إذا كان الرسول بولس يقول إن: النبوات ستبطل والألسنة فستنتهي والعلم فسيبطل، وإذا كانت النبوة وهي أعظم عطايا ومواهب الروح القدس – “لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ” (1كور 14: 5) – ستزول، وإذا كانت المواهب كلها إلى زوال ولا قيمة لها بالمرة في الملكوت، وإذا كنا قد أخذنا المواهب فقط، أفلا يصبح المسيح كاذباً إذ قال إنه “يَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ”؟
إذا كنا قد أخذنا المواهب فقط دون الروح القدس نفسه، فقد خسرنا كل شيء، وهذا هو ما يؤكده الرب يسوع نفسه في حديثه عن الهالكين الذين تمتعوا بمواهب الروح القدس فقط “كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟. فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!” (مت 7: 22 – 23). فهل نطلب المواهب فقط، أم قيادة وسُكنى الروح القدس نفسه؟
تعليق واحد
البعد الإضافي لإسم ” الروح القدس ” في يونانية العهد الجديد
كنت قد عكفت على دراسة فحواها أن للغة التعريف والتنكير – بالنسبة للإسم في يونانية العهد الجديد – مدلولا شديد الأهمية . وبالفعل قمت بدراسة العديد من الأسماء ، ومن ضمنها ” الروح القدس ” . ووجدت أن للإسم في يونانية العهد الجديد – من خلال احتمالات حالة التعريف – بعدا إضافيا ( من حيث التأويل والشرح ) لسياق النص .
وفي مايلي أذكر بعض الأمثلة من يونانية العهد الجديد عن الصيغ المختلفة ( المحتملة ) لإسم “الروح القدس “، ثم نستخلص احتمالات الإسم في صورة صلبة متبلورة واضحة .
أولا : بعض من الأمثلة على الصيغة المعرفة لشطري الإسم
– أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا : ” هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين ” . فعلم يسوع أفكارهم ، وقال لهم : ” … لذلك أقول لكم : كل خطية وتجديف يغفر للناس . ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له ، وأما من قال على ” الروح القدس ” ( tou” pneumatos “tou” agiou ” ) فلن يغفر له ، لا في هذا العالم ولا في الآتي . ( مت 12 : 24 – 32 ) .
– لأن داود نفسه قال” بالروح القدس ” : قال الرب لربي : اجلس عن يميني ، حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك . ( مر 12 : 36 ) .
– فمتى ساقوكم ليسلموكم ، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا ، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا . لأن لستم أنتم المتكلمين بل ” الروح القدس ” ( to” pneuma ” to” agion ” ) ( مر 13 : 11 ) .
– وكان قد أوحي إليه ” بالروح القدس ” أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب . ( لو 2 : 26 ) .
– ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا . وإذ كان يصلي انفتحت السماء ، ونزل عليه ” الروح القدس ” ( to” pneuma “to” agion ” ) بهيئة جسمية مثل حمامة . وكان صوت من السماء قائلا : ” أنت ابني الحبيب ، بك سررت ” . ( لو 3 : 21 و 22 ) .
– وأما المعزي ، ” الروح القدس ” ( to” pneuma ” to” agion ” ) ، الذي سيرسله الآب باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم . ( يو 14 : 26 ) .
– وبينما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال ” الروح القدس ” : ” أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه ” . فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ، ثم أطلقوهما . ( أع 13 : 2و3 ) .
ثانيا : بعض من الأمثلة على صيغة تعريف اسم : ” القدس ” فقط
– فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن و”الروح القدس ” . ( tou” agiou pneumatos ” ) . ( مت 28 : 19 ) .
– … ابتدأ يقول لتلاميذه :… ولكن أقول لكم يا أحبائي : … وأقول لكم : كل من اعترف بي قدام الناس ، يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله . ومن أنكرني قدام الناس ، ينكر قدام ملائكة الله . وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له ، وأما من جدف على ” الروح القدس ” ( to” agion pneuma ” ) فلا يغفر له . ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون ، لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه .( لو 12 : 1- 12 ) .
– … لكنكم ستنالون قوة متى حل ” الروح القدس ” عليكم ، وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض “. ( أع1 : 8 ).
– فقال لهم بطرس : ” توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا ” عطية الروح القدس ” . لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد ، كل من يدعوه الرب إلهنا .( أع 2 : 38 و 39 ) .
– وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام ، وكانت تبنى وتسير في خوف الرب ، وبتعزية ” الروح القدس ” كانت تتكاثر .( أع9 : 31 ) .
– فاندهش المؤمنون الذين من أهل الختان، كل من جاء مع بطرس ، لأن ” موهبة الروح القدس ” ( tou” agiou pneumatos ” ) قد انسكبت على الأمم أيضا . لأنهم كانوا يسمعونهم يتكلمون بألسنة ويعظمون الله . حينئذ أجاب بطرس : ” أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا ” الروح القدس ” ( to” pneuma ” to” agion ” ) كما نحن أيضا ؟ ” ( أع10 : 45 و 46 ) .
– وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية ، منعهم ” الروح القدس ” أن يتكلموا بالكلمة في أسيا . ( أع 16 : 6 ) .
– نعمة ربنا يسوع المسيح ، ومحبة الله ، و” شركة الروح القدس ” مع جميعكم . آمين . ( 2كو 13 : 14 ) .
ثالثا : بعض من الأمثلة على الصيغة التي بدون تعريف لشطري الإسم
– أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا : لما كانت مريم مخطوبة ليوسف ، قبل أن يجتمعا وجدت حبلى “من الروح القدس ” ( ek pneumatos agiou ) . ( مت 1 : 18 ) .
– … أنا أعمدكم بماء للتوبة ، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني ، الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه . هو سيعمدكم ” بالروح القدس ” ( en pneumati agiw ) ونار .الذي رفشه في يده ، وسينقي بيدره ، ويجمع قمحه إلى المخزن ، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ . ( مت 3 : 11 و 12 ) .
– … فأجاب الملاك وقال لها : ” “الروح القدس ” ( pneuma agion ) يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضا القدوس المولود ( منك ) يدعى ابن الله . ( لو1 : 35 ) .
– فقال لهم يسوع أيضا : ” سلام لكم ! كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ” . ولما قال هذا نفخ وقال لهم : ” اقبلوا ” الروح القدس ” ( labete pneuma agion ) . من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ” .( يو 20 : 21 – 23 ) .
– … يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله ” بالروح القدس ” ( pneumati agiw ) والقوة . ( أع10 : 38 ) .
– أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل ” للروح القدس ” ( agiou pneumatos ) الذي فيكم ، الذي لكم من الله ، وأنكم لستم لأنفسكم ؟ لأنكم قد اشتريتم بثمن . فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله . ( 1كو 6 : 19 و 20 ) .
– وليس أحد يقدر أن يقول : ” يسوع رب ” إلا ” بالروح القدس ” . ( 1كو 12 : 3 ) .
– ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه – لا بأعمال في بر عملناها نحن ، بل بمقتضى رحمته – خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد ” الروح القدس ” ( pneumatos agiou )، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا .( تي3 : 4و5 ) .
– … الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم ، بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن ، بواسطة الذين بشروكم في ” الروح القدس ” ( pneumati agiw ) المرسل من السماء . التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها . ( 1بط 1 : 12 ) .
– لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان ، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من ” الروح القدس ” . ( 2بط 1 : 21 ) .
– … هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم ، نفسانيون لا روح لهم . وأما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس ، مصلين ” في الروح القدس ” ( en pneumati agiw ) واحفظوا أنفسكم في محبة الله ، منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية . ( يه : 19-21 ) .
رابعا : ملحوظات وتعليقات
1- الصيغة المعرفة لشطري الإسم ( to” pneuma ” to” agion ” ) تشير إلى الشخص ، والشخص – كما نقول دائما – ” دعوة ” . شخص الروح القدس دعوة للإنضمام إلى شركة الثالوث الأقدس بالنعمة ، دعوة إلى الشركة في الروح القدس كساكن أبدي في البشر . وقد ظهر الروح في هيئة جسمية مثل حمامة ، في معمودية يسوع ، في الثيئوفانيا ، حيث تجلى الثالوث الأقدس وظهر يسوع كباكورة وكرأس لدخول البشر شركة الثالوث .
الصيغة المعرفة للروح القدس هي دعوة للشركة في الروح القدس .
الصيغة المعرفة للروح القدس هي صيغة ” موعد” المعزي الذي تحدث بها الرب يسوع إلى التلاميذ ومن خلفهم الكنيسة .
الصيغة المعرفة للروح القدس هي صيغة ” التنبؤ” و” الوحي ” بمواعيد الرب وبعمله في الكنيسة
2- الصيغة التي تعتمد تعريفا لإسم “القدس ” فقط ( to” agion pneuma ” ) تشير إلى عطية الروح القدس كإمكانية وكقدرة متاحة للكنيسة ، على مستوى الكل كما على مستوى الفرد . الحديث هنا ليس بخصوص وعد أو دعوة ، بل بخصوص إمكانية وقوة وطاقة فاعلة تؤتي ثمارها في حالة قبولها :
فهي الصيغة التي تشير إلى عطية الروح القدس في المعمودية .
وهي الصيغة التي تشير إلى حلول الروح القدس في يوم الخمسين حيث ظهرت القدرة والقوة والإمكانية لتحقق وجود الكنيسة وانتشار الكرازة في المسكونة كلها .
3- الصيغة غير المعرفة لشطري الإسم ( pneuma agion ) تأتي في سياق الحديث عن حدث النعمة الآني ، فالأمر لم يعد مجرد دعوة ( كما في حالة الإسم المعرف للشطرين ) أو إمكانية أو قدرة معطاة ( كما في حالة تعريف ” القدس ” فقط ) بل قبول فعلي حي آني ، من قبل الكنيسة لدعوة شخص الروح القدس ، وعليه ففي الأمثلة المذكورة :
فهي صيغة البشارة ببدء زمن تجسد ابن الله ، في البشر.
وهي صيغة حدث المسحة والمعمودية بالروح القدس الفاعل في أفراد الكنيسة .
وهي صيغة تحقق الكنيسة كهيكل للروح القدس .
وهي صيغة قبول الروح القدس في شركة أبدية .
هي صيغة التجديد المسكوب بغنى على الكنيسة ، الآن ، في المسيح يسوع .
هي صيغة صلاة الكنيسة في الروح القدس .
4- في النص المزدوج الوارد في ( أع 10 : 45 و 46 ) : عندما كان الحديث يشير إلى تمام قبول شخص الروح القدس كدعوة ، جاءت الصيغة معرفة للشطري الإسم ، بينما عندما أشار الحديث إلى انسكاب عطية الروح القدس على الأمم ، التي ظهرت في التكلم بالألسنة والعظائم ، جاءت الصيغة التي تعتمد تعريف اسم ” القدس ” فقط .
5- في ازدواج الصياغة بخصوص ” التجديف على الروح القدس ” :
– في النص الوارد في ( مت 12 : 24 – 32 ) : عندما كان حديث الرب موجها إلى الفريسيين المرفوضين الذين تقولوا عليه بأنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين ، جاءت صيغة ” الروح القدس ” معرفة الشطرين ، فالتجديف هنا هو رفض مبدئي لشخص الروح القدس من قبل هؤلاء المرفوضين .
– وبخصوص النص الوارد في ( لو12 : 1- 12 ) : عندما كان حديث الرب موجها إلى التلاميذ ، جاءت الصيغة ذات التعريف الأحادي لإسم ” القدس ” والتي تشير إلى الروح القدس المعطى كإمكانية وكقدرة ، وهذا أمر منطقي ، فالتجديف هنا يعني رفض الإنصياع للروح القدس المعطى لهم ، رفض لعمل الروح القدس الحال في المدعوين كقدرة وكطاقة لتفعيل دعوتهم .