الإدعاء بأن الديانات الثلاثة تجليات لحقيقة واحدة، هو إدعاء عام يخلو من الدقة التاريخية. وقد انفرد د. زيدان مثل غيره بالكتابة في موضوعات لم يتخصص فيها وليس لديه شهادة جامعية تؤكد إلمامه بأسلوب البحث التاريخي الخاص بتاريخ المسيحية.
من الألفاظ العامة الموروثة عندنا كلمة “دين”، وهي الاسم العام الذي عرفناه من القرآن ومن الأدبيات الإسلامية. لم ترد كلمة “دين” في العبرانية الخاصة بالعهد القديم، ولا في اليونانية الخاصة بالعهد الجديد. وعندما تظهر كلمة “دين” في الترجمة العربية للعهد الجديد، فمن الواضح أن الترجمة العربية تأثرت بالثقافة العربية السائدة، وهذا في حد ذاته ليس عيباً ولا نقصاً، ولكن علينا أن نؤكد المعنى المسيحي الذي يجب أن يشرح المعنى السائد للكلمة. هذه هي نفس مشكلتنا مع كلمة “عبادة”، فهي ليست معروفة في العهد الجديد اليوناني أو القبطي ودخلت مع التعريب، ولا بأس من استخدام هذه الكلمات القرآنية مع مراجعة معانيها في إطار العلاقة الإنسانية الإلهية التي جاء بها المسيح يسوع، والتي أسسها هو على حياته الشخصية، وليس على كلمات أو تعليم ينقل بالكلام وحده، بل ينقل بالكلام وبالحياة التي يعرفها الروح القدس نفسه للمؤمنين.
التعريب السائد في المراجع العربية
كلمة عربية لا وجود لها في اليونانية أو القبطية وأصلها العربي “الديْن” كما نقول “دنت الرجل” أي أقرضته، فهو “مدين” ومديون.
ودانَ فلان يَدينُ دَيْناً: استقرض وصار عليه دَيْنٌ، فهو دائِنٌ.
ودانَهُ ديناً، أي أذلًّه واستعبده. يقال: دِنْتُهُ فدانَ.
دانه ديناً أي حازاه.
المدين: هو العبد، وعندما يقال: دَيَّنْتُهُ: مَلَّكْتُهُ.
الأصل هو الدال – الياء – النون، ولذلك حسب الصحاح في اللغة تعني الإنقياد والذل. فالدين الطاعة. يقال دان له يدين ديناً. إذ اصحب وانقاد وطاع.
ويؤكد ذات المعنى لسان العرب والقاموس المحيط.
الكلمة اليونانية في رسالة القديس يعقوب 1: 26 – 27
أولاً: كلمة دين θρησκος ومنها جاءت كلمة ديانة θρησκεια وردت الكلمة في الأصل اليوناني في أعمال 26: 5([1]) ويجب عدم الالتفات إلى الترجمة العربية – كما وردت في كولوسي 2: 18([2]) وتُرجمت إلى عبادة الملائكة، وهي ترجمة لا تؤدي إلى المعنى الدقيق؛ لأن هذه العبارة مبنية على الخوف، بينما الإيمان في المسيحية الأرثوذكسية مبنيٌ أولاً: على دعوة الله للإنسان في يسوع المسيح لكي يكون ابناً وليس عبداً تحت سلطان الخوف. وثانياً: الإيمان هو سكنى المسيح يسوع فينا “المسيح فيكم رجاء المجد” (كولوسي 1: 28)؛ لأن المسيح “يحل فينا بالايمان” (أف 3: 17) وثالثاً: الإيمان هو شركة “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته لكي أصل إلى قيامة الاموات” (فيلبي 3: 10 – 11).
وعلى هذا الأساس، نحن لسنا تحت دين وليس لنا ديون، ولكن إذا عدنا إلى الكلمة اليونانية في معناها الصحيح بعيداً عن الترجمة العربية، فهي تعني ترتيب الحياة حسب دعوة الله في يسوع المسيح، أي التشبُّه بالمسيح الذي يقود إلى الطهارة، أي التقديس.
وقد حرص المترجم القبطي على ترجمة الكلمة اليونانية في كولوسي 2: 18 إلى ousemsi nte niaggeloc خدمة الملائكة وليس “عبادة”.
وحرص المترجم القبطي أيضاً وعن فهم دقيق للأصل اليوناني لكلمات القديس يعقوب الرسول على أن يترجم كلمة “دين” إلى خدمة ourefsemsi pe أي من يظن أنه يخدم ولكن الخدمة النقية pisemsi عند الله الآب هي … الخ.
تُرى متى سنقرأ العهد الجديد بألفاظ مسيحية بعيدة عن روح القهر والاستبداد والذل والديون والخوف .. لا أمل إلاَّ في عودتنا إلى الترجمة القبطية، وهو أمل يجب أن يتولاه العلمانيون وحدهم مع عدم انتظار أي تشجيع أو معونة من أحد آخر.
([1]) “عَالِمِينَ بِي مِنَ الأَوَّلِ، إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا، أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا الأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيًّا”.
([2]) “لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ الْجِعَالَةَ، رَاغِبًا فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلاً فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ”.
2 تعليقان
شكراً يا دكتور جورج .. لقد طلبتها منَّك و ها انت قد استجبت.
الله ينور يا دكتور،،،كل مايكون عند الواحد سؤال أو عقدة يحاول يداريها يلاقى الإجابة عندك