أنوارٌ تُشرق لتضيء طريقنا

المعرفةُ هي طريق الشعوب والأفراد للتقدم، خصوصًا المعرفة التي تفتح أمام القلوب هبات وعطايا الثالوث القدوس في الابن وبالروح القدس. هذه المعرفة لا تقتلع فقط أشواك الجهل، ولكنها تدعم حياة من يشتاق أن يكتشف أعماق سر المسيح.

والمعرفة نهرٌ لا يمكن أن يتوقف، لأن العالم كله أصبح مترابطًا بواسطة شبكة المعلومات الدولية. والعصر الذي نعيش فيه هو عصر المعلومات، فهي التي تحرك الاقتصاد والجيوش والتجارة، بل هي التي تولد الثورات من رحمها.          أقول هذا بمناسبة صدور ترجمة عربية لدراسة نورمان راسل “عقيدة التأله في الأدب الآبائي” (في 460 صفحة)، وكان قد سبقها دراسة جيدة جدًا بعنوان “قصد الدهور”. وكلا المجلدين يعد صخرةً صلبة في بناء اللاهوت الأرثوذكسي. أتعشم أن يكون الكتابين معًا متاحان في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة في نهاية يناير 2020.

فتحيةً صادقةً لشباب وشابات أُم الشهداء الذين يعملون بطاقتهم الذاتية، وبقدراتهم المالية الضعيفة لنشر دراسات أرثوذكسية معروفة على مستوى العالم، تسهم في استعادة العقل القبطي المختَطف إلى غياهب العصر الوسيط الأوربي، ووضعه من جديد على الطريق الصحيح للأرثوذكسية.

وطريق التقدم يحتاج إلى دراساتٍ، أكثر من الاحتياج إلى تراجم لمؤلفات الآباء، والسبب الوحيد لهذا هو الفراغ الفكري الهائل الذي حوَّل الأرثوذكسية بدقة ما فيها من غنى إلى ثقافة شعبية لا أساس لها، ففقدت صلتها بعقائد الكنيسة وحياتها الليتورجية، كما دوِّنت في كتب أم الشهداء مثل الإبصلمودية وصلوات المعمودية والقداسات. الأمر الذي انعكس سلبًا في الترانيم المعاصرة، حيث فقدت هذه الترانيم صلتها بعقائد الكنيسة كعقيدة الثالوث على سبيل المثال.

ولكن عندما يعود الوعي المفقود سيولد جيلٌ جديد يكتب الشعر الإفرامي (على غرار مار إفرام) الذي نقل حلاوة الحياة الأرثوذكسية وعقائدها إلى ألحان وترانيم في صياغة شعرية فاخرة جيدة الإيقاع باللغة السريانية. وأذكر أن أستاذنا الجليل سباستيان بروك كان يقرأ مار إفرام واقفًا احترامًا للجمال.

أقول بكل ثقة إن اضطلاع جيل الشباب بنشر تلك الدراسات رغم الصعوبة التي يجدونها، ما كان يحدث لولا إدراكهم لحجم ما جرَّفه الجفاف والفراغ من الوعي القبطي بالأرثوذكسية، فأسرعوا إلى ما نُشِر من تراجم ودراسات أرثوذكسية وجدوا فيها أماني فكرهم وقلبهم، فنعم ما يفعلون.

ورغم ما ينتظرهم من طريق طويل، إلا أن السواعد والإيمان أقوى من الصعاب التي تواجه جيلاً اختار المعرفة طريقًا وتمكن منها.

أما مقاومة ما هو جديد، فهو ظاهرة كونية، لأن البشر هم ثمرة العادات، وثمرة البقاء غير المتطور، يزعجهم التقدم إلى الأمام لأنه يطرح عليهم الأسئلة التي تتناول مدى صحة ما ركنوا إلى صحته بغير فحص.

مرةً أخرى، تحيةً صادقةً لكل من كتب وترجم، لا سيما مجلد قصد الدهور، ومجلد عقيدة التأله. وأقول لهم لا ترتعبوا من صراخ المشاغبين لأن هجوم كتائب الشغب من وراء الميكروفونات أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا فرقعةً في الهواء سوف تمر دون أن يكون لها من أثر لأنها لا تقدم معرفة حقيقيةً، وليعلم هؤلاء أنهم سيطويهم الموت في مقاعدهم، دون أن يلقي لهم العالم بالا.

دكتور

جورج حبيب بباوي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة