سامي: إذن. مما سبق أنت ترى أن عدم الإيمان بالثالوث، أي بالأقانيم، هو إيمان بالله المجهول.
جورج: هذا قريبٌ جداً من الواقع الإنساني. كل وصف لأي أمر من الأمور لا يعطي شركة؛ يصبح الوصف عقيماً. على سبيل المثال، لو قلنا إن الله “رحيمٌ”، دون أن يكون لدينا تعليم عن عطاء الرحمة الإلهية، ولا تأكيد على أن الرحمة عندنا نحن البشر هي شركة في رحمة الله. هذا ما قاله معلِّم الحياة: “كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي هو رحيم”، “كونوا كاملين كما أن أباكم السمائي كامل”. يمكنك أن تصف الله بما تشاء، ولكن إذا لم يكن هذا الوصف له علاقة يجسِّدها، فإن هذا الوصف يُبقِ الله مجهولاً وغامضاً، ويترك الإيمان بالله لمجال اللاوعي.
سامي: حسناً. إذن، الآب والابن والروح القدس، هي وصفٌ لإله واحد. ولكن أنت لم تذكر لي كيف يبني علاقة خاصة بيننا وبين الثالوث؟
جورج: سؤال جيد. هذه العلاقة -يا أخي الكريم- ليست علاقة لفظية وكلامية مبنية على حوار وصداقة حوار، بل هي علاقة كيانية مبنية على تناغم بين كيان الإنسان والكيان الإلهي.
سامي: اشرح – من فضلك.
جورج: الإنسان له كيان خُلق أصلاً للشركة، ليس بالولادة والزواج، بل لأنه ينمو ويتطور بما يأخذ ويعطي. حركة الأخذ والعطاء هي حركة النمو الإنساني. هكذا علَّمنا الثالوث أن الابن يأخذ كيانه من الآب لكي يقدِّم له الخليقة، والروح يأخذ حياة الابن المتجسد ويقدمها لنا لكي نعود نحن به وفيه للآب وبالابن. من هذا نتعلم.
سامي: أرجو المزيد من الإيضاح.
جورج: نحن ننال عطية التبني. هذه ليست كلمة. بل هي اتحادنا نحن المخلوقين من العدم أبناء اللحم والدم لنكون فعلاً وكيانياً أبناء الله خالدين وأحياء حسب الحياة الإلهية. لذلك يتجسد الابن لكي نرى فيه البنوة، ولكن بعد أن نرى البنوة يبيد الابن موانع التبني: الخطية والموت والاغتراب والجهل عن الله. وهنا يوحِّدنا الابن به بعد أن أخذ كياننا الانساني واتحد به، وبذلك ينقلنا إلى حياته الإلهية، فاتحاً لنا ذات العلاقة الخاصة التي له مع الآب. ولاحظ أننا نحن كبشر، لدينا هذا الحِس؛ لأننا نولد ونتزوج، وعندما نولد ونتزوج وننجب، يشاركنا الأبناء الحياة التي لنا، فنصبح نحن آباء بعد أن كنا أبناء، وهكذا ينمو فينا “حِس الأخذ” من “الوالدين” إلى “حس الأخذ” من الثالوث. وبعد أن يعطي لنا الابن شركة في علاقته مع الآب، يعطي لنا الابنُ الروحَ عطية الآب، وهو عطية قبولنا في الشركة، ولذلك قيل لنا إن الروح القدس هو “روح الابن”، أو “روح التبني”؛ لأننا عندما نأخذ الروح القدس عطية الآب لنا في الابن، فإننا نكون قد دخلنا شركة كيانية حقيقة في كيان وحقيقة الثالوث.
سامي: الروح القدس دوره غامض بعض الشيء. هل توافقني؟
جورج: لا. ولكن الغموض له سبب واحد، وهو ندرة التعليم عن الروح القدس.
سامي: إذن، ماذا يمكن أن تقول لأن الآب والابن يعطي التبني، هذا سهل، لكن ما هو دور الروح القدس سوى أنه -كما ذكرت سابقاً- يكمِّل “دائرة المحبة الإلهية؛ إذ لا يقف غريباً أو بعيداً”.
جورج: الروح القدس هو الذي خلق ناسوت الابن، ثم مسحه في الأردن، ثم خدم معه في خدمته قبل الصلب، وصُلِبَ الابن يسوع الممسوح بالروح؛ لأن الابن الكاهن العظيم قدم جسده ودمه الذي خلقه الروح القدس على الصليب للموت لكي يبيد الموت، ولذلك أقامه الروح القدس في اليوم الثالث. وحتى لا نعود إلى أسر الشريعة وعبودية الحرف، كل تدبير الابن يوزِّعه علينا الروح القدس، فهو خادم الخلاص لأنه “الرب المحيي”. فنحن لا ندرس قصة ولا نسمع خبراً، بل ننال البنوة فعلاً لا قولاً فقط، وننال هذه العطية من الآب ذاته في الابن بالروح القدس. وقولنا بالروح القدس هو الذي يرفع الإدراك إلى الجانب السمائي ويثير الحس. ترى هل أجبت عليك؟
سامي: في الوقت الحاضر نعم.