ, وخوفه من عدم تمكنه من ذلك للأبد. وتم وصفها على إنها حالة مرضية, أو شكل من أشكال الأكتئاب فى بداية الحقبة الحديثة للتعبيرات النفسية.
إلا إنه صار فيما بعد مصطلحاً أكثر عمومية, ذو أهمية بالغة فى فترة الرومانتيكية Romanticism, ليشير إلى الحب الشديد للعودة للماضى, وللعمل على تكراره , بأحداثه وأنفعلاته, بحثاً عن خلاصاً وحلاً لمشكلات الحاضر.
الخلاص بين رياح التغيير … وجمود الماضى! (٣)
ثالثاً: الشرح التطبيقى:
ثورات العصر المصرى الحالى, هى ثورات حاصدة لأفكار متواترة ونمو حضارى على مدار سنوات طويلة. وإن كنا نرى بأن كنيستنا ما زالت بعيدة عن هذا العمق الحضارى التاريخى القادر على التغيير, وبمنأى عن هذة الثورات الطاحنة للفساد, والمبدلة للنظام رأساً على عقب, فنحن واهمون, فرياح التغيير لابد أن تهب وتأتى, فالأنحراف عن الطريق المستقيم وصل إلى مداه المسدود.
لذا يلزم على الكنيسة القبطية أن تنتبه منذ الآن, لتكون أكثر تبصراً من أختها بالغرب, لئلا تلقى نفس المصير, من العذوف الشعبى عنها وأهماله لها.
وكما إنه لا يمكن صياغة الحياة فى المسيح صياغة واحدة جامدة لا تتغير, والحديث هنا ليس عن تغيير العقيدة, بل عن تغيير الشرح التطبيقى لها. لأن عمل المسيح لا يمكن تغييره أبداً, فما فعله المسيح من أجل خلاصنا قد أتمه. ولا ينتظر تكميلاً ولا تأصيلاً. ولكنه ينتظر منا نحن الاستقبال الحسن العامل من أجل هلاك الذات لنجده كيانياً.
ويوضح ذلك القداس الألهى, بأنه قد علمنا ” طرق الخلاص”, وليس طريق الخلاص, بحسب الخولاجى المقدس ١٩٠٢م . فالخلاص ليس وحدوى الطريق, ليتناسب مع إختلافات البشر, فتعدد طرق الخلاص وتنوعها, لا ينفى وحداوية وشركة جميع المؤمنين فى الهدف الواحد.
أذاً فِهمنَا التطبيقى لعمل المسيح, هو المُناط به التغيير, وفقاً للتغير الدائم لطبيعة الأنسان, وتفاعله مع الواقع, لأن القياس يتغير من عصر لعصر, ومن زمن لآخر, فالكثير من تلك الشروحات التطبيقية تفقد عنصر التوافق والتلائم مع الواقع والفكر والحياة بمرور الزمن. ليكون الهدف دائماً وأبداً هو تفعيل الحياة المقدسة التى لنا بحسب أعلان الله الآب فى إبنه يسوع المسيح.
مثال إيضاحى لذلك, لتأكيد جلاء ومشروعية تغير الشروحات التطبيقية للعقيدة:
إنَ الأباء الأوائل الذين شرحوا وشبهوا .. “ الحكمة والأدراك الروحى الذى يخرج من العقل, فيضئ الحياة الروحية, بالشعاع الذى يخرج من العين فيسبب الرؤية “. قد قدموا شرحاً تطبيقياً خاطئاً يلزم تغيره, فالعصر الحديث يؤكد بأن العين لا ترى حينما يخرج منها شعاع, بل حينما يأتيها ويدخل إليها شعاع ضوئى منعكس عن الأشياء فيسبب الرؤية.
ولربما وضح هذا المثال الفارق الكبير بين العقيدة والشروحات التطبيقية التى نطالب بتغيرها.
وقد لعب الأباء القديسين المختبرين دوراً هاماً فى الحياة الكنسية, أكبر من قداستهم الشخصية, ألا وهو نجاحهم فى تطويع وتجهيز حياة الناس وأفكارهم, لأستقبال وأدراك مدى عظمة الخلاص الألهى أدراكاً حسناً. ليستجيبوا بفاعلية كيانية إيجابية لعمل المسيح الخلاصى, وقد شهد تاريخنا القديم بمقدار صدق وإخلاص أبائنا للدعوة الكيانية, التى دعاهم إليها رب الكيان.
أما زماننا هذا المنكوب بمعنى الكلمة, الفقير فى نماذج التوبة والمحبة والبذل والعمل الروحى المضبوط بالنعمة, إلا القليل من النماذج العصامية التى تعد على أصابع اليد الواحدة, فما من أباء مُقَومِين ومُصلحِين ومُطَوعِين للطبيعة الكنسية الكسولة, لتعرف الكنيسة كيف تحيا فى بذل المحبة الحقيقية.
فالكنسى المعاصر تنتابه حمى المشاهدة التلفازية, فيجلس على الأريكة فى الكنيسة مشاهداً وليس مشاركاً لما يدور, منتظراً لما يقدمه الله من بركات وعطايا وإيمان أيضاً.
وهكذا تراخينا عن الصحيح, وتركنا بل تنازلنا عن ما هو راسخ من حقوقنا فى المسيح يسوع, وأكتفينا بالإيمان بقدرة الله على الخلاص. ورددنا بكل ثقة متراخية ” لا أحد يأتى إليه, إن لم يدعوه الله الآب “!!
الخلاص بين رياح التغيير … وجمود الماضى! (٤)
ها نحن … وقد وصلنا إلى لب الموضوع, بعد طول المقدمة والتمهيد, طمعاً فى هروب مشروع من نفق مظلم أعرفه جيداً, وأتينا إلى السؤال الرئيسى, وإلى محك الأختلاف والخلاف.
مشكلة الخلاص المسيحى
– هل الخلاص عمل إلهى كامل؟
– هل الخلاص الذى صنعه الرب, قد صنعه منفرداً, ليكون صناعة إلهية مائة فى المائة؟
– هل الخلاص هو عطية السماء المجانية لقاطنى الأرض؟
* صحيح بأن كل الأجابات المتوافرة حالياً هى: بنعم, لكافة الأسئلة من ذلك النوع, لأن كافة شروحات العقيدة منذ زمناً بعيداً جداً جداً, … تُعَلمنَا ذلك!
إلا أننى أستطيع الأدعاء بأن الأجابة بنعم على تلك النوعية من الأسئلة … خطأ مائة فى المائة فى عصرنا المنكوب هذا. بل وإن تلك الإجابات الخاطئة قد تسببت فى مشكلات تطبيقية معاصرة خاطئة أيضاً وخطيرة جداً, وقد أَتت وستُكمل لتأتى على بقية الأخضر واليابس, وهذا يتضح من عرضنا السابق, فالكنيسة المعاصرة تمر بأزمات طاحنة لكل تقوى وصلاح.
لأن الأدعاء بأن الخلاص عمل إلهى خالص, يجعل من الخلاص فكر غير مناسب لواقع البشر, فما قيمة خلاص لا يمس واقع الأنسان؟
أقولها بصراحة إنه لا فائدة مرجوة من خلاص تقرره وتفعله السماء منفردة.
وإن كانَ الأمر كذلك فلنترك إذن أمور السماء لقاطنى السماء …
أما رسالة الكنيسة التبشيرية فهى من أجل ساكنى الأرض, ولابد لها من أن تلمس واقع الناس, وإلا فسيكون الحكم بأنها فاشلة ووهم وسراب, ومجرد تمنيات ورجاء, كوجود المدينة الفاضلة تماماً!
ونأتى للسؤال الأهم وهو:
– هل يستطيع الله أن يخلص البشر بدون البشر؟
وكم آمل أن لا تُدخِلَنِى إجابتى على هذا السؤال … إلى نفق الهرطقة والهراطقة …
* وأجيب بأن الله لا يستطيع أن يخلص الأنسان بدون الأنسان, بل وقد وقف عاجزاً عن خلاصنا حتى تجسد المسيح, فالله كان منتظراً لولادة يسوع المسيح من أجل خلاص البشر فى إعلان ملء الزمان.
فكل ما أعطاه الله للبشرية عبر تاريخ طويل, كانت مجرد شريعة وأحكام, كانت للصلاح … وصارت للموت, فبدلاً من أن تعطى حياة, فقد قَنَنت أحكام الموت وأعطت الأنسان موتاً, لأجل عجز الأنسان, فمات الأنسان وعاشت الخطية.
لذلك فقد أعطى الله البشرية وعوداً كثيرة بالخلاص, وأكد على ذلك بأحداث أعجازية وقوات سمائية, إلا أن كل ذلك كان عاجزاً عن أعطاء حياة حقيقة للبشر, بل عملت على تسكين الآم الخطية والموت فقط, فى أنتظار مجئ الدواء اليافع يسوع المسيح البار.
فنحن لم نقصد بأجابتنا هذة – والتى يمكن أن توصف بأنها مجدفة – أى تجديف, بل قصدنا أبراز الدور البشرى فى عملية الخلاص نفسها, فالإنسان شريك أساسى ورئيسى, لا يمكن تجاهل دوره الفعال, والذى بدونه تنتفى وتتراجع كل العملية الخلاصية إلى الحالة صفر, بالضبط كما كان فى عجز العهد القديم, وهذا هو الحق, فالله لن يخلص الأنسان بدون الأنسان.
فمشكلة شرح الخلاص المسيحى تكمن فى تهميش شراكة الأنسان فى الخلاص, بل إلغاء أى دور له, ويبدأ الشرح دائماً بأبراز العمل الإلهى رفيع المستوى, الذى يتفوق بكل المقاييس على قدرات الإنسان الذهنية والجسدية والواقعية. فالخلاص الذى يصنعه الله منفرداً, لا يناسب سوى الله صانعه.
ولأجل ان الله يدرك هذة الحقيقة, فقد انتظر الله حلول ملء الزمان, ليتجسد إبنه, أخذاً صورة عبد, فى شبه صورة الناس ليخلص الناس.
– أذن هل يمكننا أنكار حقيقة أشتراك الأنسان فى عمل الخلاص؟!
* فإن لم يشترك الأنسان فى الخلاص, صار وهماً وخيالاً …
فينحبس الأنسان فى ذاته, عائداً لمقوماته الذاتية البدائية, والتى تتميز بالأنانية الشديدة, تاركاً الخلاص لرب الخلاص. فيتحول الخلاص إبتدأً من التجسد وإلى الجلوس عن يمين الله الآب, لمجرد فكر سامى ورجاء, يرجى وينظر إليه بعين العقل والتصور الخيالى, بدون أن يتلامس مع واقع الحياة, فتتعطل البشارة والكرازة, لعدم توافر الأرضية المشتركة مع الخارجين عن الإيمان.
وهذا بالضبط ما حدث فى كل الكنائس فى كل أرجاء المسكونة, والتى تبشر بالخلاص الالهى, كعمل إلهى خالص, وما على الأنسان سوى القبول والإيمان. فيلاحظ بالرغم من توافر لاهوتيين عظام فى كافة أرجاء الأرض قادرين على شرح الخلاص, إلا إنه قد عَجَزَ هذا الشرح على تغيير النفوس تغييراً حقيقياً, فى حين نرى أن لاهوتى واحد مثل بولس الرسول قد استطاع بنعمة الروح القدس, أن يغيير أكثر من نصف العالم القديم من أجل حياة مقدسة فى المسيح يسوع, تغيراً جذرياً حقيقياً واقعياً, أدهش كل الخارجين عن الإيمان.
فأشتراك الأنسان فى العمل الخلاصى أمر واجب الأعتراف به.
نعم أنا هو الأنسان الضعيف والمسكين والبائس الذى أشتركَ مع الله فى تجسده, لكى يخلص!
فكيف يقال بعد ذلك بأن الخلاص عمل إلهى أُهدِىَ للأنسان, كالهدايا والطعام الذى تلقى من الطائرة على الجياع فى افريقيا. وبهذا يقف الإنسان موقف المتفرج والمشاهد والمتلقى, لنتائج العمل الإلهى الخلاصى, ليتدمر واقعه وحياته الروحية فى ذات الوقت.
وهذا الشرح العقيم عن قدرة التغيير الحقيقية, ينافى ما حدث فى الحدث الخلاصى نفسه, وينافى انتظار الله ووعوده لأعلان ملء الزمان, ليرسل إبنه متجسداً ومخلصاً.
مهلاً للبقية قبل أن ترمينى بالهرطقة!
رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 2
7 لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.9 لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.