بتاريخ 15 إبريل 2019 نُشِر مُلصق على أحدى صفحات الفيسبوك يحتوي على فقرة قصيرة منسوبة للقمص أنجيلوس جرجس بعنوان: “بدعة تأليه الإنسان هي الوجه الآخر لبدعة أريوس”، وعلل ذلك بقوله على لسان آريوس: “لأن الابن مشابه للآب وليس من جوهره، فهو يحمل صفات لاهوتية ولكن ليس من جوهر الآب …”.
وما نلاحظه أولاً أن هذه العبارة أهملت أهم تجاديف الأريوسية، وهو أن “الابن مخلوق”، فالعنوان الكبير للهرطقة الأريوسية هو: “كان هناك زمانٌ لم يكن فيه الابن كائنًا”، ومن يُراجع المقال الأولى ضد الأريوسيين للقديس أثناسيوس الرسولي، يجد أهم ما ذكره الرسولي عن تجديف أريوس.
ثانيًا: بناءً على هذا التعليل استنتج الأب الموقر أن “تأليه الإنسان جعل الإنسان يحمل جوهر الابن”، وهي عبارةٌ لم يقل بها أحد، لا في زماننا ولا فيما سبق من أزمنة، وإن كان هجوم الأنبا شنودة الثالث على التعليم الرسولي بتأليه الإنسان، يقوم على ذات المغالطة، وهي أن الشركة في الطبيعة الإلهية تجعل الإنسان مساوياً لله في القدرة، وبلا خطية، وموجود في كل مكان، وهو أيضًا ما لم يقل به أحد. فقد كان هذا مجرد اعتراض منه وليس شرحاً للإيمان، ولكن ها قد صار الاعتراضُ عقيدةً تسببت في منع كتاب “أقوال مضيئة” بتحريض ومتابعة من نيافة الأنبا موسى، والمتنيح الأنبا بيشوي مطران دمياط السابق، ووصلت بنا إلى جيلٍ جديد يردد ذات الاعتراض دون تمحيص، جعله يضيف على ما سبق: “وتأليه الإنسان جعل الإنسان يحمل جوهر الابن ولكن لا يساوي جوهر الآب، فجعل الإنسان يحمل صفات لاهوتية دون مساواته بالآب، وبذلك يصل الشيطان إلى نفس نتيجة بدعة أريوس”، دون أن يشرح لنا جناب الأب الموقر كيف أو ما معنى أن يحمل الإنسان جوهر الابن ولكن لا يساوي جوهر الآب؟ وكيف يحمل الإنسان صفات لاهوتية دون مساواته بالآب؟ الأمر الذي يعني أن الفقرة موضوع المقال، ليست إلا نتاج فكر يحلق في دائرة الخيال لا في مجال النعمة، والاستنتاج الفلسفي الذي لا علاقة له بواقع البشارة المفرحة.
ماذا غاب أثناء الشوشرة التي استمرت طوال 40 عاماً؟
أولاً: إضافةً إلى ما سبق أن نشرناه من العبارات التي وردت فيها نصًّا من كتابات القديس أثناسيوس كلمة تأليه ومعناها، نؤكد أن كلمة تأليه تعني:
1- القيامة من الأموات بمجد المسيح (فيلبي 3: 21)، والشرح الرسولي في (1 كور 15: 42 – 50)، والذي خُتِمَ بقول الرسول: “فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ” (15: 50). فالتأليه يعني تحول الإنسان إلى كائن سمائي على مثال المسيح، وبالذات على مثال تجسد الرب نفسه الذي “صار بكرًا بين إخوةٍ كثيرين”، دون أن نهمل أن الرسول سبق هذه العبارة بقوله: “مشابهين صورة ابنه” (رو 8: 29).
2- تحول الكيان الإنساني حسبما ذكر الرسول بولس إلى عدم فساد، وهو ليس من صفات اللحم والدم، فالقيامة هي بمجد الرب يسوع، بذات المجد الذي للرب “قبل خلق العالم” (يو 17: 5)، وها هي كلمات الرب نفسه:
“وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ……
وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ…..
وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداًكَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ…..
أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي”، هذه هي كلمات الرب في (يو 17: 10 – 24).
ثانيًا: في القيامة، هل نحيا حياةً إنسانيةً ترابيةً مثل الحياة على الأرض، كما كان رجاء قدامى المصريين، وهي الفكرة التي لا زالت موجودة عن جنة فيها كل أنواع الأكل والأشربة … إلخ، أم سنكون مثل المسيح الذي أعطانا فيه بنوةً أبدية (1 يو 3: 1 – 2)؟
التأله هو المصير الأبدي، فهل من أجل تجديد الهجوم على الأب متى المسكين، وتأكيد الحرم الكاذب الذي صدر ضدي من لجنة العقيدة في مجمع الكنيسة القبطية، تتجدد صياغات تكشف عن ضعفٍ في فهم التاريخ الكنسي؟
أعتقد أن دراسة أستاذنا نيافة الأنبا غريغوريوس عن الأريوسية ما زالت في المكتبات، ويتوجب العودة إليها.
أخيرًا: قبل النطق بكلمة بدعة واستخدامها، علينا بمراجعة التاريخ الكنسي، واستخدام صياغة دقيقة تشرح واقع النعمة، لا أن تجنح إلى فضاء الخيال والاستنتاج الرياضي، بل قارنين الروحيات بالروحيات كما قال معلمنا القديس بولس؛ لأنني لم أسمع ولم أقرأ طوال 50 عامًا عمن كتب أو قال إننا نصير مساوين لجوهر الله أو أن لنا ذات صفات الله، إلا ما ادعاه علينا المدعون مرددين ما ذكره المتنيح الأنبا شنودة الثالث.
أتمنى أن تصل هذه الكلمات إلى جناب الأب الموقر، وحق الرد مكفول.