يسر موقع الدراسات القبطية واللاهوتية أن يضع بين يدي قراءه خدمة جديدة، ينشر من خلالها مشاركات القراء المتميزة على المقالات التي ينشرها الموقع على مدونة المساحة الحرة، والتي يحاول من خلالها التواصل مع متصفحي الموقع، وذلك عرفاناً من الموقع بهذه المشاركات، وتقديراً منه لكُتَّابها. دون أن يعني هذا أن الموقع يوافق بالضرورة على كل أو بعض ما جاء بهذه المشاركات، فقيمة الحوار في حد ذاتها تتفوق وتعلو على ما قد يكون بين الإخوة من اختلاف في الآراء.
هل يخلص غير المسيحي؟: نص وتعليقات
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- هل تؤمن المسيحية بإله واحد؟
الله الواحد هو الإله المخلِّص الذي لا يجب أن يترجى الإنسان غيره. يقول إشعياء: "وَالآنَ…
- القديس أثناسيوس الرسولي في مواجهة التراث الديني غير الأرثوذكسي
+ عندما مات المسيح على الصليب هل إصطلح العدل من الرحمة وحُلَّت مشكلة الله، أم…
- عن التجسد
التجسُّد يمثل قلب وجوهر الديانة المسيحية. ولأن الله قد أعلن عن نفسه في الطبيعة الإنسانية،…
25 تعليق
الخوف من أسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (1)
——————–——-
أن اقترابنا من بعض العبارات والألفاظ الرشيقة, التى وردت بهذا المقال الجميل والجاد – بمقدار جهدا مبذولا بسخاء – بالتحليل والنقد, لا يعنى بأى حال من الأحوال, محاولتنا اضفاء صفة عدم الشرعية او عدم صحة تلك المحاولة, التى حاولت فتح اغوار اسرار التجسد . لأننا نتفق مع كاتبنا فى الكثير, فيما عدا القليل من العبارات والمصطلحات الجديدة الغير مستخدمة من قِبَل أبائنا المدافعين عن الأيمان فى شرح هذا السر العظيم.
ومن الواضح ان علم الأبائيات لديه ما يكفيه من مصطلحات لاهوتية قادرة على شرح سر التجسد الألهى, ولهذا لا يحب علينا اضافة مصطلحات جديدة بدون دواعى حقيقية ومخاوف فعلية من وجود هرطقة ما, لأن الباب ليس مفتوحا لجلب وأعتماد ألفاظاً وتعبيرات جديدة بدون داعى, وإلا تحول علم اللاهوت الى علم فلسفى يهتم بتجديد نظرياته اللاهوتية, بحسب المستجدات العقلية. وأن ابتكار مصطلحات جديدة تنشأ نقاط خلافية حديثة معاصرة, لم نعهد بها من قبل, ليبتعد التعليم برمته عن حياة الناس, ليدخل الى علوم الكلام والمنطق والميثولوجيا من اوسع الأبواب, ليُدَشنْ حكراً وعلماً للمثقفين والدارسين والحالمين, ليبتعد بالضرورة عن بساطة الانجيل نفسه.
اذن…لا … لأى مصطلحات جديدة تفتح باباً نقدياً بحثياً جديداً, ولهذا فان كل المقالات والكتابات التى تهتم باضافة مصطلحات وابتكارات لفظية جديدة, لا يمكن اعتبارها كتابات لاهوتية, بل يمكن تصنيفها أدبا تأملياً يشبع العقل والخيال الروحانى منسوباً الى روح الانسان ولا يمكن نسبة الى الروح القدس, وهو ايضاً غير محمود ولا مرغوب فيه, ان ساعد فى فتح باباً ليُدخل قصور عقولنا, وزمنية ادراكنا, ومكانية وجودنا, فى حسابات شرح سر يفوق العقول والزمان والمكان, لنحرم من ازلية خلاصنا المختوم بدم ازلى.
اذن باختصار… القاعدة اللاهوتية الحافظة هى التكرار والاجترار, وليس الابتكار.
كما ان سر التجسد هو بالحق سر يفوق قدرات عقولنا التى ما زالت مرتبطة بدواعى الزمان والمكان, ولهذا لايجب علينا فحصه بمشرط العقل والمنطق, لأننا أن كنا نعرف بعضاً قليلاً من اسرار انسانيتنا, فأننا نجهل الكثير جداً من اسرار اللاهوت, فكيف يحق لنا الشرح والتفصيل, ونحن نجهل على الأقل احد طرفى الأتحاد الأقنومى. لأن القاعدة الروحية التى تواكب الأستعلان الألهى ان لا نكتب كل ما يستعلن لنا, بالضبط كأمر الملاك ليوحنا هكذا ( أختم على ما تكلمت به الرعود السبعة ولا تكتبه) رؤ 4:10, ليبقى سراً من اسرار التذوق والأختبار الحقيقى الغير مكتوب ولا مسجل بكلمات,, ليظل مذاقاً ابدياً لكل حىّ تنفتح عينيه على شخص المسيح بدون الانحصار فى محدودية وقصور لغة من أختراع البشر. لهذا (اجاب يسوع وقال له لست تعلم انت الآن ما انا اصنع, ولكنك ستفهم فيما بعد) يو 7:13
إلا اننا هنا مضطرون – وللاسف – استخدام ذات المنطق والتحليل لنصل لأصل الكلام ولبه, حتى لا تضيع حياتنا وسط خضم من التحليلات العقلية والألفاظ المنطقية التى ترهقنا كثيرا, وتبعد بنا -عن تذوق حقيقى لسر التجسد- الى تعريفات اصطلاحية لا تضبط ماءٍ ولا ثمر, لان ابائنا كانوا يقتربون من الأسرار المقدسة بكل خوف ورعدة وبدون شروحات عقلية كثيرة, الا القليل الذى يجعلنا فى تسليم تام لحياتنا فى المسيح يسوع بالروح القدس, اما عن تعميدهم لألفاظ ومصطلحات الفلسفة, من اجل استخدامها فى شروحاتهم وناقشاتهم اللاهوتية فقد جاء متواترا ومتواكبا لظهور الهراطقة والمنافقين فى حياة الكنيسة, ليكون الهدف الاسمى هو حفظ التسليم الرسولى, وإلا ما وصل ألينا ابداً سليماً ونقياً.
سنحاول وضع مفتطفات فى متناول القارئ من هذا المقال, ليتضح لنا بأن بعض من العبارات والتعبيرات والمصطلحات به, قد خرجت عن السياق اللاهوتى المنضبط. وهذا لا يضير الكاتب, لأن هذا هو حال الكثير من الكتابات التى تحاول أن تعبر بنا الى آفاق جديدة. وعلى هذا فأن رصد هذا الأنزلاق لا يمكن أدراجة كأدانة للكاتب بالخطأ -لا سمح الله- ولكن لأجل تأكيد الحذر من الأسترسال فى تثبيت هذة المفاهيم التى تبدو وكأنها صحيحة, وهى تضر بحياتنا الروحية والعقائدية أشد الضرر.
وبالرغم من أن الكاتب قد حاول جاهداً تدارك هذا التفهم الخاطئ الناشء من استخدام مصطلحات وتعبيرات جديدة, ليجنبنا الوقوع فى المحظور, إلا ان ذلك بات غير كافى لتأكيد الحقيقة للقارئ, ولذلك بدأ فى جلب شروحات لأضافة مفاهيم اخرى اكثر عمقاً فى حياتنا, ليخفف من وطئة تلك المصطلحات الصادمة الجديدة, فى محاولة لمنعنا من الأنزلاق الى منحدر اللاعودة, إلا أن المنحدر الأدراكى اللاهوتى كان أشد قسوة وأنحداراً, لذلك فما زال الخطر قائماً -بالرغم من كل تلك المحاولات- لذا لزم علينا التنوية عن خطورة هذا المنزلق كما سنوضح لاحقاً خطورته الشديدة.
أما القارئ الذى يتوقف فقط عند فكرة واحدة دون سواها, سيكون تجاوزه لهذا المنزلق مستحيلاً.
ولحديثنا الطويل بقية …..
الخوف من أسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (2)
——————-
أما بعد هذة المقدمة الطويلة -يَضُرُ تجاوزها- التى وضعتنا فى معية الحديث وهدفه, لينكشف لنا بسهولة ويسر أصل الإشكال, الذى يمكن ان يُستشكل علينا, إن أهملنا قرائتها بصبر, وقلب وعقل مفتوحان.
ولأجل عدم تشتيت القارئ, ومنحه جرعة إضافية من التركيز, أكتفينا بعدد قليل من الصفحات والعبارات, لنكتفى بأنشاء وتثبيت أصول القياس الموضوعى, وهذا يكفى حقاً لإيضاح الفكرة, بإيجاد القياس ووضعه فى متناول القارئ.
ونذكر بعض من تلك الفقرات التى أفتقرت لدقة التعبيرات اللاهوتية, المعبرة عن الأتحاد الأقنومى … فلنبدأ إذن:
بصفحة 98
انه(بمجرد حلول الكلمة فى أحشاء العذراء. قد ظهر فى كوننا أنسان جديد غير قابل للموت, ولكن ذلك الجديد قد ظهر فى عالمنا متسربلاً بعتيقه -الذى هو عتيقنا- …ص 99 … عتيق يسوع هو فاسد بالطبيعة, لأنه هو عتيقنا نحن, وهو ظل لابساً إياه حتى ما أسلمه الى مصيره الطبيعى (يقصد الموت), الذى هو مصيرنا. وعندما تم فيه ذلك ( بالصليب), اعلنت القيامة خلف الحجاب المخلوع.)
وفى نفس الصفحة 99 يكمل هكذا: (ان الموت لم يستطع ان يلتهم من كيان يسوع غير ما يستطع ان يلتهم من كياننا ….أما فيما يخص يسوع فقد التهم الموت حجاب عتيقة, ليتبقى الانسان الجديد المنتصر على الموت ذلك المستتر خلف الحجاب (اى انسانه العتيق) ويعاود كاتبنا التأكيد فى صفحة 105 ان (النقطة الجوهرية هنا ان كنا نؤمن بأن عتيق يسوع هو لحم ودم من طبيعتنا, فعلينا ان نؤمن بأن مصيره هو نفس مصيرنا اى العدم وبانشطار عتيقة الى شطريه (النفس والجسد)
ونكتفى بهذا العرض المبسط لنخلص الى :
أولاً:
عتيق يسوع هو فاسد بالطبيعة كعتيقنا تماماً, وان مصيره كمصيرنا تماماً, للموت والعدم, ولكن اُنقِذَ -يسوع وليس عتيقه- بالقيامة. كأنقاذ الغريق فى اللحظة الاخيرة والفارقة, والتى بعدها -ان تأخر- يغيب فى ظلمات بحار الفساد.
ثانياً:
ظل يسوع لابساً إياه – العتيق الفاسد- لمدة 33 سنة, الى ان اسلمه لمصيره الطبيعى وهو الموت على خشبة الصليب. وهكذا ظل المسيح طوال حياته على الأرض بعتيق فاسد, لكى يؤكد لنا انه قد شابهنا بالحق فى كل شئ. يالهُ من اثبات لم يخطر على بال أباءنا طوال قرون طويلة هذه عددها.
ثالثاً:
ولد يسوع بجديد وعتيق فى ذات الوقت, ولكن الجديد كان مخفياً فى ستار العتيق, ولم يظهر الا بعد القيامة ,بزوال العتيق بالموت وعدم عودته مرة اخرى. ليفسح المجال للجديد الذى ظهر من بيَاتِه العتيق بالقيامة.
والسؤال هنا كيف تعايش المسيح مع جديده وعتيقه فى ذات الجسد؟
هل يسوع عاش بميول عتيقه الفاسد فقط؟
لأنه من الواضح من المقال بان الجديد كان معطلاً باختفاءه خلف العتيق الفاسد.
ام ان المسيح كان يعانى من صراعاً واضطراباً بسبب تواجد جديد يسمو فى ميوله عن عتيقه؟
ام ان هذا نوعا جديداً من الشزوفيرنيا الناسوتية التى لم تحدث الا فى المسيح يسوع فقط ؟
رابعاً:
ومن خلال القول بان يسوع ولد بعتيق فاسد وجديد مخفى فى سِتَارِه, نجد ان الموت قادر على التهام العتيق ليفسح الأجواء للجديد المخفى خلفه. وبالصليب أُهلِكَ او اُلتُهِمَ هذا العتيق من الموت بلا رجعة, ليظهر الجديد المخفى فى سِتَارِه بالقيامة. أذن هناك جزء من ناسوت ربنا يسوع- وهو عتيقه الفاسد- يُلتَهم من الموت ولا يعود من بعد ابداً.
وما زال لحديثنا بقية ……
الخوف من إسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (3)
——————-
خامساً:
حاول الكاتب التخفيف من صدمة بأن المسيح قد قضى حياته كلها تحت وطأة عتيق فاسد موبوء بالضعفات, مترنحا تحت ثقل الطبيعة البشرية الفاسدة الضعيفة والواهنة لمدة ليست بقليلة.
فذكر فى ص 99 (بان اعلان قيامة الرب فى فجر الأحد ليس اعلاناً عن تحول العتيق الى الجديد. بل هو كشف للجديد بعد زوال الحجاب).
وبهذا يبدأ محاولته فى تدارك الصدمة التى اَلصَقت الفساد والضعف بالمسيح على مدار حياته كلها.
ولهذا كانت المحاولة المطمئنة بأقرار وتأكيد . . عدم وجود عتيق يسوع الفاسد منفرداً, بل وجد ايضاً وملازماً لعتيقه الجسد الجديد الطاهر, ولكنه كان مستتراً خلفه, وبهذا عمل الفاسد كغلاف للبار الطاهر, بالضبط كالورق المزركش المغلِف للهدايا, ننحيه جانباً لصندوق القمامة لتتبقى لنا هديتنا المُبتغاه, وبالمثل .. عتيق يسوع قد تم التخلص منه بالموت ليلتهمه العدم والفناء, ليتبقى لنا جديد يسوع المراد الحصول عليه, وهذا هو المنطلق الذى اكده المقال, بأن العتيق لا يتحول الى جديد. بل ينتهى العتيق لمصيره المحتوم.
فهل يصلح لاهوتياً أحتواء الفاسد للطاهر؟
وليس فقط يحتويه بل استطاع ان يسود عليه ويستره ويخفيه!
فهل من سيادة للفاسد على كلى الطهارة والقداسة؟
سادساً:
إلا ان هذا التدارك لم يكن كافياً لحل الإشكال, فحاول محاولة اخرى فى ص 105 محاولة اكثر جراءة وصحة فقال: (فى القبر لم يتحلل عتيق يسوع, كما نتحلل نحن الآن ليس لانه قدوس الذى لا يرى فساداً, بل لان تحلل الاجساد ما هو إلا مرحلة من مراحل الموت, تلك التى تكتمل بالعدم والفناء, وهذا هو ما أجتازه منتصراً جديد يسوع, ففى قبر يسوع نزل الكلمة المتجسد الى قاع الجحيم حيث نهاية الخليقة بانحلال عناصرها وفنائها).
وبالرغم من تلك المحاولات التعديلية للمفاهيم, الا ان المفهوم الاساسى باق كما هو بلا حراك أو تغيير, الا وهو ان المسيح عاش متخبطاً مترنحاً تحت ثقل طبيعة ضعيفة فاسدة حتى اسلَمَ جسده العتيق للموت بالصليب ليخرج انسانه الجديد المستتر الى النور بالقيامة.
سابعاً:
ناسوت المسيح المنقسم -وهذا لأول مرة فى تاريخ علم الأبائيات- الى عتيق وجديد, فى تشكيل منسجم لناسوت المسيح يسوع, ليعملان معاً فى حياة الرب, وفجأة ينقلب هذا الأنسجام رأساً على عقب, ليتخلص الرب من عتيقه الفاسد بأماتته على الصليب, ليتحرر منه بالكامل ويظهر جديده فى القيامة.
فهل نرتضى بنظرية حرق عتيق يسوع, لنظفر بجديده؟
ثامناً:
عتيق يسوع يموت ويهلك بالصليب, والقيامة لا تستطيع احياءه مرة اخرى, ولاجل فشل القيامة فى تغيير العتيق, لذلك تقوم القيامة بالكشف ليسوع عن جديده المخفى فيه طوال الوقت. الذى حمله فى طياته وجنباته, ليظهر فى ميعاد الظهور والمكاشفة, ليبدأ مرحلة جديدة للعمل, ليعلن عدم صلاحية استمرار العتيق الفاسد فى العمل, ليتم التخلص منه بصفة دائمةً.
اذن عتيق يسوع -الذى دام معه حياته كلها- قد فشل فى اجتياز الموت, لأنه مات ولم يعود, لان الموت قد وقع على العتيق وحده, دون الجديد الغير قابل للموت, هذا ما ذكره المقال عن عدم امكانية موت الجديد فى صفحة 98, ولأجل هذا كانت القيامة هى فرصة الجديد للظهور فقط لا غير. , لذا نستطيع ان نصف الصليب بأنه هو موت العتيق والى الابد بلا عودة, والقيامة اعلان الكشف عن الجديد الفاخر, فالذى مات هو العتيق بلا امل فى احياءه مرة اخرى, والذى ظهر فى القيامة هو الجديد الغير قابل للموت اصلاً. اذن الصليب هو موت بلا قيامة, والقيامة ليس لها علاقة بالموت, فهى مجرد عملية كشفية للمخفى والمستور. أذن الذى مات بالصليب لم يقم بالقيامة.
يتبع ……
الخوف من إسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (4)
——————-
تاسعاً:
فى ص 104 (الكيان الجديد ليسوع, الكائن بفضل اتحاد الكلمة بالبشر, هو الذى قيل عنه لن تدع قدوسك يرى فساداً).
وماذا عن عتيق يسوع أذن؟ هل يترك للفساد بالرغم من أتحاد الكلمة به؟
وكيف نقبل للكلمة أتحاداً أقنومياً بفاسد دون ان يُغيّره؟
أم أن الكلمة قد أتحد بالجديد فقط. تاركاً العتيق فريسة سهلة للفساد؟
وإن كان الأتحاد هو مع الجديد فقط, دون العتيق الفاسد. فما هو الهدف والغرض من أن المسيح يأخذ عتيق فاسد لا يتحد به؟
وإن كان العتيق ليس له طريق ولا سبيل ولا مستقبل سوى الموت والفناء. فلماذا أخذه المسيح؟ هل لكى يميته فقط؟
العتيق الفاسد هو للموت والعدم والفناء, حتى لو لم يتحد به المسيح. فما هو عمل المسيح الخلاصى أذن؟
المسيح هنا لم يصنع شيئاً ولا فضلاً ولا خلاصاً !!
فلنتأمل قليلاً … كيف نخلص وقد أشاحَ الله الآب بوجه بعيداً عن ما يمثلنا فى المسيح, ألا وهو عتيقنا الفاسد؟ بالطبع بحسب رأى المقال .
وهل بالحق قد قيل عن الجديد فقط ( لن تدع قدوسك يرى فساداً ) متجاوزاً بذلك العتيق؟!
فيرعى الله الآب جزءاً فى المسيح, تاركاً جزءاً آخر من إبنه الحبيب للموت والفساد؟
وبهذا حرم العتيق من التغيير, بل وترك لفساده الشخصى, ليموت ويفنى بالرغم من وجوده فى أتحاد أقنومى, بمن لا يموت ولا يفنى.
وهكذا نتأكد من عجز الله ان يطهر جسده الخاص – الذى قد أتخذه بنفسه – من الضعف, بينما الموت أستطاع ان يخلص الجسد من العتيق الفاسد, وبهذا صار الموت شريك أساسى وإيجابى فى الخلاص, لانه قد أمات العتيق الفاسد الضعيف الذى عجز الله بالقيامة عن تغييره, وهذا يُنشئ موضوعاً جديداً فى اللاهوت العقيدى – وياله من موضوع جديد – هو … لاهوت الموت!! لكى ينظم عمل الموت وإسهاماته الإيجابية الفاعلة كشريك موازياً لأعمال الله فى خلاص البشر!!
يتبع ……
الخوف من إسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (5)
——————-
عاشراً:
ولأجل فطنة كاتبنا أَدرَكَ بأن كل تلك المحاولات السابقة, لن تفيد ولن تأتى بثمارها, لتصحح من شرح وَصَمَ المسيح بالضعف والفساد حتى الصليب.
ولهذا أكد على مفهوم آخر وهو صحيح عقائدياً, ولكن الكاتب قد ذكره فى سياق كمن يُحاول تأصيل وتثبيت الجديد الذى يَكْتب, من خلال عقيدة أصيلة وراسخة لا خلاف عليها, محاولاً أستخدامها لحل هذا الألتباس, إلا أنها جاءت -وللأسف- متناقضةً تماماً, لما أراد تأكيده من مفهوم أساسى لمشابهة عتيق يسوع لنا فى الضعف والفساد.
فقال فى ص 99 ( بان قيامة الرب لم تنشأ فى القبر, لأن القيامة هى دليل الأتحاد وثمرته, ولان لاهوته لم يفارق ناسوته -لحظة واحدة ولا طرفة عين- فأن القيامة لم تكن إلا حدثاً متلازماً ومتزامناً للتجسد منذ أول لحظة له فى أحشاء العذراء.)
لاحظ هنا – وهذا للأهمية القصوى – إن تلازم وتزامن فعل ونتائج القيامة لثمرة التجسد, حدث بطريقة فورية ومباشرة, منذ أول لحظة لأتحاد اللاهوت بالناسوت فى أحشاء العذراء.
وبهذة المقولة الجميلة, وهى صادقة تمام الصدق, وصحيحة فى تمام العقيدة, أنقلبت المفاهيم 180 درجة لمفهوماً معاكساً تماماً, ومغايراً لما سبق عرضه, وبهذا قد سقط الشرح الأول, الذى كانت فحواة واضحة غاية الوضوح, والذى أراد الكاتب من خلاله التأكيد على مشابهة المسيح لنا فى كل شئ حتى فى ضعف الطبيعة وفسادها, بل فى إنحلالها وفناءها وعدميتها.
إلا أنه بهذة المقولة الرائعة أكد وأقر كاتبنا – بدون أن يدرى – ببدء عمل الأتحاد الأقنومى فى المسيح يسوع إيجابياً, ليؤكد فاعليته منذ اللحظة الأولى للأتحاد, لندرك أهمية عدم فصل فعل القيامة ونتائجها عن التجسد, بل والذى من خلاله – أى الأتحاد الأقنومى – قد دابت وتلاشت وأنتهت كل الفوارق الزمنية فى كل الأعمال الخلاصية جملةً وتفصيلاً وأحداثاً, وبهذا قد أبَادَ وأنتصر المسيح يسوع المتجسد على الموت والفساد والزمن وضعفات الطبيعة البشرية الساقطة منذ اللحظة الأولى للأتحاد. وما أنتظر حتى الصليب والقيامة, ليتخلص ويتحرر هو شخصياً كيسوع المسيح المتجسد, من فساد وضعف وثقل طبيعتنا, لأنه ليس محتاجاً للخلاص مثلنا, لأنه رب الخلاص, الخالق والمخلص , ولهذا لا يصح أقرار الزمن كقياس, إن تكلمنا عن ما لا قياس له.
أما حينما يبدأ المسيح بنقل نتائج أعماله الخلاصية وفاعلياتها, لنا نحن الزمنيين, فلابد أن يكون لنا من خلال الزمن وأحداثه فى الواقع, مراعياً ترتيباتها الزمنية والمكانية أيضاً, وإلا صار خيالاً وغير حقيقى لنا نحن الزمنيين المكانيين.
وهنا يصيبنا العجب حقاً حينما نرى أن العهد القديم قد أدرك هذا المفهوم المسيانى الهام, والعابر المتجاوز لكل الأزمنة والتوقيتات, بينما نعجز نحن فى عصر النعمة والخلاص عن إدراكه, فيؤكد أرميا النبى بأنه لا توجد فواصل زمنية فى أعمال الله للتقديس,( لأنه قبلما صورتك في البطن عرفتك, وقبلما خرجت من الرحم قدستك.جعلتك نبيا للشعوب.) أر 5:1
أذن لا فساد ولا ضعف فى المسيح يسوع المتجسد, ولا حتى للحظةِ واحدةِ بعد الأتحاد, وإلا سقط الأتحاد الأقنومى برمته, ويتحول لنوع آخر من الأتحاد, غير كونه أتحاداً أقنومياً جوهرياً. لانه سيكون وقتها من المستحيل نعته بالأقنومى, إن تخلله ضعفاً او فساداً أو زماناً أو مكاناً أو تحديثاً أو نمواً أو اى قياس من قياسات هذا الزمان الحاضر البائد.
وهنا نذكر مقولة رائعة للدكتور جورج فى اثناء شرحه لعلاقة الزمن بأعمال المسيح هكذا : ( ما يستعلن فى الزمان هو أزلى, ولكن يعطى فى الزمان للزمانيين ). وبهذة المقولة الدقيقة الواضحة الهدف, نستطيع أن نكرر ونؤكد بكل وضوح :
بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد ولا نمو ولا تحديث, نهائياً من بعد الأتحاد, ولا حتى للحظة واحدة ولا طرفة عين. فالمسيح ذو طبيعة ناسوتية واحدة غير منقسمة, جديدة بالتمام والكمال, وليس بها عتيقاً ضعيفاً أو فاسداً بالمرة. لأنه هو رب الجسد وخالقه.
أما ما قد فعله وأستحدثه خطأ الأنسان, للطبيعة الأنسانية, وما قد جلبه الأنسان على نفسه بنفسه, من خطية وضعف وفساد, فأنها مجرد أحداث عرضية غير أصيلة فى خلقة الإنسان الأولى, فالمسيح قد أتحد بأصل وجذر الأنسانية وجوهرها, وليس بمجرد أحداث عرضية من حياتنا, لأنه ليس من زرع بشر. وهذا هو ما يجعل الأنسانية جمعاء, الماضية والحاضرة والمستقبلية, حاضرة دائماً امام الرب, ولها مكاناً فريداً فى يسوع المسيح المتجسد. لأنه إن سقط الأتحاد الأقنومى فى غياهب ودهاليز قياسات الزمان الحاضر, سقطت العقيدة المسيحية كلها !! ومن هنا تأتى خطورة هذا المقال, والتى حظرتنا أمثالنا الشعبية من هذة الخطورة هكذا ( ما بيخلعش الشجرة إلا فرع منها ) !!
وللأسف بهذا الشرح صار الله عديم القدرة, يصاب بضعف وفساد, ولا يستطيع أن يخلص نفسه, ويظل ينكوى بنار ضعفه, سنوات تلو سنوات, منتظراً للموت ليخلصه, وينقذه بل وينقيه من الضعف والفناء والعدم. فيضاف إليه – أى لناسوته – أو ينمو هو إلى تلك الأمكانية المفقودة فيه, الغير موجودة فى أصل تجسده وجوهرية إتحاده الأقنومى.
فهل يليق بنا ان نؤمن بإله يحتاج إلى تحديث Updating كلما مر به الزمن, وعَتِقت به أيامُهُ؟!؟
فكيف نثق أذن بأنه يستطيع ان يخلصنا نحن الزمنيين المحدودين فى قدراتنا !؟
وإن صح هذا الشرح – الغير منضبط عقائدياً وأبائياً – وقتها يجب علينا أن نعلن بوضوح, سقوط الأتحاد الأقنومى فى المسيح يسوع, لان الله ليس ضعيفاً ولا عاجزاً عن تطهير جسده, وتنقيته من الضعف والفساد والموت, الذى جلبه الأنسان.
فهل أتحد الله بجسد فاسد وظل على فساده, وأتحد بجسد ضعيف وظل على ضعفه؟؟
والآن لابد ان أقولها واضحة صريحة, كتعميق للفائدة من كل ما سبق …
هل أستطيع أن أؤمن بهذا الإله الذى يستطيع – بأرتياح – أن يتلائم ويتعايش فى جوهره, مع الزمن والضعف والفساد والموت والعدم, دون أن يقدر أن يغييره, ويظل مستمتعاً مستريحاً فيه سنوات كثيرة, منتظراً لحدث عرضى كالموت لكى ينقذه !؟؟ بل وقد ظل تلك السنوات يحارب الضعف والفساد, وينتصر رويداً رويداً, حتى أكمل يسوع جهاده وأجتهاده فى تخليص نفسه من الضعف. وإنه فى أثناء معركته الشرسة مع الضعف الأنسانى, قد فقد عتيقه بلا عودة , إلا أنه قد أدار تلك المعركة بنجاح ساحق, فأستطاع بأقتدار أن يظفر بجديده سليماً, وهكذا أخيراً – وبجهد جهيد – هزم كل أعداء خلاص الأنسان.
هذا الإله الضعيف جوهرياً, الغير قادر أقنومياً على أتمام أتحاد أقنومى جوهرى, صدقنى أننى لست بحاجة اليه, إن وجد بهذة الصورة المزرية, لأنه وقتها سيكون الأنسان هو خالق وسيد هذا الكون, بسيادته على الله ذاته, بضعفه وفساده, ومحدودية زمانه ومكانه!
فأين الخلاص إذن!!؟ ………
,وعلى عجلٍ من أمرنا نصل لختام المبحث الأول اللاهوتى النقدى السلبى من حديثنا, متبقياً عندنا المبحث الثانى اللاهوتى الإيجابى, مكتفيين بما عرضنا من نقاط قليلة, والتى يمكن إضافة الكثير لها, إلا أننا لن نفعل, تخفيفاً على قارئنا, لأننا قد أكتفينا فقط, بما يعيننا على تأصيل القياس الموضوعى وحسب. لنفتح الباب على مصرَاَعيِه, موقرينَ ومتفهمينَ ومرحبينَ بمن يرغب أن يرد علينا سواء إيجاباً أو سلباً.
كما يشرفنا ويسعدنا إن سمح وقت الدكتور جورج من الكتابة إلينا, مرشداً ومصححاً لما ذكرنا.
وإلى لقاءً قريب فى شرح إيجابى مبسط لأساسيات سر التجسد, فى نقاط محددة واضحة, لكى لا يُبنَى على أساس آخر غير ما تركه الأباء لنا.
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي ليسوع المسيح الكلمة المتجسد عن غير عمد ولا قصد ينبع من تبني قناعة مشوهة بخصوص مفهوم الاتحاد الأقنومي ذاته ، وفي هذا السياق استدل بالاقتباس التالي لأقوم بالتعليق والتدليل على هذا الطرح :
اقتباس
” أذن لا فساد ولا ضعف فى المسيح يسوع المتجسد, ولا حتى للحظةِ واحدةِ بعد الأتحاد, وإلا سقط الأتحاد الأقنومى برمته, ويتحول لنوع آخر من الأتحاد, غير كونه أتحاداً أقنومياً جوهرياً. لانه سيكون وقتها من المستحيل نعته بالأقنومى, إن تخلله ضعفاً او فساداً أو زماناً أو مكاناً أو تحديثاً أو نمواً أو اى قياس من قياسات هذا الزمان الحاضر البائد .
وهنا نذكر مقولة رائعة للدكتور جورج فى اثناء شرحه لعلاقة الزمن بأعمال المسيح هكذا : ( ما يستعلن فى الزمان هو أزلى, ولكن يعطى فى الزمان للزمانيين ). وبهذة المقولة الدقيقة الواضحة الهدف, نستطيع أن نكرر ونؤكد بكل وضوح بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد ولا نمو ولا تحديث, نهائياً من بعد الأتحاد, ولا حتى للحظة واحدة ولا طرفة عين. فالمسيح ذو طبيعة ناسوتية واحدة غير منقسمة, جديدة بالتمام والكمال, وليس بها عتيقاً ضعيفاً أو فاسداً بالمرة. لأنه هو رب الجسد وخالقه “.
تعليق
أولا – مصطلح ” الاتحاد الأقنومي ” يمكن أن ينظر إليه من زاوية معينة بأنه ليس خصيصة إلهية أعلنها فعل التجسد ، أي نسبة إلى ” الأقنوم ” ، فالاتحاد الأقنومي يعني ” الاتحاد الشخصي ” ، أي الاتحاد بين عنصرين مختلفين في كيان شخصي جديد ذي هوية واضحة يستعلنها كل عنصر بوضوح يستوعب الشخص كاملا ، هذا في المطلق . والمثال الأكثر وضوحا هو ما قد استخدمه القديس كيرلس السكندري إذ استعان بنموذج شخص الإنسان كثمرة انتجها ” الاتحاد الأقنومي ” الشخصي ” بين النفس والجسد ، والشخص الإنساني هو نفس ” إنسانية” بذات القدر الذي هوعليه كجسد ” إنساني ” ، ونفسه تستوعب جسده بنفس القدر الذي يستوعب به جسده نفسه ، ولحظة الردة إلى فصل النفس عن الجسد هي لحظة إنهيار الاتحاد الإقنومي الإنساني بزوال الشخص ، الأمر الذي نطلق عليه مصطلح ” الموت “. أما بالنسبة لتدبير التجسد فقد كشف عن اتحاد أقنومي عجيب بين ” لاهوت الكلمة ” و” الطبيعة الإنسانية” ، الأمر الذي أثمر شخصا هو الإله الكامل بنفس القدر الذي هو عليه كإنسان كامل .
ثانيا- كمال ألوهية يسوع الكلمة المتجسد – المتجلي في شركة المجد التي أتيحت للإنسانية فيه بعدم الموت والخلود ، أي الشركة في الطبيعة الإلهية والتأله – لا يتناقض مع قبوله لعارنا المتأصل في عتيقنا أي الموت .فقد أعطانا الذي له أي الحياة بعد أخضع ذاته للذي لنا أي الموت وحينما التقاه قهره ودحره مظهرا ماله ، الذي أصبح لنا ، أي الحياة .وحينما يقال ” بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد ” فلدينا سؤال : أين إذن التقى الرب بالعدو ليبيده ؟والسؤال بطريقة أكثر سهولة ووضوحا : ما علاقة كل هذا بنا ؟ إذا لم يكن بيسوع الكلمة المتجسد ما يمت لعتيقنا ولا لضعفنا ولا لموتنا بصلة فما جدوى التجسد ولمن “غيرنا ” وهب الخلاص ، إذا كان قد حدث خلاص لأحد ؟
ثالثا- الخلط بين الفكرة الفلسفية اللاهوتية الرائعة – بأن ما يخص تدبير الخلاص أمر محسوم في ذهن الله قبل الأزمنة وهو يعطى في الزمان للزمانيين – وبين الواقعية الزمانية المكانية لأحداث الخلاص ، هذا الخلط يثير تشويشا وتشويها للذهن ، والقضية ببساطة هي أن الله الكلمة ، منذ الأزل، قد دبر أمر تجسده لخلاص البشر ، وقد بات في ذهنه أمرا محسوما لاجدال فيه وواقعا قائما خارج الزمان والمكان ، ولكن بإرادته قد أخضع ذاته للزمان والمكان فقبل أن يكون له بداية في الزمان وقبل أن يستوعبة مزود البقر، وحينما أخضع ذاته للزمان رآه الزمانيون طفلا ضئيلا ينمو ويزداد في القامة ، يأكل ويشرب ويتعب ويبكي ويتألم … ويموت . لم يكن هذا المسار وهما بل مسار بشر ، مثل سائر البشر، رصده تاريخ البشر ، ولكنه فيما كان يجتاز تاريخ البشر فقد أعد في ذاته مسارا آخرا يأخذ فيه البشر هو تاريخ الله أي الحياة الأبدية .
إن محاولة تبرئة وتطهير المسيح من عار ” العتيق ” هي محاولة تجريد الإنسان من نعمة الخلاص التي نالها حينما حل الكلمة في الجسد حاملا عار العتيق الفاسد بالطبيعة ، هذا عن ضياع النعمة ، أما فيما يخص الخريستولوجيي فالأمر جد كارثي فقد أصبح الأمر ظاهريا تمثيليا أو ربما أصبحنا بصدد إنتاج جديد للأوطاخية .
إن محاولة تبرئة الرب من ” عار العتيق ” تكشف في الواقع خللا مشينا في فهم الاتحاد الأقنومي الذي أثمر شخص يسوع ،الكلمة المتجسد، ومضمون هذا الخلل هو افتراض مأساوي بأن الشخص بكامله قد اختزل في هذا العتيق الفاسد بالطبيعة فأصبح مركزالشخص الإنساني ليسوع هو طبيعتنا نحن وعليه فهذا أمر مشين ولا يليق بالكلمة المتجسد . وربما يكون هناك أفتراض أكثر مأساوية وهو أن الاتحاد الأقنومي قد فهم على أنه نوع من المصاحبة بين لاهوت الكلمة وطبيعتنا العتيقة وهذه هي النسطورية في أوضح تجلياتها .
إذن الحقيقة التي تدحض هذه الخرافات هي أن الشق الإنساني الذي يستعلن مجد الشركة في ألوهة الكلمة – بل ويستعلن لاهوت الكلمة كاملا ، كإنسان وكإله في ذات الكيان الواحد – هو مركز الشخصية الإنسانية ليسوع ، وهذا هو ما أصر على تبنيه من أنه لا مضمون حقيقي لمفهوم الاتحاد الأقنومي بين الله الكلمة والإنسان مالم تكن منطقة الاتحاد هي الجديد الذي يستعلن مجد تأله الإنسان الذي ظهر بمجرد تجسد الكلمة وظهوره بيننا كفرد من بني جلدتنا .
أما العثرة التي تعترض فهم هذا الطرح فهي ” علاقة الجديد بالعتيق ” ويبرز السؤال هل هناك ازدواجية في الرب بين كيانين ، جديد منتصر على الموت بفضل الشركة في الكلمة وعتيق ينتظر مصيره الذي هو مصيرنا وحينئذ يتكشف المشهد عن الجديد المستتر ؟
وللإجابة على السؤال سأخرج عن الصندوق لأضع أما القارئ مقولة الرسول بولس ” وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما ” 2كو: 16 .
ولي أن أسأل هل توجد ازدواجية مهددة للكيان الواحد للقديس الذي يتكرس فيه الكيان الجديد يوما فيوما إلى الوقت الذي يولد فيه لملكوت السموات بينما يتوارى العتيق الظاهر في جوف الثرى ؟ وإن كنا نحن الذين صارت إلينا النعمة نتقبل أن تتأله طبيعتنا بواسطة الشركة في جسد المسيح الكلمة المتجسد ، فينتقل إلينا مجد شركة الإنسان يسوع في لاهوت الكلمة الكائن فيه فنصير به وفيه – كرأس لوجودنا الجديد – مشتركين في مجد حياة الكلمة ، الأمر الذي يحدث لنا تراكميا في مسار النعمة التي تتعامل مع زمن وجودنا على الأرض، أفهل من الواجب أن نعتقد أن الرب قد ظل – مثلنا – وهو في زمن وجوده على الأرض – يتقبل تجديدا تراكميا إلى أن أعلن جديده في فجر الأحد ؟ أم أن فعل القيامة قد اقتحم القبرتعسفيا ليقيم الميت كما أقيم لعازر ؟ والواقع أن كل من الاحتمالين لا صحة له فالاتحاد الأقنومي الذي أثمر شخص يسوع ليس حدثا تراكميا بل حدث نوعي تم بسر عجيب ، إذ ظهر الكلمة في الإنسان في وحدة بلا تغيير ولا تبديل ولا قابلية للمفا رقة ولا ذوبان ولا اختلاط بين العنصرين المستعلنين للشخص الواحد ، بل ظل العنصران في حالة من الاحتواء المتبادل ، ألوهة الكلمة المتجسد تستوعب إنسانيته بنفس القدرالذي تستعلن به إنسانيته ألوهته , والسؤال هو هل يستطيع اللحم والدم أن يستوعب ألوهة الكلمة ويستعلنها أم أنه كان حجابا لذلك الجديد الشريك في مجد الكلمة والذي يستعلن ويستوعب ألوهة الكلمة ؟ والبديهي هو أنه بينما كان الكلمة المتجسد ظاهرا بيننا كإنسان من طبيعتنا لم يكن كيانه البيولوجي الظاهر يمثل محدودية مكانية أو زمانية للاهوت الكلمة بل ظل كما هو مالئا الكون وحاضرا فيه ومسيرا إياه بفضل هذا الحضور ، بل والأكثر من ذلك هو أنه ظل كما هو حاضرا حضوره السرمدي في أبيه الذاتي .هذه بديهية لاهوتية بطبيعة الحال ولكن الحلقة المفقودة في هذه المنطقة هي أن الكلمة حينما اتخذ لذاته كيانا إنسانيا فقد أصبح هذا الكيان هو جسد الكلمة الخاص الذي يستعلن لامحدودية طبيعته ، فحيثما يوجد الكلمة يوجد جسده الخاص ، وهذا يقودنا إلى مفهوم ” المسيح الكوني ” ، فجديد يسوع ليس مجرد ذلك الميت العائد للحياة في فجر الأحد بل هو ذلك الرأس الذي يلملم باقي أعضاء جسد ضخم يفترش زمان ومكان الكون حتى لحظة نهاية الكون التي يستعلن فيها امتلاء كيان شخص اسمه ” المسيح ” هو ثمرة الكون التي نبتت فيه بعدما زرع الكلمة ذاته فيه بتجسده.
الشخصية الكونية للإنسان يسوع المسيح هي الحلقة المفقودة في الفكر الخريستولوجي ، وهذا الكيان قد صار هكذا ، أي على حقيقته الكونية ،حينما اتخذ الكلمة لذاته كيانا من الكون – هو بطبيعة الحال قمة هرم الوعي الكوني ، أي الإنسان – فاستقطب الكون ممثلا في الإنسان في المسيح ليصبح كونا جديدا يطلق عليه مصطلح ” ملكوت السموات “، وعندما أسلم الرب عتيقه البالي ، الذي لنا ، إلى مصيره الذي هو مصيرنا أي العدم ، مات الرب موت الكون كله مكملا إياه وفي نفس الوقت لم يستطع الموت أن يقترب من جديده الكوني الكائن في وحدة أقنومية مع الكلمة ، ليعلن القيامة كحقيقة كونية في المسيح يسوع.
الخوف من إسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (6)
——————-
عزيزنا فى الرب
بدايةً … أوضح تقديرنا وتفهمنا العميق لما تفضلت به, والذى استغرق منا قراءة متأنية متفهمة, لنصل إلى أغوار المراد والهدف, الذى بدا لى منذ اللحظة الأولى, تعارضه الواضح مع ما قدمه القديس كيرلس الكبير, من شروحات لناسوت المسيح بكلمات وتعبيرات واضحة جلية, والتى سنقوم بتأصيل موضوع البحث بها لاحقاً, إلا اننا لاحظنا أيضاً تجاهلك الواضح لكل التساؤلات الكثيرة منا, التى طرحت نفسها كنتيجة طبيعية لما ذكرته عن عتيق يسوع الفاسد, ولكنك فضلت تكرار نفس ما كتبت فى البدء مدافعاً, كأعلان لصحة معتقد, لم تقدم أى دليل أبائى عليه, بل كل ما قدمت هو مجرد أستنتاجات لاهوتية عقلية, لما بدا لك من مفهوم لاهوتى عام لا يخص نقطة البحث.
وعلى العموم سأبدأ من حيث أحببتَ أن نبدأ. طالباً سعة صدركم لتلك النقاط الجديدة المطروحة منكم.
أولاً:
حَاولت تخليص مفهوم مصطلح ( الأتحاد الأقنومى ) من خصوصيته الإلهية, لتُعمم أستخدام المصطلح بخفة ورشاقة, ليشمل أيضاً خلقة الأنسان الأولى بعيداً عن المسيح, فتقوم بوصف علاقة روح الأنسان بجسده, على إنها أتحاداً أقنومياً أيضاً, ونحن هنا لا نبحث فى صحة التعبير منطقياً وعقلياً, لأن ما يهمنا هو الجانب الأبائى اللاهوتى, فبهذا التعميم الغير دقيق أبائياً, يتضح لنا الهدف المراد توصيلنا إليه, وهو إمكانية السماح للأنسان بحالته المزرية من الفساد والنقصان, أن يتسلل إلى الأتحاد الأقنومى فى المسيح يسوع حتى يصل إلى اعماق جوهر الله, بفساده وضعفه دون تجديد وتغيير, إلا ان الأباء لم يستخدموا هذا المصطلح أثناء شرحهم لعلاقة روح الأنسان بجسده.
فهل هناك من شرح وتوصيف لاهوتى من الأباء الكبار لعلاقة روح الأنسان بجسده فى خلقته الأولى على إنه أتحاد أقنومى؟!
وليس مجرد استنتاجات من الأباء, لأنه ببساطة سوف تختلف الأستنتاجات والأستخلاصات بتنوع العقول والأختبارات وجدية البحث.
فهذا مجرد أستنتاج عقلى مقبول منك بلا شك. ولكنه غير مقبول أبائياً لحين الإتيان بالدليل من أباء الكنيسة الكبار واضعى أساس لاهوت الأسكندرية الأرثوذكسى؟
أما عن المثال الذى قدمه القديس كيرلس الكبير فهو مجرد مثال توضيحى غير مباشر, أُستخدمَ للتقريب فقط, لكى يتراجع كلً من أعتقد بعدم الانسجام بين اللاهوت والناسوت, كطرفين متناقضين متضادين فى أتحاد أقنومى فريد, ليس للمؤمنين خبرة عملية به, فأضطرالقديس تشبيه ذلك بأنسجام روح الأنسان مع جسده, ولم يتعرض القديس لأى شرح إيجابى يصف من خلاله علاقة روح الأنسان بجسده, على أنها أتحاداً أقنومياً على غرار ما تم فى المسيح يسوع المتجسد, لأنه ببساطة لم يكن يتحدث عن جسد الأنسان وروحه, ليظل مصطلح ( الأتحاد الأقنومى ) ذو خصوصية إلهية خاصة بالمسيح يسوع المتجسد فقط. وهذا هو ما حفظه لنا التاريخ أيضاً. وهذا هو ما قد تسلمناه, لأن تعميم المصطلح يفتح باباً واسعاً للعديد من التساؤلات التى لا ولن تنتهى, إن بدأنا فى المقارنة بين أتحاداً أقنومياً حدث بين اللاهوت والناسوت فى المسيح يسوع, وآخر تم بين روح الأنسان وجسده بعيداً عن يسوع المسيح, أتحاد أقنومى حدث بين غير مخلوق ومخلوق, وآخر بين عنصرين كلاهما مخلوقين ….. وهكذا بلا نهاية من تلك الأسئلة.
فبقرأة التاريخ جيداً نلحظ بأن التعميم كان دائماً آفة كل عصور الهرطقات, بل ونبع أساسى لها!
ويؤسفنى هنا ان ألحظ ايضاً – كما كان سالفاً – مجهودكم العظيم فى أستنباط علاقات عقلية جديدة, لتخرج إلينا بمصطلحات لاهوتية تستخدم فى غير محلها, أو على الأقل ليس كما أستخدمها الأباء الكبار.
وليس مفهوماً حقاً الأصرار على تبنى قناعة مشوهة, تعطى حقاً زائفاً فى أستخدام مصطلحات اللاهوت فى غير موضعها الصحيح, وأستخدامها لتدليل عقلى ليس لنا به عهداً ولا تأصيلاً من الأباء, وهذا يظهرك كمن يحاول جذب أو شد القارئ إلى ساحة أو معترك ليس له به باع ولا قدرة. فيستسلم القارئ مجبراً ومرغماً للذى ليس له به خبرة, ولا طاقة به لنقاشه.
ولهذا يجب على الباحثين عدم إستحداث مصطلحات جديدة, مكتفين بما لدينا من تراث إصطلاحى قادر على الشرح والتأصيل, وإن أعترضت مثلاً بأن القديس كيرلس الكبير لديه الكثير من الأصطلاحات, التى لم تكن معروفة من قبل, وكذلك القديس اثناسيوس الرسولى, فالرد بسيط للغاية يتلخص فى وجود هرطقات كبيرة فى زمانهم, هددت بزوال العقيدة المسيحية من أساسها, أستلزم منهم إعادة تشكيل المفاهيم اللاهوتية لتتفق مع التسليم الرسولى, ولكن … ونحن فى زمان وقد أستقر التعليم الاهوتى فيه, لا يجب علينا خلق نقاط إعادة تشكيل مصطلحات تعليمية جديدة, بدون وجود هرطقة واضحة, لأن تلك النقاط التشكيلية التعليمية هى فى الأساس نقاط غير مستقرة وضعيفة, بها معدلات الهدم التعليمى عاليةً جداً, فالحرص واجب تماماً بعدم إيجاد مثل هذة النقاط فى التعليم المستقر, وإلا أنهار البناء اللاهوتى التعليمى كاملاً, بتعدد تلك النقاط – الناخرة للأساس – مع مرور الوقت, وبتعدد المبتكرين, بأختلاف أتجاهاتهم الفكرية, التى تتباين حتما فى مختلف العصور, لأنه لا تَحَمُل ولا قدرة للكنيسة لإعادة تشكيل تعليمى بعد كل هذة القرون, التى شكلت تاريخاً تأصل فى وجداننا بل فى دمائنا وعظامنا!
يتبع
الاتحاد الأقنومي عند القديس كيرلس السكندري
لتحرير المصطلح لدينا خطوتان :
أولا – لابد أن نحدد أولا النسب اللغوي في كلمة ” الأقنومي ” ، بمعنى آخر إلاما يعود نسب مفهوم ” الأقنومية ” ؟ والسؤال للأسف يبدو ساذجا ، ولكن نظرا للتسطيح السائد في فهم المصطلحات اللاهوتية أراني مضطرا لطرح السؤال .
كلمة ” أقنوم ” ، hypostasis ، كما يستخدمها القديس كيرلس تعني الشخص الحي ذا الهوية والطبيعة الواضحة ، وعندما يستخدمها في سياق الحديث عن الاتحاد الأقنومي بالنسبة لشخص الكلمة المتجسد فهي تشير إلى طبيعة الاتحاد ذاته ، فالأقنومية في مصطلح ” الاتحاد الأقنومي ” هي توصيف لماهية الاتحاد وليست تشير إلى عنصر معين من العنصرين الداخلين في حدث الاتحاد ، فالاتحاد الأقنومي الخاص بشخص الكلمة المتجسد هو الاتحاد الطبيعي الشخصي الذي أثمر شخصا هو الكلمة المتجسد بالاتحاد الفائق لمعرفتنا بين لاهوت الكلمة وإنسانية الإنسان وليس مجرد الاتحاد بين ” أقنوم ” الكلمة والعنصر الآخر الداخل معه في الاتحاد .
– ففي الرسالة رقم 17 يشير القديس كيرلس السكندري إلى العنصرين الداخلين في الاتحاد الأقنومي لشخص الرب على أنهما ” أقنومين ” ، فالكلمة هو ” أقنوم ” والإنسان هو ” أقنوم ” آخر، هويتان وطبيعتان مختلفتان تدخلان في تركيب هوية وطبيعة جديدة لم تكن موجودة من قبل وهي شخص الكلمة المتجسد ، وفي ذلك يقول قديسنا العظيم :
..” يستطيع المرء أن يفهم أن الجسد من جوهر مختلف عن الكلمة المتحد به، لكن لأن الأسفار الموحى بها إلهياً تقول أنه يوجد إبن ومسيح ورب واحد، وتقليد الآباء (أيضاً) علّم بذلك وليس بأى تعليم آخر، لذا –نحن- بتأكيدنا على الإتحاد غير المفترق بين الله الكلمة والجسد المُحيا بنفس عاقلة – نعترف أنه يوجد مسيح وإبن واحد، ولأنه يوجد إبن واحد، لذلك نقول أن أقنومه واحد one person ( hypostasis الرسالة رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية – 29 .
ويقول أيضا :
” من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومين، ويربط بينهما فقط بنوع من الاتصال في الكرامة، والسلطة والقوة، والمظهر الخارجى، وليس بالحرى بتوحيدهما في اتحاد طبيعى، فليكن محرومًا.( الحروم الإثنى عشر ، 3 – الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر .
– ويقول أيضا : ” – من ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات الرسولية، أو التي قالها القديسون عن المسيح أو التي قالها هو عن نفسه إلى شخصين أو أقنومين، ناسبًا بعضها للإنسان على حده منفصلًا عن كلمة الله، وناسبًا الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن محرومًا. ( الحروم الإثنى عشر،4 ، الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر
– وفي عبارة واضحة يقول : ” إن طبيعة الإنسان يُعترف بها أنها واحدة، وأنها أقنوم (هيبوستاسيس hypostasis) واحد، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها (مكونة) من عناصر realities مختلفة متباينة الأنواع،..( رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية – 6 .
وفي نفس الرسالة يشير قديسنا إلى أن مفهوم ” الأقنومية ” في المصطلح يعود إلى ماهية الاتحاد ذاته فيؤكد أن الكلمة وحد ذاته ” أقنوميا ” بالجسد ، فيقول :
” ومن لا يعترف أن كلمة الله الآب قد وحَّد نفسه أقنوميًا بالجسد، وهو مع جسده الخاص مسيح واحد، وأنه هو نفسه في نفس الوقت إله وإنسان معًا، فليكن محرومًا. ( الحروم الإثنى عشر، 2، الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر .
– وأيضا يقول : ” ولأننا نعترف أن الكلمة اتحد بالجسد أقنوميًا، فإننا نعبد ابن ورب واحد يسوع المسيح، دون أن نفصل ولا نميز الإنسان عن الله، كما لو كان الواحد متصل بالآخر بالكرامة والسلطة، ( الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر- 4 .
– وأيضا يقول : …. وكما قلنا سابقًا، فإن كلمة الله قد اتحد بالجسد أقنوميًا، فهو إله الكون ورب الجميع الذي يحكم الكل، وليس هو عبد لنفسه ولا سيد لنفسه (انظر يو 13: 12-16). .الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر5 .
– وأيضا يقول : لأنه كما سبق وقلنا إنه إذ وحَّد الإنسانى بنفسه أقنوميًا، وجاز الولادة الجسدية من بطنها، فلم تكن هناك ضرورة لميلاد زمنى وفي آخر الدهور، لطبيعته الخاصة. لقد ولد لكي يبارك أصل وجودنا نفسه، الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر11 .
– ويقول :
” بل بالأحرى نقول أن الكلمة حينما وحَّد لنفسه أقنوميًا جسدًا محيًا بنفس عاقلة، صار إنسانًا بطريقة لا توصف ولا تدرك. وهو قد دعى ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة، ولا باتخاذه شخصًا فقط. ونحن نقول أنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معًا في وحدة حقيقية مختلفتان، فهناك مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. ( الرسالة رقم 4- الثانية إلى نسطور- 3 .
– ويقول أيضا :
” .. ولكن حيث أنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا قد وحَّد الطبيعة البشرية بنفسه أقنوميًا، وولد من امرأة، فإنه بهذه الطريقة يقال أنه قد ولد بحسب الجسد. لأنه لم يولد إنسانًا عاديًا من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد إتحد بالجسد في أحشائها، يقال أن الكلمة قد قبل الولادة بحسب الجسد، لكي ينسب لنفسه ولادة جسده الخاص. ( الرسالة رقم 4 – الثانية إلى نسطور- 4 .
ويقول أيضا:
” .. والكلمة إذ قد صار جسدًا هذا لا يعنى إلا أنه اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا. إنه جعل جسدنا خاصًا به، وولد إنسانًا من امرأة دون أن يفقد لاهوته ولا كونه مولودًا من الله الآب، ولكن في اتخاذه جسدًا ظل كما هو. … بل أن جسده المقدس، المحيا بنفس عاقلة، قد ولد منها ، العذراء ، وفي اتحاد الكلمة به (نفس وجسد) أقنوميًا، حقًا يقال أن الكلمة ولد حسب الجسد. (الرسالة رقم 4 – الثانية إلى نسطور- 7 .
ثانيا – إذن من حيث مضمون المصطلح فإن أقنومية الاتحاد بين العنصرين الداخلين في تركيب الشخص هي الضامن لتحرير مفهوم الاتحاد ذاته من مجرد مفهوم الاقتران أو الانضمام أو المصاحبة أو الاختلاط أو الثنائية أو الحلول لعنصر في الآخر أو إمكانية التمييز بين العنصرين والاستدلال على وجودهما متمايزين بأي طريقة أخرى غير الإدراك العقلي والذهني . وفي حالة شخص الرب يسوع المسيح الكلمة المتجسد نحن أمام اتحاد أقنومي بين الكلمة والطبيعة الإنسانية ، فيرى الرب إنسانا كاملا بنفس القدر الذي يرى فيه كإله كامل وإن كان الاتحاد في حد ذاته أمر يفوق إدراك وفهم البشر .
من أجل ذلك نجد عند القديس كيرلس تعبيرا حاكما كاشفا هو تعبير ” الجسد الخاص “، فلأن الجسد قائم في وحدة أقنومية مع اللاهوت فهو ليس قيمة مضافة للاهوت بل هو جسد الكلمة الخاص الذي صار مستعلنا وكاشفا لكل ملء اللاهوت منذ أن صار جسدا خاصا بالكلمة وهو لم يكن سابقا خاصا بأي أحد غير الكلمة .
في ذلك يقول قديسنا :
” … وهكذا أعلن أن الجسد هو جسده من إتحاد لا يُدرك وبلا إختلاط ولا يوصف على الإطلاق، ليس كجسد شخص آخر، بل جسده هو الخاص جداً به His very own ، …… ( الرسالة رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية -3 .
ويقول أيضا :
– ..بل إذ قد إتحد بالجسد في أحشائها ، يقال أن الكلمة قد قبل الولادة بحسب الجسد، لكي ينسب لنفسه ولادة جسده الخاص. ( الرسالة رقم 4 وهي الثانية إلى نسطور- 4 .
ويقول أيضا:
-..- … ولكننا نعبد نفس الرب الواحد لأن جسده ليس غريبًا عن الكلمة، وفي اتحاده به يجلس عن يمين أبيه. نحن لا نقول أن ابنين يجلسان بجانب الآب، بل إبن واحد بواسطة اتحاده بجسده الخاص. ولكن إذا رفضنا الاتحاد الأقنومى سواء بسبب تعذر إدراكه، أو بسبب عدم قبوله، نسقط في التعليم بابنين. ( الرسالة رقم 4، وهي الثانية إلى نسطور- 6 .
وأيضا :
” .. والكلمة إذ قد صار جسدًا هذا لا يعنى إلا أنه اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا. إنه جعل جسدنا خاصًا به، وولد إنسانًا من امرأة دون أن يفقد لاهوته ولا كونه مولودًا من الله الآب، ولكن في اتخاذه جسدًا ظل كما هو. … بل أن جسده المقدس، المحيا بنفس عاقلة، قد ولد منها ، العذراء ، وفي اتحاد الكلمة به (نفس وجسد) إقنوميًا، حقًا يقال أن الكلمة ولد حسب الجسد ( الرسالة رقم 4- الثانية إلى نسطور- 7 .
ولأن الجسد هو جسده الخاص فإن معاناة الجسد تنسب للكلمة الكائن في اتحاد أقنومي معه . يقول قديسنا:
“.. لذلك نقول أنه تألم أيضًا وقام ثانيةً، ليس أن كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة، أو ضرب أو طعن أو قبل الجروح الأخرى، لأن الإلهى غير قابل للألم لأنه غير مادى. لكن حيث أن جسده الخاص الذي ولد، عانى هذه الأمور، فإنه يقال أنه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا. فغير القابل للآلام كان في الجسد الذي تألم. وبنفس الطريقة نفكر أيضًا في موته. فكلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطى الحياة .ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس (أنظر عب 2 : 9)، ( الرسالة رقم 4 – الثانية إﱃ نسطور – 5.
وأيضا يقول :
” ….، لكن حيث أن العقل بديهيًا يدرك الاختلاف من حيث النوع بين العناصر المتحدة، لذلك نعترف بابن واحد، ومسيح واحد، ورب واحد، لأن الكلمة صار جسدًا. وحينما نقول “جسدًا”، نقصد “إنسانًا”. .. لكن إن كانت عبارة “صار جسدًا” تحضر بكل معنى الكلمة خطة تدبير التجسد، … إذن فمن الجهالة أن يتكلم أحد عن أنه يجتاز الآلام في طبيعته الخاصة، كعاقبة حتمية، حينما يتحتم أن يكون الجسد مرئيًا كأساس لحدوث الألم بينما الكلمة هو غير قابل للألم. ومع ذلك فإننا لا نستبعد أن ننسب إليه الألم. فكما أن الجسد صار ملكًا خاصًا له، هكذا أيضًا ينسب إليه كل ما هو للجسد ، وفقًا لخطة الله فى تخصيصه لهذا الغرض. الرسالة 46 ، إلى سكسينسوس -2 .
– تعبير ” الجسد الخاص بالكلمة ” يمكن أن ندركه في عبارة أكثر تبلورا عند كيرلس الكبير وهي عبارة” طبيعة واحدة متجسدة للكلمة ” ، إذ يقول :
” – … لأننا لو كنا قد تكلمنا عن طبيعة واحدة للكلمة بدون الإضافة الصريحة لعبارة “متجسدة“، في استبعاد واضح للخطة الإلهية، لصار السؤال الذي يدّعونه عن الطبيعة البشرية الكاملة أو إمكانية استمرار جوهرنا في الوجود مقبولًا ظاهريًا. ولكن في تقديمنا عبارة “متجسدة” تعبير عن كماله في الناسوت وفي طبيعتنا البشرية،. ( الرسالة 46 ، إلى سكسينسوس– 4 .
– ولأن تعبير ” الجسد الخاص بالكلمة ” عند كيرلس الكبير يعني أن الكلمة قد ولد في الزمن فقد كان تعبير ” الثيئوتوكوس ” مصطلحا كاشفا لمضمون مفهوم ” الاتحاد الأقنومي ” ، إذ أن الكلمة المولود من أبيه الذاتي منذ الأزل قد اختار أن يولد ثانية في زمن خليقتنا وذلك حينما اتخذ جسدا من طبيعتنا في أحشاء العذراء مريم ، وفي ذلك يقول:
” – وحيث أن العذراء القديسة ولدت جسديًا، الله متحدًا بالجسد حسب الأقنوم، فنحن نعلن أنها والدة الإله، ليس أن طبيعة الكلمة تأخذ بداية وجودها من الجسد لأنه “(أى الكلمة)كان في البدء، والكلمة كان الله، وكان الكلمة عند الله” (يو1: 1)، … لكن، لأنه كما سبق وقلنا إنه إذ وحَّد الإنسانى بنفسه أقنوميًا، وجاز الولادة الجسدية من بطنها، فلم تكن هناك ضرورة لميلاد زمنى وفي آخر الدهور، لطبيعته الخاصة. لقد ولد لكي يبارك أصل وجودنا نفسه، ولكى بولادته من امرأة حينما يتحد بالجسد ترفع عن كل الجنس (البشرى) اللعنة التي ترسل أجسادنا من الأرض إلى الموت، … ( الرسالة رقم 17 ، اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر- 11 .
ويقول أيضا :
“…من أجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد. وبهذا الفهم للاتحاد غير المختلط، نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأن الله الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات الحمل به وَحّدَ بنفسه الهيكل الذي اتخذه منها. الرسالة 39 من إلى يوحنا الأنطاكى – 3 .
– وتعبير ” الجسد الخاص بالكلمة ” عند كيرلس ليس مجرد تعبير خريستولوجي كاشف وحاكم لمفهوم مصطلح ” الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والجسد ، بل إنه أيضا تعبير ” إفخارستي ” بامتياز ، فلأن الجسد هو جسده الخاص فهو الجسد المعطي للحياة لكل من يشترك فيه من البشر ، ففي ذلك يقول قديسنا :
” …. ولأنه الله فهو الحياة بحسب طبيعته، ولأنه صار واحدًا مع جسده الخاص، أعلن أن جسده معطى الحياة. لأنه رغم أنه يقول: “الحق أقول لكم، إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه” (أنظر يو6: 53) لا يجب أن نستخلص من هذا أن جسده هو جسد واحد من الناس منا ، ولكنه بالحقيقة الجسد الخاص للإبن الذي صار إنسانًا كما دعى ابن الإنسان لأجلنا. (الرسالة رقم 17 ، اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر -7.
نموذج الشخص الإنساني عند القديس كيرلس
أعتقد بأن عبقرية نموذج الشخص الإنساني- الذي استخدمه قديسنا العظيم كمرجعية للحديث عن الاتحاد الأقنومي الكائن في شخص الكلمةالمتجسد- هي أنه لم يكن مجرد نموذج توضيحي بل بالقطع كان نموذجا تطبيقيا ” applied model” لحالة الاتحاد الأقنومي ، أوقل ” الشخصي ” الذي يقيم شخصا حيا واحدا باتحاد عنصرين مختلفين بغير ثنائية أو ازدواجية أو اختلاط أو أي أثر تغييري لعنصر على الآخر.فالشخص الإنساني – الذي نحن إياه – هوالنفس الإنسانية العاقلة المستعلنة والواضحة بجلاء شديد في الهيكل البيولوجي المرئي في صيغة اللحم والدم . والشخص الإنساني – الذي نحن إياه – هو أيضا ذات الهيكل البيولوجي الذي تعبر صيغته عن النفس الإنسانية العاقلة بجلاء شديد . لا انقسام ولا ثنائية ولا فصل يمكن رصده ماديا بين النفس والجسد ، فكل من العنصرين ينتمي إلى الآخر ، فالنفس هي نفس الجسد والجسد هو جسد النفس ، وفي ذلك يقول قديسنا العظيم :
“… لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد النفس، ويُكمّل أقنوم الإنسان الواحد. ورغم أن الفرق المذكور بين النفس والجسد ليس غامضاً فى عقلنا وتفكيرنا، إلا أن إجتماعهما معاً أو تقابلهما – لأنه (أى الإجتماع) غير مُقسّم (غير منفصل) -يكون إنسان واحد حى. …… رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية- 6 .
ويقول أيضا ”
…” ولكن الكلمة إذ اتحد بالجسد بحسب الطبيعة دون أن يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولًا مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص ( الرسالة رقم 17، اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر- 4 .
وأيضا:
– إن الله والإنسان بإجتماعهما معاً by coming together لم يكوّنا المسيح الواحد – كما يقولون – بل، كما قلت، أن الكلمة الذى هو الله فعلاً تشارك فى الدم واللحم مثلنا ليعرف أن الله تأنس وأخذ جسدنا وجعله خاصاً به، لكى- تماماً كما هو معروف أن أى إنسان مثلنا يتكون من نفس وجسد– كذلك هو أيضاً يعترف به أنه واحد، إبن ورب معاً. …… رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية 5-.
وأيضا:
“.. إذا دعونا ابن الله الوحيد الجنس المتجسد والمتأنس، واحدًا، فهذا لا يعنى أنه امتزج كما يظنون؛ فطبيعة الكلمة لم تتحول إلى طبيعة الجسد. ولا طبيعة الجسد تحولت إلى طبيعة الكلمة، لا، بل بينما ظل كل عنصر منهما مستمرًا في صفته الطبيعية الخاصة، للسبب الذي ذكرناه، متحدًا بطريقة سرية وفائقة لأى شرح، ظهر لنا في طبيعة واحدة (لكن كما قلت طبيعة متجسدة) للإبن. وعبارة “واحدة” لا تطبق بالضبط على عناصر مفردة أساسًا لكن لكيان مركب مثل الإنسان المركب من نفس وجسد. فالنفس والجسد، هما من نوعين مختلفين ولا يتساويان أحدهما مع الآخر في الجوهر، إلا أنهما في اتحادهما يؤلفان طبيعة الإنسان الواحدة، على الرغم من أن الاختلاف في عناصر الطبائع المتحدة موجود في حالة التركيب. ، )الرسالة 46 من القديس كيرلس إلى سكسينسوس– 3 .
وأيضا :
– فلنأخذ مرة أخرى مثال الإنسان العادى. إننا ندرك أن هناك طبيعتين في هذا الإنسان، إحداهما هى النفس والأخرى هي الجسد. ولكننا نقسمهما في الفكر فقط، قابلين الاختلاف ببساطة على أنه في البصيرة الداخلية والإدراك الذهنى فقط، فنحن لا نفصل الطبيعتين، ولا ننسب إليهما قدرات على الانفصال الجذرى، لكننا ندرك أنهما ينتميان إلى كائن حى واحد حتى أن الاثنين لا يعودوا بعد اثنين، والكائن الحى الوحيد يكمل من طبيعتين. ) الرسالة 46، إلى سكسينسوس- . 5
وأيضا:
– … لأن المسيح الواحد الوحيد ليس فيه ثنائية رغم أننا نعتبره من عنصرين مختلفين إتحدا في وحدة غير منقسمة، وبنفس الطريقة فإننا مثلًا لا نعتبر أن في الإنسان ثنائية مع أنه يتكون من عنصرين هما النفس والجسد. ( الرسالة رقم 17 ، اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إﱃ ﻧﺴﻄﻮر – 8 .
خلاصة
إذن نستطيع أن نفهم أن الاتحاد الأقنومي عند كيرلس هوذلك الحدث الفائق الإدراك الذي تم فيه ظهور شخص الكلمة المتجسد كشخص واحد لا انقسام ولا ثنائية فيه بالرغم من أننا نستطيع ذهنيا أن ندرك أنه إله كامل وإنسان كامل ولكن هذين الجوهرين المتمايزين يحدث بينهما وجود وحضور متبادل ، فلاهوت الكلمة المتجسد يستعلن حضور ووجود جسده الخاص ، بينما في ذات الوقت يحدث أن إنسانية الكلمة المتجسد تستعلن حضور ووجود لاهوته ، فبتجسد الكلمة قد قبل أن ينسب إليه كل ما يخص الجسد من ضعف وموت ، لأن الجسد هو جسده الخاص ، وفي ذات الحدث قبل جسده الخاص كل مجد لاهوت الكلمة ، ليظهر لنا جسدا محييا، فيه يجتمع كل الذين قبلوا الخلاص .
فقط في هذا الاستعلان الوجودي المتبادل بين الجوهرين يتلاشى الانقسام والاختلاط والتغيير ليبقى كل جوهر من الجوهرين قادرا على استعلان الشخص كاملا دون أن يتحول إلى الآخر أو يذوب فيه .
الخوف من إسقاط الأتحاد الأقنومى
فى المسيح يسوع المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (7)
—————————
لقد أسعدنى حقاً طول مقالكم, لتوهمى بأننى سأجد به ضالتى المنشودة, الردود والأقوال الأبائية الشافية لكل تساؤلاتنا, إلا إنه قد خاب ظنى, فلا رد أبائى واحد لأى تساؤل سابق, بل ظللتَ تكرر ما نتفق عليه جميعاً, وما لسنا على خلاف له, كمن لا يجد رداً محدداً, فلم يكن ردكم سوى مجرد استنتاجات عقلية, من أقوال أباء مبتورة من سياقها, ونحن لا نقبل تأويل وأستنتاج, لفرض مضمون, لم يوجد ولم ينبت سوى فى فكرك وحدك.
فهل سوف نستنطق الأباء بما لم يتفتق عنه أذهانهم, ولم يوجد فى كتبهم؟
نكتب اليوم بعجلة من أمرنا, لنؤكد بأن القرنين الرابع والخامس, قد شهدا ذات الخلط الحادث اليوم عن مفهوم الأتحاد الأقنومى, وبالرغم من ظهور ذات الجدل حول طبيعة جسد المسيح, وعلاقته باللاهوت فى عصر القديسين العظيمين اثناسيوس وكيرلس السكندريين, إلا إنه ولا واحد منهما قد تجرأ على تعميم مصطلح الأتحاد الأقنومى, ليشمل خلقة الأنسان الأولى, ولا حتى حلول الروح القدس على الأنسان فى يوم الخمسين! بأى شكل من الأشكال, كما سنوضح من خلال رسالة القديس كيرلس الاسكندرى الثالثة لنسطور وهى الرسالة 17, وهى نفس الرسالة التى حاولتم الأستشهاد ببعض من فقراتها, بعد أنتزاعِها من سياقها الأصلى, لتظهر كما لو ان القديس أراد ما أردتم, وكتب ما كتبتم, إلا أن هذا لم يحدث على الأطلاق, فالقديس كيرلس أراد تأكيد مفهوماً معاكساً لما تفضلتم به, بأختلاف 180 درجة, وهذا سيظهر واضحاً جلياً, حينما نعرض ما كتبه القديس فى سياقه الأصلى, لنتأكد بأن مصطلح الأتحاد الأقنومى خاص جدا بالمسيح يسوع وحده دون سواه. ولا يجب اطلاقه على العموم, فنعمم, فنخلط, فنتوهم, فنخطئ لله, الذى دبر خلاصنا منذ الأزل بتجسد إبنه الوحيد.
سنبدأ الآن بعرض سياق حديث القديس كيرلس فى تلك الرسالة بدون حذف, ليظهر لنا ما أراده القديس من معالجة لهذا الأمر, على وعد منا بالعودة مرة أخرى لبقية النقاط المطروحة من محاورنا العزيز لدينا فى الرب.
يسوع المسيح طبيعته و ألوهيته – من الرسالة الثالثة الي نسطور
للقديس كيرلس السكندرى
الرسالة السابعة عشر – ترجمها عن اليونانية
د. موريس تاوضروس, و د. نصحي عبد الشهيد
يقول القديس فى رسالته:
((ونحن نقول أيضاً أن الجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله التي تفوق التعبير، تغيرت إلى طبيعة الجسد، لأنه بصورة مطلقة هو غير قابل للتبدل أو للتغير. ويظل هو نفسه دائماً حسب الكتب.
ولكن حينما كان منظوراً، وكان لا يزال طفلاً مقمطاً، وكان في حضن العذراء التي حملته، فإنه كان يملأ كل الخليقة كإله، وكان مهيمناً مع ذلك الذي ولده .لأن الإلهي هو بلا قيمة وبلا حجم، ولا يقبل التحديد.
وإذ نعترف بكل تأكيد أن الكلمة اتحد بالجسد أقنومياً، فإننا نسجد لإبن واحد الرب يسوع المسيح. نحن لا نجزيء ولا نفصل الإنسان عن الله، ولا نقول انهما متحدان الواحد بالآخر بواسطة الكرامة والسلطة، لأن هذا هراء وليس أكثر.))
نلاحظ هنا من هذة الفقرة
1– بأن القديس قد هَمَ بمعالجة قضية التغيير, ورفض تغير وتحول طبيعة اللاهوت الى طبيعة جسدية, ليبقى كلاً منهما على حاله, وبدون أنفصال أيضاً. وفيما يبدو بأن معالجة قضية التغيير هذة, كانت تمثل المعالجة الأساسية لدى القديس, والذى ابتدأ بالتأكيد الشديد على عدم تغير اللاهوت أو الناسوت, إلى أى منهما للأخر.
2– وحينما كان يسوع طفلاً مقمطاً, فى حضن العذراء, لم يكن ينقصه شئ, بل كان يملأ كل الخليقة كإله, لأنه كإله بلا حجم ولا تحديد مادى. لاحظ هنا المقابلة المستيكية الجميلة, التى وضع القديس كيرلس أساسها, ليذكرنا بألوهة يسوع المقمط فى حضن العذراء مريم.
3– فقط هنا القديس يؤكد بأن الله الكلمة أتحد بالجسد أقنومياً, ليصير جسده الخاص, ولا حديث -ولا حتى بالتلميح- عن أجساد أخرى, يمكن لها أن تشترك فى خاصية الأتحاد الأقنومى, وبأنه لم يكن مجرد أتصال خارجى.
ويكمل القديس قائلاً
((ولا نسمى كلمة الله مسيحاً على حدة، وبالمثل لا نسمى المولود من إمرأة مسيحاً آخر على حدة، بل نعترف بمسيح واحد فقط، الكلمة من الله الآب مع جسده الخاص.
لأنه حينئذ إنسانياً قد مسح بيننا رغم أنه يعطي الروح للذين يستحقون أن ينالوه، وليس بكيل، كما يقول البشير المغبوط يوحنا (يو 3: 34).
ولسنا نقول أن كلمة الله حل في ذلك المولود من العذراء القديسة، كما في إنسان عادي، لكي لا يفهم أن المسيح هو “إنسان يحمل الله “.
لأنه حتى إن كان الكلمة “حَلَّ بَيْنَنَا” (يو 1: 14) فإنه أيضاً قد قيل أن في المسيح “فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً” (كو 2: 9).))
نلاحظ هنا من هذة الفقرة
1-أنه قد وصف جسد المسيح بانه (جسده الخاص), فلا أحد مهما كان يستطيع نزعه من حضن الله الآب, ولا يستطيع ان يملى على جسد المسيح الكينونة التى هو يراها, لان هذا هو جسده الخاص, وهو الوحيد الذى يختار الكينونة التى تناسبه وتتفق وتنسجم وتتسق مع إتحاده الأقنومى.
2– رفض بان المسيح مجرد أنسان يحمل الله.
3– عدم كفاية تعبير (حلول الله بيننا), ويبين ضرورة توصيف ذلك الحلول بأنه (كل ملء اللاهوت فى الجسد). والتى سنعود لتلك النقطة الهامة فيما بعد
ونأتى هنا إلى الجزء الهام الذى يعالج قضيتنا بطريقة مباشرة, والذى قدمتموه للأسف مبتوراً عن سياقه الأصلى فيقول القديس كيرلس:
((لذلك إذن نحن ندرك أنه إذ صار جسداً فلا يقال عن حلوله انه مثل الحلول في القديسين، ولا نحدد هذا الحلول فيه انه يتساوى وبنفس الطريقة كالحلول في القديسين. ولكن الكلمة إذ إتحد “حسب الطبيعة” ولم يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولاً مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص.))
نلاحظ هنا مبدئياً بأن ما يذكره القديس كيرلس, مختلف تماماً, بل معاكساً فى تمام المضادة, لما قد تفضلتم به من شرح.
1- القديس كيرلس يفرق تفرقة واضحة جداً بين حلول الكلمة اقنومياً فى تجسده, وبين حلوله فى القديسين.
2- ويؤكد القديس بأن الحلولين لا يتساويان, وليسا بنفس الطريقة.
3- ويؤكد القديس كيرلس مرة أخرى بأن الكلمة لم يتغير ولم يتبدل إلى طبيعة جسده الخاص, مثله فى ذلك مثل الأنسان الذى لم تتغير روحه إلى طبيعة جسدية, بالرغم من حلولها فى الجسد.
ومن هنا نرى بكل وضوح المقصد الحقيقى للقديس كيرلس السكندرى, وليس كما تفضلت وشرحت.
القديس يرى بوضوح اختلاف الحلولين عن بعضهما البعض, ولا يمكن تماثلهما, وبأنهما قد تما بطريقتان مختلفتان, لذلك لا يصح المقابلة بينهما, إلا أنه يرى تماثل واحد وحيد بين الأثنين, وهو عدم تغير وتحول اللاهوت الى طبيعة الجسد, كعدم تغير روح الانسان الى طبيعة جسده. وهذا الإشكال -إشكال التغيير- كان هو الإشكال الأساسى الذى أراد القديس أن يعالجه كما اثبتنا ذلك سالفاً.
ولا يوجد مطلقاً أى محاولة لتشبيه الأتحاد الأقنومى فى المسيح يسوع, بما قد تم فى الأنسان سواء فى خلقته الأولى, أو حتى فى يوم الخمسين, لا من بعيد ولا من قريب.
لنكرر سؤالنا مرات ومرات, لعلنا نرى إجابة يوماً ما
—————————————————-
– هل هناك من قول واضح للقديس كيرلس او العظيم اثناسيوس يشرح فيه بان الأنسان يتمتع باتحاد أقنومى بين نفسه وجسده فى خلقته الأولى, على غرار الاتحاد ألأقنومى فى المسيح يسوع بين اللاهوت والناسوت؟
– هل من هناك قول أو وصف للأباء حتى القرن الخامس الميلادى يشرح حلول الروح القدس على الأنسان فى يوم الخمسين, على إنه حلولاً أقنومياً؟
علماً بأننا نرفض وصف ذلك الحلول بالحلول المواهبى, كما نرفض وصفه ايضاً بالأقنومى.
لان الأباء حتى القرن الخامس لم يحددوا كينونة إتحادنا بالروح القدس, ولكنهم فرقوا بينه وبين الأتحاد الأقنومى فى المسيح يسوع فقط, بعبارات واضحة, فالأباء لم يفرقوا فى الروح القدس مواهبه, فهل من دليل بعيداً عن أستنتاجاتنا العقلية؟ التى لا تثمر لتغيير الكيان كما شرح ذلك الدكتور جورج.
يتبع بأقوال أخرى اكثر وضوحا للقديس كيرلس الاسكندرى من ترجمة الدكتور جورج حبيب بباوى.
الحبيب / سوستانيس
كلمة أقنوم عند القديس كيرلس تعني ” الشخص ” وتعني ” الطبيعة الحية ذات الهوية الخاصة ” والاتحاد الأقنومي هو ” الاتحاد الطبيعي ” القائم بين طبيعتين مختلفتين ، أو أقنومين مختلفين ، ليثمر طبيعة جديدة وهوية جديدة وأقنوم جديد لم يكن موجودا من قبل الاتحاد .
إذا كان لديك حساسية معينة من ناحية المصطلح فترى أنه خاص جدا بالكلمة المتجسد وينبغي أن يقتصر عليه فقط ، أفترى أنه ينبغي أيضا أن يقتصر عليه مصطلح مثل ” الاتحاد الطبيعي ” ؟
أرجوك أعد قراءة النصوص التالية دون استنطاق للآباء ، فقط الاستنتاج المنطقي الهادئ :
– ” من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومين، ويربط بينهما فقط بنوع من الاتصال في الكرامة، والسلطة والقوة، والمظهر الخارجى، وليس بالحرى بتوحيدهما في اتحاد طبيعى، فليكن محرومًا.( الحروم الإثنى عشر ، 3 – الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر .
-” من ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات الرسولية، أو التي قالها القديسون عن المسيح أو التي قالها هو عن نفسه إلى شخصين أو أقنومين، ناسبًا بعضها للإنسان على حده منفصلًا عن كلمة الله، وناسبًا الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن محرومًا. ( الحروم الإثنى عشر،4 ، الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر.
– ” إن طبيعة الإنسان يُعترف بها أنها واحدة، وأنها أقنوم (هيبوستاسيس hypostasis) واحد، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها (مكونة) من عناصر مختلفة متباينة الأنواع،..( رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية – 6 .
وأما عن سؤالك : هل من مرجعية لكيرلس أو لأثناسيوس تفيد أن الإنسان ” يتمتع “بالاتحاد الأقنومي بين جسده ونفسه ؟
والإجابة بالتأكيد لا ، وفي الواقع نحن لسنا في احتياج إلى أثناسيوس أو لكيرلس كمرجعية في هذه النقطة تحديدا ، وإن كانت النصوص التي أوردتها عن كيرلس تحت عنوان ” نموذج الشخص الإنساني عند القديس كيرلس” تكفي لهذات الغرض، ولكن أعود فأكرر أننا لسنا محتاجين لكيرلس أو لأثناسيوس ليقرر أن الإنسان ، أي إنسان ، هو شخص . وفي مفهوم الشخصانية- وليس طبيعة الشخص – يتساوى الإنسان ، أي إنسان مع الكلمة المتجسد “كشخص” . يسوع شخص ، وأي إنسان في أي زمان وأي مكان وأي ملابسات هو شخص .ليست القضية هي ” شخصانية الشخص ، ولكنها ” طبيعة الشخص وهويته ” . لذلك ليست المشكلة هي ” الاتحاد الأقنومي ” ولكنها “ الاتحاد الأقنومي بين ماذا وماذا ليثمر ماذا “. بين أي جوهرين ، أو أقنومين قد تم هذا الاتحاد الأقنومي ؟ وبالتالي لدينا الفرق اللانهائي بين الاتحاد الطبيعي بين النفس والجسد الذي يثمر الإنسان، و بين الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والإنسان الذي يثمر شخص الرب يسوع المسيح .
– بالنسبة لسؤالك الثاني ، أراني أجيبك بسؤال : ما علاقة حلول الروح القدس في يوم الخمسين – الذي هو بالتأكيد حلول أقنومي ، لأنه لا فصل بين المواهب والأقنوم – ما علاقة هذا بمصطلح الاتحاد الأقنومي ؟
لكي يكون مصطلح ” الاتحاد الأقنومي ” ذا تعريف جامع مانع ،لابد أن يكون لدينا القناعة بوجود حتمية منطقية لاهوتية وهي أن النسب اللغوي في كلمة ”
الأقنومي إنما يعود إلى ” الأقنوم ” ، hypostasis ، في المفهوم العام للكلمة وليس إلى أقنوم الكلمة تحديدا ، فنسب الأقنومية إلى أقنوم الكلمة يحدث تفريغا تاما لمصطلح الاتحاد الأقنومي من مضمونه الذي نحت من أجله ،إذ أن مفهوم الاتحاد قد انفتح على كل أنماط الاتحاد التي تحقق ” مجرد ” اتحاد الكلمة بالجسد ، وقد يدخل – على سبيل المثال – “تأله الإنسان ” كنموذج لمثل هذا النوع من الاتحاد ، الذي فيه يحتفظ الكلمة بلا محدوديته وفي المقابل ينال البشر وجودهم الجديد عديم الفساد بفضل اشتراكهم في الكلمة بعضويتهم في جسد المسيح ، هكذا ، في مثل هذا الاتحاد تحتفظ كل طبيعة باستقلالها، ويظل الكلمة هو معطي الحياة للمشتركين فيه ويظل البشر بشرا محدودين يتقبلون النعمة وفقا لما يشبع وجودهم الإنساني . مثل هذا النمط من الاتحاد من الممكن أن ينطبق عليه مصطلح الاتحاد الأقنومي إذا افترضنا أن الاتحاد الأقنومي هو اتحاد أقنوم الكلمة بالانسان ( فقط ). أما إذا كانت كلمة ” الأقنومي” توصيفا للاتحاد ذاته ، فالأمر جد مختلف إذ أصبح لدينا منعة ضد أي نمط من أنماط الاتحاد بخلاف الاتحاد الذي يثمر شخصا واحدا بلا ازدواجية وبلا ثنائية .
إن نسطور ذاته قد أدرك وفهم المضمون الحقيقي لمصطلح الاتحاد الأقنومي ، ولذلك قد رفضه حتى النهاية لأنه كان يؤمن بطبيعتين مستقلتين وليس ب” طبيعة واحدة متجسدة للكلمة ” ( بحسب كيرلس وآباء أفسس ) . ولو كان للمصطلح مجرد مفهوم اتحاد أقنوم الكلمة مع الإنسان – دون أن يكون لكلمة أقنوم ذلك المفهوم المانع لأي نوع من الاتحاد غير الاتحاد الشخصي (الطبيعي)، لو كان الأمر كذلك لقبله نسطور من أول جولة من جولات الصراع مع كيرلس ، لينتهي الأمر ، وربما أصبحنا نحن من النساطرة !
والآن أيها الحبيب سوستانيس إذا كنت ماتزال متحمسا لكون أن الاتحاد الأقنومي” يعني اتحاد أقنوم الكلمة بالانسان وليس اتحاد الكلمة بالإنسان – الذي يقيم ” أقنوما ” ( شخصا ) جديدا هو الإله الكامل والإنسان الكامل في ذات الشخص الواحد – فهنيئا لك هذه النسخة النسطورية من الاتحاد الأقنومي .
انا لست بلاهوتي ولكن في اعتقادي ان هناك لبس في تفسير معني الاتحاد الاقنومي فيما كتب هنا بحسب ما قرأته و ماتعلمته من ابي الروحي (وكان دارسا للاهوت في القسطنطينية).
هناك اقنوم واحد للابن قبل الاتحاد وبعده.
الاتحاد لم يكن بين اقنومين.
اقنوم الابن ضم طبيعة بشرية كاملة اتحدت بطبيعته الالهية بغير انقسام ولا تغيير ولا تشوش ولاانفصال.
الاتحاد اقنومي لانه اتحاد للطبيعتين في الاقنوم الواحد.
الاتحاد لا يؤدي الي اقنوم جديد ولا طبيعة ثالثة ولذلك يصر مجمع خلقيدونية علي تعبير “بطبيعتين” ولكن اذا اصر من لا يوافق المجمع علي تعبير “من طبيعتين” فعليه الا يكتفي بقول “طبيعة واحدة” بل يلزم ان يقول “طبيعة واحدة متجسدة” حتي لا يسقط في الاوطاخية.
وشكراً.
الحبيب جداً فى الرب مجدى داود
عليك أن تربط جأشك قليلاً, ولا تتعجل الأمور, فأصبر على النتائج, فهى لم تنضج بعد, وترفق فى الأحكام فحديثنا ما زال وليداً.
فهل تصدق بأننى أقرأ ما تكتبون مرات ومرات عديدة تستغرق منى وقتاً ليس بقليل, حتى لا يتشتت حديثنا من كثرة ما تعرضون من نقاط كثيرة دفعة واحدة, تتعرضون لها بالكثير من السرعة والعجلة, فأتخير نقطة واحدة تظهر بأنها الأساسية فى ردكم, فأكتب محاولاً ان يكون ردى متجانساً مركزاً, لتعم الفائدة. فلنبتعد أذن عن أحكام وأقرارات الهرطقة السريعة, فالحكم ليس لى ولا لك, فما زلنا فى مبتدأ الطريق, فحديثنا لم يكتمل بعد.
ولقد ذكرتم سابقاً بوضوح تام بأنه لا مرجعية من القديسين اثناسيوس وكيرلس بخصوص تمتع الأنسان بأتحاد أقنومى بين نفسه وجسده فى خلقته الأولى. وبالحق .. لا مرجعية لهما أيضاً تؤكد على أتحاد أقنومى للأنسان بالروح القدس فى يوم الخمسين, علماً بأن هذة الموضوعات كانت موضوعات الساعة فى زمانهم.
فهل أكتفائنا بما قاله القديسين اثناسيوس وكيرلس يدخلنا لهرطقة نسطور !!
فهل سنكون نحن أكثر غيرة منهما فى محاربة الهراطقة. صديقى نحن نشجب تلك الهرطقات الآن على الورق وحسب, أما هم فقد دفعوا من حياتهم واستقرارهم الكثير ثمناً لمجابهة شرود هؤلاء المارقين وعنفوانهم بل وسلطانهم الزمنى أيضاً.
فلا تخف صديقى إن جنحت بنا السيارة إلى يسار الطريق, فالحل الأمثل ليس فى اليمين, بل فى منتصف الطريق. وهذا هو ما فعله القديس كيرلس, فهو لم يرد على نسطور بتأكيده لأتحاد أقنومى للأنسان بالروح القدس, مكتفياً بعبارة مؤكداً من خلالها على حلول الروح القدس فى القديسين, بدون توصيف زائد لمن لا يوصف ولا يحد. لأنه فى النهاية الله روح بسيط لا يمكن تجزئته, والمحاولات اللفظية لتقسيم الروح القدس إلى مواهب وأقنوم, هى مجرد الفاظ لا تحمل حق ولا كينونة ولا وصف حقيقى لروح الله. لذلك لم ينزلق القديس لألفاظ جوفاء لا تحمل حق للأنسان, مكتفياً ليؤكد حلول الروح القدس بدون تجزئه فى القديسين.
فهل محاولتنا للعودة لمصطلحات العظيمين اثناسيوس وكيرلس ستدخلنا إلى زمرة الهراطقة, فبالاولى تدخلهم هم أنفسهم قبلنا !!
انا سأكتفى بهذا الآن, لأنه يمكننى أن أتلمس فى حديثكم عن عتيق يسوع الفاسد من بعد الأتحاد, عودة من الباب الخلفى لأريوس, إلا أننى لم ولن أفعل, ولم اكتب هذا مطلقاً. وكل ما أرجوه أن نعود إلى موضوعية وهدوء الحوار الأولى, بدون انفعال وعصبية وقذف بالهرطقة, متذكراً بان الحكم ليس لى ولا لك.
سلمت فى الرب من كل سوء وكل امر باطل, لانك على يمينه فى المسيح يسوع, فلا ولن تتزعزع الى الابد. آمين
الأستاذ نبيل
عليك بالاستمرار فى التعليق, فما قدمته من معلومات لاهوتية قد جاءت فى صحيح الموضوع وصميمه, وما عليك بأن كنت لاهوتى ام لا, فكلنا هنا هواة, وليس من بيننا لاهوتى متخصص سوى كبيرنا الدكتور جورج حبيب بباوى, أما نحن فنكتب من نبع حقيقة وجودنا الكيانى فى المسيح يسوع, فأن أصابنا فنحن للرب, وإن أخطئنا فنحن للرب, فإن أصبنا أو أخطئنا فللرب نحن.
وهذا يكفى لأن تدلو بدلوك. فمرحباً بك
بين الاتحاد الأقنومي والشركة في الطبيعة الإلهية
يمكننا أن نستخدم مفهوم ” الشركة ” في فهم مضمون أي من المصطلحين ، ولكن لابد ، بداية ، أن نحاول تعريف المفهوم ، فنتبنى مفهوما تجاريا للمصطلح فنقول بأن الشركة تعني القبول والتراضي – لكل المعتبرين شركاء – بالمغرم والمغنم بحسب مساهمة كل طرف في ميزانية الشركة .
وبتطبيق التعريف على مفهوم ” الشركة في الطبيعة الإلهية ” نرى أن المصطلح يطرح مفهوم ” شركة الجزء في الكل الشخصي “( إذا جاز التعبير ) ، إذ يشترك البشر في حياة الكلمة بالعضوية في جسده الخاص، بالنعمة التي يكرسها حضور أبدي للروح القدس فيهم . هكذا تتأله طبيتهم ، وهكذا يوجدون إلى الأبد في مظلة الثالوث القدوس . هنا ، لم يصر البشر آلهة إلا بالمفهوم ” النعموي ” للكلمة ، ولم يتنازل الآب عن كونه مصدرا لنعمة تأله البشر ، التي تتم بالابن في الروح القدس . الشركة هنا هي شركة الجزء (البشر) ، في الكل الشخصي ( شخص المسيح ، الكلمة المتجسد في البشر) .
أما الاتحاد الأقنومي فهو ” شركة الكل في الكل الشخصي “( إذا جاز التعبير) ، إذ يساهم الكلمة بما يستعلن ويحقق ويكشف شخص الكلمة المتجسد كاملا، ويساهم الإنسان بما يستعلن ويحقق ويكشف شخص الكلمة المتجسد كاملا . يبقى دائما أن شخص الكلمة المتجسد هو الإله الكامل بنفس القدر الذي هو عليه كإنسان كامل. ألوهيته لا تنسخ طبيعته كشخص إنساني ، وإنسانيته لا تنتقص من طبيعته كشخص إلهي .
إذن يمكننا أن نجمل القول في رؤية بانورامية فنقول بأن الاتحاد الأقنومي الخاص بشخص الرب يسوع المسيح هو الشركة الطبيعية للكل ، في الكل الشخصي ، والتي بها تقوم الطبيعة الواحدة المتجسدة للكلمة ، بينما ، الشركة في الطبيعة الإلهية هي الشركة النعموية (نسبة إلى النعمة ) للجزء ، في الكل الشخصي ، والتي بها تقوم الطبيعة الجديدة ” المؤلهة ” للبشر بعضويتهم في جسد الكلمة الخاص الذي اتخذه منهم بفضل الاتحاد الأقنومي بينه وبين الإنسان يسوع التاريخي .
صديقى أنتَ تكتبَ ولا تقرأ
وإن قرأتَ تقرأ ما كتبتَ
هنيئاً لك …
بما كتبت وبما قرأت
وبما تعلمتَ مما قد كتبتَ
هذة هى المرة الأولى فى حياتى التي فيها أدركت, بأن إتحاد الأنسان بالمسيح هو جزء تجارى مغنم اى رابح, والمسيح هو كُلً تجارى مغرم اى خاسر !
فما هو الذى يخسره الله فى إتحاده بالبشر؟!
هل لم تسمع أبداً بأن الليتورجيا تحتفظ لنا, بمفهوم فى منتهى الوضوح مضاد تمام التضاد, لنظريتك التجارية التجزئية الفذة والفظة, التى تفضلت بها؟
فالمناولة الصغيرة جداً مهما صغر حجمها من جسد الرب, فهى تعطى المسيح كاملاً بلا نقصان, بعيداً عن الأحجام والأوزان, والخسارة والربحان, ثبت عقلنا يا حنان, وأرحمنا من هذا الميزان !!
هل لم تقرأ ابداً فى الأنجيل بأنه قد دعينا إلى قياس قامة ملء المسيح؟
هل لم تسمع الرسول وهو يؤكد لأهل أفسس بأنهم مدعوين, لأن يمتلئوا إلى كل ملء الله؟
مهلاً صديقى بعقولنا, كن رحيماً بنا, وتوقف عن تفسيراتك التجارية لمصطلحات اللاهوت. لتتأكد بان المصطلح بالرغم من وجود أصل لغوى تجارى له, إلا إنه صار له معنى وفحوى اخرى سمائية بعد قيام ابائنا بتعميده, وان الرجوع بالمعنى والفحوى إلى الأصل اللغوى الأول, كمن يخطأ بعد معموديته بل أشد , يحتاج لتوبة صادقة بدموع حارة ليطلب الغفران, من سيد الأكوان. ليتعهد بعدم إرتكاب هذا الخطأ الفاحش مرة أخرى. الذى يخلط فساد الأرض بسمائية وسمو الخلاص. الله يغفر لنا جميعاً ويهدينا الى الصواب والحق.
– فهل تعرف أحداً من أباء كنيستنا قد شرح إتحاد المؤمنيين بالمسيح, على إنه شركة الجزء فى الكل الشخصى للمسيح؟
صديقى .. هل تدرك حقاً بأنك تكتب إلى أعرق كنيسة أبائية فى العالم بل فى التاريخ؟
هل لك أدراكاً حسناً لاى من أباء الكنيسة الأرثوذكسيين الأخرين, أو من علماء مدرسة الأسكندرية اللاهوتية, غيرالمعلمين العظيمين اثناسيوس وكيرلس؟ الذى قد فشلت فشلاً كاملاً ذريعاً, بأن تأتى من أقوالهما, لتؤكد وتبرهن على صحة وقانونية وأرثوذكسية ما تكتب, لمشكلة لاهوتية كانت معاصرة لهما تاريخياً؟
هل تعى حقاً بان ما تكتب, لا يمت للأباء الأرثوذكس السكندريين بصلة, لا من قريب ولا بعيد, رجاءً أن تبتعد عن هذة الهراءات التجارية التى تجزء فى الله. وتضر أشد الضرر بالتدبير, حسب نصيحة دكتور جورج لنا, بأن الخلاص ليس مسألة أو قضية فكرية, لأنه يجب الحذر من خداع اللغة.
صدقنى أننى أحاول بكل صدق أن أفهم ما تكتب, تخوفا منى بان اكون انا المقصر والغير مدرك, إلا أننا نحمد الله – الذى لا يحمد على مكروهً سواه – بأنك تدرك وتفهم ما تكتب!
لغتك تظهرك ياصديقي، فعندما تقول : “إلا أننا نحمد الله – الذى لا يحمد على مكروهً سواه – بأنك تدرك وتفهم ما تكتب “، فإنني أتفهم لماذا لم تستطع أن تفهم .
التأله بين الاتحاد الأقنومي والاتحاد الإفخارستي
تجسد الكلمة وتأله الإنسان وجهان لمضمون حدث الاتحاد الأقنومي ؛ فالكلمة بصيروته إنسانا صار فيه الإنسان إلها. وبينما ظهر الكلمة في الإنسان يسوع المسيح – الذي “فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا “( كو2 :9)- فقد ظهر الإنسان في الكلمة إلى الأبد . إله كامل وإنسان كامل في وحدة أقنومية ( شخصية ) كاملة .
ولكن ، كيف نفهم التأله في ضوء الاتحاد الأقنومي ؟
ثم ، أليس التأله ( theosis) هو نعمة تجديد طبيعتنا البشرية ، التي تحدث لنا باشتراكنا في حياة ” الله” – الذي له وحده الحياة ، بطبيعته – حينما نصير أعضاءا في جسد ابنه ؟
ماهي نقطة الالتقاء بين الحدثين ؟
الفرق الجوهري هو أن تأله الإنسان ، المستعلن بالاتحاد الأقنومي – الذي أثمر شخص الرب يسوع المسيح – هو حدث نوعي ” كيفي”( وليس حدثا ” كميا ” ، تراكميا ) فيه صار الكلمة جسدا مثلما صار الجسد ( الإنسان ) إلها . قد حل الكل في الكل . لاهوت الكلمة المتجسد يتضمن ناسوته مثلما يتضمن ناسوت الكلمة المتجسد لاهوته. شخص الرب يسوع مستعلن بواسطة كل من طبيعتيه الداخلتين في الاتحاد على نفس المستوى ، فهو شخص إنساني وهو شخص إلهي بآن واحد . هو شخص لم يلتهم اللاهوت فيه ناسوته ، طاغيا عليه ، ولم يحد الناسوت فيه لاهوته ، مقزما له .
وهنا يجب أن ندرك أن تأله الناسوت قد تجاوز بمسافة لانهائية مفهوم “نعمة التأله”. . وأقول ” تجاوز ” لكي لا أغفل أن الإنسانية فيه قد نالت نعمة التأله ” كحياة وعدم موت ” ، ولكن لم يقتصر الأمر على مجرد حصوله على النعمة ، إذ أنه – بذاته القائمة في وحدة أقنومية مع ألوهة الكلمة -لم يعد مجرد منتفع بالنعمة بل رأسا ومصدرا لها ، إذ هو شخص الإنسان الإله ، بقدر ماهو الإله الإنسان . وبالتأله لم يصر الإنسان إلها بمعنى تلاشي الطبيعة البشرية لحساب الألوهة ، فإن حدوث هذا يعني ضياع مفهوم الاتحاد الأقنومي وتفريغه من مضمونه ، لأن الاتحاد ( أي اتحاد )- بالتعريف – لايكون اتحادا إلا إذا تم بين طبيعتين وهويتين مختلفتين . ولما كان الاتحاد المقصود هو الاتحاد الأقنومي بين الله الكلمة والإنسان ، وليس مجرد اتحاد بأي معنى آخر ، فالأمر يصبح ليس مجرد اتحاد ” ميكانيكي “( إذا جاز التعبير ) مثل مفهوم المصاحبة الذي نادى به نسطور ، وفي نفي الوقت ليس مفهوم الذوبان الذي نادى به أوطاخي . فشخص الكلمة المتجسد هو إنسان كامل بقدر ماهو إله كامل ، وهذا يعني إتحادا يثمر شخصا جديدا لم يكن موجودا قبل الاتحاد ، تستعلن فيه هوية الألوهة كاملة مثلما تستعلن فيه هوية الإنسانية كاملة ، دون ذوبان ، أو أيلولة ، أو تغير بيني، أو تقسيم ، أو عزلة . وفيما تستعلن أي من الطبيعتين الشخص كاملا ، فإن الطبيعة الأخرى – المتضمنة في الشخص – تستعلنه بنفس القدر ، أي بنفس الكمال . وهذا هو مفهوم الحلول ( الاحتواء ) المتبادل بين الطبيعتين الذي يكرسه الاتحاد الأقنومي .
نعود إلى التأله فنقول : لم يكن التأله حدثا طارئا على شخص الرب يسوع، الكلمة المتجسد ، فمنذ أن حدث التجسد ، حدث التأله . طرأ الشخص ،ذاته ، على تاريخ البشر ، ولم يطرأ تأله إنسانيته عليه ، كشخص.
أما كيف أن تألهه يعني أنه مصدر تألهنا ،منذ أن صار الاتحاد ، وفي ذات الوقت قد نالت إنسانيته التأله كنعمة ، فالأمر بسيط ، فحينما تجسد الكلمة فهو قد وحد ذاته أقنوميا مع الإنسان المخلوق بواسطته ، وبالتالي ماهو التناقض في أن الكلمة قد أكمل نعمة الخلق التي أعطاها لإنسانيته ، بنعمة التأله ؟ وماهو وجه التناقض في كون أن إنسانيته المخلوقة المتألهة بفضل الاتحاد هي مصدر لتألهنا مادام الاتحاد ليس مجرد اتحاد – كاتحادنا نحن به ،بالنعمة – بل هو اتحاد أقنومي قد صار فيه الله إنسانا مثلما قد صار الإنسان إلها ؟
وأما ” تأله البشر” في المسيح فله مضمون آخر. يتأله البشر حينما يتحدون “كميا ” بلاهوت الكلمة ، أي يتحدون به بالقدر الذي يخرجهم من فساد طبيعتهم المخلوقة وليس يخرجهم من كون طبيعتهم مخلوقة . يحدث هذا عندما يشتركون إفخارستيا – بالنعمة- في جسد الكلمة ، فيستقبلون – أبديا- حياة الكلمة الفائضة نحوهم من رأس كيانهم يسوع ، الشخص الإنساني والإلهي بآن واحد.
وهنا يتجلى الفرق الجوهري بين تأله الإنسان يسوع ، المستعلن في الاتحاد الأقنومي وتأله البشر ، المستعلن في الاتحاد الإفخارستي ، فبينما يتأله البشر باشتراكهم في جسد الابن ، فإن الإنسان يسوع قد تأله منذ أن صار جسدا خاصا بالكلمة ، وهو لم يكن قبل الاتحاد جسدا خاصا بآخر غير الكلمة .
الحضور الإلهي بين الاتحاد الأقنومي والنعمة
كان مصطلح ” الحضور الإلهي ” بمثابة الخيط الذهبي الذي يجمع كل لآلئ مفردات كتاب القديس أثناسيوس الرسولي ” تجسد الكلمة “. ولآلئ أثناسيوس التي أقصدها هي التوصيفات المختلفة لمفهوم النعمة التي نالتها الطبيعة البشرية في المسيح ، الكلمة المتجسد . النعمة عنده ليست كما يتوهم – في سذاجة – تيار من الحس الشعبي ، أنها قرار انقطاعي يتم وفقا لإرادة علوية هي إرادة الله ليظهر أثره في الخليقة القابعة على الطرف الآخر من الهوة الفاصلة بين مصدر النعمة والمنتفع بها . بل النعمة عند أثناسيوس – كما عند جيل الآباء الملهمين بروح الإنجيل – هي ما يكشف حضورا لله ، هي استعلان للحضرة الإلهية في مجال كاشف هو الخليقة . تستدعى الخليقة من العدم ككشف للحضورالإلهي ، وتجدد الخليقة من فسادها الطبيعي ( في حالة الإنسان) بفضل الحضور الإلهي .هذا هو المضمون الصريح للإنجيل ؛ فعندما يقول القديس يوحنا اللاهوتي في مطلع إنجيله :” كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان “( يو1: 3 ) ، فالمقصود ” كل شيء كان بحضوره ، وبغير حضوره لم يكن شيء مما كان “.
وبحسب أثناسيوس – أيضا – ” من الآب نعمة واحدة تتم بالابن في الروح القدس “( سرابيون1: 14 ) ، وأيضا ” الآب يخلق كل شيء بالابن في الروح القدس “( سرابيون 3: 4 ).
النعمة إذن كشف لحضور الثالوث القدوس وشركة فيه . وبحسب القديس بطرس الرسول هي ” شركة الطبيعة الإلهية “( 2بط 1: 4) .
والقضية منطقية جدا ، من منظور المنطق اللاهوتي ، وإلا فكيف ندرك ما تعنيه قمة استعلان النعمة ، المعبر عنها بمفهوم ” التبني” ؟ أليس التبني هو دخول إلى شركة الثالوث القدوس حينما يصير البشر أبناء “للآب” بالشركة في جسد “الابن” في “الروح القدس” ؟
والنقطة الهامة في هذا السياق هي أن الحضور الإلهي الذي تكشفه صيغة معينة للنعمة هو حدث وفعل يتم بمبادرة من طرف واحد هو الطرف الإلهي . فالله يعطي شركة في ذاته بالقدر الذي يتكشف كخليقة ، ثم يجزل عطاء ذاته بالقدر الذي يتكشف في تجديد الخليقة وعتقها من فسادها الطبيعي( في حالة الإنسان ).
في النعمة لا يعطي الله ذاته للخليقة ، حتى ماتستوعب في الخليقة ، ولكنه يعطيها بالقدر الذي تستوعبه الخليقة ، كخليقة ، وبالقدر الذي يكفي لتجديد خلقتها ، كتجديد للخلقة . “يحضر” الله في الخليقة “فتستحضر ” الخليقة – من العدم- لتشترك في الله، ويكثف الله “كم “حضوره في الإنسان ( تاج الخليقة ) فيتجدد الإنسان، فالحضور الإلهي الذي تستعلنه النعمة هو حضور “كمي “؛ فحينما يتجدد البشر في المسيح فهم يأخذون من ملئه ” نعمة فوق نعمة “( يو1 :16) ، ويظل الإنسان يسوع المسيح هو الشخص الوحيد ” الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا “( كو2 :9) .وهذا يقودنا إلى الحديث عن الحضور الإلهي في سر التجسد ، أي الحضور المستعلن بالاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة المتجسد وناسوته . والأمر هنا يختلف تماما . فحدث الاتحاد الأقنومي ، بمجرد حدوثه قد أظهر ” مبادرة حضورية مزدوجة “( إذا جاز التعبير ) . لاهوت الكلمة المتجسد ليس هو المبادر الوحيد بالحضور، ولكنه الحضور المتبادل بين لاهوت الكلمة المتجسد وناسوته . لاهوت الكلمة المتجسد ، بحضوره يظهر ناسوته حاضرا . وناسوت الكلمة المتجسد ، بحضوره ، يظهر لاهوته حاضرا . لاهوت الكلمة المتجسد يتجلى في ناسوته ، وناسوت الكلمة المتجسد يتجلى في لاهوته . اللاهوت الكامل يستعلنه الشخص ، والناسوت الكامل يستعلنه نفس الشخص . هنا نحن أمام حضور ” نوعي ” فيه تحضر كل ألوهة الله في كل إنسانية الإنسان ، وتحضر فيه كل إنسانية الإنسان في كل ألوهة الله .إنسانية الإنسان يسوع المسيح تستوعب ألوهته بالكامل ، لأنه – بفضل الاتحاد الأقنومي – لم يعد مثلنا ،من منظور الاحتياج للنعمة ، بل هو قد صار جسد الكلمة الخاص منذ أول لحظة لظهوره كجسد . والقول باستيعاب إنسانيته للاهوته ليس من باب المحدودية التي يوحي بها الفعل ، ولكن من باب أن ألوهة الله لا تستوعب إلا بألوهة الله ، ولما كان الإنسان يسوع قد تأله ، مظهرا كل ملء اللاهوت فيه ، بفضل الاتحاد الأقنومي ، فاستخدام فعل ” الاستيعاب ” ليس خاطئا .
خلاصة
إذا كانت النعمة هي استعلان حضور الله في الخليقةكمبادرة من طرف الله ، فالاتحاد الأقنومي هو مايثمر استعلانا مزدوجا للحضور المتبادل بين الله والإنسان في شخص الرب يسوع ،الكلمة المتجسد . وبينما أقام الاتحاد الأقنومي شخصا هو رأس الخلقة الجديدة للبشر ، فقد أظهرت النعمة استحقاقا لهذا الرأس في البشر، باجتذابهم نحوه كأعضاء تنتمي إليه ، حينما يصيرون كنيسة .
رئيس الكهنة الذي أقامه الاتحاد الأقنومي
كان مشهد الصلبوت المأساوي الرهيب آخر مشهد من مراسم سيامة الرب يسوع المسيح رئيسا للكهنة . ” قدم” الكاهن ذاته ذبيحة مقبولة، وكانت آلام الصليب المنتهية بالموت بمثابة خدمة ( ليتورجية ) “التقدمة ،ذلك الحدث الذي فيه قبل الرب – طائعا مريدا – أن يجتاز ذروة مأساة التجربة الإنسانية حتى ما يستطيع أن يهب نصرته لشعبه المعين للخلاص . هكذا قد تكمل بالآلام وبالموت ( بحسب معلمنا بولس ) :
– ” ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة ، يسوع، نراه مكللا بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد. لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة، قائلا: ” أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك “( عب 2: 9- 12 )
– ” مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه ، سبب خلاص أبدي، ..”( عب5 :8و9 ) .
– ” من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيما، ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب . لأنه في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين “( عب2: 17و 18 ) .
– ” فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات ، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه “( عب4: 14و 15 ) .
وفي هذا السياق لابد لنا أن نميز بين أمرين : موضوع التقدمة، و خدمة التقدمة. على الصليب ، وفي حدث أبدي ، انطلقت ليتورجية التقدمة . وفي ذات الحدث تمت سيامة الرب رئيسا للكهنة جاعلا ذاته منبعا لحياة البشر. أما موضوع التقدمة فهو كيانه الإنساني الذي أظهر جدة الإنسانية المنتصرة على الألم والموت . كيانه الإنساني هذا ، هو هكذا بفضل الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته منذ أول لحظة للتجسد . ظهر الكلمة بتجسده إنسانا كاملا منتصرا على الألم والموت ، ولكن على الصليب ، إذ اضطلع الرب بخدمة تقدمة ذاته وأعلن النصرة بالقيامة، فحينئذ قد دشن زمن استثمار تجسده ، في البشر .
لذلك نجد أن المعنى العملي التطبيقي لصيرورة الرب رئيسا للكهنة – عند الرسول بولس – هو صيرورته رأسا للكنيسة . فكهنوت المسيح يعني تجلي هبة الحياة التي نالها جسد الرب – بفضل كونه جسد الكلمة الخاص – في الكنيسة. ويكون معنى ذلك أيضا أن سيامته الكهنوتية تعني تدشين كيانه كحجر زاوية للكنيسة .
بالتجسد صار الابن إنسانا ، وبموت الصليب المحيي صار الابن المتجسد بكرا بين إخوة كثيرين .
بالتجسد أعطى الكلمة الحياة والعتق من الفساد الطبيعي لجسده الخاص ، وبموت الصليب المحيي صار جسد الكلمة الخاص مصدرا لحياة البشر الذين ينضمون بواسطة شركة موت الصليب المحيي ، في التقدمة المقبولة التي هي بذاتها كيان رئيس الكهنة وهي بيته الذي دخله مرة واحدة وإلى الأبد مدشنا ذاته كاهنا أبديا يخدم ليتورجية أبدية .
بالتجسد أعطى الكلمة ذاته للإنسان يسوع الذي اتخذه من بني جلدتنا ، “وفيه قد حل ملء اللاهوت” . وبموت الصليب المحيي أعطى الرب يسوع المسيح الشركة في حياة الكلمة للذين يقبلونه رأسا لوجودهم الجديد .
بالتجسد تكرست الحياة لجسد الكلمة الخاص ، وبكهنوت المسيح تكرست الحياة للذين يشتركون في جسد الكلمة الخاص ، بالنعمة .
بالتجسد صار الابن الوحيد إنسانا كاملا ، وبتكميله كرئيس للكهنة – بقبوله الآلام والموت طائعا ومريدا- صار البشر مكملين فيه ، أي باشتراكهم في حياته .
لذلك فقد نجح كهنوت المسيح في ما قد فشل فيه الكهنوت العتيق . في الأخير لدينا كاهن معين يقدم خدمة مادية جسدية لأجل نفسه ولأجل مجموعة معينة من البشر ، هذا فضلا عن أنه مضطر أن يكرر ذات الخدمة مرارا ، وفي النهاية هو يمارس ظلا وشبها للحقيقة ، هو في ذاته طقسا ميتا غير قادر أن يهب الحياة :
– ” وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد ، له كهنوت لا يزول . فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة، إذ قدم نفسه. فإن الناموس يقيم أناسا بهم ضعف رؤساء كهنة . وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابنا مكملا إلى الأبد.”( عب7: 24- 28 )
هو رئيس كهنة وليس مجرد كاهن ، فكهنوته هو كهنوت أبدي ، وأبدية كهنوته هي ما تجعله رئيسا للكهنة إذ أنه بتقدمة ذاته مرة واحدة قد جعل كل المعينين للخلاص يقدمون ذواتهم ، فيه ، فيشتركون في كهنوته جاعلا منهم كهنة تحت رئاسته الأبدية للكهنوت ، حتى أن وجود الكنيسة ذاته كبناء مؤسس على حجر زاوية رئاسته للكهنوت هو التعبير الأبدي عن مفهوم الكهنوت :
– ” كذلك المسيح أيضا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له : ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك”. كما يقول في موضع آخر:” أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”…. مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق “( عب 5: 5- 10 )
محددات رئاسته للكهنوت
1- الوساطة بين الله والناس
الوساطة بين الله والناس هي معيار أساسي للكهنوت ، ولم يكن الكاهن العتيق وسيطا حقيقيا ، كان مجرد ظل للحقيقة ، فقد كان يحتاج أن يقيم ليتورجيته من أجل نفسه بذات القدر الذي يقيمها به من أجل الشعب . ولذلك فواقع الحال أنه كان محتاجا لآخر حتى ما يصير وسيطا بينه وبين الله ؛ فهو مختزل تماما في أحد طرفي الوساطة ، أي طرف الشعب الخاطئ . أما كهنوت المسيح فله شأن آخر ، فوساطته هي حقيقة كيانية تخص وجوده كشخص الكلمة المتجسد . فهو الله والإنسان بآن واحد، وإنسانيته كائنة مع لاهوته في اتحاد أقنومي أبدي ، يضمن وساطة كهنوتية أبدية ، لذلك فحينما قدم ذاته مرة وإلى الأبد كباكورة لتقدمة الجميع فيه ، فهو يعلن ذاته كوسيط أبدي بين الله والناس :
– ” لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع، الشهادة في أوقاتها الخاصة،.. “( 1تي2: 5و6 )
– ” ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم، قد تثبت على مواعيد أفضل “( عب8: 6 )
– ” ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد، لكي يكون المدعوون- إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول- ينالون وعد الميراث الأبدي “( عب9: 15 )
2- الذبيحة
قد هيأ الاتحاد الأقنومي الخاص بشخص الكلمة المتجسد مسكنا لتقديم الخدمة المرضية هو جسد الكلمة الخاص ، الذي فيه قد تمم الخدمة بذبيحة نفسه ، وبدم نفسه ، تقدمة واحدة ، قربان واحد ، ذبيحة واحدة ، لمرة واحدة وإلى الأبد :
– ” وأما المسيح ، وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة ، فبالمسكن الأعظم والأكمل، غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول ، بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبديا. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين، يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة ليخدموا الله الحي! ( عب9 : 11- 14 )
– ” لأن الناموس، إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء ، لا يقدر أبدا بنفس الذبائح كل سنة، التي يقدمونها على الدوام، أن يكمل الذين يتقدمون… لكن فيها كل سنة ذكر خطايا. لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا . لذلك عند دخوله إلى العالم يقول:” ذبيحة وقربانا لم ترد، ولكن هيأت لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر… فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة.”( عب10: 1- 10 )
– ” وكل كاهن كل يوم يخدم ويقدم مرارا كثيرة تلك الذبائح عينها، التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية . وأما هذا فعندما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة ، جلس إلى الأبد عن يمين الله، منتظرا بعد ذلك حتى توضع أعداؤه موطئا لقدميه. لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين. “( عب 10: 11- 14 )
3- الكفارة
لأن الاتحاد الأقنومي الخاص بشخص الرب يسوع التاريخي قد أقام إنسانا كاملا فيه يحل كل ملء اللاهوت ، فقد أصبحت إنسانيته مغطاة ومحصنة تماما ضد الفساد والموت بفضل الشركة في حياة الكلمة ، بل والأكثر من ذلك قد صار الإنسان يسوع يمثل الغطاء الوحيد للبشر ، الذي يستر عريهم وعزلتهم عن الشركة في الله ، وذلك حينما يشتركون فيه كأعضاء له فيتغطون بغطاء المجد الذي سبق أن تغطى به ، كباكورة لهم .
– ” …وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار . وهو كفارة. ليس لخطايانا لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضا “(1يو2: 2 ).
– “بهذا أظهرت محبة الله فينا:أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذه هي المحبة: ليس اننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا “( 1يو4: 10 ).
– ” .. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ،( لاحظ التناقض بين الخطية والمجد ) متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه ، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع”( رو3: 23- 26 )
وإذا كانت الخطية هي حالة العزلة عن الله وعدم الشركة ، الأمر الذي ينتج موتا ويستحق الدينونة ، فالرسول بولس يقرر أن الذين في المسيح -أي الذين تم “سترهم” ، و “تكفير “و”تغطية” عريهم (خطيتهم ) – يقرر أن لا دينونة عليهم :
” إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت . لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه ، في ما كان ضعيفا بالجسد ، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية ، دان الخطية في الجسد ، لكي يتم حكم الناموس فينا ، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح . فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون، ولكن الذين حسب الروح فبما للروح . لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام . لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله ، إذ ليس هو خاضعا لناموس الله ، لأنه أيضا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله. وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح ، إن كان روح الله ساكنا فيكم. ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح، فذلك ليس له . وإن كان المسيح فيكم ، فالجسد ميت بسبب الخطية، وأما الروح فحياة بسبب البر” ( رو8: 1- 10 ).
4- المصالحة
لأن الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان قد أقام شخصا هو الإله الكامل والإنسان الكامل بآن واحد ، فقد أزيلت العداوة بين الله والناس – لأول مرة في تاريخ البشر- بصيرورة إنسان من طبيعتهم جسدا خاصا بالكلمة ، والأكثر من ذلك هو صيرورته رأسا ومصدرا لمصالحة الجميع مع الله فيه ، إذ بموت صليبه المحيي يوهب للمختارين أن يموتوا معه ، فيقوموا معه إلى جدة الحياة ، هكذا يتمم رئيس الكهنة خدمة مصالحة الجميع ، بضمهم إلى جسده :
– ” ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبررون الآن بدمه نخلص من الغضب! لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته ! وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضا بالله ، بربنا يسوع المسيح ، الذي نلنا به الآن المصالحة “( رو5: 8- 11 )
لاحظ: الخطية = العداء ، التبرير= المصالحة
– ” إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا. ولكن الكل من الله ، الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة، أي أن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم ، وواضعا فينا كلمة المصالحة “( 2كو5: 17- 19 )
لاحظ : الخليقة الجديدة، في المسيح تعني ” المصالحة ”
خلاصة
حدث الاتحاد الأقنومي بين الكلمة والإنسان في شخص الرب يسوع المسيح هو بطبيعته حدث كهنوتي بامتياز، إذ اتخذ الكلمة لذاته جسدا من البشر جاعلا إياه جسده الخاص ، ولأنه أصبح جسد الكلمة الخاص ، فبفضل الكلمة الحال فيه إلى الأبد فقد أظهر جوهرا كهنوتيا ( إذا جاز التعبير ) ، بمعنى أنه قد كشف في شخصه كل معايير وضوابط ومحددات الكهنوت ، بل والأكثر من ذلك أنه كشف عن مايجعله رئيسا لفعل كهنوتي أبدي ينبع منه ليفيض على كل المختارين من البشر المعينين بالنعمة ملوكا وكهنة تحت رئاسته للكهنوت بانضمامهم إلى هيكله الذي هو جسده ، كأعضاء فيه ، فيشتركون في ذبيحة صليبه الحية إلى الأبد .
كشف الاتحاد الأقنومي عن رئيس كهنة هو الوسيط بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ، لأنه الإنسان الذي فيه يحل ملء اللاهوت ، فهو الإله وهو الإنسان ب آن واحد، هو الوسيط .
كشف الاتحاد الأقنومي عن رئيس كهنة قد أصبح بذاته ” كفارة ” عن خطايا الشعب ، فبالعضوية في جسده يتوفر لشعبه غطاء ( الكفارة ، المغفرة ) مجد الحياة بالشركة في حياة الكلمة المتجسد ، فيستترون إلى الأبد من عري فسادهم وموتهم الذي أحدثته فيهم الخطية ، التي هي بطبيعتها حالة من الاعتزال عن الشركة في الطبيعة الإلهية .
كشف الاتحاد الأقنومي عن رئيس كهنة قد فتح أمام شعبه بابا لخدمة المصالحة مع الله وذلك بأن يجمعهم في كيانه كأعضاء ، فيفيض عليهم سلام المصالحة النابع من جسده ، الذي كان أول جسد ينعم بسلام المصالحة مع الله ،إذ هو جسد الكلمة الخاص .
نظرية الخلاص المتدرج لجسد يسوع (1)
—————————————————–
سنبدأ هذه المرة, من حيث ينبغى ان نبدأ, من دراسة هامة جداً للدكتور جورج حبيب بباوى بعنوان ( الخلاص كما شرحه القديس كيرلس السكندرى ), وسنجد فى تلك الدراسة القيمة, مشتهى قلوب كل خائفى الرب, لأعلان حقيقة جسد الرب, كما اعلنها هو بشخصه وفى شخصه لخائفيه.
ولأجل طول الدراسة على مكان صغير كهذا, سنكتفى بأقوال القديس المباشرة, بالاشارة فقط الى المقصد والهدف, لأجل خلاصنا المعلن فى تجسد الرب.
لأن إخضاع المسيح يسوع للزمن, كعامل محدد ومقنن لطبيعة جسد المسيح, وليس بمجرد عامل استعلانى لرسالته الأزلية, سيهدم ويقوّد خلاصنا تماماً. بسقوط طبيعة المسيح المتجسد تحت ثقل الخضوع لطبيعة زمنية فاسدة ضعيفة, معيبة ناقصة تحتاج لتكميل فعلى مستمر فى زمن, فشل الرب تجاوزه فخضع له!!
وذلك بحسب ما ردده البعض عن تسرع وقصور فى إدراج القصد الإلهى, وتمسك بالفاظ ومصطلحات, فرغت عمداً من محتواها الأبائى, لتثبيت معناها اللفظى وحسب, لتصدير باطل وتضارب مشكلات الفلسفة, كأعلان مزور لخلاص, فاق كل تقديرات الفلسفة وعلوم الكلام والمنطق. وهنا تكمن خطورة تلك النظرية.
ويذكر القديس كيرلس فى تلك الدراسة المشار إليها, أثناء شرحه لأنجيل يوحنا 63:6, حقيقة يجب الأنتباه إليها, بكل ما أُوتينا من وعى كامل, روحى وعقلى, لنتيقظ لخطورة المنزلق, لئلا نفقد مفهوم حقيقة ما رغب الرب نقله لجنسنا البشرى. فيقول:
(إنه يملأ جسده الخاص به بالحياة المحيية التي تظهر في الأعمال الروحية المتنوعة، وهنا يصف جسده “بالروح” دون أن يحوله من جسد إلى روح. وإنما بسبب اتحاده الكامل به ملأه بقوته الإلهية الواهبة الحياة، وهي ما يجب أن يوصف بأنه روح، ولا عجب من ذلك ولا داعي للشك بالمرة. فإذا قيل “من اتصل بالرب هو روح واحد”, فكيف لا يقال عن جسده الخاص به إنه واحد معه؟ ولذلك، فمعنى الكلمات التي نشرحها الآن لا يخرج عما ذكرناه)
وفى مقوله أخرى للقديس يؤكد بان طبيعة جسد المسيح يسوع المتجسد قد تغيرت بمجرد الأتحاد بالاهوت ولم ينتظر حتى القيامة ليفعل ذلك, فقال:
( الطبيعة التي خضعت للفساد لا يمكن أن ترتفع إلى عدم الفساد، إلاَّ بنزول الطبيعة التي تعلو على كل أنواع الفساد والتغير وباتحادها بها، وبالاتحاد ترتفع تلك الساقطة، إلى صلاحها الدائم، أي عدم الفساد. ) (تفسير يوحنا ك 11 فصل 1
ويكمل القديس ما قد بدأه عن جسد المسيح فيذكر :
( لقد صَمَد جسده، وهذا ضد طبيعة الجسد، بل أنه ضد طبيعة الجسد أن يصير أيضًا محييًا. إلاَّ أنه ذاك الذي هو سمائي، جعل الذي من الأرض سمائها، بل ومحيياً رغم أنه بطبيعته قابل للانحلال. ) (تفسير يوحنا 62:6)
ويؤكد ويشدد القديس مرة أخرى على تغييرالجسد الفاسد الذى أتخذه الرب له, ليحوله إلى حالة عدم الفساد بمجرد الأتحاد به, بلا فارق زمنى. فيقول:
( لأن كلمة الله هي بالطبيعة حياة، فقد جعل ما هو بالطبيعة فاسد، جسدًا له لكي يحوله إلى عدم فساد بإبطال قوة الموت فيه. وكما أن الحديد إذا وضِع في نارٍ متأججةٍ يفقد برودته ويأخذ شكل النار وحرارتها، بل يصبح بدوره حارًا وحارقًا ويشعل النار في أي شيء يمسه، هكذا الجسد، أخذ في طبيعته عدم الفساد والحياة المحيية لكلمة الله ولم يعد كما كان من قبل، وإنما صار أسمى من الفساد. ) ( مجلد 4: 77 :785-788 )
ولن ترتاح روحى إن أهملت قولاً آخر بذات الأهمية؛
( ولكي يحرر من الفساد ومن الموت الإنسان الذي أدين باللعنة القديمة، صار بشرًا. وادخل نفسه في طبيعتنا، وهو الذي بالطبيعة الحياة. وبهذه الطريقة غلب سلطان الموت. وقوة الفساد القاهرة لكل شيء ُأبيدت، ولأن الطبيعة الإلهية، حرًة حريًة مطلقًة من الميل للخطية، حملنا هو نحن جميعًا في جسده الخاص به، وهكذا نرى فيه عندما تجسد. وعندما أمات أعضائنا, أي أهواء الجسد، أباد ناموس الخطية الذي كان يستبد بأعضائنا التي على الأرض. ) (كولوسي 5:3 ) (يوحنا ك 6: فصل5 )
وهكذا فقد بدأنا بعرض الحلول قبل تمحيص الإشكال, لكى نثبت بأن ما يؤكده القديس إنما يتسق وينسجم تماماً مع الفطرة الروحية السليمة, التى إنفطرت عليها كنيستنا منذ نشأتها, وسيكون هذا دليلاً واضحاً كافياً على خطأ وشذوذ ما عداه, من شروحات رواسخ خلاصنا.
يتبع
نظرية الخلاص المتدرج لجسد يسوع (2)
—————————————————-
حتى نستطيع ان نُكمل حديثنا بمهنية المتخصصين, ونلملم أطراف الحديث التى تبعثرت هنا وهناك, علينا ان نقوم ببلورة النقاط الهامة الضابطة للمسيرة:
1- لاحظنا … فى كل تلك الأقوال الهامة السابقة, التى قدمها لنا دكتور جورج, خالصة واضحة غاية الوضوح, وغيرها الكثير من أقوال القديس كيرلس, التى يضيق لها مقالنا الصغير, إنه لن نستطيع فصلها عن بعضها البعض, لنتحدث عن كلً منها بتحليل منفرد.
لأنها مجتمعة تشكل رؤية كاملة وعقيدة دقيقة, ترى الخارج فى إنارة الداخل, الناسوت فى إتحاده باللاهوت, ليستشرى هذا الفكر الأختبارى, كالنار فى الهشيم, فى كافة أرجاء وأساسيات إيماننا بشخص المسيح.
لذلك لا حديث عن قوانين للناسوت, بمعزل عن الوهية اللاهوت, لان القديس كيرلس يتحدث دائما عن الإله المتجسد, برؤية سمائية تستطيع أن تُخلِص, رؤية هليكوبترية ترى من فوق كل شئ, فلا تهمل شئ, ولا تنحصر فى جزء, لانه لا قانون للجزء إن ترَكَ الكل, فقانون حركة الذراع يُبطل ويضمحل, إن بُترت الذراع عن باقى الجسد !!
ولذلك فالقانون الزمنى المفترض زوراً وبهتاناً, لنظرية الأنتصار المتدرج على الفساد والضعفات, للذين يدعون بإنه قد حدث ذلك الإنتصار التدريجى المزعوم فى جسد المسيح, أثناء إتحاده الأقنومى باللاهوت, يُبطل ويختفى هذا التدرج الزمنى ذاته, بموت الناسوت بالزمن, لأن وجود الزمن كعامل منشأ ومهيمن فى جسد المسيح, يُخضِع له الناسوت, هو هو الموت بذاته, وإن فُعِلَ الموت والزمن فى ناسوت الرب, سيُفصل الجسد حتماً وبلا شك عن وحدانيته مع اللاهوت, ليفصِل العنصريين عن بعضهما البعض, فالزمن الفعال المقنن المهيمن, إن وجد فى ناسوت الرب بهذة الكيفية, كفيل ببتر الناسوت عن اللاهوت بلا عودة, ليصبح حقيقة زمنية وواقع معاش يعيشها الناسوت منفرداً وحيداً, وهذا يلغى تماماً إيماننا بالإله المتجسد!!!
ليرث الناسوت وهو الجانب الأضعف الموت بالزمن, فيسقط الإتحاد الأقنومى كاملاً, بوجود هذا الخلاص الزمنى المتدرج لجسد المسيح, من الضعفات والفساد المزعوم, بزمنية الناسوت, لأن تواجد الزمن فعالاً فى الإتحاد الأقنومى يسقطه, ليهلك جسد المسيح بالزمن اى بالموت, لأن الزمن هو هلاكنا الحقيقى. لذلك فأنتصار المسيح يسوع المتجسد على الزمن قد حدث دفعة واحدة, منذ حدوث الأتحاد الأقنومى منذ لبنته الأولى, بلا أى فواصل زمنية, لان الأتحاد الأقنومى فى المسيح قد أسقط الزمن الفعال بلا أدنى شك, وكنيستنا الملهمة بالروح تعبر عنه ببساطة, بل تحتفل بسقوط الزمن والموت هكذا (ليس هو موتً لعبيدك بل هو أنتقال), وإلا سقط الإتحاد الإقنومى برمته. إذن لا زمن فعال فى الإتحاد الأقنومى, لأن عدم استطاعت الزمن الفعال المهيمن المسيطر بالتواجد فى يسوع المسيح المتجسد, يشكل الأنتصار الحقيقى لكل البشر على الموت.
وسألنى سائل ذات مرة ما المشكلة إن أعتقدنا بان المسيح حينما اتخذ له جسداً من طبيعتنا, غيّرَ ما فيه من ضعف وفساد على مراحل زمنية متفاوتة, حتى الصعود والجلوس عن يمين الله الآب؟
الأجابة ببساطة وبكل وضوح من عند القديس كيرلس السكندرى هكذا:
إن أى طبيعة تسقط تحت وطئة الضعف والفساد, لا يمكنها بان تعود وترتفع مرة أخرى فوقه, وهذا هو السبب فى فشل الأنسان فى ان يخلص نفسه, ولا حتى الملائكة استطاعت ذلك, الأبن وحيد الجنس لأبيه هو الوحيد القادر على ذلك, لانه الوحيد القادر على التجسد, ليتخذ لنفسه جسداً , من طبيعة زمنية فاسدة ميته ضعيفة, دون أن يسقط هو تحت سلطانها, ولا حتى للحظة واحدة, وهكذا أستطاع خلاصنا, فالموت والزمن لم يستطعا ان يمسكا به منذ اللحظة الاولى للإتحاد, ولو كان استطاعا الموت والزمن ان يمسكا به ولو للحظة واحدة فقط, لسقط تجسد الأبن ذاته, ولأصبحت قدرته كوحيد الجنس فى أدراج الرياح, لينتفى خلاصنا, لنسعد ونهنأ ونهلك بسجننا فى الزمان إلى الأبد, لننصّب من ألهة المصريين القدماء رع وأوزوريس وإيزيس وحورس أسياداً للعالم, وخالقين ومخلصين للبشر.
وكم كنت اتمنى ان يهبنى وقت القارئ مساحة زمنية ارحب, حتى اتمكن من التعليق على أقوال أخرى للقديس كيرلس فى هذا الشأن, إلا اننى قد آثرتُ التخفيف والتقصير, مرجئاً ذلك لفطنة القارئ, ولدفقات أخرى.
إلا أننى أرغب هنا ان أوكد ـ فى عجلة من أمرى ـ بان ما حدث فى جسد المسيح من تغيير وأنتصار قد حدث منذ اللحظة الأولى لإتحاد اللاهوت بالناسوت, ولم ينتظر حتى الصليب والقيامة, لأن كل تلك الأحداث الخلاصية الأستعلانية, التى حدثت فى الزمان, هى من أجل خلاصنا نحن البشر, والتى نقلت تلك المفاعيل من الله الآب الذى لا يملك ساعة زمنية, الينا نحن المقبوض علينا من الزمان!
متذكرين بان المسيح لم يكن محتاجاُ للصليب ولا للقيامة, بل نحن الذين كنا فى مسيس الإحتياج لهما, لنخلص من الموت والفساد والضعف, رافعين على أعناقنا عالياً شعار القديس كيرلس الهام, الذى قد أرتضاه عنواناً وقانوناً لفهم التجسد الإلهى هكذا:
( الطبيعة التي خضعت للفساد لا يمكن أن ترتفع إلى عدم الفساد، إلاَّ بنزول الطبيعة التي تعلو على كل أنواع الفساد والتغير.) (تفسير يوحنا ك 11 فصل 1)
وبهذه المقولة الرائعة, التى لا تشرح حالتنا فقط كبشر فاسدين, بل تشير ايضاً ببلاغة سرية مدهشة, بانه لا يمكن ان يخضع جسد المسيح للضعف والفساد ولو للحظة واحدة, وإلا عجز عن خلاصنا, والأرتفاع بنا إلى حالة عدم الفساد, إن سقط هو تحت وطئة الفساد والضعف.
بالطبع هناك العديد من الأسئلة فى هذا المضمار, والتى يجب الأجابة عليها, إلا أننا قد تخيرنا أسلوب, سِنه سِنه وحَبه حَبه …., لنضمن استيعاباً حسناً, لدقة وحساسية الموضوع.
يتبع