لم نفاجئ بما نُشر -عن تعيين ثلاثة أساتذة حاصلين على درجة الدكتوراه في اللاهوت في الكلية الإكليريكية -باسم “مسيحيو مصر“، وإن كان الاسم نفسه يستدعى في ذهن القارئ أن الخطاب باسم المسحيين المصريين جميعاً، وهذا غير صحيح، بل ينطوي على خدعة إعلامية، ويؤكد أننا لازلنا نعوم في خضم المستنقع الذي تعلمناه من الفضائيات ومن صحافة ليس لها هدف إلا تضليل القارئ ومحاصرة دور العقل في معرفة الحق. فالخبر الذي نُشر يتضمن ذات الصورة السياسية التى انتهجها حزب الحرية والعدالة والأحزاب الاخرى التي كان لها دور تخريبي في الحياة السياسية المصرية، وذلك من واقع المفرادات واسلوب الإثارة الذي استُخدم في الهجوم على الدارسين والمتخصصين. ولعل القارئ قد لاحظ الاستخدام السياسى لكلمة “مفاصل” في عبارة: “البابا يسلم مفاصل التعليم للمخالفين للكنيسة”، فالكلمة سبق استخدامها في الصراع الدائر بين الحركة الوطنية وجماعة الأخوان المسلمين في الخطاب السياسى الذي تضمن السيطرة علي مفاصل الدولة المصرية. في حين أنه ليس للكنيسة “مفاصل” للتعليم لأسباب لاهوتية يجهلها كاتب هذه المقولة، تتلخص في أن الكنيسة “حياة شركة” لكل المؤمنين وأن هذه الشركة ليس فيها زعامات ولا قيادات؛ لأنها تخضع أولاً لعمل الروح القدس في كل المؤمنين، وتظهر في التسليم الكنسى الذي دُون في كتابات الآباء ومُعلن في الليتوجيا وله الأساس الإلهي في الكتاب المقدس نفسه. ولعل من الملاحظ أيضاً أن الدكتور سعيد حكيم والدكتور جورج عوض والدكتور جوزيف فلتس وهم ثلاثة من المتخصصين لم تصدر ضدهم أحكام كنسية وليس لدى المجمع وثيقة واحدة تؤكد خروج هولاء على الإيمان الأرثوذكسى.
نحن نريد أن نتجاوز العقل السياسى القديم الذي يُقسِّم إلي أحزاب وشيع، فهذا مرفوض تماماً في الكنيسة، فليس للقمص متى المسكين أو الدكتور نصحى عبد الشهيد أتباع، ولم يحدث طوال نصف قرن -حسب ما ذُكر في بيان “مسيحيو مصر“- أن وُجهت لهم تهمة عقائدية واحدة، والاتهام العام بأن هؤلاء مخالفين للتعليم هو اتهام كاذب، ودليل الكذب هو عمومية الاتهام الذي يخلو من تحديد تهمة واحدة، ولم يكن لبيت التكريس طوال عصر قداسة البابا كيرلس السادس – الذي اعترض الأنبا بيشوي في اجتماع المجمع المقدس الأخير علي إعلان قداسته – أية مشكلة تعليمية، ولذلك، الزج باسم قداسة البابا كيرلس السادس هو زجٌ حقير لا يليق ، كما لم يجرؤ قداسة البابا شنودة الثالث على مواجهة عقائدية مع الدكتور نصحى عبد الشهيد، بل كان يستقبله ويستلم منه نسخ الترجمات العربية عن اليونانية لآباء الكنيسة بترحابٍ.
لقد مضى عهد “الكُتّاب” وتدريس اللذين ليس لهم إلا شهادة الأمية، ولا يمكن وصفهم بأكثر من أنهم اساتذة الفلكلور والتعليم الشعبى العام، ويكفى أن نذكر في هذا المجال أن كُتيب عقيدة الفداء والكفارة لنيافة الأنبا بيشوي حظي باسم الدكتور جوزيف فلتس تأكيداً على أستاذية الدكتور جوزيف، وأن الأنبا بيشوي يختفى وراء دارس متخصص لكى يحظى الكتاب بالانتشار والقبول.
إننا نهنئ قداسة البابا تواضروس الثاني على هذا الاختيار، وعلى دخول الأكليريكية عصر التخصص والابتعاد عن الذين اخذوا الارثوذكسية (من بيوتهم) وأن أساتذة الأمية الأرثوذكسية لم يعد لهم مكان في الحياة الكنسية خلاف ما اعتادوا عليه من شوشرة وإثارة مشاعر السذج وضعاف العقول وجمع الرعاع الذين يهتفون لهم بلا وعي، فنحن نريد أن نأخذ من منابع الآباء الصحيحة التي كانت ولا تزال قوة الحياة الارثوذكسية الصحيحة.
ونتمنى على كاتب هذا الخبر السيئ أن ينشر لنا قائمة موثقة بالدليل، وليس بطريقة الأنبا بيشوي، وهى الاتهامات العامة بلا دليل لكل الأخطاء اللاهوتية للأب متى المسكين أو لبيت التكريس، ويكفي أن نذكر في هذا المجال أن خريج كلية الهندسة جامعة الأسكندرية لم يحصل على أي معرفة لاهوتية صحيحة وأنه تولى سكرتارية المجمع المقدس بسبب الولاء الشخصي دون أن يكون له تخصص في أي من العلوم الكنسية.
ومرة اخيرة تهنئة لقداسة البابا وتهنئة للكلية الاكليريكة وللكنسة القبطية أم الشهداء
الدكتور جورج حبيب بباوي
22 أكتوبر 2013