أريد أن أحذِّر الأخوة من التعليم الذي شاع في كورة مصر، والذي يعتبر القيامة مثل الموت، أي تعاقُب الحياةُ بعد الموت. هذا التعليم القديم الذي عرفته الوثنية وديانات الأُمم السابقة، لا تملك عليه أي دليل؛ لأن الموت لا يعطي لأي مخلوق – مهما كانت قدراته – أن يعود إلى الحياة مرةً أخرى. وحتى الذين قاموا من الأموات في العهد القديم، ماتوا بعد ذلك. أمَّا الدليل الباهر على القيامة، فهو قيامة الرب والمخلِّص بقوة حياة لا تزول.
حول موت الرب المحيي على الصليب المكرم
التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- موت المسيح على الصليب
كتِبت هذه الدراسة لكل من يفضلون الشهادة الحسنة على الصمت، وإلى كل ُأسقف وقس وعلماني…
- معاني رشم الصليب في الحياة الروحية وطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
وهكذا بسبب انتصار المسيح في معركته على الصليب ينتقل هذا الانتصار للإنسان الساقط، ويُوهَب له…
- الإفخارستيا والشفاء
في المقال السابق عرضنا بشكلٍ عام، كيف رقد في الرب عمالقةٌ عِشنا معهم وعرفناهم؛ البابا…
8 تعليقات
سلام المسيح،
هو مين صفرونيوس ؟!
وفين مصدر أو مراجع رسائله؟
وبأي لغات موجودة؟
سألت هذا السؤال لأحد أساتذة مركز الآباء، قال لي غالباً دة اسم صوري بيكتب د. جورج تحت مظلته!!
والسلام والنعمة
أخ بيتر قد يكون كلامك صحيحا خاصة وأن المعلومات المتوفرة للقديس صفرونيوس ضئيلة جداً ولكن (منطقيا) هل الدكتور جورج بباوي بفكره وبحجمه اللاهوتي الأكاديمي في حاجة إلى التخفي وراء أسم صورى؟؟
ما الفائدة التي ستعود عليه من هذا الفعل وهو يقول كل شيء بدون حرج ولا يخشى أحدا؟؟ وإن كانت إنتاج القديس صفرونيوس إنتاجا لاهوتيا مميزا، فلماذا لا ينسبه الدكتور إلى نفسه ؟ وتخلص الحكاية؟؟
نعلم أن هناك بعض الكُتاب في العالم وعلى مر التاريخ كانوا يكتبون إنتاجهم الأدبي من خلال شخصيات وهمية حتى يستطيعوا أن يتخفوا من بطش الحكام أو من هياج الشعب عليهم. ولكن في حالة الدكتور جورج ما الضرر الذي يخاف منه ليتخفى وراء أسم وهمي ؟!
أعتقد أن من السهل على الدكتور أن يظهر هذه المؤلفات وينسبها بأسمه خاصة وأن المعلومات على هذا القديس ضئيلة جدا. فلماذا يلجأ لمثل هذه الحيلة؟
حضرتك لم تجب على أسئلتي بشأن صفرونيوس؟!
د. جورج على العين والرأس وهو حر يفعل ما يشاء،
وسؤالي موجّه إلى رجل أكاديمي وأطالب برد علمي بشأن صفرونيوس
والسلام والنعمة
أخي العزيز Perter
لم أتكلم أبدا نيابة عن الدكتور، ولك الحق أن تسأل بالطبع وأنا ورائك أتمنى أن أجد إجابات عن أشياء كثيرة، ليس فقط في الدين وإنما في الحياة عموما وأن تكون الحقيقة دائما صوب أعيننا. لكن يا سيدي العلم لم يقدم دائما إجابات شافية بل دائما ردود العلم دائما دائما ما تثير أسئلة أخرى.
لكن يا سيدي، أليس “المنطق العقلي” و “الفرضيات” و “الإستنتاجات” هي أيضا من الأمور الأكاديمية العلمية التي يجب أن تكون هي الأخرى صوب أعيننا.؟!
قد أستغنى عن معرفة كاتب رسائل صفرونيوس لكني لن أهمل أبدا المعاني التي بها، تلك التي يجب أن أعيش بها. لأن معرفتنا ليس معرفة أرضية “أكاديمية” بل هي سمائية روحية في الأساس.
إن وجد رد أكاديمي، خير وبركة، لكن إن لم يوجد فهل نستغنى عن تلك الرسائل والكتابات؟!
أظن أن هناك مقدمة عن القديس صقفرونيوس ومن هو في إحدى منشورات الموقع، لذا أطلب من القائمني على الموقع الرد بخصوص هذا الموضوع وأن يوضع لينك دائم عن من هو القديس صفرونيوس لنرجع إليه كلما سوئل هذا السؤال.
سلام ونعمة
حتمية الصليب
مانقصده بمفهوم الحتمية يختلف تماما عن ذلك الفكر الذي كان نتاجا للاهوت العصر الوسيط ، المتغرب عن الأصول الآبائية – والذي يجعل من الصليب فكرة نظرية فلسفية – فقد أصبح الصليب – وفقا لهذا الفكر- حدثا حتميا يحدث فيه التصالح والوفاق – وانهاء الصراع – بين عدل الله ورحمته ، بخصوص سقوط الإنسان ، وبالتالي تتم المغفرة ويتم الصفح عن الإنسان ويتم خلاصه من حكم الموت . هكذا أصبح الرب يسوع ، الكلمة المتجسد – وفقا لهذا الفكر – بديلا عقابيا عن الإنسان .
ولكن لحتمية موت الصليب مضمونا واقعيا عمليا ، يتعاطى مع الوجود البشري الخاضع لحتمية الموت ، محررا إياه بالقيامة المعطاة له بفضل التجسد . وهنا تتجلى العبارة الخالدة ” بالموت داس الموت ” أي بحتمية موته تحررنا من حتمية موتنا . فبالتجسد صار الرب حاملا لحتمية موتنا الطبيعي ، في عتيقه الظاهر ، وبإعلان قيامته أظهر حرية ومجد الحياة التي لجديده الذي كان مستترا خلف الحجاب العتيق .
ومن هنا يبرز موت الصليب كرباط مفصلي بين التجسد والنعمة . ومن أجل كشف المفهوم العميق للصليب فقد بات علينا أن نفهم الصليب من خلال علاقتين : علاقة الصليب بالتجسد و علاقة الصليب بالنعمة .
1- حتمية الصليب كضرورة لإعلان النصرة على الموت ( علاقة الصليب بالتجسد )
موت الصليب هو اختبار التحدي ( challange test ) الذي اجتازه الرب يسوع التاريخي الكلمة المتجسد . فما كان له أن يعلن نصرته الأبدية على الموت لحساب البشر إلا إذا اجناز موتهم الطبيعي مظهرا الطبيعة البشرية الجديدة المنتصرة على الموت وعلى الألم ، بالقيامة .
فمنذ أن حل الكلمة في البشر ومع أول لحظة للتجسد ، في رحم العذراء ، ظهر في الكون أول كيان بشري له عدم الموت ، ظهر باكورة الأحياء من البشر . ولكن ظل الكلمة المتجسد حاملا رداءنا العتيق واجتاز فيه رحلته على الأرض بدءا من ميلاده وحتى موت الصليب . وعلى الصليب أسلم الرب عتيقه الذي هو طبيعتنا الفاسدة إلى مصيره الطبيعي . ولكن الفرق بينه وبيننا هو أن ذلك المصير لم يكن نقطة النهاية في تاريخ الكلمة المتجسد ، بل على العكس كان نقطة بداية لإعلان الحياة الجديدة عديمة الفساد بعد أن لم يستطع الموت الطبيعي أن يأخذ من يسوع غير عتيقه الظاهر ، والأمر الأكثر عجبا هو أن موت الصليب كان الأداة التي كشف بواسطتها عن الجديد القائم والمنتصر على الموت ، إذ أصبحت أداة الموت ، أداة لكشف الحياة بشق الحجاب الذي كان يسترها .
ولكن ، لماذا موت الصليب تحديدا ؟ هل كان من الممكن أن يموت يسوع بأي وسيلة أخرى ، أم أن موت الصليب حتمية لا مفرمنها ؟
وللإجابة نقول : بالطبع كانت وسيلة الصلب هي أعظم صورة لإعلان النصرة على الموت . فقد كان الصليب هو أفضل اختبار للتحدي ؛ فهو ليس مجرد وسيلة للموت بل وسيلة للتشهير ، وسيلة للفضيحة والعار واللعنة كما هو مكتوب ” ملعون كل من علق على خشبة ” ومن هنا لنا أن نتخيل قيمة الصليب كإعلان للنصرة حينما يتحول العار والفضيحة إلى دحر للموت وانتصار عليه ، والأكثر من ذلك يتحول العار والتشهير إلى نصيب الشيطان ” إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارا ، ظافرا بهم فيه ” ( كو 2 : 15 ) .
ولكن لموت الصليب بعد آخر يتجاوز مشهد يوم الجمعة العظيمة المأساوي ،كاختبار لتحدي الموت فلم يكن مشهد الصلب إلا قمة جبل الجليد بالنسبة للمفهوم العميق لموت الصليب ، فقد كان الصليب واقعا متلازما ومتزامنا لحدث التجسد بكامله وليس لمشهد الصلبوت فقط .
فإذا كان صلب الرب هو تثبيت جسده العتيق وتسميره ، وتسكين كل حركة له ، معلقا في الهواء ضد جاذبية الأرض ، فإن لهذا المشهد دلالة مستيكية تشير إلى ماهو كائن كحقيقة كيانية في جسد الكلمة المتأنس منذ أول لحظة لتجسده وحتى مشهد يوم الجمعة العظيمة .
فالكلمة بتجسده قد أظهر طبيعته الإنسانية الجديدة المنتصرة غير القابلة للموت بفضل الكلمة الحال فيها ، ولكنه – في تلازم وتزامن مطلقين ، مع ظهور الجديد – قد أظهر عتيقه – الذي هو طبيعتنا – مصلوبا ، مثبتة أهواؤه وشهواته ، خاضعة إرادته لإرادة شخص الكلمة اللابس الطبيعة الجديدة ولسان حاله دائما ” ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ” ( مت 26 : 39 ) .
كانت هوية شخص الرب يسوع التاريخي هي شخص الكلمة المتحد أقنوميا بالطبيعة الجديدة عديمة الفساد ، بينما ظل الرداء العتيق مصلوبا ، خاضعة إرادته لإرادة الجديد الكائن في الكلمة .
حمل شخص الرب الصليب وعاشه في كيانه طيلة زمن وجوده على الأرض . فقد حمل – وهو الجديد المنتصر – حجابا بيولوجيا ، عتيقا ، مصلوبا ، معلقا ، غير قادر أن يميل به للانجذاب نحو الأرض . حمل ذاك منذ أول لحظة لتجسده إلى أن اعتلى الجلجثة وهناك اجتاز فيه قمة مفهوم موت الصليب حينما أسلمه لكي يثبت معلقا حتى الموت ، ومتى خلعه كان له أن يعلن الجديد القائم والمنتصر ، الذي كان مستترا قبل مشهد الصلبوت .
2- حتمية الصليب كطريق للخلاص ( علاقة الصليب بالنعمة )
عندما ظهر الكلمة في طبيعتنا بالتجسد ، مظهرا طبيعة جسده الخاص عديم الموت ، ظهرت طبيعتنا مصلوبة فيه . وعندما نصطبغ بمعموديته ، نقبل أن نموت معه موت صليبه فنقبل في ذات الحدث أن نشترك في كيانه الجديد القائم المنتصر، ” أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته ، فدفنا معه بالمعمودية للموت ، حتى كما أقيم المسيح من الأموات ، بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة ؟ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضا بقيامته . عالمين هذا : أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية ، كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية . لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية . فإن كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن أننا سنحيا أيضا معه “. ( رو6 : 3-9 ) .
موت الصليب لم يكن ، فقط ، حدثا خاصا بالكلمة المتجسد ، بل هو بالدرجة الأولى طريق قد صنعه المصلوب لخلاص الذين ينضمون إليه ، لخلاص الذين هم للمسيح ، الذين ” قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات “.( غل 5 : 24 )
موت الصليب هو وسيلة الروح القدس الرب المحيي الذي بها يضم المؤمنين إلى مسيحهم فيحيون ، لأنه بواسطة قوة الروح القدس ، وبواسطة حضوره وبواسطة الشركة فيه ، تمات أعمال الجسد العتيق لحساب الحياة الجديدة عديمة الفساد ” لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون … الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله . فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ، ورثة الله ووارثون مع المسيح . فإن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه ” . ( رو 8 : 13- 17 )
موت الصليب هو الموت الإستثماري ( إن جاز التعبير ) ، فنحن لاننتحر بموتنا مع المسيح ، بل نسلم أنفسنا لحدث النعمة العجيب الذي فيه ينشأ كياننا الجديد على أنقاض خيمة طبيعتنا العتيقة فنحن ” لا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها ، لكي يبتلع المائت من الحياة ” .( 2كو 5 : 4 ) . فليست شركة موت صليب المسيح حدثا سلبيا بل هي كشف للحدث النعموي الإيجابي الموازي ، حدث ظهور الكيان الإنساني الجديد عديم الموت ، فالجديد يشير إلى ذاك الذي عتق آخرا ، والذي صار عتيقا هو الذي أبطل ، هو الذي صلب حتى الموت ، هو البذرة التي دفنت وجاز فيها طقس الموت ولكن حياة النبتة الجديدة قد ظهرت وترعرعت بفضل دفن البذرة العتيقة ، الأمرالذي كان بمثابة حدث استثمارها ، هذا هو موت الصليب المحيي ، طريق الخلاص .
خلاصة
موت الصليب ، حتمية عاشها الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ، إذ حمل في كيانه طبيعتنا الخاضعة لضرورة وحتمية الموت ، وهي إذ قد صارت فيه فلم تكن إلا حجابا مصلوبا خاضعا بإرادته لإرادة شخص الكلمة الظاهر في الإنسانية الجديدة المتحررة من أي ضرورة أو حتمية ، وعلى الجلجثة أسلم هذا الحجاب العتيق إلى موت الصليب فكان ذلك بمثابة حدث الكشف للكيان الجديد عديم الموت والذي لكي نقبل الشركة فيه ، كرأس لنا ، لابد لنا ان نحمل صليبه المحيي حتى الموت ، وإذ ذاك – وبفعل الروح القدس – نشترك في قيامته كأعضاء فيه .
To Peter:
http://www.qudsmedia.net/?articles=topic&topic=973
أحتفلت كنيسة الروم الأرثوذكس اليوم بعيد القديس صفرونيوس بطريرك القدس الذي عاش في القرن السابع للميلاد. وقد أقيمت خدمة قداس البرجيازميني (السابق تقديسه) صباح اليوم في كنيسة دير السيدة في البلدة القديمة من القدس. حيث ترأس الخدمة سيادة المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس بحضور رئيسة الدير وحشد من الأخوات الراهبات وعدد من أبناء الطائفة.
في كلمة مقتضبة تحدث سيادة المطران عن سيرة حياة القديس صفرونيوس مشيدا بمأثره وروحانيته وما قدمه للكنيسة من مؤلفات هامة. وبعد القداس أقامت رئيسة الدير حفل أستقبال حيث قدمت الأطعمة الصيامية بهذه المناسبة.
ولد صفرونيوس في مدينة دمشق عام 550 ميلادي حيث تمتع بمواهب جمعت بين الحكمة والعفة والأدب والشعر والفلسفة فلقب منذ صغره بالحكيم.
زار الأماكن المقدسة في القدس حيث بقي وأصبح راهبا مستفيدا من خبرة الأباء والرهبان النساك الذين يعيشون في أديرة فلسطين. أنتقل صفرونيوس الى الأسكندرية والى أنطاكيه وكان في كل مكان يؤلف كتب ويعلم الرهبان سيرة القداسة والطهر.
ثم عاد الى القدس حيث نصب بطريركا وواصل كفاحه الروحي وكتب كتب عدة وكتابات تعليمية وأناشيد تدل على مواهبة الشعرية والموسيقية.
وعندما كان الفتح العربي الأسلامي للقدس كان هو بطريرك المدينة المقدسة فهو الذي ألتقى مع الخليفة عمر بن الخطاب وأستلم منه العهدة العمرية وكان ذلك سنة 638 م. وقد توفي بعدها بعام أي سنة 639 ودفن بالقدس.
مزيد من التفصيل : موت الصليب نتيجة حتمية للتجسد
التجسد ، هل هو من أجل موت الصليب ، أم أن الصليب من أجل التجسد ؟
سؤال قد يبدو غريبا ، ولكن واقع الحال هو أن الإجابة الصحيحة عليه تمثل خطا فاصلا بين الخاطئ والصحيح حول مفهوم موت الصليب ، حول مفهوم الفداء والفدية ، حول مفهوم الكفارة والمغفرة .
إن الحق الإنجيلي هو أن الله قد ” أحب العالم إلى درجة أنه أعطى ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ” .( يو 3 : 16) . أي أن غاية التجسد هي حياتنا ، وليس مجرد موته .
ولما كانت حياتنا ، ولما كان عتقنا من الفساد الطبيعي ، هو بظهوره فينا في الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ، ولما كان تجسده يعني أن يلبس ماهو بالضرورة حتمي الموت ، وتحديدا موت الصليب ، فقد قبل – من أجل أن يظهر فينا بحياته – أن يتجرع كأس موتنا . وهو عوضا عن القانون المنطقي الطبيعي ، أن من يعطي يأخذ المقابل أو الثمن ، هو – وياللعجب – قد دفع ثمنا هو موت الصليب في مقابل إعطائه ذاته لنا ، في التجسد ، فأي حب أعظم من هذا ؟!
كان موت الصليب ” حتمية تجسدية ” ( إن جاز التعبير ) ، وهو من أجل أن يظهر تدبير تجسده فينا ، قبل أن يجتاز هذه الحتمية .
وفي هذا السياق – فقط – نستطيع أن نفهم بحق ، معنى الفداء . حقا هو مات ليفتدينا من الموت ، صار فدية لأجلنا . ولكن ليست القضية هي ” الموت للموت ” ، ليست القضية ترفا فلسفيا لاهوتيا فحواه أن الرب كان بديلا عقابيا لامحدود عن الإنسان الذي أخطأ في حق الإله غير المحدود ، وبالتالي يكون موته ترضية لعدل الله وحينئذ تجوز رحمة الله على الإنسان فيعتق من موته الطبيعي . ليست القضية هكذا .
هو قد صار فدية لأجلنا لأنه من أجل أن يهبنا الحياة ، تجسد فينا – جاعلا من جسده الخاص رأسا لحياتنا ووجودنا الجديد – وتجسده يعني قبوله أن يموت موت الصليب ، قبل أن يموت مرة من أجل أن يجمع الكثيرين في بشريته الجديدة ، عاتقا إياهم من الهلاك الأبدي . لذلك هو فدية لنا ، ولذلك نقول أنه بموت صليبه قد افتدانا ، لأن موت صليبه – الذي كان حتمية تجسدية – يكشف استحقاق سر تجسده ، أي حياتنا .
وفي هذا السياق – فقط – نستطيع أن نفهم بحق ، معنى الكفارة . حقا هو مات ليصير كفارة وليغفر لنا . ولكن في أي سياق نستطيع أن نفهم العمل الكفاري الذي لموت الصليب ؟
والإجابة ببساطة هي أن الكلمة بتجسده قد أعطى ذاته لبشريتنا فتسربلت طبيعتنا ، فيه ، بمجد الكلمة . صار مجد حضوره فينا – المستعلن في انسانيتنا الجديدة النابعة من جسده الخاص ، كرأس لنا – هو التعبير الحقيقي عن التغطية ، عن التكفير ، عن المغفرة ، عن ستر عري الخطية ، عن زوال العزلة .
فيه قد صارت البشرية متسربلة بمجد حياة الكلمة ، فتغطى عري عزلتها عنه . هذه هي الكفارة التي صارت واقعا ، في حدث التجسد ، ومن أجلها قد تجسد ، ومن أجلها قبل أن يجتاز موتا حتميا – بالصليب – لذلك فقد كشف موت صليبه ذلك الحدث الكفاري الذي كان استحقاقا لتجسده . هكذا نستطيع – وبهذا التفكير العملي ، الواقعي ، الإنحيلي ، الآبائي – أن نفهم مضمون العمل الكفاري الذي استعلن يوم الصلبوت العظيم .
الصليب ليس مجرد علامة أو شعار ، بل يدعوه الرسول بولس ” قوة الله ” ( 1كو1 : 18 ) ، هو قوة الله المحيية . ولكن كيف نفهم هذا ؟ أليس الموت ، بصفة عامة ، هو قمة الضعف ؟ فكيف يكون موت الصليب ، تحديدا ، هو قوة الله ؟
وللإجابة نقول : كان موت الصليب كاشفا لحضور الكلمة ، المحيي لبشريتنا الكائنة في يسوع ، والتي من أجل أن يظهرها بقوة سر تجسده ، قبل أن يجتاز استحقاق تجسده فينا ، أي الموت الطبيعي ، وتحديدا موت الصليب . لذلك كان يوم الصلبوت العظيم كاشفا لقوة الحياة الكائنة بفضل التجسد ، وعليه فقد أظهر موت الصليب نوعا فريدا من الموت ، أظهرموتا محييا .
ماذا حدث في التجسد ؟
عندما زرعت بذرة طبيعتنا العتيقة في الكلمة بالتجسد أنبتت شخص الإنسان الجديد عديم الفساد ، وليس لدينا في هذا السياق أفضل من عبارات الرسول بولس ، وفيها مايكفينا ، هنا : ” لكن يقول قائل : ” كيف يقام الأموات ؟ وبأي جسم يأتون ؟ ” ياغبي ! الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت . والذي تزرعه ، لست تزرع الجسم الذي سوف يصير ، بل حبة مجردة ، ربما من حنطة أو أحد البواقي . ولكن الله يعطيها جسما كما أراد… هكذا أيضا قيامة الأموات : يزرع في فساد ويقام في عدم فساد . يزرع في هوان ويقام في مجد . يزرع في ضعف ويقام في قوة . يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا . يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني . هكذا مكتوب أيضا : ” صار آدم ، الإنسان الأول ، نفسا حية ، وآدم الأخير روحا محييا “. لكن ليس الروحاني أولا بل الحيواني ، وبعد ذلك الروحاني . الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء . كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا ، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضا . وكما لبسنا صورة الترابي ، سنلبس أيضا صورة السماوي . فأقول هذا أيها الإخوة : إن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ، ولا يرث الفساد عدم الفساد . ” ( 1كو 15 : 35-50 ) .
إذن : الرب يسوع التاريخي ، الإنسان الثاني ، آدم الأخير ، الروحاني ، السماوي ، هو النبت الجديد الذي ظهر بزراعة بذرة بشريته الخاصة ، في الكلمة ، في حدث التجسد . وهو ليس مجرد طبيعة روحانية بل روحا محييا ، هو حجر زاوية ، وأصل وجود الكنيسة ، الجنس البشري الجديد والخليقة الجديدة .
ولكن ، ماذا يعني ظهور الإنسان الجديد عديم الفساد ، في الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ؟
لظهور إنسانية يسوع الجديدة عديمة الفساد وجهان ، وجه إيجابي وآخر سلبي . الوجه الإيجابي هو أن هذا الكيان هو الصيغة الجديدة الكاملة الممتلئة لبشرية يسوع . والتي تحمل ذات الهوية الشخصية التي لبذرة طبيعته العتيقة ( الصيغة العتيقة ) . والوجه السلبي هو أن قوة الفعل التي للشخص العتيق – من أنانية ونرجسية وعزلة وتمحور حول الذات والدوران في دائرة الأهواء والشهوات ، المغلقة – قد أبطلت ، قد صلبت .
وعندما نقول بأن شخص الرب يسوع هو إنسان كامل ولاهوت كامل في اتحاد أقنومي ، فإن ذلك يعني أن إنسانية يسوع هي جديدة ومنتصرة على الموت ، على الفساد الطبيعي ، منذ أول لحظة للتجسد – منذ لحظة زراعة بذرة بشريته في لاهوت الكلمة – إلى الأبد .
ويعني ذلك ايضا أن يسوع قد ” شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها ” ، إذ أن الخطية هي العزلة والاستقلال عن الله ، ولأن الرب هو الكلمة الظاهر إنسانا جديدا ، فلا مجال لحديث العزلة ، حديث الخطية ، فجديده هو جسد الكلمة الخاص ، وأما كيانه الظاهر فقد تجرد من أي قوة ، أو إرادة فاعلة في اتجاه العزلة أو الأنانية ، لحساب قوة الجديد وإرادته الفاعلة في اتجاه الشركة في حياة الكلمة .
ماذا عن موت بذرة طبيعتنا العتيقة ، في شخص الرب يسوع ؟
الشخص الإنساني الطبيعي ، الشخص النفساني ، قد صلب ومات فيه ، وماتت هويته النفسانية البيولوجية ، موتا إيجابيا ( إن جاز التعبير ) ، موتا مستثمرا في ظهور الشخص الإنساني الروحاني الجديد ، عديم الفساد ، الكائن في اتحاد شخصي أبدي مع الكلمة . ” فالأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديدا “. ( 2كو5 : 17) .
ماذا عن الموت البيولوجي في يوم الصلبوت العظيم ؟
لم يكن أمام الهيكل البيولوجي الظاهر ، الإنسان النفساني ، من مصير ، سوى مصيره الطبيعي الذي هو مصير طبيعتنا . وفي مشهد الصلبوت العظيم تم تثبيت وتسكين حركة هذا الكيان العتيق إلى الأبد .
في عتيقه الظاهر نزل الرب إلى الجحيم وصعد منه منتصرا ، ليس لذاته فقط بل للكل ، فقد أصعد معه القدماء المأسورين هناك . ولم يستطع الجحيم أن يقتنص منه غير ذلك الظاهر ، المائت بالطبيعة .
في القبر قد أتم الرب موت الكون كله بتسليم كيانه البيولوجي إلى العدم والفناء ، ” فإن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ، ولا يرث الفساد عدم الفساد ” .( 1كو 15 : 50 ) . هذا هو المصير النهائي المحتوم للكون الطبيعي ، في نهاية الزمان .
اجتاز الرب في عتيقه لحظة نهاية الكون وحينما قال ” قد أكمل ” ( يو19 : 30) ، كان يعنيها ويقصدها بالفعل ، فقد أكمل موت الكل ليظهر حياة الكل بالقيامة ، تاركا قبره فارغا .
أخيرا : شركة موت الصليب حتمية نعموية
كيف لنا أن ننظر إلى موت الصليب من خلال مفهوم متصل ( contniuum ) ، يجمع حدث التجسد – الذي أظهر الرب يسوع التاريخي – مع حدث النعمة ، الذي يؤسس ويحقق وجود الكنيسة ؟
الإجابة الصحيحة لابد أن تتبنى ماسبق أن قلناه بخصوص ” الطبيعة المفصلية ” لموت الصليب . والأمر يبدو كما لو كنا ننظر في مرآة ، فما أعلنه الرب بموت صليبه من استحقاق لتجسده ، في جسده الخاص ، تتقبله الكنيسة بالنعمة من خلال شركة موت الصليب .
فإذا كان موت الصليب هو البوابة الحتمية التي خرج منها الكيان الإنساني الجديد عديم الفساد إلى العالم ، إلى الكنيسة ، كرأس ، فهو ذات البوابة الجتمية التي تدخل منها الكنيسة بجميع أعضائها إلى كيان المسيح ، كأعضاء . وإذا كان موت الصليب كاشفا لحقيقة وجود رأس الكنيسة ، فإنه من الجانب الآخر يبدو منشئا ، ومؤسسا ، ومحققا لوجود باقي الأعضاء ولضمهم إلى رأسهم . موت الصليب بالنسبة إلى رأس الكنيسة كان آخر حاجز قد تجاوزه قبل أن يظهر حقيقة قيامته ونصرته ، الكائنة بفضل التجسد . بينما بالنسبة إلى أعضاء الكنيسة ، هو مبادرة قبول الألم والموت ، المؤدية – بالنعمة – إلى الإنتماء إلى الخليقة الجديدة ، في المسيح .
الفعل الناري للروح القدس وشركة موت الصليب
باجتياز الرب لمشهد يوم الصلبوت المأساوي ، وخروجه ظافرا ، معلنا قيامته ، ظهرت في الكون حقيقة جديدة متمثلة في رأس الخليقة الإنسانية الجديدة ، عديمة الفساد . وقد بات من المؤكد ووفقا لاستحقاق هذا الواقع الجديد أن يمتد كيان الرب في الكنيسة ، محققا وجود الجسد الكامل الممتلئ بجميع الأعضاء .
هذا الحدث هو ما يضطلع به الروح القدس ، وواقع الحال هو أن الروح القدس هو الفاعل منذ أول لحظة للحدث ، أي منذ أول لحظة للتجسد . فبحلول ملء اللاهوت في جسد الكلمة الخاص ، الرب يسوع التاريخي ، قد انطلق حدث تكريس وبناء الكنيسة بظهور حجر زاويتها . وبامتلاء شخص المسيح بكنيسته يتحقق وجود هيكل الله الواحد الذي يسكنه روح الله . فالروح القدس هو ساكن الهيكل وهو مؤسسه ومحقق وجوده ، في ذات الوقت .
هذا هو الوجه الإيجابي لعمل الروح القدس في الكنيسة ككل وعلى مستوى جميع الأفراد بآن واحد ، ولكن ، لعمل الروح القدس وجه آخر يبدو سلبيا من منظور طبيعتنا المائتة ، ويحدث في تواز وتلازم وتزامن مع الوجه الإيجابي ، وهو شركة موت الصليب . فبينما يتحقق بالروح القدس تخليق وتصوير أعضاء المسيح ، في أفراد الكنيسة المزمعين ، فإن كيانهم العتيق يصلب ويموت مع المسيح ، فهم ” بالروح يميتون أعمال الجسد فيحيون ” . ( رو 8 : 14 ) . فإذا كان الروح القدس قد سبق فجعل من باكورتهم رأسا لهم – إذ هو جسد الكلمة الخاص – عابرا به ومجتازا موت الصليب ، ظافرا ، فإن ذات الروح ، الفاعل الوحيد – ومن خلال النعمة – يعبر بهم حاجز موت عتيقهم ، جاعلا إياهم يشتركون في موت ربهم فيستحقون الشركة في قيامته . وهم بدونه ماكانوا ليستطيعوا أن يجتازوا شركة موت الصليب المحيي ، بل فقط هم يموتون وفقا لطبيعتهم فيفنون .
هذا هو الفعل الناري للروح القدس وهو ما قد تنبأ عنه يوحنا الصابغ قائلا : ” هو يعمدكم بالروح القدس ونار” ( مت3 : 11) . و” النار ” في لغة الكتاب هي ” الموت ” ، فالروح ينقل إلى المؤمنين شركة موت الصليب المحيي ، وحينما يخاطب الرسول ، الكنيسة قائلا : ” لا تطفئوا الروح “( 1تس5 : 19 ) ، فهو يوصى بقبول ذلك الفعل الناري للروح الذي ينقل إليهم ” إماتة الرب يسوع ، لكي تظهر( فيهم ) حياة يسوع أيضا ” ( 2كو 4 : 10) ، فشركة موت الصليب تتضمن ، وتحتوي ، وتستوعب – في ذات الحدث – شركة حياة المصلوب ، شركة النصرة ، شركة القيامة . وهذا هو ما يتحقق في الكنيسة بشركة الروح القدس وبقبوله كساكن فاعل ، أبدي ، في المؤمنين . وليس من قبيل المصادفة أنه في يوم الخمسين ، يوم تأسيس الكنيسة ، قد حل الروح القدس على جميع المجتمعين في شكل ألسنة من نار ( أع 2 : 3 ) .
إنه – وبحق – قد قدم الرسول بولس تعريفا رائعا لكلمة الصليب ، إذ قال بأن ” الصليب هو قوة الله “( 1كو1 : 18 ) ، فشركة موت الصليب المحيي هي شركة في الروح القدس ، الذي هو ” روح القوة ” .
شركة موت الصليب المحيي هي جوهر السر الكنسي
في ضوء ماسبق أن قلناه بخصوص تحقق وجود الكنيسة ، كهيكل لروح الله ، بقوة الصليب ، كيف نستطيع أن نرصد علاقة السر الكنسي بشركة موت الصليب ؟
أليست المسحة ، هي شركة في موت المسيح ، الذي كشف عن وجود رأس المسحة ، ذلك الذي يتم فيه مسحة الجميع صائرين هيكلا واحدا أبديا للروح القدس ، صائرين مسيحا واحدا ؟
أليست المعمودية ، هي شركة في موت المسيح ، الذي كشف عن وجود رأس الخليقة الجديدة المولودة من فوق ، ذلك الذي يتم فيه ولادة الجميع من فوق ، فتصطبغ طبيعتهم بصبغة الحياة الأبدية ، بصبغة المسيح ؟
أليست الإفخارستيا ، هي شركة في موت المسيح ، الذي كشف عن وجود رأس الكيان الإفخارستي ، كيان الشركة ، ذلك الذي ، إذ يشترك فيه الجميع ، ” يخبرون بموت الرب إلى أن يجيئ “، جسدا كاملا ممتلئا بجميع الأعضاء ، جسد المسيح ؟
أليس السر الكنسي – بصفة عامة – هو شركة في موت المسيح ، الذي كشف عن وجود رأس الكنيسة ، الرب يسوع المسيح ، الذي يمتد في البشر محققا فيهم ، عضويتهم فيه ، وانتماءهم إليه ؟
خلاصة عامة
لحتمية الصليب وجهان :
1-حتمية تجسدية : إذ بحضور الكلمة في البشر كان من الضروري والحتمي بالنسبة لكيانه العتيق أن يصلب ويموت لحساب كيانه الجديد القائم والمنتصر ، وباجتياز الرب وعبوره باب موت الصليب ، كشف عن قيامته التي هي رأس قيامة البشر وباكورتها .
2- حتمية نعموية : إذ لا توجد وسيلة لقبول النعمة الفائضة من سر التجسد ، لقبول الانتماء إلى رأس الحياة الخارج من باب الصليب المحيي ، إلا بقبول الشركة في موت المسيح – بالروح القدس – والعبور والدخول من ذات الباب ، إلى الرب و الاستيطان فيه . هكذا يتحقق وجود الكنيسة ، هكذا يمتلئ جسد المسيح .