التعليق على حكم الإدارية العليا

ماذا بعد التعنُّت؟

تحية صادقة لسيادة المستشار محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة المصري، وإن كان الجالسون للقضاء لا يُشكرون، لكن يجب أن نحتفي دائمًا بالأحكام التي تؤكد على احترام حق الإنسان في الدفاع عن نفسه أمام هيئة تطبق قواعد إجرائية تهدف للوصول إلى العدالة، فإذا انعدمت هذه الهيئة أو أصدرت أحكامًا دون أن يكون للمحكوم ضده الحق في محاكمة عادلة، دُمغت قراراتها بالبطلان المطلق، وذهبت هذه الأحكام أدراج الرياح.

“الحكم عنوان الحقيقة”، ذلك هو الفيصل بين أطراف النزاع، وبالتالي حقَّ على المطعون ضده الاعتراف بالخطأ وتصحيح الوضع الذي أدَّى إلى اللجوء للقضاء المدني، بعد أن انعدمت المحاكمات العادلة في الكنيسة.

أمام غياب هيئة كنسية تطبق قواعد العدالة، ماذا يفعل إنسانٌ ظُلِم وحُرم من حق الدفاع عن نفسه وأصبح أمام اتهامات وأحكام لا راد لها، سوى أن يلجأ إلى القضاء المدني علَّه يجد فيه ما غاب عمن هم أولى بإعمال الحق والعدل؟ ألا تشعرون بالخزي؟!

فمن يطالع حيثيات حكم الإدارية العليا المشار إليه، يجد أنه استند إلى إهدار الحريات العامة التي أقرها دستور الدولة المصرية، وإهدار حقٍّ أصيل من حقوق الإنسان، وهو إعطاءه فرصة الدفاع عن النفس.

تبقى قضية خطيرة، وهي صراخ الصغار بعدم إمكانية تنفيذ الحكم لأن الكنيسة لا تخضع للقانون العام في علاقتها بالمؤمنين فيما يخص مسائل الإيمان -وبالمناسبة، فهي ذات صرخة الجماعات التكفيرية التي لا تعترف بالقانون أو بالمحاكم الوطنية- ناسين أن المحكمة رفضت الطعن المقدم من الكنيسة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الطعن، وهو ما يعني أن الكنيسة أخذت فرصتها كاملة في استخدام ما عنَّ لها من دفوع أمام المحكمة، فكيف بعد أن تقف طرفًا في خصومة أمام القضاء، تمتنع عن تنفيذ الأحكام بحجة أن الأمر يتعلق بمسألة إيمانية بين الكنيسة ومؤمنيها؟ وحتى هذا الدفع لا يعفي قداسة البابا من الخضوع لنص قانون العقوبات الذي يعاقب من هو في حكم الموظف العام -وهو المركز القانوني لقداسة البابا- عند امتناعه عن تنفيذ الأحكام القضائية، لذلك أنا أدعو إلى إيجاد مخرج سريع من هذه المشكلة بدلا من دفن الرؤوس في الرمل، فنفاجئ بما لا تُحمد عقباه.

لماذا الإصرار على التعنت، وغلق الأبواب أمام إنسان يرى أنه ظُلم؟ لماذا ننتظر حتى تسوء العلاقة إلى حد التقاضي أمام المحاكم المدنية؟

لقد سبق حرمان د. عماد نزيه، ود. حنين عبد المسيح، ود. نظمي لوقا، وماكس ميشيل، وغيرهم كثيرين، وأُغلق أمام هؤلاء وغيرهم باب التقاضي لعدم وجود محكمة كنسية، أفلا نأخذ عبرةً من حكمٍ مثل هذا، فنصحح أوضاعنا ونعالج ما ظهر من شروخ رسمت الجسد الكنسي بما هو منه برئ؟

تلك سطورٌ أكتبها بحزن شديد.

دكتور/ جورج حبيب بباوي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة