إمرأة عريقة النسب، بعد فترة قليلة من موت زوجها، تم مضايقتها بشدة من قبل معاون القاضي، الذي أراد إجتذابها للزواج ضد رغبتها. وإذ أنها لم تكن تعرف كيف تهرب من هذا الظلم الجائر، تبنت خطة متعقلة لكن جريئة. لقد هربت إلى المذبح المقدس وجعلت من الله حاميها ضد هذا الإنتهاك المعيب.
بإسم الثالوث – حتى أتبنى لغة المحكمة في حديثي – ماذا ينبغي أن يُفعَّل؟ ليس فقط بواسطة باسيليوس الكبير – الذي أسس قوانين للجميع في مثل هذه الحالات – بل حتى بواسطة أي شخص آخر كاهناً لله ولو أدنى مرتبة منه؟
أليس من واجبه أن يعمل للدفاع عنها؟ أليس من واجبه أن يقبلها ويحميها؟ أليس من واجبه أن يرفع يدّه نيابة عن رحمة الله والقانون الذي يأمر بإحترام المذبح؟ أليس من واجبه أن يتحمس لهذا ويتحمل كل شيء، بدلاً من أن يتخذ ضدها أي إجراء لا إنساني، وينتهك المذبح المقدس ويزدري بإيمان تضرعها؟
إلا أن هذا القاضي الغريب قال: “لا، بل يجب أن يخضع الجميع لسلطتي، وليكن المسيحيين خونة لقوانينهم الخاصة”
أراد القاضي أن يقبض على المرأة المتوسلة، لكن باسيليوس حماها بكل قوته. صار القاضي عنيفاً، وأخيراً أرسل قضاة لتفتيش مخدع القديس، ليس بسبب أي ضرورة لكن بالأحرى من أجل إهانة باسيليوس.
ماذا تقول؟ يُفتش بيت ذلك الرجل الذي كان فوق الأهواء، ذلك الشخص الذي تعامله الملائكة بإحترام، الذي نحوه لا يتجرأن النساء بالنظر؟ لكن هذا لم يكن كافياً، إذ أنه أمره للمثول أمام المحكمة وتبرير نفسه، ليس بإسلوب معتدل أو بلطف بل كما ولو أنه رجل مُدان. وباسيليوس أطاع مذكرة الحضور.
كان القاضي في مقعده مملوء بالغضب والغطرسة، أما باسيليوس فبقي واقفاً، مثل يسوعي الذي وقف أمام كرسي محكمة بيلاطس. الصواعق لم تضرب، سيف الله مازال متلألاً لكنه بقي مؤجلاً. القوس تم شدّه، لكنه اُحتجز ليقدم مناسبة للتوبة. هذه هي عادة الله.
والآن تأملوا صراع آخر بين بطلنا ومضطهده. أمر القاضي بأن تُمزق العباءة الرثة من رقبة باسيليوس. فقال له باسيليوس: “يمكنني خلع الرداء أيضاً، إن أردت ذلك”. هدَّد القاضي بجلد هذا الجسم الهزيل. فأحنى باسيليوس ظهره لكي يُمزق بالأشواك. وقال: “بمثل هذا التمزيق، سوف تُعالج كبدي – إلا ترى كم هو ينهكني”. هكذا كانت المحادثة بينهما.
لكن المدينة – حالما أدركت الشر والخطر المشترك عند الكل، إذ أن كل إنسان إعتبر أن هذه الإساءة موجهة لنفسه – صارت مرتبكة بالكامل وتأججت بالعواطف. ومثل سرب النحل الذي يثور بالدخان، الواحد تلو الاخر ثار ونهض، رجال من كل الأصناف والأعمار، لكن خصوصاً الرجال المتسلحين والنساجين الإمبراطوريين، لأنه في مثل هذه الظروف يكون مثل هؤلاء متهورين بعض الشيء ومتجاسرين بسبب الحرية التي يتمتعون بها. كل رجل أتخذ كسلاح ما وفرته له صنعته من أداة أو أي شيء آخر وجده مناسباً للحدث. بمصابيح في أياديهم، وهراوات جاهزة، وحصى للرشق أمامهم، ركضوا ككتلة واحدة وبصرخة واحدة وبحماسة إشترك فيها الجميع. فالغضب يصنع من الجمع جندياً هائلاً أو جنرالاً مرعباً. بل حتى النساء، إذ أستفزتهن الحادثة تسلحوا في ذلك الوقت. لم يبقوا بعد نساءً لكن تقوين بالحماس وأتخذن شجاعة الرجال. وصارت دبابيس شعرهن رماحهن. إعتقدوا انهم سوف يشتركون في فعل تقوي إذا مزقوه إرباً إرباً، بل أول من يضع يده على ذاك الذي قام بهذا التعدي يكون الأكثر تقوى في أعينهم.
ماذا كان حال ذلك القاضي الوقح والمتغطرس آنذاك؟
لقد تحول لشخص متوسل، حقير، مسكين يرثى له، ذليل بشكل منحط، إلى أن ظهر ذلك الشهيد بدون سفك دم (باسيليوس)، الذي ربح أكليله بدون ضربات، إذ قام بكبح ثورة الشعب وتهدئته. لقد تغلب عليهم من خلال الوقار الذي يوقرونه به، وأنقذ بذلك مُضطهده من أيديهم – والذي صار الآن شخصاً متوسلاً.
هذا هو عمل إله القديسين، الذي يجعل ويُحول كل الإشياء نحو الأفضل، الذي يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة (يع 4). ولماذا ذاك الذي قد قسَّم البحر، وأهدأ النهر، وأخضع العناصر، ورتبَّ صيداً – ببسط اليد ليشبع شعباً ملتجىء إليه – لا يخلص هذا الإنسان (باسيليوس) أيضاً من أخطاره؟!
Reference: Father of the Church Series, Volume 22, By St Gregory Nazianzus, Oration on Saint Basil, CUP.
نقلا عن مدونــة آبائــية – Patristic Blog