يخوض الأنبا بيشوي معارك لا تدور إلَّا في خياله، ولذلك، يختلِق أعداء افتراضيين لا وجود لهم. ففي مقاله عن الحلول الأقنومي المنشور بمجلة الكرازة – 2 يناير 2015 يصطنع موقفاً لمن أسماهم (البعض)، لكي ينفيه، وكأننا فعلاً بصدد موقف حقيقي، في حين أنه وهمٌ من الوهم.
وهنا يبدو أنه لا زال لدينا طريقٌ طويل مع الذين درسوا اللاهوت دراسةً منزلية. فهؤلاء بلا شك هم أحد الهموم التي تثقل كاهل أم الشهداء، والذي قد يظل معنا إلى سنوات كثيرة.
مشكلة الأنبا بيشوي الأولى هي أن نيافته لم يدرس اللاهوت دراسة منتظمة في معهد لاهوتي معتبر، وبالرغم من ذلك يتجاسر على تقديم فتاوى يقصد منها بث الرعب، وخلق اتهامات باطلة؛ علها تصب في عقول الجهال من الرعاع، فلا يحصد منها إلَّا مُرُّ الثمار.
ففي هذا المقال يختلق المطران معركة لا وجود لها على أرض الواقع، حيث يقول:
“فلا الروح القدس تجسد ولا اتحد أقنومياً بالناسوت مثلما اتحد أقنوم الكلمة”.
في حين أن المطران لا يستطيع أن ينسب هذا القول لعاقل واحد قال هذا الكلام، حتى ينفيه، لذلك من الواضح أنه يختلق هذا الكلام، فقط لكي يفتح باب الاتهام!!
ومشكلة المطران الثانية هي أنه لا يكتفي باختلاق المعارك، ولكنه يصر على أن يتوهم أن هناك أعداء أسماهم بـ (البعض)، دون أن يُفصِح عنهم، فتجده يقول: “فإذا قال البعض إن الروح القدس قد حلَّ “حلولاً أقنومياً” على العذراء، فهو لا يقصد أنه اتحد بالناسوت “اتحاداً اقنومياً”، بل أن أقنوم الروح القدس له دوره في التجسد الإلهي … ولكنه هو نفسه لم يتجسد”.
هذا رائع يا نيافة المطران، ولكن هذه الهواجس لم يكتبها قبطي واحد طوال عصر أم الشهداء، فمن هم هؤلاء البعض الذين أنطقتهم هذا الكلام؟
ونظراً لأن الدراسة المنزلية لها تبعاتها، نجده بعد ذلك يقع أسيراً لتعليم أستاذه (الأنبا شنودة الثالث) عن الحلول المواهبي، وهذه هي كلماته هو: “أمَّا عن حلول الروح القدس في يوم الخمسين، فإننا نفضِّل أن نقول إنه “حلول مواهب” مع أن الذي حلَّ هو أقنوم الروح القدس بلا شك، إلَّا أننا لا نفضِّل أن نسميه حلولاً أقنومياً لئلا يتمادى أحد -كما يفعل البعض- ويعتبرونه اتحاداً “أقنومياً” وكأننا صرنا آلهة وكل منا هو الروح القدس”.
وهنا يبدو أن هاجس الأوطاخية ملأ قلب المطران وسيطر على عواطفه، مما دعاه إلى مغادرة واقع الأمور إلى توهمات لم تقم إلَّا في ذهنه هو، وإلَّا فليقل لنا:
1- مَن هم هؤلاء الذين يفضِّلون تعبير “حلول مواهب”؟ في حين أننا لم نسمع هذا التعبير إلَّا من حفنة من أساقفة الأنبا شنودة الثالث، أما الأساقفة الأرثوذكسيون، فإنهم عندما يصلُّون صلاة الساعة الثالثة من الأجبية، لا يفضِّلون طلب حلول مواهب، بل طلب حلول الروح القدس الملك السمائي، وهو هنا حتماً، الأقنوم.
2- ومَن هم هؤلاء الذين تمادوا واعتبروا هذا الحلول اتحاداً اقنومياً؟ فلتعلم نيافتكم أن الغمز واللمز في الأمور اللاهوتية هو عملٌ لا يليق إلَّا بمهذار أو مدعٍ أو جاهل. لذا عليك أن تذكر أسماء هؤلاء، وأن تقدم أدلة، وأن تقدم الرد عليها، أمَّا التمادي في أسلوب نشر سحب الضباب على التعليم، فهو هدمٌ صريح للأرثوذكسية.
3- وثمة مسألة أخطر بكثير. يقول المطران: “كما يفعل البعض ويعتبرونه اتحاداً أقنومياً، وكأننا صرنا آلهة، وكل منا هو الروح القدس”. فأن يقول كلٌّ منا “هو الروح القدس”، فهو ما لا يتصوره عقل، وإلَّا فليقل لنا نيافته صراحةً مَن ذا الذي قال عن نفسه إنه هو الروح القدس وتمادى إلى هذا الحد الجنوني؟ نحن نؤكد أن نيافته لن يمكنه أن يجيب على هذا السؤال؛ لأن هذا الادعاء محض خيالٍ جامح للمطران.
أما وإننا صرنا آلهة، فذلك هو تعبير الأسفار المقدسة في مزمور 82: 1 وهو ما ورد على لسان رب المجد يسوع المسيح نفسه (يوحنا 10: 34)، وعند الآباء، فإذا ما أنكره، فليس ذلك إلَّا لأنه يخاف من تعبير الكتاب المقدس نفسه؛ لأن هذا يحد من سلطانه المُدَّعى.
بقيت المشكلة الأكبر للرجل الثاني بعد قداسة البابا شنودة الثالث كما كان يطلق على نفسه هذا اللقب الأجوف الذي بلا معنى، ألا وهي أن يجد إجابات أرثوذكسية على هذه الأسئلة:
1- هل نحن لنا شركة في المواهب بدون الروح القدس نفسه، أي شركة مواهب بدون الأقنوم؟ أرجو أن يجيء ردك صريحاً بلا لف ولا دوران، ولن أضع أمامك ماذا تعني الشركة في المواهب بدون الأقنوم الثاني؟
2- هل شركتنا في الروح القدس هي شركة أبدية (2كو 13: 14)؟ وكيف يمكن مصالحة ذلك مع المواهب التي ليست كلها أبدية؟
3- وحيث أنك استندت إلى كلمات الرب في (يو 14: 16) عن مكوث الروح القدس معنا إلى الأبد، فهل يعطيك الروح القدس الأقنوم “الفاعل في الأسرار الكنسية” جسد ودم الأقنوم الثاني ربنا يسوع المسيح، أم يعطي لك مواهب؟ أليس هو الذي يحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه، وهو لذلك يعطي لنا الابن المتجسد، وذلك غير المواهب تماماً؟
بقى جانبٌ آخر، هو أخطر ما يمكن أن يُقال عن المسيحية، وهو إذا كان لنا اتحادٌ بالثالوث، أي اتحادٌ حقيقيٌّ، فهذا الاتحاد الحقيقي لا يمكن أن يكون بواسطة مواهب. أمَا وقد حلَّت المواهب في فكر الأنبا بيشوي محل الأقنوم، وهو ما جعله يفضِّل تعبير “الحلول المواهبي”، فليعلم أن ذلك تعليمٌ غريب، بل وشيطاني؛ لأن السؤال الذي يتوجب عليه أن يُجيب عنه: هل نعمة الحياة الأبدية هي حياة أخرى غير حياة الله نفسه “العظيم الأبدي”؟
هكذا إذن يعبث المطران، ويختلق عبارات جوفاء ويلف ويدور ويدَّعي على (البعض) ما لم يقولوه، وليس ذلك إلَّا تعبيراً عن هواجس هراطقة: أولها هرطقة أوطاخي الذي تخيل أن اللاهوت أذاب الناسوت مثل قطرة عسل في بحر من الماء، وثانيها خيال كل الأريوسيين الذين قدموا مدرسة انفصال الثالوث عن المؤمنين باعتبار أن حلول الثالوث فينا غير جائز، ولذلك جاءت الأريوسية الجديدة لتقول إنها تفضِّل الحلول المواهبي، دون مرجعية لهذا التفصيل!!!
على أن ما يُحمَدُ للمطران في هذا المقال هو تراجعه عن استخدام اسم “روح قدس” إلى “الروح القدس”([1])، فهذا تراجعٌ جيد، بل ومطلوب ولكنه لم يستطع أن يتخلص من شبح الأوطاخية القابع في وعيه، ولذلك يُصِر على بث الرعب في قلوب المؤمنين بتحولهم إلى آلهة، إذا استخدموا هذا التعبير أو ذاك. هذا الشبح يمنعه هو نفسه من أن يستوعب أن ناسوت الرب نفسه لم يتحول إلى لاهوت، فكيف يحدث للمؤمنين ما لم يحدث في جسد الرب نفسه؟
ولكن، حسب الترتيب الكنسي:
– الروح القدس حلَّ على البتول؛ لكي يكوِّن جسد الرب.
– الروح القدس حلَّ على الابن المتجسد؛ لكي ننال مسحةً فيه.
– الروح القدس حلَّ في يوم العنصرة؛ لكي ننال مواهب الخدمة، ولكي تُبني الكنيسة.
– الروح القدس يحلُّ على مياه المعمودية؛ لكي نولد من الماء والروح.
– الروح القدس يعطى في مسحة الميرون؛ لكي نصير هيكل الله، ويسكن فينا الثالوث، ولذلك كلمة الرب يسوع في (يوحنا 14: 16) تعني سكنى الثالوث القدوس فينا إلى الأبد.
وبالتالي ليس كل حلولٍ للروح القدس هو لمواهب، لأن الحلول على الخبز والخمر هو لاستعلان جسد الرب ودمه بعد أن يتحول الخبز والخمر.
وبعد:
– هل يتحد الروح القدس بنا؟ نعم، إلى الأبد؛ لأن المواهب ليست أبدية.
– هل نتحول نحن إلى الروح القدس؟ بكل تأكيد لا؛ لأن الأسفار المقدسة والآباء والصلوات لم تقل لنا مطلقاً إن الروح القدس إذا سكن فينا، نفقد طبعنا الإنساني، أو أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في الرب الواحد يسوع المسيح جعل الابن المتجسد يفقد إنسانيته. ولكن أوطاخية المطران تقف حجر عثرة يمنعه من قبول التعليم بسكنى الروح القدس. ليرحمه الرب ويرحم شعب الكنيسة.
ملحوظة هامة:
مقالات الأنبا بيشوي عن إيفاء العدل الإلهي، والموت النيابي، وأخيراً الحلول الأقنومي هي فضائح عقائدية، لا يجب أن تسهم مجلة الكرازة في نشرها.
د. جورج حبيب بباوي
([1]) راجع بحثنا بعنوان: أقنومية الروح القدس بين الإنكار وفساد الاستدلال، منشور على موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية، وتحت الطبع.
3 تعليقات
البابا شنودة هو الذي قال ان الوحيدة التي حل عليها الروح القدس اقنوميا هي العذراء مريم .. و ذلك في كتاب الروح القدس
ولا نقول باتحاد أقنومي بين أي إنسان والروح القدس، لأن هذا معناه اتحاد باللاهوت، وتصبح لهذا الإنسان صفات لاهوتية، ويمكنه أن يعمل العمل الذي لا يمكن أن يعمله إلا الله وحده أقنومًا بروح الله.
على أننا نستطيع أن نقول إن الروح القدس حل حلولًا أقنوميًا مؤقتًا على السيدة العذراء إلهي مزدوج.
أ ليصنع من أحشائها جسدًا للسيد المسيح، ولذلك قيل عن السيد المسيح، ولذلك قيل عن السيد المسيح “الذي من الروح القدس ومن مريم العذراء تجسد وتأنس”.
ب وأيضًا لتقديس مستودعها، حتى أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية الجدية ، فيمكنه كقدوس أن يتمم عملية الفداء، إذ يموت عن عن خطية غيره... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وهكذا قال: الملاك المبشر للسيدة العذراء “الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضًا القدوس منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).
والروح القدس بعد أن كون ناسوتًا من أحشاء العذراء، اتحد أقنوم الابن بهذا الناسوت اتحادًا أقنومًا، منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس.
لا اعتقد ان من يحل عليه الروح القدس “أقنومياً” يصبح إلهاً مستوجب السجود والعبادة وإلا لكنا عبدنا السيدة العذراء وهذا ما لا نفعله فحاشا أن نعبد غير الإله الواحد في الجوهر المثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس).
نعم مكانة أم النور عندنا عظيمة ولا يستطيع انسان أن يبلغ هذه المكانة العظيمة (الثيئوتوكوس) التي فاقت الشاروبيم ولكن لا يجروء احد ويدعي أنها إله لها نفس الطبيعة الإلهية, وهذا في حد ذاته اكبر دليل نفي على مقولة أن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر يغير من طبيعتهم ويكسبهم الجوهر الإلهي.
احب ان ارد على الاستاذ بيشوى:
اولا لا يصح نهائيا ان نعتبر ان الروح القدس اتى (خوفا من الخطية الجدية او حتى لا يرث المسيح الخطية ) لان هذا تعليم خاطئ تماما ولا يصح ان يقال فى الكنيسة الارثوذكسية نهائيا
من الذى يعلم ويقول ان الروح القدس فينا يفقدنا طبيعتنا الانسانية ويعطينا الطبيعة الالهية هذا ليس صحيح ومخالف للتعاليم الابائية الارثوذكسية راجع (1كو 16:3) و(يو 14 و15 و16 )وسوف ترى الحق بنفسك وتعلم تعاليم صحيحه عن الروح القدس الساكن فينا