تاريخياً، نصادف شخصاً أو أكثر استخدم تعبيرات خاصة، وُصِفت بأنها من قبيل إنكار الإيمان أو تزييفه، وذلك مثل التعابير والكلمات التي أدت إلى إنكار أُلوهية الرب في التعليم الكاذب للأريوسية، أو تزييف الاتحاد الأقنومي في التعليم النسطوري. ولكن اعتبار أن إنكار “وراثة الخطية الأصلية” بمثابة هرطقة، أو إنكار للإيمان أو تزييفه، فهو ما لم يقل به أحد. خصوصاً، وأن التعليم بوراثة الخطية هو تعليم غربي كان بطله الأساسي القديس أوغسطينوس، وأن هذا التعليم لم يُعرف في الشرق، ولم يُعقد مجمع مكاني أو مسكوني في الشرق لتأييد هذا التعليم الغربي الروماني.
في ضوء ذلك، هل يصح أن يُوصَف بالهرطقة أو بإنكار الإيمان أو تزييفه مَن يقول إن سقوط آدم جاء بالموت، وأن الموت لا الخطية هو الذي يورَّث، وهو ما نراه ونلمسه كل يوم، وتشهد به المقابر التي تملأ الكرة الأرضية في كل مكان، في الوقت الذي فيه ليس لدينا تعليم شرقي أرثوذكسي عن وراثة خطية آدم، وإنما لدينا التعليم بوراثة الفساد والموت؛ لأن الأفعال الإنسانية -مهما كانت شريرة أم مقدسة- لا تورَّث، وهو ما سجَّله لنا الآباء الكبار: أثناسيوس الرسولي – كيرلس عمود الدين – ذهبي الفم؟
وهل يمكن أن يعد هؤلاء الآباء بدورهم هراطقة أيضاً؟
أوليس الاتهام بالهرطقة هو اتهامٌ في أعز ما يملكه أي مسيحي، وهو الايمان؟ أوليس هذا التعسف في الاتهام هو ما يخلق الانقسام والفُرقَة؟
هل صارت العودة إلى منابع الأرثوذكسية، أي تعليم آباء الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، ممنوعةً علينا وغير مسموح بها إلى درجة أن نتهم كل مَن يقدِّم بحثاً تاريخياً عن الخطية الأصلية، مثبتاً فيه ومؤكِّداً أن المصطلح نفسه غير معروف عند الآباء الذين كتبوا باللغة اليونانية من العصر الرسولي حتى يوحنا الدمشقي، وأن وراثة الخطية التي تظهر عند أوريجينوس وديديموس الضرير هي أصلاً تعود إلى الاعتقاد بتناسخ الأرواح الذي ساد ثقافة العالم القديم، والقائل بأن آدم خُلق روحاً محضاً، وأنه سقط من العالم الروحي، ولذلك حُبِس وسُجِن في الجسد، وهو التعليم الذي فنَّده القديس كيرلس الكبير في شرح إنجيل يوحنا، الإصحاح الأول، وخصص له 21 اعتراضاً؟
لماذا التشدد والتعسف في استخدام كلمات ومصطلحات لها استعمالٌ خاص في تاريخ الكنيسة، يصبح استخدامها ضاراً جداً، لا سيما وأنها تستخدم بواسطة أناسٍ لم يدرسوا التاريخ الكنسي جيداً؟
تُرى هل سنكون دعاةَ بحث وسلام واحترام لكل مَن يختلف معنا طالما أنه لم ينكر الإيمان الذي تعبِّر عنه صلاة الصلح الباسيلي بقولها: “والموت الذي دخل إلى العالم هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد”، وأنه مع إبادة الموت، تمَّ أيضاً إبادة الدينونة والخطية التي تحمل الموت في داخلها؟
ليعطِ الربُّ لنا القلب المحب الذي لا يُسرع إلى اتهام مَن يختلف معنا، لا سيما إذا كان يردد تعليم أثناسيوس وكيرلس الكبير.
د. جورج حبيب بباوي