في العام 2006، خلال شهر حزيران، توفيّ أحد أبرز وجوه الكنيسة القبطيّة، الأب متّى المسكين. ميزته الأهمّ كانت كلّيّتَه في طلب ربّه، نسكًا وصلاة، إلى أبعد حدود طاقة البشرة على استيعاب النّعمة، في الأرض. من منظار الحكمة البشريّة كان أبله، ومن منظار الحكمة الإلهيّة، فاق بَلَهه، أو قل تبالهه، كلّ عقل!. طبعًا، لا شركة لنا، نحن الرّوم الأرثوذكس، والكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، في الكأس الواحدة، رغم التّقارب الّذي بيننا!. لكن الرّوح القدس الفاعل في الّذين هم له، عندهم وعندنا، هو، في الحقيقة، مَن يجعلنا واحدًا!. وهذا لا يأتي من النّاس، بل من فوق، على الّذين يقتبلونه ويتعزّون به ويتبادلونه، في وحدة إلهيّة بشريّة تنبع من جنب السّيّد، لسرور المؤمنين!. في هذا الإطار، تحضرني قولة جميلة لأحد الزّهّاد المتنسّكين المسلمين، إبراهيم الأدهم. قال: “المؤمن يفرح بالمؤمن”!. هذا لأنّ روح الله فينا يفرح بروح الله في سوانا!. ما لم يتخطّ المرء ترتيبات النّاس وأحكامهم، لينفتح، في الرّوح، على كلّ ما لروح الله، في كلّ مكان وزمان وإنسان، فإنّه يبقى ساعيًا على بطنه، يأكل ترابًا، ويبقى أعقم من أن يخرج من الأرضيّات إلى السّمائيّات!. ميل الإنسان الدّهريّ، أبدًا، هو إلى جعل الإلهيّات أسيرة تدابير البشر، باسم الله، واستنادًا إلى ما ورد في “الكتب المقدّسة”؛ وقد غاب ويغيب عن الأذهان، أكثر الأحيان، أنّ ما أُعطي لنا من كلام من فوق كان ليعلّمنا ويجعلنا نتمرّس بتسليم أنفسنا للعليّ بالكامل، لا بجعل الله مسلَّمًا للنّاس يدعمون به أفكارهم ومراميهم وأحكامهم، على سجيّتهم!. البشر، من دون الله، صانعو فرقةٍ مهما سعوا إلى الالتئام، ولو باسم الله، لأنّ قلوبهم نجيسة، فيما الوحدة، في الرّوح والحقّ، بينهم، لا تأتي إلاّ من استيداع ذواتهم بين يدي الله!. إذ ذاك، وإذ ذاك فقط، يتخطّون ترتيبات النّاس، على عقمها، ليأتي بهم روح الله إلى وحدة غير منظورة في المنظورات!
على هذا تنفتح أذهاننا، أو ينبغي أن تنفتح، بلا عِقَد، لنتلقّن روح الله وفعله وحركته في كلّ مؤمن، وبالأكثر في كلّ إنسان، حيثما كان، سواء عُدَّ منتميًا إلينا أم إلى سوانا!. ولا يسعني، في هذا السّياق، إلاّ أن أُبدي أنّ “الكتب المقدّسة” لا تصنع قدّيسين. تدلّك على درب القداسة، فإن كنت قويم القلب، نفعتك، وإلا فاتتك!. تفسيرات النّاس لها، أحيانًا، تجعلها، في الأفهام، أسبابًا، تُحسَب إلهيّة، لقتل النّاس، وروح الله في النّاس!. ما لم تقد “الكتب المقدّسة” البشريّة إلى تخطّي الإنسان ذاتَه، ليبذل نفسه لله وخليقة الله، فإنّها، أي “الكتب”، تمسي أداة يستغلّها الشّرّير لتدمير الإنسان، باسم الله!. حيلة الخبيث أن يقنعك بأنّ ربّك قيدٌ، وأنّ الشّرّير مطلقك من كلّ قيد، حتّى يكون لك، في اتّباع مشيئتك الذّاتيّة، ملءُ الحرّيّة وكمال المعرفة!. ويفوتك أنّ تمسّكك بمشيئتك الذّاتيّة يجعلك لقمة سائغة في فاه إبليس، لأنّ إبليس سيّد المستغرِبين عن مشيئة ربّهم!. وما مشيئة ربّك إلاّ الضّمانة في تحقيق ذاتك، إنسانًا!
بالعودة إلى الأب متّى المسكين، سألوه، مرّة: أيستجيب ربّك متى صلّيت؟ فأجاب: لو لم يكن ليستجيب لكنت مزّقت “الكتاب المقدّس”، وألقيته في صندوق القمامة!. طبعًا، يستجيب!. حيّ هو الله الّذي أنا واقف أمامه!.
دور الصّلاة، اليوم، تعاظم، في خلفيّة القلب القويم!. الحوارات، على كلّ صعيد، قلّما عادت تجدي!. السّبب أنّ العزلة الكيانيّة، بين النّاس، تعاظمت!. الإنسان ينقطع عن الإنسان، على نحو مطّرد، لأنّه ينقطع عن الله!. وفيما يتعاظم دور العقل في النّاس وتقديسُهم إيّاه، يمعن الإنسان في الغربة عن الإنسان، ويقيم حواجز فولاذيّة حول ذاته، حتّى لا يصل أحد إليه، غير مبال بالامتداد صوب سواه!. لم يعد الحوار، في مناخ اللاّمبالاة والإلغاء الكيانيّ للآخر، أكثر من ذرّ للرّماد في العيون، ابتغاء وحدة كذوب مؤسّسةٍ على بيان مشترك، والتماسَ وحدةٍ حقيقتُها دهريّة تأتي من تلفيق وزيف!. تغور الكلمة باطّراد في جبّ الإلحاد!. تصير بلا مضمون إلهيّ لأنّها لا تصل أحدًا بأحد بالله!. لم يعد الإقناع والاقتناع ينفعان ويكفيان، لأنّ القلب لم يعد إلى القلب!. فلا غرو إن كثُر الكلام واشتدّت المعاناة بالأكثر!. الصّمت، إلاّ أقلّ الكلام، بات أبلغ!. لم تعد الأزمة أزمة كلمة بل أزمة قلب!. ما بقي غير الصّلاة ليُشفى مَن يُشفَى في العالم!. الله يسمع أنّة العالم، اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى!. التّجربة تشتدّ، لذا النّعمة تزداد جدًّا!.
فيما سبق، كانت الصّلاة بحاجة إلى تعب، وإلى تعب شديد!. اليوم، ليستجيب الرّبّ الإله، لم تعد الحاجة لأكثر من وجع قلب على النّاس، ولو أقلّه!. هذا زمان الضّياع؟!. صحيح!. ولكن، بذات القدر، هذا زمان الرّضى!. ربّك يزداد حنوًّا على وجع خليقته!. فيه نذوق الوحدة الحقّ، مهما باعدت المسمّاة “ديانات”، والجغرافيا والتّاريخ والسّنن والأعراق والاقتصاد والفلسفات والسّيكولوجيا، فيما بيننا!. الوحدة تَوَحُّد إلى ربّك، واستيحاد في التماس محبّة القريب!. أَحِبَّ قريبك كنفسك!. كواحد وإيّاه!. لا أقلّ من ذلك!.
وحده ربّك يغيِّر!. بإزاء حضارة برّاقة هَرِمَ فيها الإحساس بآلام النّاس، يُطبق علينا الموت من كلّ جهة ليحيل عالم خِلْقة الله جحيمًا وخواء، نجدنا في عجز أبدًا!. كيف نخرج إلى النّور؟!. ثقافة تروّضنا على فراغ الكيان وأن نُشَيَّأ وأن ننحدر، في تعاطينا أحدنا الآخر، إلى ما دون مستوى البهيمة، لسنا نشاؤها!. أعِد إليّ إلهي!. أعد إليّ روحي!. أطلق يديّ!. حتّى متى أحيا أهرب من الموت في ظلال الموت!. أشتاق إلى الحياة!. لست آلة!. لست فكرة!. لست رقمًا!. لا أشاء أن أُقاس، بعدُ، بشيء!. لا بساعات عمل، ولا بأجر ولا بطاقات!. أنا قلب!. أنا حبّ!. خُلقت للفرح لا للشّقاء!. للمعيّة لا للأنانيّة!. مَن ينقذني من حضارة الموت هذه؟!.
لِمَن تذهب خليقتك، ربّاه، إلاّ إليك!!. بتنا كتلة جراح!. في الصّيام نأتيك لأنّه ليس مَن يحبّنا إلاّك!. مخلوقك يستجدي الحنان ولا مَن يعطيه!. تعبنا!. ناسُك منهَكون!. اللّهمّ بادر إلى معونتي، يا ربّ أسرع إلى إغاثتي!
2 تعليقان
المصطبة الإلكترونية !! “1”
هل يُكتب تاريخنا على المصطبة الألكترونية (الأنترنت)؟!
أن هذا السؤال هو الأكثر تردداً فى أذهاننا جميعاً, المتأرقة بخيالات عدم أستقرار تعليمنا اللاهوتى, والتهديد الواضح لأختبارنا الحياتى الجماعى, الذى عشناه ولمسته أيدينا بالتسليم الرسولى, الذى آل إلينا من أباء كنيستنا المجاهدة الصابرة, والتى كم نرجوا لها – جميعاً – التقدم الروحى والأزدهار والأستقرار, والعمل الأختبارى النافذ لكل عائلة ولكل فرد فى كنيستنا.
– فهل يتحقق هذا الأستقرار المنشود مع عصر الأنترنت؟!
– بل هل يتحقق مرادنا مع سرعة تبادل المعلومات بدون أدنى مراعاة لتوثيق مصادرها أو التأكد من إنسجامها العام وعدم نشوذها؟!
إنه سؤال هام ولكى نحسن الإجابة عليه علينا ان نعود إلى بعض الرؤى المتخصصة فى هذا الأمر.
ويلزم الأمر تقسيم الدراسات الخاصة بأثار الإنترنت على حياتنا إلى دراسات عربية وأخرى أجنبية, ليأتى بحثنا المتواضع هذا متناسباً مع الخصوصية الشرقية, ولا يمكننا فى ذات الوقت تجاوز البعد الغربى بعالميته, الذى يعتبر المصدر والمنشئ الأساسى لهذا المصاب العظيم.
النظرة الخاطفة الأولى هى: للدراسات العربية:
أولاً: دراسة عدنان العتوم:
أن وجود شبكة الأنترنت قد أفقدت المؤسسات التربوية التقليدية, التى كانت مسؤلة عن تنشئة الأنسان, كثير من وظائفها وأهميتها. فقد أصبح الأنترنت مصدراً أساسياً في عملية التنشئة, مما يتطلب دوراً إضافياً أساسياً من قبل الأسرة والمدرسة والدولة في ضبط مضامين ما تحمله شبكة الأنترنت, للتأكد من ضبط الجانب السلبي الذي يمكن أن تحمله تلك المضامين من خطورة على أستمرارية أسرنا فى التنشئة السليمة.
وهذا هو ما قد قدمه لنا الدكتور عدنان العتوم – أستاذ علم النفس الأجتماعى فى جامعة اليرموك, فى دراسة رائعة له عن الأثار السلبية للأنترنت, فهو يؤكد تراجع دور الأسرة والمدرسة, المؤسستان الأهم فى تربية النشء.
وذات الأمر بالضبط هو الواقع بالنسبة لكنيستنا, فإن أردنا تجنب الأثار السلبية التى يحدثها الإنترنت أو تحجيمها على الأقل وتقنينها, علينا التركيز لتفعيل دوراً إضافياً لهاتان المؤسستان: الأسرة ….. المؤسسة المسيحية الأعمق والأهم, ومن الجانب الأخر كل مؤسساتنا التعليمية الأخرى التى تشمل مدارس الأحد وكل مؤسساتنا التعليمية الأخرى.
وكلنا نعرف بأن هاتان المؤسستان هما اللتان تضلعان فى تشكيل تاريخ كنيستنا, فى ضبط صحة معايير التسليم للأجيال القادمة.
فماذا نحن فاعلون أمام تراجعهما أمام قوة وحش العصر “الأنترنت”!!
وقد قدم لنا الدكتور عدنان, دراسة دقيقة أوضح فيها تأثير الأنترنت على الجوانب الأجتماعية والنفسية, وأكد على أن ثورة المعلومات والأتصالات وأنتشار الأنترنت في البيوت والمؤسسات والمقاهي, تعد ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة لمعرفة أثارها الأجتماعية والنفسية, لأنها بكل تأكيد تترك أثاراً سلبيةً في الكثير من الجوانب الأخرى العديدة. فأستخدام الأنترنت أصبح بديلاً للتفاعل الأجتماعي الصحي مع الرفاق والأقارب, وأصبح هم الفرد قضاء الساعات الطويلة في أستكشاف مواقع الأنترنت المتعددة, مما يعني تغيراً في منظومة القيم الأجتماعية للأفراد حيث يعزز هذا الأستخدام المفرط القيم الفردية بدلا من القيم الاجتماعية, وأستبدال قيم العمل الجماعي المشترك الذي يمثل عنصراً هاماً في ثقافتنا, بقيم أخرى فردية ذاتية أنانية غير متعاونة وغير باذلة من أجل الأخر.
قال سميح كميل 27 عاما “أنني استخدم الانترنت بشكل يومى وعلى مدار ساعتين كحد أدنى”, مبيناً بأن للأنترنت تأثيراً على علاقاتنا الأجتماعية. فالوقت المخصص لعلاقته مع أهله في البيت ومع اصدقائه قل تدريجياً, ويقضيه بالمقابل على جهاز الكمبيوتر!”
أما ميرا فريد غطاس 20 عاما قالت أنني أستخدم الأنترنت بشكل شبه يومي وأتابعه الى أكثر من ثلاث ساعات, وهناك عدد كثير من صديقاتي يستخدمن الكمبيوتر حوالي 7 ساعات يومياً!! وأعتقد بانه ليس هناك فائدة مرجوة من ضياع كل هذا الوقت, وبالتالي فهو يؤثر سلباً على علاقاتهن الأجتماعية, وأنا أعتبر ذلك تضييعاً للوقت وهدراً للمال, كما يؤثر سلباً على دراستهن وعلاقاتهن مع الأهل والأصدقاء.
وفيما يبدو أن حال أولادنا الآن قد تدهور كثيراً عن كل ما ذكره كميل وميرا فى تلك الدراسة, التى لم تتصور وتتخيل الحال الذى وصلنا إليه!!
ثانياً: دراسة الصالح ورحال:
فقد أشارت إلى خطورة التحديات المعلوماتية التى للأنترنت, فهى تنذر بمخاطر العزلة الأجتماعية, التى تفصل الفرد عن مجتمعه وقيمه ومبادئه, لينفتح بسرعة على عالم جديداً مغايراً, ليس له به خبرة حياتية حقيقية, لأن الأنترنت لا يسمح بتواجد مثل تلك الخبرات الحقيقية, فينزلق المستخدم بعقله لخبرات الأخرين, التى تشكل – بالنسبة لواقعه هو – الحلول الوهمية الغير حقيقية, فيصاب بدهشة مخدرة للوعى, فيتقبل ويتبنى بلا تمحيص ثقافات غير مناسبة وغير متواكبة مع حياته الأسرية والأجتماعية, فيدمرهما بأنزلاق عاطفى غير عاقل, يجعله لا يختبر بروية موضعاً ثابتاً لقدميه, فيدمر ما تبقى له من حياة حقيقية!
ثالثاً: دراسة هيكل:
أكدت على دور التربية فى المنزل, للحفاظ على أساسيات حياتيه هامة, تشكل العامل الحقيقى المنشئ لحياة ناجحة لأولادنا.
رابعاً: دراسة زيادات:
فقد أكدت على خطورة عدم تطابق المعلومة المستقاة من الأنترنت مع الواقع المعاش.
أليس هذا هو بمثابة تحويل الحياة الروحية إلى مجرد كلمات فلسفية جوفاء, وحروف متناثرة بلا معنى حياتى تطبيقى يعاش ويختبر, فيشقى الأنسان بحياته بدلاً من أن يسعد بها. أليس هذا هو سر ضعف الكنائس فى كافة أرجاء المسكونة فى العصر الفيس بوكى الحديث.
خامساً: دراسة العتوم:
هدفت هذه الدراسة لتحديد معنى الإدمان على الكمبيوتر. فخلصت إلى الكثير من الأجراءات التى يجب تنفيذها لنساعد أولادنا على التخلص من أدمان العصر. وليس المجال مناسب لذكرها الآن كاملةً.
إلا أننا نستطيع أن نخلص إلى نتيجة هامة فى محاولة منا أخيرة, للحفاظ على مجتمعنا الكنسى من الأنزلاق إلى بشاعة تشوه المجتماعات الأستهلاكية. فالأستهلاك يبدأ دائماً بالأنعزال عن الجماعة, ليأكل الفرد منا فى طبقه الخاص به وحده, الذى لا يشاركه أحد فى محتوياته. فيتلاشى سلطان الجماعة على ما نعتقد تدريجياً, وهذا لا يؤدى للحرية كما يتوهم البعض, بل سيؤدى للأنعزال والتوحد, وإلى تفتيت ما قد تسلمناه من مجد, بدعوى باطلة تدعو للتحرر من كل شئ, وهذا هو الوهم والخداع بعينه, فتتقلص نفوذ الجماعة تدريجياً بخبراتها وتاريخها وقوانينها, فتتفكك مؤسساتها فتضعف وتنحل وتتبدل إلى ما لا نعلمه, هذه هى خطة الشيطان لخراب العالم بتفكيك الكنيسة المصلية دائماً من أجل خلاص العالم!
وهذا هو بالضبط ما نختبره جميعاً فى فرديتنا المؤلمة لنا. فالأنسان يفقد عقله وحكمته إن أنعزل وعاش بصورة وحيدة, وللأسف فهذا الخراب الحياتى هو ما يحققه الأنترنت, وهذا ما عبرت عنه أمثالنا الشعبية برقة وعذوبة دقيقة هكذا: الجنة من غير ناس ما تنداس!!
يتبع
المصطبة الإلكترونية !! “2″
—————-
* النظرة الخاطفة الثانية فهى للدراسات الأجنبية:
التى قد جاءت بالكثير من الجديد والهام جداً, الذى يلزمنا بالأنتباه والتدقيق التام:
أولاً: دراسة ديفيس Davis:
———————–
فقد خلصت إلى أن أسس العلاج النفسى فى كثير من مراكز الخدمات, لابد له أن يعتمد على نماذج العلاج النفسى السلوكى المعرفى
Congnitive – Behavioral Therapy
(أى العلاج الحياتى الذى يرتبط بسلوكنا وحياتنا).
حيث يؤكد بأن الإدمان النفسى على الحاسوب هو حالة مرضية تتضمن على ظواهر مرض الأكتئاب, فهو ينطوى على الكثير من الأفكار اللاعقلانية التى تتطلب علاج نفسى سلوكى حياتى.
ثانياً: دراسة سكرر وبوست Scherer & Bost:
———————————
فقد أكدت على حالة الفصام الأجتماعى الذى يعانى منه مدمنى الأنترنت, فقد تقلص جداً أدائهم العائلى الأجتماعى والأكاديمى معاً, وقد خلص الباحثان إلى مجموعة من الآثار الأجتماعية والنفسية المدمرة التى خلفها إدمان أستخدام الحاسوب والإنترنت.
فمن الأثار الأجتماعية تبدأ بتبنى أنماط حياتية تتميز بالعزلة وضعف التفاعل الأجتماعى, فتضعف قدرة الفرد على القيام بدوره العائلى, فتتعمق الفجوة بين الأبناء والأباء. فيظهر لنا بوضوح أن الأبن قد تحول إلى أبناً ألكترونياً, وبالمثل فالأب أيضاً تبدل وتحول عن خطة الله له!! إلى الأبوة الإلكترونية دون وعى وأفراز. وهى أبوة فكرية غاشة لا تتبع ولا تنبع من أبوة الله لنا, فالأنترنت لم يصل بعد للسماء!!
فلننتبه لأنفسنا ولبيوتنا جيداً, لئلا نكون قد تحولنا إلى الأبوة والبنوة الإلكترونية!!
ويُكمل الباحثان فى دراسة الجوانب النفسية فيتوصلوا بأن مدمن الأنترنت يشعر بالذنب والتقصير فى أدائه لواجباته العائلية, وشعوره بالإحباط عند الإنتقال من عالم الأنترنت الخيالى إلى العالم الحقيقى, فتبدأ على التو ظهور المشاكل العائلية, فيتعمق لديه الإحساس بالوحدة, فيتصلف فيتمسك بأفكاره الخيالية, والتى تصطدم بواقعه وواقع عائلته, فتزداد كأبته وتحوصله داخل عالمه الأفتراضى العزيز جداً لديه, لأنه هو السجن الخاص الذى يقبله الأنسان بدون تذمر, لأنه صنعة يديه, فيزداد بعداً عن بيئته الأجتماعية والعائلية وبالتالى عن حياة كنيسته الحقيقية, مما يؤثر فى مجمله على أدائه العام فى حياته كلها الخاصة والعامة, فيعشق عالمه الروحى الأفتراضى هذا, أكثر من واقعه الروحى الحقيقى المعاش فى حياة المجموع الكنسى. فيتحوصل فكرياً داخل شرنقته الخاصة أو بمعنى أصح داخل سجنه الأختيارى, فلا تراه سوى متبرماً ناقضاً لحياة المجموع الكنسى, الذى بالطبع لا يماثل فى جزئياته عالمه الكنسى الأنترنتى الأفتراضى, فيتصلف فكرياً فلا يقبل سوى من يتمتعون بمميزات البنوة الألكترونية, لأنه لا يدرى بأنه فى غفلة إلكترونية من الزمان, قد تحول هو أيضاً إلى مجرد أب إلكترونى!
وللأسف تتكررهذه العملية التى أقل ما يقال عنها أنها مهزلة, مئات بل آلاف المرات, إنها تعمل كمتوالية عددية, فهى فى تزايد مستمر حتى يضمحل ويتلاشى مجتمعنا الكنسى الحقيقى تماماً, ويتبدل لقائنا الافخارستى إلى مجرد أجتماعات محبة أنترنتية, ووقتها لا مناص من أرسال المناولة بالبوستة!
ثالثاً: دراسة مورس Morse:
———————–
قد أظهرت نتائج هذه الدراسة أحد أعظم الأثار السلبية التى للأنترنت, وهى تتشكل فى أستمرارية عملية العولمة, والتى لا يمكن إيقافها للأسف, وهى تتشكل فى إيذابة حياة وثقافات المجتمعات الزمنية المختلفة, والتى ظهرت منذ نبع التاريخ عبر أزمنة سحيقة جداً, عن طريق جذب الأفراد من حياتهم الواقعية, إلى حياة فكرية خاصة يبنوها هم بأنفسهم لأنفسهم, بهدف تحطيم العوائق الجغرافية! فيالها من حياة إفتراضية نخسر فيها تاريخنا وبلدنا, فيسرق زماننا ومكاننا أيضاً منا! بالحق إنه الجحيم!!
وهذا بالضبط ما نلحظه الآن من أنتشار أفكار أنترنتية بين الشباب تؤمن بضرورة إذابة الحدود والموانع الجغرافية, لتتلائم مع طاقة الشباب فى الترحال والسفر, بدعوى غير حقيقية أيضاً مقتضاها بأن الإنسان هو الإنسان فى كل مكان, وهكذا تسقط ثقافات الشعوب ومعها يسقط المجتمع الكنسى أيضاً, بسقوط تاريخه الذى أقل ما يقال فيه -قولاً غير صادقاً- بإنه صار غير مناسباً لعهد النعمة الجديد, وبالحق فهو غير ملائم للعصر الحديث الذى بلا تاريخ, بل العصر الذى يكره ويعادى التاريخ, فيحطمه طامعاً فى أمتلاك كل المسكونة, إلا إنه لا يدرى مدى الخراب الذى سيلحق بالبشرية إن سقط تاريخ نموها البشرى, لنتحول بعدها لمجرد كائنات فاقدة الذاكرة, ليلف الدمار والضلالة الأخيرة كل المسكونة.
وهذا ما نلحظه فى الثورات الشبابية الحديثة, التى ترى الإصلاح السياسى والرخاء الأجتماعى فى إذابة الحدود الجغرافية بين البلدان, فهم لا يعترفون بفكرة الوطن الخاص لتاريخنا الخاص, لأن لله الأرض وملئها, وهذا بالضبط هو الأنتحار الذى ليس بعده حياة!!
وهذا لا يرمى إلى شئ, سوى إلى ما قصدته القوى السياسية الكبرى الغاشمة, التى لا ترى سوى شهوتها النازية لأمتلاك العالم كله, ولا طريق لها سوى بتحطيم التاريخ وكل منتجاته الثقافية, وها نحن نرى العولمة قد بدأت بفرض أصناف جديدة من أنماط التفاعل الأجتماعى الأمن!
نمط جديد أمن يناسب مخاوف كل من يرى بأن التفاعل الكنسى الحقيقى, يحتوى على مخاطر, أقلها أنتقال عدوى الأمراض, فقد تقابلتُ مع سيدة (ليست قبطية) ترى مخاطر العدوى بالأمراض من تناول الدم فى القداس الإلهى عن طريق نفس المستير, فهى ترى بوجوب إيجاد حلاً سريعاً يحافظ على صحة الكنسيين الاقباط!!
ولأجل تفعيل عملية العولمة هذه, فقد تم الأعتماد على عملية تعليمية غير متزامنة, يتم بثها عبر الأنترنت لتأكل الأخضر واليابس مما تبقى من عقولنا, حيث سينعكس ذلك على عملية التعليم المباشر التى نتلقاه فى بيوتنا ومدارسنا, فينعكس بالتغيير والتبديل لأساسيات العملية التعليمية الأقليمية, فيتحكم هذا النظام الغير متزامن مع مرور الزمن فى المقرارات الدراسية والثقافية بحجة تطوير العملية التعليمية المباشرة. والذى سيؤدى بكل تأكيد إلى زوالها بالتمام وبالكمال مع مرور الزمن بسقوط كل منتجاتها الثقافية, فيقوم المتعلم الأنترنتى بتحطيم مكانه وبيته الحافظ لهذا التراث بنفسه. ياله من خداع, يضعنا حتماً فى مواجهة الايام الأخيرة!
كما إنه قد حذر مورس من ان الفروق الكبيرة بين ثقافات العالم المختلفة, قد تستدعى تجزئة عملية التعليم الأنترنتى الغير متزامن, أى تأجيله إلى حين عن طريق تجزئته إلى أجزاء ومراحل متنوعة, بحسب خصوصية ثقافة كل منطقة ومدى قوتها, وهذا لا يعنى أبداً بأن التعليم الغير متزامن قد قهر أمام التعليم المباشر العائلى والمدرسى, فهذا مجرد خداع حتى يحقق زيادة فى المعتمدين على هذا النوع من التعليم, الغير متزامن من قبل أفراد الثقافة الواحدة, ولأجل إنه تعليم غير متزامن فسيعود بقوة أعظم, ليتحد ويتحدى مرة أخرى, بعد أن ينجح فى استقطاب وحمل جميع الأفراد الى ذات المصير المرسوم, من قبل القوى العظمى للسيطرة على كافة أرجاء المسكونة.
فهل لنا أن ندرك الآن مقدار هول تداول تاريخاً أفتراضياً مزوراً عن أبائنا القديسين ليس بتاريخهم الحقيقى, فالتاريخ الأنترنتى المفترض, الغير موثق الذى بلا دلائل, هو نتاج الوهم والخيال والأحلام والخداع, فهل سنستبدله بتاريخنا الحقيقى. يالها من مصيبة ستلحق بنا جميعاً. فهل لنا أن نستيقظ؟؟
يتبع